القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 501 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي



























 

 
 

مقالات: التنوع والتعددية في سوريا لا يشطبان قسرا وإنكارا

 
الأثنين 16 تشرين الثاني 2009


عبد الرحمن آلوجي
 
إن تنوع المجتمع الإنساني وتعدد ألوانه وأطيافه ومذاهبه واتجاهاته وأفكاره ... مما هو من خصائص النوع الإنساني , ومن طبيعة علاقاته وتوجهاته , ومن ضرورات اختلافه وتنوعه , وهو حصيلة تراكم معرفي وتلاقح حضاري طويل , أفرز ظاهرة عميقة في كيان المجتمع وطبيعته وتركيبته التي لامفر منها , حيث " لا يزال الناس مختلفين " في القيم والطبائع والعادات والمثل والتقاليد , اختلاف تنوع وتعدد في المآكل والمشارب والأزياء والأعراف واللغات ولهجاتها , وهي " من آيات الله في خلقه , ومعجزاته في تكوينها , وتركيبها , وطريقة تعاملها مع قوانين وسنن الكون , وآياته في الأنفس والآفاق .. "


أينما كان الإنسان , وحيثما حل وأقام , وكيفما ارتحل , وتنقل في أرجاء المعمورة , وأصقاعها , وقاراتها وبلدانها و ومدنها وقراها , في الشرق والغرب , والشمال والجنوب , بما يثري , ويزيد العالم غنى وترفا وعمقا وتراكما في المعارف والخبرات والقيم والتقاليد , مما لا يخيف , ولا يمزق الصف بل يعطيه من التنوع والتعدد في الطيوف الملونة والزاهية ما يزيدها إشراقا ووقدة وجمالا , وتلاقيا ومقاربة ومقارنة في اللغات والشيات والرؤى والأفكار , ما يترجم الحصيلة الإنسانية إلى زاد معرفي ثري , هو حصاد ذلك الجهد من القرون المتطاولة والتطورات الهائلة والجهد البشري المتطاول والعظيم , مما يمكن جعله ثمرة إنسانية فائقة الأهمية عظيمة القدر , ومنهلا خصبا للإنسان أينما كان , ليرتاد مجاهله , ويأخذه من مظانه , ويستلهم من إبداعاته ومنجزاته الحضارية والمعرفية , فيدرك أنه يقف على أرض صلبة عميقة الجذر , ضاربة بفرعها متالقة في السماء , يتفيأ بها , ويأخذ من ثمراتها وعطاءاتها ما شاء له أن يفعل كحق طبيعي من الأسلاف للأبناء والحفدة , وأجيال لاحقة , حق لها أن تتزود من معين هذا التراث الرائق والخالد , علما وفنا , ولغات وآدابا ومعارف ...
وسوريا من البلدان التي أثرثها الحضارة الإنسانية وتعمق جذرها في التاريخ , وتفرعت شجرتها تنوعا وتعددا وثمرات شتى إثنيا ولغويا ومذهبيا ومعرفيا , فهي ليست بدعا , ولم تسلك – في تطورها الحضاري والمعرفي – سبلا أخرى , في تاريخ وتطور المجتمعات الإنسانية, غير السبل التي سلكتها تلك المجتمعات , في التنوع والتعددية والاختلاف في الألسن والألوان والمعارف والعادات والاتجاهات , والتي لا يمكن للقهر والشطب والإنكار والاعتقال أن تذيب هذا التنوع , وتزيل من نقائه وزهوه وجماله , وتمحو مكونا لصالح مكون آخر , ويبدل من جلده وانتمائه وهويته , لبيقى العربي عربيا فكرا ولغة وانتماءا وعادات وقيما وأعرافا , وكذلك الكوردي والآثوري والأرمني , وتظل الأفكار والآراء والاتجاهات معززة راسخة ومتفاعلة , دون أن يخيف ذلك التنوع , أو يضير تلك التعددية بالوحدة وأصالة الانتماء الوطني , وعمق التلاحم في الأزمات والمحن , حيث ساهم المجموع في بناء حالة وطنية , شيدت بقوة الخارطة السياسية في سوريا , وأعلت صرح بناء شامخ , لم يضرها في ذلك تنوع في اللغة والاتجاه والرؤية والتوجه , مما لاتجدي كل أشكال الممارسة القسري , ورؤية الإنكار والشطب لعين الشمس التي لا تستر بغربال , و لا تقام بعسف أو خسف أو كسوف وأفول , لعراقة هذا التنوع ولرسوخ هذا التعدد , وأصالة لهذه الانتماءات التي لا تجدي معها كل محاولات القسر والتحكم والرفض والقمع وصورها المجربة والبائسة ..
ومن أجل ان نرقي بمجتمعنا إلى التوجه الحضاري والإنساني اللائق , وندرك بؤس كل محاولة للقفز فوق الواقع المعاش بقوة ووضوح , بالتذويب ومحاولات المحو وسلخ الجلدة وتبديل الهوية , والتفكير بمنطق وصائي بات عديم الجدوى .. لكي نفعل ذلك , ونرقى فوق تصور القهر والاستعلاء والإنكار كان لابد من مواجهة الواقع التعددي – غير الضار وغير الشاذ بل النافع والمتأصل والمتجذر- والتعامل معه بتلك الرؤية الحضارية الفاعلة والشاملة , والمؤسسة لنوذج تعددي اختبرته المجتمعات المتمدنة بنجاح كبير , لتتخطى كل ألوان القسر والمنع , ومكابدة التمنع والاستعصاء على الامحاء والذوبان والفناء في الآخر , مما ترفضه طبيعة الحياة والعلم والمدنية , وحقوق الإنسان , والمعايير والمواثيق الدولية , والشرائع الوضعية والسماوية , مما ينسجم مع قيم الاختلاف والتنوع , ويتنافى مع إرادة التذويب والتطهير والتجريد من الهوية الوطنية والإنسانية , وهو أمر لم يرضه القائمون على الأمر اليوم بأي فرنسة أو تتريك أوتغريب عن الهوية العربية , ليأتي القياس في الأمر نفسه تعريبا قسريا في غير محله , دون ان يعني ذلك ضياعا للهوية الوطنية وقيمها واعتبارتها , والتي كان النجاح في اختبارها في الأزمات الوطنية خير دليل على رسوخ الحس الوطني وعمقه وتمكنه , فهل من مراجعة ؟؟! , وهل من عودة إلى القيم الوطنية الجامعة ؟؟! , وهل من اعتبار بقيم العدل والحق والتاريخ والعلم , وهل من تجاوز للقهر والإكراه وفلسفته ورؤيته المحدودة , ورداته الآنية , وإيثاره الأحادي  ؟؟! , تلك أسئلة ضاغطة ومشروعة وينبغي ردفها بإجابات ميدانية ومقنعة !! .

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4.42
تصويتات: 7


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات