القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 383 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي





























 

 
 

مقالات: العزف التركي على وتر الإنقسامات الإقليمية

 
الثلاثاء 10 شباط 2009


زيور  العمر

تركيا , هذه البلاد التي قامت بإسمها الحالي على أنقاض الأمبراطورية العثمانية في الربع الأول من القرن الماضي, أراد لها مؤسسها مصطفى كمال باشا (أتاتورك) أن تكون جزءاً من أوروبا . و من أجل تحقيق هذا الهدف , إختار أتاتورك مسار التحديث الأوروبي , القائم على العلمنة كمنظومة سياسية و إجتماعية , و الليبرالية كأساس لإقتصاد البلاد.
خلال سبعين عاماً , نأت تركيا بنفسها عن مشاكل الشرق الوسط . و فضلت التعامل و التواصل مع المجتمعات المتقدمة . بحثت عن موقع بين الأقوياء , فأختارت الغرب.


و من أجل تأمين حدودها و تعزيز أمنها , إصبحت عضواً في حلف شمال الأطلسي , و في سبيل تحقيق النمو و الإزدهار و فتح الأسواق و تعزيز تجارتها  , تقدمت بطلب للإنضمام الى الإتحاد الأوروبي. و بالرغم من نجاحها في مناحي عدة , إلا أنها عجزت في أخرى . فمنذ إنهيار الإتحاد السوفيتي في عام 1989 , تراجعت أهمية تركيا بالنسبة الى حلفائها , و خاصة الولايات المتحدة الأمريكية . فمن موقع البوابة الأساسية للأستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط , إنتقلت الى موقع غير ذات أهمية  , باتت معه أمنها و مصالحها غائبةعن سلم إهتمامات الحلفاء . و لعل أولى  بوادر إنحسار الدور التركي تمثل في رفض البرلمان التركي السماح للقوات الأمريكية بالمرور عبر تركيا الى العراق في عام 2003 , عندما قررت إدارة الرئيس بوش إعلان الحرب على نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين , فكان من شأن إفتراق المصالح بين أمريكا و تركيا أن تضع القيادة السياسية و العسكرية في البلاد أمام تحديات من نوع أخر, لم تألفها  ,و لم تتكيف معها , من قبل .
في الوقت الذي كانت تطمح تركيا للإنضمام الى الإتحاد الأوروبي , و تعمل من أجل تذليل العقبات التي تعترض طريق قبولها , تفاجئت بأكثر من موقف رسمي أوروبي , يطرح مشروع الشراكة الكاملة  لتركيا مع الإتحاد الأوروبي بدلا عن عضويتها , فكان ذلك بمثابة خيبة أمل و فشل , سرعان ما إنعكس في الشارع التركي من مشاعر الإمتعاض و الإستنكار , خاصة و أن هذه المستجدات سواء من ناحية العلاقة مع أمريكا , او مع أوروبا , تزامنت مع إثارة قضية الإبادة الجماعية ضد الأرمن في الولايات المتحدة الأمريكية و فرنسا و العديد من الدول الأوروبية .
لهذا واجهت تركيا في خضم  هذه التحديدات  السؤال الذي  طالما بقي يؤرق بال الأتراك و هو : من نحن ؟ و أين تكمن مصالحنا ؟
لاحظ الأتراك أن بإمكانهم إستعادة جزء من دورهم. فراقبوا منطقة الشرق الأوسط عن قرب. أكتشفوا أن حدة الصراعات الإقليمية , و تزايد بؤر التوتر الخطيرة , يمكن أن تفيد في السعي الى رسم سياسة جديدة , تؤمن لتركيا موقعاً أقليمياً , و دوراً أساسياً في لعبة الشرق الأوسط . فالمنطقة تشهد إستقطاباً طائفياً غير مسبوق , و صراعاً محموماً حول الملف النووي الإيراني , مع بقاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي على أوجه , و دخول لاعبين جدد على مسرح الصراع الإقليمي , فضلاً عن الإنقسام العربي , و التورط الدولي في مشاكل المنطقة و أزماتها.
تركيا وجدت أنها تملك من الأوراق ما يكفي للتحرك . فإلى جانب علاقاتها الجيدة مع إسرائيل , المكفولة بعدة إتفاقات إقتصادية و عسكرية و أمنية , تحركت  في الإتجاه السوري , باعتباره يمثل أحد أقطاب الصراع الإقليمي , فعقدت معه ثلة من الإتفاقات الإسترايجية  لتجسيد مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين , بعد عقود من العداء , و لنيل ثقة السوريين حملت أنقرة في أكثر من مرة رسائل سورية الى واشنطن بهدف تخفيف الضغوط الأمريكية عليها . كان المستوى الذي وصلت إليه العلاقات كافياً لأنقرة من أجل القيام بدور الوساطة بين سوريا و إسرائيل من خلال مفاوضات غير مباشرة . و من خلال القناة السورية , ادرجت تركيا الشأن اللبناني على سلم على جدول أعمالها , فحاولت التوسط بين الفرقاء اللبنانيين ,و أبدت إستعدادها لإرسال قوات في إطار المجهود الدولي لحفظ الهدوء و الأمن .
تركيا المحكومة بقيادة إسلامية مدعومة من الناخب التركي , رأت في تصدر الحركات الإسلامية الراديكالية في فلسطين , فرصة للتقرب من جوهر الصراع الإقليمي , و لعب دور مهم فيه , فغول و أردوغان تشربا من نفس الإيديولوجية العقائدية الدينية التي تشرب منها مشعل و شلح , و عليه وجدا إمكانية خطف حماس و الجهاد من إيران , و تالياً اللعب على نفس أوتار العزف الإيرانية في المنطقة . أردوغان في أعقاب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بالغ في إظهار مواقف الشجب و الإستنكار بإتجاه الدولة العبرية , و أسرف في ذرف الدموع على ضحايا غزة , وانتهز فرصة الإنسحاب من مؤتمر دافوس لتسجيل النقاط بالجملة , منها ما يتعلق بحسابات الداخل , بخصوص الإنتخابات البلدية المزمع إجراءها قريباً , و أخرى تترتبط بحسابات إقليمية  .  فنجح أردوغان , في الواقع , أن يكون ملكاً أكثر من الملك , مظهراً نفسه و بلاده و شعبه أكثر قرباً و تفهماً و مساندة للفلسطينيين من العرب.
المهم , أن تركيا نجحت في الصعود الى منصة الصراع , و بات ظهور السياسيين الأتراك مألوفاً في أروقة و كواليس المحافل الإقليمية. و بالرغم من الولادة الحديثة العهد للتحرك التركي في المنطقة , فإنه من المبكر الحديث عن النتائج التي تمخضت عنه. المستقبل يبشر بمزيد من المفاجأت , و لا ندري بعد أن كانت ستكون سارة , أم ضارة. و لكن المؤكد في هذا الشأن أن إختلاف العرب و إنقساماتهم , و ما نتج عنها من مصائب و مآسي على الشعوب العربية , عند إيران و تركيا فوائد.
10/02/2009

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 1


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات