القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 489 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي



























 

 
 

مقالات: متى يُطرَح سؤال: من أين لك هذا في كردستان العراق؟

 
الجمعة 06 حزيران 2008


هوشنك أوسي *

كشف موقع «كُردنِت» الإلكتروني أنّه في كردستان العراق حالياً، يوجد عشرة أشخاص تزيد ثرواتهم على مليار دولار. ثلاثة من هؤلاء موجودون في مدينة السليمانيَّة، والبقيَّة يتوزَّعون على أربيل ودهوك. وأشار الموقع إلى أنه في «السليمانيَّة وحدها يوجد أكثر من ألف شخص، تزيد ثروة كلّ منهم على مليون دولار». وتتقاطع هذه المعلومة مع تصريح سبق أن أدلى به الرئيس العراقي وزعيم الاتحاد الوطني الكردستاني جلال الطالباني: «إن السليمانيَّة باتت مدينة المليونيريَّة، ففيها 300 مليونير». وذكر الموقع الآنف «أن أسماء المنتمين إلى الطبقة السياسيَّة ليست ضمن هذه الإحصائيَّة، لأن ثرواتهم وأرصدتهم محاطة بسريَّة تامَّة».


مستشار الرَّئيس العراقي للشؤون الاقتصاديَّة والتجاريَّة عبد الله حجي سعيد، وفي تصريح لصحيفة «آسو» الكرديَّة الصادرة في كردستان العراق، أكَّد صحة تلك المعلومات، وذكر «أن 60 في المئة من مليونيريَّة السليمانيَّة تتجاوز قيمة ثرواتهم مليون دولار»، ولا علم لديه عن المليونيريَّة الموجودين في أربيل ودهوك.
وعزا حجي سعيد هذا السيلان المالي الغزير في الإقليم الكردي إلى «السياسة الاقتصاديَّة الناجحة لحكومة الإقليم»! وأضاف: «إنّ 50 في المئة من مليونيريَّة السليمانيَّة كانوا أثرياء، حتى قبل التحرر من النظام العراقي السابق، (يعني قبل سنة 1991)، وتضاعف العدد بعد التحرير». وذكر حجي سعيد: «أنه لا غرابة في الأمر، وهذا تطور طبيعي».

والحقُّ أنّ تفسير عبد الله حجي سعيد للغنى الفاحش في السليمانيَّة، وأن ثروة 50 في المئة من مليونيريَّة المدينة (500 شخص) تعود إلى حقبة ما قبل 1991، سيكونان صائبين وفي محلِّهما، إن لم تكن كردستان العراق، ومنها السليمانيَّة، ما إن خرجت من جحيم الحرب العراقيَّة ــــ الإيرانيَّة التي دامت ثماني سنوات، حتى دخلت جحيم حملات «الأنفال» والقتل والتدمير والتشريد التي قام بها النظام العراقي السابق بحق أكراد العراق من سنة 1988 لغاية 1991. ثمَّ لتدخل جحيم الاقتتال الداخلي بين الحزبين الرئيسيين: الاتحاد الوطني الكردستاني والديموقراطي الكردستاني، وتقسيم الإقليم إلى دويلتين، واحدة عاصمتها السليمانيَّة، يسيطر عليها الطالباني، والثانية أربيل، يسيطر عليها برزاني، حتى مجيء التدخُّل العسكري الأميركي في العراق، وتوحيد الإدارتين الكرديّتين سنة 2003.

قد لا يكون من المجازفة القول إنّ كردستان العراق، منذ 1988 حتى قبل 1995، كانت أشبه بأن تكون أكواماً من الردم والأنقاض، فكيف انتعشت تلك الحركة الاقتصاديَّة هناك حتى تُنتِج في السليمانيَّة 500 مليونير، حسب تقدير عبد الله حجي سعيد؟ ومن ثم يتضاعف العدد ليصبح 1000 مليونير في هذه المدينة وحدها؟

لا شكَّ في أن هذه الأرقام مطمئنة لجهة التأكيد أن الإقليم الكردي يسير نحو المستقبل بخطى واثقة قويَّة، لا تشوبها شائبة،هذا من جهة. ومن جهة أخرى، تعزّز هذه الأرقام موقف الذين تجرفهم «النَّخوة» و«الشَّهامة» السياسيَّة والثقافيَّة للتنطُّح «المجاني» إلى الدفاع عن تجربة كردستان العراق، والإشادة بمفاتنها ومحاسنها، والقول إنّ هذه النهضة العمرانيَّة والماليَّة كانت ثمرة العقلانيَّة والبراغماتيَّة و«النزول من الجبل» والتخلِّي عن ذهنيَّة العنف
والسلاح...
لكن قائلي هذا الكلام يتعامون عن أرقام أخرى، أكثر «طمأنة» على مصير التجربة الكرديَّة، فيما يتعلَّق بتفاقم نسب الفساد، والأميَّة، وجرائم الشرف، وحرق النساء، وازدياد عدد الأسر الفقيرة. حيث كشفت معلومات أخيراً أن ما مجموعه 43 ألف عائلة كرديَّة عراقيَّة فقيرة، موجودة في كردستان العراق، لا تستطيع العيش دون معونة ماليَّة.
وفي السليمانيَّة وحدها يوجد 20925 عائلة، وفي أربيل يوجد 12699 عائلة، وفي دهوك 9302 عائلة. ومعلوم للقاصي والداني أن الطبع العشائري في كردستان العراق هو الطاغي على التركيبة الاجتماعيَّة، مما يعزِّز فرص تعدّد الزوجات، والزواج المبكِّر، وصعوبة الحدِّ من النسل أو تنظيمه. وإذا افترضنا أن كلّ عائلة تتألّف من 6 أفراد، فهذا يعني أن هناك في كردستان العراق 258 ألف شخص، إن لم يتلقَّوا معونة شهريَّة، فهم في حكم المتسوِّلين!

ووفق المسؤول الإعلامي في وزارة الشؤون الاجتماعيَّة لحكومة الإقليم الكردي، عدنان كاكه حمه، فإن هذه العوائل تتلقَّى كل شهرين مبلغاً قدره 30 ألف دينار عراقي. ومعلوم أنّ كلفة تناول طعام الغداء في مطعم، معقول، ودون مشروبات كحوليَّة، في عاصمة الإقليم الكردي أربيل، تبلغ 15 ألف دينار عراقي.

على ضوء الإحصاء الآنف الذكر، يظهر أن عدد الأُسر الفقيرة في السليمانيَّة، تقريباً هي ضعف ما هو موجود في أربيل ودهوك. ويعيد بعض المراقبين ذلك إلى أن عدد سكان السليمانيَّة يزيد على عدد سكان أربيل ودهوك.
والجدير بالذكر هنا أنّ نسبة سكان السليمانيَّة هي 46 في المئة من إجمالي عدد سكان كردستان العراق. لذا، يخصّص 48 في المئة من الموازنة العامة في الإقليم لهذه المدينة. وذكر نهرو عبد الله، المسؤول في هيئة الرعاية الاجتماعيَّة والتنميَّة في السليمانيَّة أنّ عدد الذين يزورون الهيئة «بغية تلقِّي المعونة في ازدياد، وهم غير قادرين على تقديم المعونة الماليَّة للجميع، لأن المخصصات الماليَّة للهيئة محدودة جداً في إطار الموازنة المقررة للإقليم».

وأخيراً، عُرض مشروع موازنة الإقليم على برلمانه وأُقر، وبلغت قيمة الميزانية ما يقارب 7 مليارات دولار. 6 مليارات تأتي من مخصصات ميزانيَّة العراق المركزيَّة للإقليم الكردي بنسبة 17 في المئة، مضافاً إليها مليار دولار من عائدات الإقليم. وقد خصّص 37،7 في المئة، يعني 2،6 مليار دولار لمشاريع إعادة الإعمار في الإقليم، و61،5 في المئة، يعني 4،5 مليارات دولار لأجور الموظَّفين في الإقليم ومعاشاتهم، و0,07 في المئة، يعني 45 مليون دولار لمصاريف البرلمان. أمّا مصاريف قوى الأمن والبشمركة في الإقليم، فيفترض أن تكون ضمن الميزانيَّة المخصَّصة لوزارة الدفاع في الحكومة المركزيَّة.

ليس سرَّاً القول إنّ الفساد هو الأكثر حضوراً وانتعاشاً وتغلغلاً في الإقليم الكردي. وكتب صاحب هذه السطور مقالاً تحت عنوان: «الفساد يهدّد كردستان العراق»، ونشرته صحيفة «الحياة» قبل أكثر من عام. كان هذا المقال نذير شؤم ونقمة على صاحبه، لجهة تلقّيه سيلاً من الاتهامات التي من شأنها إثارة الشبهة حوله. الحجّة أنه من الضروري عدم نشر «الغسيل الكردي الوسخ» على الملأ، وإنّ هذا يفتح أعين الحاقدين والمتربّصين بالتجربة الكردية، وإنّ الفساد أمر طبيعي، لكون التجربة الكردية ما زالت فتيَّة... لكن من المؤسف القول: إنْ كان قبل عام، «الفساد يهدد كردستان العراق»، فحالياً، الفساد يقود كردستان العراق. فما زال آل الطالباني، وآل برزاني، وآل زيباري والميراني والسورجي والبرواري... وملاحقها القبليَّة والسياسيَّة بمنأى عن المساءلة، وطرح سؤال: من أين لك هذا؟ وعند وصول التجربة إلى طرح هذا السؤال، حينئذ يمكن الاطمئنان إلى أن كردستاننا العراقيَّة بخير، وأن الفقراء يتناقصون. هذا هو معيار النهضة والتقدُّم الذي ينبغي للنخب الكرديَّة التركيز عليه.
* كاتب سوري

جريدة الأخبار اللبنانية
عدد الجمعة ٦ حزيران ٢٠٠٨
http://www.al-akhbar.com/ar/node/76264

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 1
تصويتات: 1


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات