القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 523 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي



























 

 
 

حوارات: صلاح بدرالدين كاتباً

 
الأثنين 20 نيسان 2015


حاوره: إبراهيم اليوسف

 معين بسيسو كتب قصيدته عن الكرد وصلاح الدين الأيوبي في منزلي ثمة هيمنة للجانب السياسي على الثقافي، يعاني منها المثقف الذي ينشغل بهموم أهله، وينذر لها خطابه، إلى الدرجة التي تكاد فيها ملامحه الثقافية ألا تظهر بالشكل الذي يليق بها. والكاتب الكردي المعروف صلاح بدرالدين الذين شغل مراكز متقدمة في الشأن السياسي الحزبي، يعد في الوقت نفسه أحد هؤلاء الأوائل الذين كان لهم حضورهم الثقافي الفكري في أصعب المراحل في حياة الإنسان الكردي في سوريا، تحت هيمنة آلة الاستبداد الشوفيني التي حرمت على الكردي ثقافته، ولغته، وحتى اسمه، وهويته، وكان ثمن أي اختراق لهذه الممنوعات من لدنه جد غال، بيد أن أي استعراض لمحطات العمل الثقافي والفكري والإعلامي-كردياً- يبين لنا أن للكاتب بدرالدين، سواء اختلفنا معه، أم اتفقنا، حضوره الثقافي الثقيل، إلى جانب قلة سواه، في المرحلة التي تلت ظهور أسماء الكوكبة الريادية من جيل المثقف الكرد الاستناريين، من أمثال: جلادت بدرخان، و جكرخوين، وقدري جان، ورشيد كرد وآخرون كثيرون يحتاجون إلى مسرد خاص. 


كما و يعد الكاتب صلاح بدرالدين، بالإضافة إلى دوره في الحياة السياسية الكردية في سوريا، أحد الذين اشتغلوا في مجال الصداقة الكردية- العربية، ولعبت كتاباته التي نشرت في الإعلام الفلسطيني "لاسيما في مجلتي الحرية والهدف" دوراً جد كبير في التعريف بالقضية الكردية، ورفع الهمم لدى جيل كامل-أجدني منتمياً إليه- حيث كان يتم تبادل مقالاته، وردوده، ومرافعاته، يدوياً، بين المعنيين بالشأن الكردي، عبر استنساخها، نظراً لاستهدافها من قبل مقص رقيب وزارة الإعلام في سوريا، الذي كان يعرب عن تطير أجهزة النظام السوري من اسم الكاتب، وكتاباته، في آن. ناهيك عن أن إصدارات رابطة كاوا وصلت إلى كل بيت كردي، رغم منع الكتاب المعني بالشأن الكردي.
في ما يلي حوار مطول مع الكاتب بدرالدين، حول جملة من قضايا ثقافية، كان ولا يزال أحد الشهود الفاعلين فيها، بلا مراء.

* ما الذي شدك إلى عالم الثقافة؟
- الثقافة عالم واسع يشمل الآداب بكل تفرعاتها، والتاريخ والسياسة والعلوم والفنون وهناك من يتعمق فيها الى درجة التخصص، ومن ينهل منها ما يشاء ومن يدور حولها ولها أيضا تعريفات عديدة ومختلفة، واسمح لي أن أتعامل معها حسب التعريف الذي كان دارجا في أوساط جيلنا ومحيطنا اليساري، وأقصد الثقافة الملتزمة بقضايا الشعب بحسب المنظرين الماركسيين. وقد جاءت الثقافة إلي – إن جاز التعبير – في ثوبها السياسي، عندما انخرطت في العمل السياسي القومي – الوطني، واستخدمت ذخيرتي الثقافية المتواضعة لخدمة البرنامج السياسي الذي اقتنعت به، وعملت على تطبيقه لعقود .

* كيف تصف لنا المشهد الثقافي الكردي في فترة شبابك الأول؟
- بالمناسبة لم يتح لي قضاء فترة الشباب، بمظاهرها وخصائصها وجوانبها المألوفة والطبيعية وبخاصة في العلاقات الاجتماعية، ولم أجد نفسي إلا في أجواء الحركة الكردية السرية الملاحقة وضمن صفوف (الحزب الديموقراطي الكردستاني – سورية)، ولم تتوفر حينها المؤسسات الثقافية وحرم جيلنا من أية فرص. كنا ما زلنا حينها في عصر الكتاتيب وكنت في السادسة من عمري عندما افتتحت أول مدرسة في قريتنا – جمعاية – ثم أغلقت، وبعد أعوام وبخاصة في مرحلة الإعدادية والثانوية انتشرت الثقافة الحزبية، وكان من أبرز تلك الأحزاب وأنشطها الحزب الشيوعي السوري وكانت في القامشلي مكتبة "اللواء"، للسيد أنيس حنا مديواية وقد كانت منهلنا الوحيد في الاستزادة بالكتب الأدبية والسياسية، هذا إلى جانب دواوين شاعرنا الكبير جكر خوين، وأشعار ملايي جزيري وأحمدي خاني ومم وزين، إضافة الى نتاج شعراء من قصائد ونثر كان متداولاً مثل: أحمد نامي وملا أحمد بالو وملانوري هساري، ومعلمي ملا رمضان برزنجي وعبد القدوس جميل سيدا وحسن هوشيار في الجانب الثقافي الكردي.

* من الكتاب الأوائل الذين قرأتهم؟
- قرأت في بداية عمري بشغف وتأثر كبيرين كتب المنفلوطي وسلامة موسى وخالد محمد خالد. واستوقفتني كتب كثيرة منها: الرد على الكوسموبوليتية وكتاب "الأكراد ماضيا وحاضرا" لبليج شيركو، وكتاب يوسف ملك حول مجازر الأرمن والكرد في تركيا، وقرأت كتاب "معذبو الأرض" لفرانز فانون، وتأثرت به إلى حد بعيد من جهة فهم قضايا حركات التحرر الوطني من بوابة الثورة الجزائرية، ثم انتقلت لاقتناء الكتب الماركسية لكل من: لينين وروزا لوكسومبورج وديمتروف ومكسيم غوركي ودوستويفسكي وبوشكين، بالإضافة إلى كتاب ستالين حول المسألة القومية وكتب أخرى تدور حول نشأة القومية العربية وتجاربها

* رغم أنك تكتب بلغتك الكردية الأم، فإن مقالاتك السياسية تنشر باللغة العربية، ما السبب؟
- لست ضد الكتابة والنشر باللغة الأم، بل أشجعها بخاصة في مجال الأدب واللغة والقواعد والشعر وحتى السياسة والفكر. عندما تكتمل شروط تحول اللغة الكردية، قواعد ومصطلحات إلى لغة السياسة والدبلوماسية على المستويين الإقليمي والدولي، ولكن ما أكتبه بالعربية يدور حول الوضع الكردي السياسي في الإطار السوري، وبما أن قضيتنا القومية الخاصة لن تحل الا بالتفاهم مع الشريك العربي والتوافق معه، وهذا يتجاوز حدود سورية ليشمل كل المحيط العربي وعمقه الذي يربو على 300 مليون، عبر الكتب والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، لذا فإننا نخاطب الشركاء ونكتب بلغتهم (إلى حين أن يتكلموا بلغتنا) لتسهيل فهمنا وتعميق الحوار بيننا، والتوصل إلى قواسم مشتركة في الإطار الوطني من أجل مستقبل الشعبين ومصلحة وطننا المشترك .

* النظام السوري الذي كان يمارس سياسات التعريب، كيف كان ينظر إلى الثقافة الكردية؟
- كتاب أو تقرير المسؤول الأمني – السياسي البعثي (محمد طلب هلال) الذي نشرته رابطة كاوا في كتاب ووثائق حزب البعث، وبخاصة كتابات فيلسوفه ميشيل عفلق ومواد صحيفته الداخلية "المناضل"، منذ بداية ستينيات القرن الماضي وحتى الآن يشكل النموذج في مجال محاولات محو الثقافة الكردية، فقد كان هناك "مكتب الثقافة" في القيادة القومية، وكان مسؤولاً عن وضع البرامج التربوية في سورية، وكان يحذف كل ما له علاقة بالأقوام غير العربية وخصوصا، وبشكل أساسي الكرد في مواد التاريخ والجغرافيا والتربية القومية وحتى الفولكلور. وهناك مئات المراسيم والقوانين والقرارات الإدارية تمنع حتى التكلم باللغة الكردية. وهناك مثال أود الكشف عنه وهو أن مؤسسة شومان الأردنية، كانت قد نشرت كتابا حول صلاح الدين الأيوبي من ثلاثة أجزاء، وبعد حصولي على الجزء الأول والثالث سألت الصديق د. أسعد عبد الرحمن، مدير المؤسسة حينها، عن الجزء الثاني فأبلغني أنه محجوز لدى المكتب الثقافي للقيادة القومية في دمشق، ويمنع نشره حيث يتضمن على الأرجح معلومات جديدة غير معروفة عن الأيوبيين الكرد، وبين المزاح والجد أكمل: "يبدو الجماعة (الأيوبيون) كانوا بصدد تشكيل دولة كردية". 
ومن مآثر نظام البعث أيضاً أن السلطات وضعت خطة للقضاء على اللغة الكردية، فأرسلت عشرات الحكواتيين العرب من مدن الداخل إلى المناطق الكردية في الجزيرة ليرووا القصص والحكايات بالعربية بدلاً من الكردية.

* هل في ذاكرتك أمثلة عن كيفية اقتنائكم الكتاب الكردي؟
- الكتاب الكردي الأول طبعاً كان ديوان سيداي جكرخوين ( ثورة الحرية – ثورا آزادي ) وأعداد من ألف باء اللغة الكردية لكل من جلادت بدرخان وأوصمان صبري. وكنا نحصل عليها بشق النفس لأنها ممنوعة التداول، ويؤدي اقتناؤها إلى المكتب الثاني وأقبية المخابرات. أعتقد أن هناك الآن في مخازن الأمن السوري أطناناً من الكتب الكردية الممنوعة المصادرة ويجب إعادتها وصيانتها فور سقوط النظام.

* كيف تمت مواجهة جيلكم، جيل ما بعد جلادت بدرخان والرعيل الذي تلاه لسياسات محو الثقافة الكردية؟
- عندما انتسبت إلى "الحزب الديمقراطي الكردستاني – سورية" في منتصف خمسينيات القرن الماضي، كنا قد قررنا في الخلايا والفرق التابعة لمسؤوليتنا في ريف القامشلي، (حيث كنت عضوا في اللجنة الفرعية)، أن يشكل تعلم الأحرف الكردية واللغة بنداً دائما في جدول أعمال كل اجتماع، وتعلم جميع الرفاق والأنصار خلال أشهر لغتهم الكردية قراءة وكتابة. هذا نموذج عن إصرار شعبنا في مواجهة التحديات الشوفينية الظالمة في القضاء على ثقافتنا، ومحاولة في الحفاظ على الطابع التعددي الجميل في مجتمعنا السوري.

* رب قائل إن صلاح بدرالدين دخل عالم الثقافة من خلال السياسة، بم تعلق؟
ـ منذ البداية تكون لدي تصور استراتيجي بأن الكفاح ضد الاستبداد والشوفينية العنصرية في حالتنا الكردية السورية، يجب أن يتخذ شكليه السياسي والثقافي، ويعود هذا التصور إلى أساس تاريخي وموضوعي في الأول، كون حركتنا الكردية امتداداً للمدرسة البدرخانية وحركة – خويبون – التي انبثقت من مخزون تاريخي مختلط، بين الثورة والثقافة، فالبدرخانيون هم من قاموا بالثورات ضد السلطة العثمانية وتعرضوا للقمع والتهجير والتشتت، الى جانب ارتباط بواكير الثقافة الكردية برجالاتهم (مقداد مدحت بدرخان وثريا وجلادت وكاميران) لذلك اتخذت الحركة الكردية السورية نهجهم بدمج النضال السياسي بالثقافة. أما موضوعيا فاننا كشعب تعرضنا لعقود الى مشاريع ومخططات الصهر والتمثلية القومية والتعريب، ومحو الثقافة واللغة والفولكلور وكان علينا مواجهة التحدي بالتمسك بثقافتنا ولغتنا وإبراز تاريخنا، وهذا ما دفعنا مبكرا الى تأسيس رابطة كاوا للثقافة الكردية في بيروت، وترجمة ونشر عشرات الكتب والأعمال باللغة العربية، وتشكيل عدد من الفرق الفولكلورية في مختلف المناطق وفي دمشق العاصمة، من أجل إطلاع الشركاء العرب على حضارة الكرد وتاريخهم، ولم تكن مصادفة اقتران ظهور وتنامي صحف ومجلات وأبحاث ودراسات ثقافية بالكردية والعربية لأول مرة، بين كرد سوريا بانبثاق اليسار القومي الديمقراطي في المجال السياسي الذي سار على درب مدرسة البدرخانيين كما ذكرنا.

* في أي من عالمي السياسة والثقافة تجد نفسك أكثر؟
- أجد نفسي كالطائر بجناحي السياسة والثقافة، ولا يمكن الطيران إلا بهما على الأقل في جميع مراحل عمري السياسي وحتى اللحظة، وقابل للاستمرار حتى تتوافر شروط التغيير الديمقراطي في بلادنا وينتزع الكرد حقهم، في تقرير مصيرهم بإطار سورية التعددية الجديدة الموحدة.

* هل ستستمر في كتابة مذكراتك؟
* إذا طال بي العمر... نعم، ولكن المذكرات تكتب بصورة حاسمة مرة واحدة، وأنجزت ذلك أما ما يليها من كتابات فستكون بمثابة متابعات وتقييمات نقدية وشهادة على العصر الكردي السوري.

* هناك من يجد أن الكاتب الشرقي يعيد صياغة سيرته وفق الضوابط المثلى، ما رأيك هنا؟
- نعم ليس الشرقي وحده مسكوناً بالأنا بل حتى معظم الغربيين، ومما يعقد الموضوع أكثر بالنسبة للمناضلين الكرد ويمنع أحيانا قول الحقيقة كاملة كما هي هو اختلاط الشخصي بالحزبي والقومي والوطني، وضغط الظروف الصعبة، فأحياناً يتحمل الشخص وزر أخطاء حزبه أو بالعكس، لذلك حاولت في مذكراتي الانتباه لتلك المسألة والتمييز بقدر المستطاع بين الجانبين، وأزعم أنني التزمت جانب الموضوعية في كتاباتي لأنني لا أرمي إلى الربح والمصلحة الشخصية، بل أهدف إلى إطلاع الجيل الناشئ من بناتنا وأبنائنا على ماضي آبائهم وأجدادهم، وتاريخ حركتهم الوطنية للإفادة واتخاذ الدروس والعبر، عموما لا أعتقد بتوفر المثالية التامة في كتابة المذكرات.

* كيف تقوّم الواقع الثقافي الكردي؟
- الواقع الثقافي الكردي مشتت غير مكتمل، يسوده القلق والحيرة والشرود الذهني كما هو الواقع السياسي، فهناك علاقة تكاملية بين الجانبين عادة وكما يقدم لنا التاريخ نماذج وتجارب لدى شعوب أخرى قديماً وحديثاً، فإن على عاتق المثقف مهام كبرى، من بينها: إظهار الواقع الاجتماعي والسياسي كما هو، ومحاولة تغييره وتقديم وصياغة البرامج والمشاريع والمقترحات ونقد انحرافات السياسي والكشف عن أخطائه، نحن الكرد السوريين نفتقر إلى مثل أولئك، وإلى مفكرين مبدعين وهناك قلة قليلة يصلحون لأن يكونوا مشاريع مفكرين في المستقبل. و بكل أسف، فإنه بدلاً من تأثير الثقافي على السياسي، فقد حصل العكس، فهناك في ساحتنا الكردية السورية من يطبل "لقادة مفلسين في أحزاب مفلسة"، أو لتيارات حزبوية غير ديمقراطية أو للقائد الملهم المفدى إلى حد عبادة الشخصية أو حتى للاستبداد، وهناك من صار عبداً للأيديولوجيا الشمولية. تصور معظم مثقفينا عاجزون عن تعريف الحركة الكردية السورية في وضعها الراهن، وتعريف وتقييم المرحلة، والبعض يرضخ لمؤثرات آنية وينسى الأساسي والجوهري، فتراه يتأرجح بين تأييد الثورة مثلا والكفر بها في الوقت ذاته، وهناك أيضا وللأمانة التاريخية من يلتزم بقضايا شعبه ووطنه ويبدع في الإنتاج الثقافي .
لا بد من الإشارة إلى أننا أمام تحد ثقافي استبدادي خطير من نوع آخر، وهو الثقافة المضادة الوافدة وهي تتسم بنزعة الإلغاء ونفي الآخر ورفض العمل الجماعي وتخوين المختلف والقمع بالسلاح، بديلا عن الحوار، هذه الثقافة الوافدة تعمل على تبديل حتى قواعد اللغة الكردية من دون دراية أو أي بحث علمي، والإساءة الى ماضي الكرد وقاماتهم النضالية والثقافية الطويلة، وتهدف إلى امحاء معالم الثقافة التاريخية المنفتحة الأصيلة لشعبنا وحركتنا وتلتقي من طرف آخر مع مشروع النظام الشوفيني تجاه شعبنا منذ عقود. إنها تعمل على تدمير العائلة وعسكرة المجتمع وإثارة الفرقة والانقسام في وقت نحن أحوج ما نكون إلى التضامن والتكاتف والحفاظ على الوجود.

* المثقف الحزبي: كيف تنظر إليه؟
- من الصعب أن تكون حزبياً (في وضعنا الراهن) وتكون مثقفا نزيها لامعا مبدعا في ذات الوقت، حيث الأحزاب لدينا وبدون استثناء تحولت الى ذهنية القبيلة ومصلحة العائلة والفرد، ويمكن أن تجد داخل معظم الأحزاب ( في الوقت الراهن ) كل شيء لا يخطر على البال من فساد ونفاق وانحراف وتكاذب إلا الثقافة القومية والوطنية الأصيلة .

* كيف تنظر إلى المثقف المستقل؟
- قد تجد حالات نادرة جدا للمثقف المستقل الصلب الذي يعاني - إن وجد - العزل والقمع من كل حدب وصوب، في وضعنا الراهن، فحتى المثقف اللاحزبي في الغالب لديه طموحات التحزب والتفرد، وقد شهدنا نماذج انتهازية من أولئك منذ الانتفاضة الثورية السورية حيث كانت مطعونة باستقلاليتها قبل الثورة، وتحمل بذور مرض التصفيق للاستبداد.

* خلال حياتك الحافلة بالحراك السياسي والثقافي التقيت بالكثيرين من أعلام الثقافة الكرد والعرب والعالميين، من أبرز الذين توثقت علاقتك بهم؟
- كرديا التقيت وصادقت الشاعر الكبير جكرخوين وتعرفت مطولاً إلى الشاعر قدري جان. وتعاملت مع آخرين مثل أحمد نامي وحسن هوشيار ومعلمي ملا رمضان برزنجي والشاعر محمد علي حسو وغيرهم. وتعرفت على آرام ديكران عندما كان مقيما في القامشلي حيث دشن مدرسة غنائية كردية جديدة، والفنانين سعيد يوسف وعبدلو ومحمود عزيز ورفعت داري. وكان لنا اهتمام خاص بأولئك الفنانين وصادقت مطولاً الكاتب والمثقف شكور مصطفى. كما تعرفت على وصادقت الشاعر الكردي الإيراني هيمن، وكذلك هزار والشاعر الكردي العراقي شيركو بيكس. واجتمعت بالجواهري ولميعة عباس. وصادقت مظفر النواب وعبد الحسين شعبان وفواز طرابلسي وكريم مروة وكمال الصليبي وحسين مروة وتعرفت على ياشار كمال. وصادقت الشاعر الفلسطيني معين بسيسو الذي كتب قصيدته حول الكرد وصلاح الدين الأيوبي في منزلي في تونس. وكذلك محمود درويش وأحمد دحبور وغيرهم. وتعرفت على الشاعر السوري علي الجندي والنقابي المثقف خالد الجندي في سجن القلعة في دمشق. وتعرفت على الشاعر ممدوح عدوان وصادقت المسرحي التونسي المعروف توفيق الجبالي والكاتب والمفكر التونسي العفيف الأخضر.

* ماذا عن المثقفين غيرالكرد الذين وقفوا مع القضية الكردية؟
- معظمهم حسب تجربتي لبنانيون وفلسطينيون وأردنيون وبعض الخليجيين والبعض من شمال أفريقيا وسوفييت وبلغار وألمان. ولا يتسع المقام لذكرهم وهناك مجموعة كبيرة من الذين وقفوا إلى جانب الحقوق الكردية المشروعة أصبحوا من أصدقائي المقربين وما زالوا، لتعرف غالبيتهم على القضية الكردية من خلالي ورفاقي في التيار السياسي الذي نمثله .

* هل أنت راض عن أداء المثقفين الكرد منذ بداية الثورة السورية وإلى الآن؟
- المسألة نسبية وبشكل عام الجواب سلبي واذا كانوا مقصرين تجاه قضيتهم الخاصة، فتحصيل حاصل أن يكونوا كذلك حيال القضايا الوطنية العامة أيضا، أصيبوا بأمراض المسؤولين الحزبيين ولم يتخذ معظمهم الموقف الإيجابي من الثورة مبكرا والقليل منهم وقف الى جانب الحراك الشبابي الكردي الثوري، وعجزوا عن أداء رسالتهم المفترضة تجاه الثورة السورية وبعضهم مارس التشكيك تجاهها، وبعض آخر راح ضحية الفكر الشوفيني المتطرف والشعارات البراقة ونشر ثقافة العداء تجاه الآخر، اسوة بأقرانهم من الطرف الآخر وقسم هام وقف إلى جانب الثورة أيضا وما زال.

* ما سبب هذه التشرذمات في المشهد الثقافي الكردي؟
- يعود السبب الرئيسي باعتقادي الى انتقالية المرحلة وضبابيتها كردياً وسورياً أولا، وعدم اكتمال شروط تكون الكتلة الثقافية الكردية التاريخية إلى درجة أن البعض يعتقد بعدم وجود مثقفين كرد أصلا ثانيا، وتأخر إيجاد حل عادل للقضية الكردية السورية وانعدام الديموقراطية في البلاد ثالثا، وتعدد المفاهيم والأفكارالتي يحملها المثقفون الكرد الى درجة التناقض كفئات تنحدر من جميع الطبقات الاجتماعية التي تختلف مصالحها وتتناقض طموحاتها رابعا، والدور السلبي للحركة الحزبوية الكردية في مجال الفرقة والشقاق بين الوسطين الشبابي والثقافي، ولا ننسى طبعا دور نظام الاستبداد التخريبي للنفوس في عقود ما قبل الثورة .

* لماذا رابطة كاوا للثقافة الكردية؟
- لإعادة التوازن إلى حالة غير سوية وسد فراغ عميق بخصوص جهل النخبتين السياسية والثقافية العربية والسورية منها على وجه الخصوص، لحقيقة الكرد عموما والسوريين بخاصة وتاريخهم، والأهم موقعهم في المجتمع ودورهم الماضي والحاضر على الصعد الوطنية ومعارك الاستقلال والتحرر الوطني، ولذلك بدأنا بترجمة ونشر أعمال مهمة الى اللغة العربية تخدم فكرتنا من الأرشيف السوفييتي الغني جدا بوثائق قديمة وحديثة حول الكرد والقضية الكردية، وإعادة طبع أعمال لم تعد متوافرة في المكتبات. في مرحلة تواجد الرابطة في لبنان قدمت حوالي خمسين كتابا الى المكتبتين الكردية والعربية وأكملت مهامها بعد الانتقال الى أربيل عاصمة إقليم كردستان منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، بعد انقضاء حوالي ستة أعوام صعبة في لبنان بسبب الحرب الأهلية ودخول الجيش الإسرائيلي المحتل إلى بيروت، ومن الأسباب الأخرى هو ( الثأر ) الثقافي لنكسة الحركة الكردية في مركزها الرئيسي في كردستان العراق عام 1975، بعد التآمر المحبك من جانب صدام حسين وشاه ايران وهواري بومدين وسكوت المجتمع الدولي حينها، أراد أعداء الكرد أن يوحوا بأن الكرد انتهوا والبارزاني مريض وغادر إلى الولايات المتحدة الأميركية للعلاج من مرض السرطان، وأن ثورة أيلول أخفقت وأن كل مطامح الكرد وآمالهم أصبحت مجرد أحلام وأردنا أن نثبت العكس بطريقتنا الناعمة .

* من كان أوائل مؤسسي هذه الرابطة؟
- للأمانة التاريخية أقول إن قيادة الحزب الذي كنت أترأسه وبشكل خاص مكتبه السياسي (حزب الاتحاد الشعبي الكردي) هو المؤسس. فقد بحثنا وناقشنا المقترح والفكرة والجدوى والهدف والمستلزمات بعدة اجتماعات وتم الإقرار وتكليفي شخصيا بتنفيذ المشروع وهذا ما حصل وتم إصدار تعميم حزبي لجميع رفاقنا في الخارج بدعم المشروع كل في مكانه وهو ما تحقق.

* لماذا الخلافات التي ظهرت بين أبنائها؟
- منذ نشوئها كانت الرابطة مستهدفة من الأجهزة السورية وعملائها وأزلامها حتى إن مسؤول الأمن السوري في لبنان ( حيث كان البلد تحت هيمنة ووصاية نظام الأسد)، استدعى مدير دار ومطبعة الكاتب شريك الرابطة وأجرى معه تحقيقا واسعا، وهدده إضافة الى منع كتب الرابطة من الدخول إلى سورية، وقد تمت محاولة من قبل أحدهم لإنشاء رابطة بديلة عن طريق شخص كنا قد طبعنا له كتاباً- وبتمويل شخص مقرب من النظام السوري- ولكن المحاولة باءت بالفشل. طبعا لم يحصل أي خلاف بين مؤسسي الرابطة ولكن سمعنا أن أحد الأشخاص طالب بحصة مالية لأنه ساعد الرابطة، علماً أن المؤسسة لم ولن تكون ربحية ونشطت بدعم الأصدقاء وبخاصة الأشقاء في إقليم كردستان، كما أن أحد مستخدمي الرابطة بأجر قام بإنشاء دار نشر بموافقة السلطات السورية قبل الثورة بخمسة أعوام واستغل ممتلكات الرابطة من الكتب لمصلحته الخاصة من دون تبرئة ذمته رغم إلحاحنا عليه مرات عديدة .

* ما الذي قدمته الرابطة كمركز ثقافي ودار نشر، منذ بداية السبعينيات وإلى الآن؟
- في مرحلتها اللبنانية قامت الرابطة بمهام الترجمة والطبع والنشر، وفي مرحلتها الكردستانية – الأربيلية – وبعد طبع ونشر مجموعة أخرى من الكتب والأعمال الثقافية بلغت الستين انتقلت الى مهام تنظيم وعقد الندوات الحوارية، ومستمرة فيها حتى الآن وكانت تجربة الحوار والنقاشات جديدة في ساحة كردستان العراق وبلغت الندوات الحوارية ( 410 ) شارك فيها أكثر من ( 80 ألفاً حول مختلف القضايا من العلاقات الكردية مع العرب والأقوام الأخرى الى المسألة القومية وقضايا الأكراد في تركيا وإيران وسورية، ومسألة المرأة وتجربة إقليم كردستان الفدرالية والأوضاع الاقتصادية والأمنية والثقافية بالإقليم ومسائل اللغة الكردية والعلاقة بين أربيل وبغداد والثقافة الكردية، والإرهاب وتعايش الأديان والتعليم والتربية طبعا نحن قمنا بواجبنا في أصعب الأوقات وفتحنا الأبواب على مصاريعها وعلى الأجيال الجديدة استكمال المسيرة وتطوير العمل والاستفادة من التقنيات المتوفرة.

* لقد استقلت منذ العام 2003 من العمل الحزبي اليومي. ألا ترى أنه كان من الضروري تكريس جهودك في المجال الثقافي أكثر؟
- مغادرتي للعمل الحزبي لم تغيّر في الأمر كثيراً، حيث ما زالت القضايا عالقة في سورية وطنياً وقومياً والهم يسكننا، وانسحبت من الحزب وليس من السياسة وـ الكردايتي ـ ما زلت بعد الانسحاب أعيش مع بلدي وشعبي ووطني في كل لحظة وهذا يقودنا إلى التأكيد مجدداً على أنه ليس بالضرورة أن يكون المناضل لقضيته حزبياً، وخاصة أنه أعقب ذلك حصول "الهبّة الكردية" المقاومة عام 2004 بالقامشلي، وبعد ذلك كان ربيع دمشق ثم الانتفاضة الثورية، وتعددت المسائل وتوفرت معطيات جديدة في مجال الفكر والثقافة تحتاج إلى متابعة وتقييم وتطوير، ثم إنني لا أعيش في وطني الأم بل بين أشقاء أعزاء، ولهم همومهم وأولوياتهم، وهم منوطون بعد استحصال السلطة والإدارة الفدرالية ومواجهة التحديات، برسم المشاريع في إقليمهم بحسب ما يرونه مناسباً وليس بحسب ما يتمناه الآخرون.

* ماذا عن مشاريعك القادمة؟
- في إطار التمنيات العودة إلى منزل والدي في قريتي جمعاية، بعد زيارة قبر والدتي ووالدي وأقاربي وأهل جمعاية كلهم في مقبرتنا، في قرية نعمتلي، مسقط رأسي، واللقاء بكل أفراد ضيعتي القدامى منهم والمواليد الجدد، وأسأل عن أحوالهم وأسهر معهم وأستعيد الذكريات الجميلة، ثم أزور مدرسة القرية التي قامت بمبادرة مني شخصياً عندما خرجت من السجن وكانت مقفلة بسبب الإهمال وعدم الصيانة، حسب ما ذكر لي مدير تربية الحسكة حينها، ثم أقوم بزيارة قبر رفيق الدرب الشهيد مشعل التمو والشهيد الشيخ معشوق وكل الشهداء، ثم الاتجاه إلى جبل الأكراد والوصول إلى قبر صديقي ورفيق دربي سامي بافي جوان. وإن ساعدت الظروف السياسية وتم إسقاط النظام ودحر شبيحته وقرر السوريون مصيرهم في سورية الديمقراطية التعددية الجديدة، سأقدم طلباً للترخيص لرابطة كاوا للثقافة الكردية وتوسيعها واستحداث فروع لها، إضافة إلى القامشلي في كوباني ـ عين العرب وعفرين والعاصمة دمشق.


 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 3.8
تصويتات: 10


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات