بقلم الدكتور عبد الحكيم بشار

لا يختلف اثنان أن التعددية حالة صحية , وهي حالة حياتية وسياسية واجتماعية واقتصادية طبيعية نابعة من اختلاف طبيعة أفكار البشر وآرائهم وتوجهاتهم وكل مايتعلق بنمط حياتهم وبأوجهها المختلفة ، وهذه التعددية النابعة من الاختلاف هي العامل الأساسي لتطور المجتمعات وانطلاق الأفكار والآراء وتلاقحها ، وظهور الإبداع في مختلف الميادين ، التعددية هي العنوان البارز للنظم الديمقراطية التي أثبتت حتى الآن بأنها أفضل النظم المتلائمة مع الطبيعة البشرية والحافزة لتطورها والحاضنة لاستقرارها الحقيقي والراعية لمصالح شعوبها بعكس النظم الاستبدادية القاتلة لكل إبداع ، والكابحة لكل تطور ، والراعية لمصلحة الفئة الحاكمة على مصلحة شعوبها وإرادتها وكرامتها .

ولكي لا نخرج عن الموضوع الأساسي نعود ونؤكد ثانية أن التعددية حالة صحية يجب إقرارها والتعامل معها والتفاعل الإيجابي في إطارها , ولكن يجب التأكيد على أن التعددية هذه يجب أن تستند على الواقع الذي تنطلق منه والبيئة التي تنتجها لا أن تخرج من حيز الواقع إلى الخلاء (الفراغ) وبالتالي بتجاوز إطار ومفهوم التعددية ليصبح مفهوماً مرضياً وهوساً سياسياً قاعدته الأساسية العمل في الفراغ الفكري واستنساخ ما هو موجود في الساحة وتكراره وإعادة إنتاجه بأسلوب يلحق الضرر ليس بالساحة الوطنية فقط بل يشوه مفهوم التعددية عامةً , وهنا نحن أمام حالتين أو ظاهرتين أو سؤالين كبيرين نسألهما أو يجب أن تطرحها أي مجموعة منشقة على  نفسها وعلى نمط السؤالين وإجاباتهما تتوقف الرؤية والموقف من المنشقين أو أي تنظيم جديد .
أولا – ماذا سيقدم الفصيل المنشق ( أو المجموعة التي تبادر إلى تأسيس حزب جديد ) على الصعيدين الاستراتيجي والتكتيكي وأعتقد أن هذا هو السؤال الأساسي التي يجب أن يدور حوله النقاش والجدال بشكل صحيح وواقعي , فإذا خرجت أية مجموعة من الحزب الأساسي الأم أو التقت إرادة مجموعة من الشباب بشكل مستقل على تأسيس تنظيم جديد سواء كان هذا التنظيم يحمل اسماً له نسخة في الساحة أو غير موجود ( يحمل اسماً جديداً ) فإن المهم هو الإستراتيجية والتكتيكات التي يقدمها هذا التنظيم الجديد فإذا نجح في تقديم ما هو جديد وغير موجود في الساحة على أحد الصعيدين الاستراتيجي والتكتيكي أي إذا نجح في تقديم نفسه بشكل مغاير ومختلف ومتميز كلياً وجزئياً عما هو موجود في الساحة فنحن هنا يجب أن نقر أننا أمام حالة جديدة وتنظيم جديد بكل ما في الكلام من معنى , لذلك يجب احترام خيارات هذا التنظيم حتى وإن اختلفنا معه بشكل كبير ويجب أن نقر أيضاً بأنه يمثل شكلاً صحيحاً للتعددية وأن هذا الشكل لابد أن يخدم القضية الوطنية ولابد أن يخدم مفهوم الديمقراطية بهذا الشكل أو ذاك  .
ثانياً- أما السؤال الآخر أو الحالة والظاهرة الثانية فهي مبادرة مجموعة من الشباب (سواء خرجوا من حزب معين أو بشكل مستقل ) إلى بناء تنظيم جديد ولسان حالهم يقول (ماذا ينقصنا لبناء حزب ؟ وهل إن الموجودين على الساحة هم أفضل منا ؟ إذا كان هذا لسان حالهم فنحن أمام سؤال كبير ، لماذا بناء تنظيم جديد ؟ ما هي الخدمات التي سيقدمها للقضية القومية اعتقد أن بناء أي تنظيم يستند أو ينطلق من هذه القاعدة ( ماذا ينقصنا لبناء حزب ) دون تقديم أي جديد على الصعيدين الاستراتيجي والتكتيكي أو على صعيد المفاهيم بشكل يمنحهم تميزاً عما هو قائم فإن هذه الحالة تعتبر نوعاً من الاستنساخ المشوه للأفكار والآراء والمفاهيم والتنظيمات الموجودة على الساحة وإنها لا تخدم التعددية بأي شكل من الأشكال ولذلك لا يمكن أن تخدم القضية القومية الوطنية للشعب الكردي لأن الهدف في هذه الحالة ليس البحث عن أفضل السبل والصيغ وأنماط النضال الصحيحة للدفاع عن القضية الكردية في سورية وإنما هو بحث عن الذات بشكل مَرضي بحيث تطغى ذاتيته ( أنانيته سواء كان فرداً أو مجموعة ) على مصلحة الحركة والشعب لأن بناء تنظيم مستنسخ سوف يكون مشوهاً وضعيفاً ويخلق المزيد من الإرباك في الساحة الوطنية ويخلق المزيد من الصعوبات أمام التلاقي الكردي وسيشكل عاملاً إضافياً للتشرذم والتفكك في الحالة الكردية والتي نحن بأمس الحاجة إلى لملمة صفوفها ومداواة جراحها والتي تعتبر الانشقاقات فيها أكثر الأمراض العصية على العلاج .
إن كل تنظيم جديد مستنسخ يشكل عبئاً إضافياً على القضية الكردية ويجرها خطوة أو خطوات إلى الوراء , وباختصار نحن أمام حالتين وظاهرتين وسؤالين
الأولى إن إحداث أو بناء أي تنظيم جديد مختلف أو متميز على الصعد الإستراتيجية والتكتيك والمفاهيم له ما يبرره ويجب احترام إرادتهم ودوافعهم الوطنية
الثانية إن بناء أي تنظيم مستنسخ دون أن يقدم أي جديد على الساحة يشكل متاهةً جديدةً ليس له ما يبرره سوى الإغراق في الذات والعمل على تطويع القضية الكردية وحركتها لمآرب شخصية ذاتية لا يمكن لها أن تقدم للساحة الوطنية سوى المزيد من التعقيد والإرباك والمزيد من التشتت والتشرذم والمزيد من الضعف .
القامشلي في 2-11-2006