القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 486 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي





























 

 
 

مقالات: كردستانوفوبيا

 
الأربعاء 18 نيسان 2012


هوشنك بروكا

كالعادة، أثارت تصريحات رئيس "المجلس الوطني السوري" د. برهان غليون الأخيرة عن "وهم" أكراد سوريا وكردستانهم "الوهمية" ردود أفعال كردية كثيرة. غليون صرّح لصحيفة روادو الكردية صراحةً بأن "لا شيء في سوريا إسمه كردستان سوريا"، رافضاً بإسم مجلسه الذي يترأسه، منح الحكم الذاتي للأكراد بعد إسقاط نظام بشار الأسد، "لأنه لا توجد في سوريا إقليم يشكل الكرد فيه نسبة 100% من سكانه"، حسب قوله. أما عن مطالب الأكراد السوريين بالفيدرالية على طريقة أخوانهم في الجنوب الكردستاني، فينصحهم غليون ب"ألاّ يتعلقوا بوهمٍ إسمه الفيدرالية، لأنه لا نفع فيه"، خصوصاً وأن "الفكرة مستنسخة من الإنموذج العراقي".


هذه ليست المرّة الأولى، التي يغتال فيها النقل العقل، لدى غليون الباحث في شئون "اغتيال العقل"، فهو سبق وانقلب في مناسبات أخرى عدةّ على نفسه، وخرج فيها عن أطوار السياسة وحدودها الديبلوماسية. فغليون الباحث في "مسألة الأقليات والطائفية"، سبق وأن انحاز إلى الطائفة ضد الطائفة(يُنظر تصريحاته بخصوص قطع العلاقات مع إيران وحزب الله، فور وصول المجلس إلى الحكم)، وضرب سوريا جمهوريةً عربيةً مقفلة، بسوريا كجمهورية متعددة ومفتوحة على قومياتها وإثنياتها الكثيرة.
هو، الأكاديمي واستاذ الفكر السياسي المعاصر في السوربون سابقاً، والواقع في فخاخ السياسة، والغائص في وحولها لاحقاً، سبق وأن شبه وجود الأكراد والجماعات الإثنية الأخرى في سوريا ب"المهاجرين الآسيويين" في فرنسا. وهو الأمر الذي دفع به إلى الإعتذار لاحقاً، عن "أكراده"، نافياً بشدة عبر صفحته على الفايسبوك، أن يكون الهدف من تصريحاته على الدويتشه فيلله، "التقليل من حقوق الأكراد أو المساس بها أو رفض الاعتراف بها". إلا أن تصريحاته الأخيرة القافزة فوق حقيقة الوجود الكردي في كردستان، التي يؤمن بها الأكراد، بإعتبارها حقيقة تاريخية وجغرافية وثقافية موجودة، تقول بعكس ما اعتذر عنه لأكراد(ه).
صحيحٌ أنّ العراق الكردي، ليس ك"سوريا الكردية"، وأنّ الوجود الكردي في العراق، هو وجود مختلف إلى حدٍّ ما عن وجود الأكراد في سوريا، إلا أنّ ذلك لا يعني القفز فوق التاريخ والجغرافيا فضلاً عن الثقافة. ربما من الصعب، سياسياً، الآن أو بعده على المدى القريب، على الأكراد السوريين، تحقيق شي إسمه "كردستان سوريا"، كما هو الحال لدى أخوانهم الجنوبيين في كردستان العراق، لكنّ ذلك لا يعني "محو" كردستان من وجودها في سوريا، أو إعدامها في التاريخ والجغرافيا والثقافة.
إن دلّت تصريحات غليون، وهو الأكاديمي الباحث في شئون "الديمقراطيات" و"العلمانيات" و"الأقليات والأكثريات"، على شيءٍ، فهو يدلّ على ذهنية المحو والإقصاء والإخصاء، التي تتخذ من ديكتاتورية الأكثرية، وعقلها الواحد، "مرشداً" لها.
محو غليون ل"كردستان سوريا"، زماناً ومكاناً وثقافةً، من على خارطة سوريا الكثيرة، وحكمه الواحدي عليها ب"الوهم"، يعبر عن خوف "عروبي" دفين من كردستان، التي طالما تمّ وصفها في الأدبيات القومجية العروبية لحزب البعث ومشتقاته ب"إسرائيل الثانية" أو "الخنجر الثاني في الخاصرة العربية".
بدلاً من إدانتهم وشجبهم واستنكارهم لتصريحات غليون عن "وهمية" أو "شبحية" كردستانهم، كان على الأكراد أن يشكروه جزيل الشكر وكثيره، على صراحته وصدقه مع نفسه ومع المجلس الذي يمثله أيضاً. فالرجل لم يقل إلا ما يقوله عقل المجلس ومدبّره الأول. هو لم يأتِ بهذه التصريحات من جيبه، كما قد يظنه البعض أو يتوهم، وإنما أتى بها من "وحي" المجلس الذي لا صوت فيه فوق صوت الأخوان، ولا دستور فيه فوق "دستور الأخوان".
ما قاله غليون في "كردستان الوهمية" وأكرادها "الواهمين"، يعبر عن  حقيقة "المجلس الوطني السوري"، التي هي في المنتهى حقيقة عروبية، إسلاموية "غائبة"، لابدّ لها أن تحضر كلّما اقتضت الضرورة(ضرورة "الأكثرية العربية") لذلك.
أما ما جاء على لسان د. عبدالباسط سيدا، زميل غليون، الكردي شبه الوحيد في المجلس، وعضو مكتبه التنفيذي، والذي قال بأن "هذه التصريحات تعبر عن رأي غليون الشخصي وليس عن رأي المجلس"، فلا يمكن لعاقلٍ أن يصدقه، سيما وأنّ المجلس الوطني الكردي، إلى جانب الغالبية العظمى، في الكتلة الكردية، أحزاباً وشخصيات، والتي كانت ممثلةً تحت رئاسة سيدا في المجلس، قد انسحبوا  من مؤتمره الأخير الذي انعقد في اسطانبول أواخر آذار الماضي، وذلك بسبب قفز "ميثاقه الوطني" على حقوق الأكراد ومطالبهم، بحسب تعبير الأكراد المنسحبين.
في حدود معرفتي بقيام وقعود "المجلس الوطني السوري"، منذ تأسيسه في 2 أوكتوبر الماضي وحتى الآن، وكما تقول باطن تصريحات "مرشديه" و"مراقبيه"، وظاهرها، أعتقد أن رأي غليون في "كردستان الوهمية"، هو رأي المجلس نفسه، برعاية تركية مباشرة، والذي يعبر عن خشية حقيقية لا بل خوف "عروبي" حقيقي من قيام "كردستان ثانية". هذا الخوف لغليون من كردستان، والذي يمكن تسميته ب"الكردستانوفوبيا"، هو من ذاك الحرص لمجلسه على عروبة سورية، في الدين كما في الدنيا.
ما جاء على لسان غليون، يعبر عن خوف حقيقي ل"الآخر العربي" من "الحقيقة الكردية" الغائبة، منذ قرونٍ، والمحجوبة بأكثر من "حقيقة حاضرة" لأكثر من  آخر.
ظاهرة "الكردستانوفوبيا"، أو الخوف المرضي من كردستان، على مستوى علاقة الآخر الحاكم بالكردي المحكوم، هي ليست بظاهرة جديدة، بل هي قديمة قدم القضية الكردية التي تحكي قصة أكبر شعبٍ في العالم بدون وطن. ما قام به غليون، في هذا المنحى، هو أنه أعاد من جديد إنتاج ذات الخوف القديم من ذات كردستان القديمة.
أما ما قاله سيدا، دفاعاً عن كردستانه، فهو على العكس، مجرّد "قصيدة" كردية جميلة، ليس لها ولأهلها في سياسة "المجلس الوطني السوري" إلا قبض الريح،  ولا يتجاوز كونه رأياً شخصياً، لا يمكن للمجلس إلا أن يكون ضده، وضد كلّ "كردستان" وكلّ أخواتها المتعددات الأخريات، التي من شأنها أن "توهن نفسية الأمة، وتضعف الشعور القومي(العربي بالطبع)، وتوقظ النعرات العنصرية والمذهبية"، كما تنص على ذلك المادتان 285 و 286 من قانون العقوبات السوري، الصادر بالمرسوم التشريعي  رقم 148 لعام 1949، والذي قضى بحكمه عشرات الألاف من السوريين بمختلف أطيافهم القومية والإثنية والدينية، ولا يزالون يقضون أصعب الزمان في سجون ومعتقلات النظام السوري الأكثر من صعبة، والأكثر من وحشية، والمعروفة بسادية سجانيها.   
في كتابه القيّم، "فتح أمريكا/ مسألة الآخر"(ترجمة بشير السباعي، سينا للنشر، القاهرة، ط1، 1992)، الذي يبحث في مسألة "فتح" الأنا(الأوروبية) للآخر(الهندي الأحمر)، الذي قضى عليه اكتشافه، يقول المفكر والناقد الأدبي البلغاري الأصل تزفيتان تودوروف "أن قبول الأقوال هو أكثر إيحاءً بالنسبة لتاريخ الإيديولوجيات من إنتاجها، وعندما يخطئ كاتب ما أو يكذب، فإنّ نصه لا يكون أقل أهميةً مما لو كان يقول الحقيقة؛ فالشيء الهام هو أن يكون النص "قابلاً للقبول" من جانب المعاصرين أو يكون منتجه قد اعتبره كذلك. ومن هذه الزاوية، فإن فكرة "الزائف" ليست لها أهمية خاصة هنا."(ص62).
عليه، فإنّ خطورة كلام غليون الغائص في الإيديولوجيا وما حواليها من مفاهيم ومقولات عروبية عفى عليها الزمن، من قبيل "أمة عربية واحدة ذات رسالةٍ خالدة"، والخارج على كلّ الحقيقة السورية المتعددة، تاريخاً وجغرفيا وثقافة، لا تكمن في كونه كلاماً قومجياً ممجوجاً ومكروراً، يعيد إنتاج إيديولوجيا "القومية العربية"، بقدر ما أنّها تكمن في "إيحائيته العروبية"، وقابليته العالية، للقبول به، من جانب "الأكثرية العربية"(السنية بشكلٍ خاص)، والتي تأسس عليها "المجلس الوطني السوري"، بإعتباره "حقيقة سورية ضرورية"، لا بدّ من الأخذ بها في سوريا ما بعد الأسد.  
والحالّ فإنّ "زيف" غليون و"تزويره" للتاريخ والجغرافيا والثقافة، أو خروجه على الحقيقة، ليس مهماً هنا، بلّ المهم هو قبول الأكثرية السورية به، بإعتباره "حقيقة سورية جاهزة تحت الطلب"، لا قبلها ولا بعدها حقيقة، من شأنها أن تنقل السوريين، في نهاية المطاف، من تحت دلف "ديكتاتورية الأقلية"(كما توصف في بعض أدبيات المعارضة) إلى تحت مزراب "ديكتاتورية الأكثرية".
كان من الأولى بالدكتور غليون، الذي ليس لي في المنتهى، إلا أن أحترم رأيه، وهو الآن يبحث مع مجلسه في عواصم القرار العربية والغربية، عن مرحلة انتقالية لنقل سوريا من دولة ديكتاتورية، إلى دولة ديمقراطية مدنية تعددية حرّة، ألاّ يضرب جغرافيا بجغرافيا، وتاريخاً بتاريخ، وثقافةً بثقافة، وشعباً بشعب.
فوجود الشعب الكردي ك"أقلية"، على أرضه التاريخية، بحسب كل المواثيق والصكوك الأممية التي تنصّ على حق الشعوب في تقرير مصيرها، لا يعني إلغاءً لوجود الشعب العربي ك"أكثرية" في سوريا. و وجود كردستان في سوريا، لا يلغي هذه الأخيرة من على الخريطة.  
هذا ناهيك عن أنّ أي اعتراف وفقاً لمبدأ المساواة في الحقوق والواجبات، بهوية الجزء، ثقافةً وتاريخاً وجغرافيا،  لا يعني بالضرورة انتقاصاً من هوية الكل.

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 0
تصويتات: 0

الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات

عفوا، التعليقات غير ممكنه لهذا المقال.