القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 514 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي



























 

 
 

مقالات: ثقافة الاعتراف والحوار مع الآخر

 
الثلاثاء 13 اذار 2007


سلمان بارودو

إن الثقافة في أي مجتمع وبلد هي ثقافة إنسانية تكونت عبر أجيال وتهم الجميع بدون استثناء، فليست هناك ثقافة تخص هذا المجتمع أو ذاك، وليست هناك ثقافة دخيلة أو ثقافة مستوردة كما يتصور البعض إنما الثقافات تتواصل في حركتها فيما بينها مؤثرة ومتأثرة، حاملة إنجازات وبصمات هذه الثقافة أو تلك، وتتفاعل الثقافات وتتضافر في صراعها ضد عناصر التخلف،


فإن المثقف الواعي الذي يحاور مجتمعه يجب أن يدرك أن ما يعتبر صحيحا بالنسبة له ليس مهما أن يكون صحيحا لقطاعات كبيرة من المجتمع، لأن حرية التعبير واحترام الرأي الآخر والحوار هي من سمات أساسية للمثقف الملتزم بقضايا مجتمعه.
هنا، لا بد من التأكيد، إن ثقافة الحوار هي نتاج الحراك الاجتماعي والسياسي للتحولات التي تحدث في أي منطقة في العالم ونحن جزء من هذا العالم، فالعقول الواعية هي التي تحث على التغيير الإيجابي، وعدم الوقوف في أمكنتها، لذلك يجب أن يكون هناك معالجة فعلية وواقعية لكافة قضايا المجتمع، عندها نستطيع أن نقول أن ثقافة الحوار تبدأ في حديث الإنسان مع ذاته، ومن ينغلق من الداخل يفشل في التعاطي فكرياً مع غيره لأنه جاهل بمكونات نفسه وعن كسر طوق العزلة الانفرادية التي تحدو به من التخوف، والحوار معه لا يتحقق دون أن تتسع الأنا لتهيئ  في داخلها مكاناً أرحب للآخر، لذلك نستطيع أن نقول بأن الثقافة هي الوعي المتطور للفكر الإنساني وهي الإنجاز الرائع لهذا الوعي.
والواقع إن الإنسان, وبحكم طبعه الاجتماعي, بحاجة إلى جماعة ينتمي إليها, والوطن يعتبر شكلا متقدما في تعبير الإنسان عن هذه الحاجة وبالتالي يذهب جزء كبير من جهد الإنسان لممارسة وجوده في هذه المنظومة الاجتماعية في إطار ما يصطلح عليه بالمواطنة. ومن المواطنة تأتي ضرورة الاهتمام بذلك الآخر. فإذا كانت الوطنية هي ذلك الشعور بالانتماء الذي يشد الفرد إلى مجتمعه ووطنه فإن المطلوب هو تعزيز هذا الشعور عند كل أفراد المجتمع وذلك من خلال عدم تهميش الآخرين بحجة الاختلاف في الرأي والاجتهاد وغيرها من الأمور الخلافية.
 إننا عندما نستطيع أن نؤسس ثقافة تهتم بالآخر فإننا بذلك نقلص من السلبية التي تتسم بها بعض شرائح المجتمع في التفاعل مع قضايا المجتمع والتحديات التي يواجهها, بل إن هذه السلبية قد تتطور عند البعض لتأخذ صورة أفعال معطلة لحركة المجتمع إن لم تصل إلى حالة الإضرار بمكونات المجتمع وتخريب منجزاته. وفي هذا المجال يؤكد أهل الاختصاص في مجال السلوك الإنساني أن الحوار هو من أنجع السبل لإزالة سوء الفهم بين الأطراف, وأن حالة الاحتقان الناتجة من سوء الفهم هي التي تجعل النفوس مستعدة لإسقاط الآخر وربما حتى التفكير في إزاحته ونفيه، وعندما يتعاظم الشعور بالرغبة في نفي الآخر يصبح الجميع من الداخل والخارج أهدافا مشروعة للذين لا يرون إلا أنفسهم وأن الآخر هو حالة طارئة في حياتهم. وسيجد الذين يؤمنون بالحوار صعوبة في تحمل دعوات المترددين والمشككين بأهمية الحوار وستكون هناك معاناة لهم بفعل ما يقوم به البعض من استغراق في الأشكال والتفاصيل غير المجدية، ولكن تبقى تجربة الحوار وما سيجنيه الناس بالحوار من إيجابيات كثيرة بفضل تكامل قواه الخيرة والمخلصة تستحق منا الصبر والعمل الدؤوب.
لا بد من إعطاء أهمية كافية للحوار كون الحوار يقوم على المساواة وإيمان أطراف الحوار بهذه المساواة يقتضي قبول الاختلاف وإيلاء أهمية للآخر واقتسام المعرفة بوصفها رابطاً جماعياً وأداة تعارف وتقارب وتضامن ويوفر التقدم التقني على مستوى تطور تكنولوجيات الاتصال، والإعلام اليوم فرصا كبيرة وناجعة للحصول على المعلومات دون اعتبار للحواجز المادية بل أن ما يوفره التكنولوجيا اليوم من فرص للوصول إلى المعلومة ونشرها وصل حد إلغاء الحواجز التي كانت موجودة أو المصطنعة، وأن الحوار يمكن أن يلعب دوراً حيوياً وهاماً في خفض مثيرات العنف وإلغاء الآخر المختلف، والإقلال من احتمالات لجوء الأشخاص إلى العنف كوسيلة للتعبير عن أنفسهم أو كطريقة لحل مشكلاتهم أو التخلص من إحباطاتهم ورغم أننا على كل المستويات وفي كل المناسبات (تقريباً) نتحدث عن أهمية الحوار ليس فقط كوقاية من العنف وعلاج له وإنما لتحسين نوعية وجودنا الفردي والاجتماعي والإنساني، رغم كل هذا، فإن لدينا مشكلات عميقة وعديدة تتعلق بهذه الناحية، إما بسبب انسداد قنوات الحوار (كلها أو بعضها)، أو بسبب شيوع أنماط غير صحيحة للحوار بيننا، وكلا السببين يؤديان إلى تعطيل عملية التواصل الصحيحة مع ما يتبع ذلك من مشكلات في العلاقات يكون إدارة الظهر لحل القضايا أو العنف أحد إفرازاتها.
لذلك، على المثقف أن يؤسس لثقافة ترى أن الآخر هو جزء من وجوده وأن الالتقاء به والحوار معه هو الأصل في هذه الحياة، ثقافة تنطلق بنا من المشتركات وعندها يكون الاختلاف في الرأي والرؤية والطريقة كلها دروباً للتكامل كأفراد ومجتمعات.
وفي هذا الواقع المزري، يجب على المثقف الملتزم والواعي لدوره أن يكون صادقاً مع نفسه، حاملا" عدداً من القيم الأساسية، مستعداً للتضحية، واعياً لدوره التاريخي، وهذا يعنى واعياً للتضحيات ومن هنا، يستوجب عليه أن يحمل هموم مجتمعه، ويلتزم بضميره وبالتحديات التي تواجهه، لأن المثقف هو ذلك الإنسان الذي يعي ذاته وذات مجتمعه، من خلال الصلة بواقع هذا المجتمع وما ورثه من القضايا الفكرية والسياسية والحضارية والإنسانية .


 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4
تصويتات: 1


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات