القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 484 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي



























 

 
 

مقالات: عن الدولة الخفيّة في تركيا أيضاً وأيضاً!.

 
السبت 16 تشرين الاول 2010


هوشنك أوسي

منذ منتصف التسعينات وحتّى قبل فترة، كان زعيم حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجالان، الأسير في سجن جزيرة إيمرالي منذ 15/2/1999، يتّهم أطرف في الدولة التركيّة باغتيال الرئيس التركي الراحل تورغوت أوزال يوم 17/4/1993. وإن وفاته المفاجئة، لم تكن ناجمة عن أزمة قلبيّة، كما قيل. اتهامات أوجالان، لم تكن مستندة إلى أدلّة ومعطيات دامغة، بل كانت خلاصة تحليلات، تناولت الوضع التركي آنئذ. فقد كان هنالك مفاوضات غير مباشرة بين أوزال وأوجالان، عبر الوسيط الكردي العراقي، الرئيس العراقي الحالي جلال طالباني. وقتها، أعلن أوجالان عن وقف لاطلاق النار من جانب واحد، في 20/3/1993، وتجاوب أوزال مع الأمر، وكان على وشك إصدار عفو عام. وبحسب مصادر شديدة الثقة، إن أوزال، يوم وفاته، كان سيتصل بأوجالان، بغية المضي في ترتيبات حلّ القضيّة الكرديّة!. وإن أوزال، كان سيعلن في مؤتمر صحافي، خارطة طريق لحلّ القضيّة الكرديّة.


إلاّ أن الدولة الخفيّة في تركيا، لم تمنحه فرصة الاتصال المباشر مع أوجالان!. اتهامات الأخير للدولة التركيّة باغتيال أوزال، تجاهلها الإعلام التركي، عمداً. وحتّى أسرة تورغوت أوزال، كانت تخشى المجاهرة بشكوكها حول الوفاة المفاجئة له!. أمّا الآن، فقد تغيّر الحال، وصارت أسرة تورغوت أوزال، تردد في الإعلام التركي، ما كان يقوله أوجالان منذ أكثر من 15 سنة!. وإلى ذلك، ما صرّح به شقيق تورغوت أوزال، كوركوت أوزال للإعلام التركي، متّهمّاً شبكة ارغاناكون، التي تعتبر أحد أذرع الدولة الخفيّة في تركيا، باغتيال شقيقه بدسّ السمّ له. وبحسب كوركوت أوزال،  صحيح أن شقيقه، كان يعاني من مرض القلب، "إلاّ أنه "كان محاطاً دوماً بالأدويّة والأطبّاء والرعايّة الطبيّة، وساعة وفاته، لم يمكن حوله أحد. ثم أن الرغوة التي كانت على فم تورغوت، لا تصدرها أمراض القلب، بل تتشكلّ على فمّ المقتولين بالسمّ". كما أن تورغوت أوزال، كان قد تعرّض لمحاولة اغتيال سنة 1988. وصرّح نجله، أحمد أوزال، لصحيفة "خبر تورك"، قبل عدّة أيّام: إن محاولة الاغتيال تلك، دبّرتها أطراف في الدولة التركيّة. واتّهم أحمد أوزال، رئيس مجلس الأمن القومي آنئذ، الجنرال صبري يرميبيش أوغلو. وصاحب جريدة "حرييت" السابق، أرول سيمافي. والأخير، يهودي تركي، باع صحيفته "حرييت" لصاحبها الحالي آيدن دوغان، بعيد محاولة اغتيال أوزال، وغادر تركيا. أمّا الجنرال صبري يرميبيش أوغلو، الذي ترأس دائرة الحرب الخاصّة، ضمن هيئة الاركان، التي فيها كل أسرار الجيش والدولة ومخططاتها السريّة، هذا الجنرال، إحيل على التقاعد المبكّر، بعد مضي سنة محاولة اغتيال أوزال، وهو أيضاًَ غادر تركيا. هذا الجنرال، هو أوّل من صرّح بأن ما لحق باليونانيين والروم والأرمن في اسطنبول، سنة 1955، كان مخططاَ سرّيّاً من قبل الدولة!. وربما لا يخفى أنه في يومي 6 و7 أيلول سنة 1955، هجمت قطعان من الرعاع والغوغاء من المتطرّفين الاتراك على حي بيأواغلو، وشارع الاستقلال وميدان تاكسيم، الذي يسكنه الروم واليونان والأرمن، وتمّ نهب وسلب وإحراق ممتلكاتهم، ووضع اليد عليها. كل ذلك، بحجّة أن شاب يوناني، ألقى قنبلة على بيت مصطفى كمال أتاتورك، في مدينة سالونيك اليونانيّة. واتضح فيما بعد، أن ذلك الشاب، كان مدفوعاًًَ من قبل الاستخبارات التركيّة!. ولا زالت حتّى الآن، ممتلكات الروم والأرمن واليهود، في حي ناكسيم وشارع الاستقلال، تحت يد الأتراك. ومنذ تلك الحوادث، هربت الأقليّات غير المسلمة من تركيا، التي من المفترض أنها دولة علمانيّة!، وتناقص عدد هذه الأقليّات بشكل خطير، لدرجة الانعدام!. كما كشف الجنرال يرميبيش أوغلو أن دائرة الحرب الخاصّة، (أحد أدواتها شبكة أرغاناكون)، منتشرة وموزّعة في عموم تركيا، والدول الإقليميّة المحيطة بتركيا. وينتمي لها مواطنون عاديون، وشخصيات عسكريّة وسياسيّة (برلمانيون، سفراء، مسؤولون، رؤساء أحزاب ونقابات...)، وإعلاميّة وثقافيّة (كتّاب، فنانون، أكادميون، أساتذة جمعات) واقتصاديّة، يعملون في سريّة تامّة لخدمة الدولة. وكان هذا الجنرال، سبق له أن كشف بأن دائرة الحرب الخاصّة وأدواتها وأذرعها، منتشرة بإحكام وبشكل واسع، في مناطق جنوب شرق تركيا، الكرديّة، بغية التصدّي لحزب العمال الكردستاني والموالين له.

عن أوزال
يمكن اعتبار الرئيس التركي الراحل تورغوت أوزال، عدنان مندرس الثاني (رئيس وزراء تركي تمّ اعدامه شنقاً بعد انقلاب 1960)، نتيجة توجّهاته الليبراليّة، وانفتاحه على الإسلام، كان قد تعرّض لمحاولة اغتيال فاشلة سنة 1988. وبعض مضي 5 سنوات، توفّي بشكل مفاجئ. وجاء في بيان النعي الرسمي، إن الوفاة ناجمة عن "أزمة قلبيّة". لكن، بقيت الشبهات تحوم حول الاسباب الحقيقيّة لموت أوزال!. والجانب الكردي، وتحديداَ، أوجالان، كان يشير مراراً إلى ان أطراف في الدولة، هي التي تقف وراء كل الجرائم التي شهدتها تركيا، ومنها موت أوزال. وفيما بعد، أطلق تسمية "الدولة الخفيّة" أو الدولة الظلّ، أو الدولة العميقة المتغلغلة على هذه التشكيلات التي تقف وراء تلك الجرائم. وبحسب شقيق تورغوت أوزال، كوركوت أوزال، "إن أحد عناصر شبكة ارغاناكون، قد دسّ السمّ لشقيقه، أثناء تواجده خارج تركيا، في اجتماع لدول أسيا الوسطى، ذات العرق التركي المشترك. وبعد وصوله لتركيا بيوم، توفّي فوراً"

الدولة الخفيّة
وهي تسمية تطلق على مراكز القوى التي تدير الدولة من وراء الستار. وهي الدولة الحقيقيّة، وليس مؤسسات الدولة المعروفة، التي تعتبر الواجهة أو ديكور الدولة في تركيا!. وهي عبارة عن شبكة عميقة وواسعة وسريّة للغاية، تنشط في كل مفاصل الدولة وهيئاتها وسلطاتها، وترتبط بشكل مباشر بهيئة الأركان. وتمتد جذورها إلى الحقبة العثمانيّة، حيث كان هنالك مؤسسة تدعى "تشكيلات مخصوص"، هي اليد السريّة للسلطان التي يضرب بها خصومه، ويضبط بها حكمه، وهي المسؤولة عن كل عمليات القتل والاغتيال والتصفية التي كانت تدور ضمن البلاط والبيت السلطاني العثماني. واستمرّ هذا الشكل الاجرامي من إدارة السلطة والحكم في حقبة حكم جمعيّة الاتحاد والترقّي، القوميّة المتطرّفة، وامتدّت للحقبة التأسيسيّة للجمهوريّة التركيّة، وكانت وراء، تأليه أتاتورك، ثم تقويض سلطاته، والعمل باسمه!. وهي المسؤولة عن الانقلابات العسكريّة الأربع التي شهدتها تركيا، سنة 1960، 1971، 1980، 1997، وكل مخططات الانقلابات التي افتضح أمرها. هذه الشبكة، صارت تسمّى أرغاناكون، تيمّنناً باسم ملحمة تركيّة قديمة. وهي أحد أذرع دائرة الحرب الخاصّة التركيّة، التي بيدها كل أسرار الدولة، العسكريّة منها والسياسيّة والأمنيّة.

غلاديو _ أرغاناكون
وشبكة أرغاناكون، توازي في السلوك وطبيعة العمل والاهداف، شبكة غلاديو الإيطاليّة، التي تمّ تأسيسها أثناء الحرب الباردة، وكانت دول حلف الناتو تقوم باستخدامها ضدّ السوفيات ودول الكتلة الشرقيّة. ثمّة رأي يفيد أن الـ"غلاديو"، صارت تحت سيطرة المخابرات الأمريكيّة "سي آي إي"، استخدامتها في بلدان مثل ايطاليا واليونان وتركيا ضدّ الحركات اليساريّة والشيوعيّة. وفي تركيا، كانت دائرة مهامّها أوسع، حيث استخدمت ضدّ الكرد واليساريين والشيوعيين والاسلاميين والأقليّات غير المسلمة!. وعلى هذا النحو، تمت إثارة القلاقل والبلبلة والاضطرابات بين المسلمين وغير المسلمين، كما أشرنا، وبين السنّة والعلويين، وبين اليمينيين واليساريين، وبين اليساريين أنفسهم، بالاضافة الى القيام باغتيالات لشخصيّات بارزة، وخلق أزمات سياسيّة واقصاديّة او اجتماعيّة حادّة، تمهيداً للقيام بانقلاب 17/5/1960، ثمّ انقلاب 12/3/1971، ثمّ انقلاب 12/9/1980. هذه المنظمّة، هي التي كانت تقف وراء استهداف منزل أتاتورك في سالونيك بقنبلة، تمهيداً لنهب وسلب وحرق ممتلكات الروم والارمن واليهود في اسطنبول، سنة 1955، كما أسلفنا، ما اجبر الكثير منه للهرب الى اليونان وبلاد المهجر!. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق وانتهاء الحرب الباردة، قام حلف الناتو، بتصفيّة هذه الشبكات. واستطاعت ايطاليا تصفية الـ"غلاديو". إلاّ أن هذه الشبكات، بقيت فاعلة ونشطة في تركيا، لحدّ الآن، ضدّ الاكراد، تحت اسم: دائرة الحرب الخاصّة، يُقال: إنها المسؤولة عن ارتكاب 17 ألف جريمة اغتيال استهدفت سياسيين ورجال اعمال ومثقفين وإعلاميين ومواطنين أكراد، من سنة 1991 ولغاية 2001، تمت تسجيل كل هذه الجرائم لدى السلطات التركيّة ضدّ "فاعل مجهول"!. ودائرة الحرب الخاصّة التركيّة وشبكاتها وأذرعها، متّهمة بالضلوع في الاتقلاب الابيض ضدّ حكومة نجم الدين أربكان الاسلاميّة يوم 28/2/1997، وفي الكثير من العمليّات السريّة في قبرص، في القلاقل التي جرت في كردستان العراق وكركوك ومناطق سنجار، وفي دعم الحركات الانفصاليّة الشيشانيّة ضدّ روسيا، وفي دعم الاذريين ضدّ الارمن أثناء الحرب على مناطق ناغورنو كرباخ، وفي الكثير من الاضرابات التي شهدتها مناطق القفقاس واسيا الوسطى، ضدّ النفوذ الروسي!.
رويداً، بدأت الخلافات تدبّ بين أطراف هذه الشبكة على تقاسم السلطة في تركيا. وبدأ قسم من هذه الشبكة، يعادي امريكا واسرائيل. بخاصّة، بعد احتلال العراق، وحصول الاكراد على الحكم الفيدرالي. وكي تؤمّن هذه الشبكة نفقاتها، ازدادت غرقاً في تهريب المخدرات من أفغانستان وايران الى أوروبا فامريكا، عبر تركيا، بالاضافة إلى عمليّات الخطف والسطو والابتزاز في العراق، وسرقة الآثار العراقيّة، عبر بعض المجاميع التركمانيّة التابعة لها!. وصارت هذه الشبكة، تعمل بشكل يهدد المصالح الامريكيّة والاسرائيليّة في تركيا، بالدرجة الاولى، وفي العراق، بالدرجة الثانيّة، ما أجبر أمريكا والناتو للتدخّل، ودعم حكومة رجب طيّب أردوغان، بغية مكافحة ومحاكمة هذه الشبكة التي صارت تنشط تحت اسم "أرغاناكون"!. يعني، ما يجري الآن في تركيا من محاكمة لعناصر شبكة أرغاناكون، هي محاولة تصفية عناصر جناح من دائرة الحرب الخاصّة، الذين افتضح أمرهم، ولا يمكن اعتبارها مكافحة كل أذرع وشبكات وثقافة الدولة الخفيّة في تركيا. ويرى بعض المراقبون، إن محاكمة حكومة أردوغان لهذه الشبكة، لم تكن لولا أنها كانت تستهدف حكومته وطموحاته، وتستهدف المصالح الامريكيّة والاسرائيليّة، بشكل جدّي!. وبالتالي، فهي محاولة استبدال أرغاناكون بأرغاناكون آخر. يعني أن الدولة الخفيّة في تركيا، ستبقى موجودة وفاعلة ونشطة، وهذه المرّة، لخدمة شريحة او طبقة حاكمة أخرى، مؤلّفة من عسكريين وأمنيين وسياسيين ورجال أعمال ومثقفين وإعلاميين ونقابيين وجماعات إسلاميّة، في مقدّمها جماعة فتح الله غولان، الداعية الاسلامي التركي المقيم في امريكا، والداعم الرئيس لحزب العدالة والتنمية!. بمعنى، ما يجري في تركيا من محاكمات، ظاهرها، محاكمات للدولة الخفيّة في تركيا وفضح جرائمها،
وباطنها، هو إعادة بناء الدولة الخفيّة في تركيا، بما ينسجم وأجندة أيديولوجيّة، سياسيّة واقتصاديّة جديدة. وبالتالي، لا زال مبكراً جدّاً القول: إن تركيا تسير بخطى وئيدة وواثقة نحو دولة القانون والمؤسسات والشفافيّة. والخشية الكبرى أن تنزلق الدولة نحو المزيد من الغموض، بحيث يتمّ الدفع بالبلاد مجدداً نحو المستنقع العثماني!.

كاتب كردي


 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 4


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات