القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 378 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي





























 

 
 

مقالات: آثار الاستعمار وسبل إزالتها

 
السبت 10 ايلول 2011


 الدكتور عبد الحكيم بشار

من الحقائق الموضوعية غير القابلة للنقاش أو التأويل أن الخارطة السياسية الموجودة حاليا في المنطقة قد أعد لها في الدوائر الاستعمارية من وراء البحار,وتمت صياغتها وترسيمها بما يوافق مصالحها دون إرادة شعوب المنطقة أو حتى استشارتها , وإنما جاءت فرضا عليها من القوى الاستعمارية بغض النظر عن توافق هذه الحدود مع مصالح شعوب المنطقة أو تعارضها معها , وقد خلفت هذه الحدود المرسومة استعماريا المزيد من المشاكل في المنطقة اتسم البحث عن الحلول لها في معظم الأحيان بالعنف سواء كانت تلك المشاكل المتعلقة بالخلافات الحدودية بين الكيانات السياسية القائمة بموجب اتفاقيات استعمارية أو خلافات أثنية وثقافية ضمن الدولة الواحدة بسبب الجمع القسري بين المكونات المختلفة.


وانطلاقا من هذه الحقيقة التاريخية السياسية فإن معظم الأحزاب العربية الوطنية - إن لم نقل جميعها - خاصة تلك التي لم تصل إلى الحكم , وكذلك الغالبية العظمى من النخب السياسية الثقافية العربية كانت ولاتزال تدعو بشكل أو آخر إلى إزالة الحدود المصطنعة من أجل إقامة دولة عربية موحدة (أي توحيد الوطن العربي) والذي يكاد يكون عملا استراتيجيا ومركزيا لدى معظم القوى الوطنية العربية, إلا أن الحكومات في معظم الدول العربية والتي جاءت إما بإرادة الاستعمارية , أو على الأقل برضى عنها, وان كانت تطرح بين الحين والأخر شعار الوحدة , إلا أن ذلك الشعار كان يتعارض مع مصالحها السلطوية , لذلك لم يكن هناك سعي حقيقي أو جاد من قبل الحكومات العربية المختلفة إلى إزالة الحدود المصطنعة , وفي هذا السياق خاصة فيما يتعلق بمواقف النخب السياسية الثقافية العربية من الحدود المصطنعة , ثمة سؤال كبير يطرح نفسه:
هل إن تلك النخب هي مؤمنة فعلا بأن هذه الحدود  المصطنعة يجب إزالتها وإعادة النظر فيها, وإعادة صياغتها ورسمها بما يتوافق مع مصالح شعوب المنطقة قاطبة وانطلاقا من مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها سواء من حيث رغبتها في العيش داخل كيان مستقل , أو الاتحاد الطوعي مع مكون آخر , إنه سؤال يجب الإجابة عليه بوضوح وصراحة , والإقرار بأن ما تم رسمه فعلا لم يراع فيه الواقع القومي والثقافي وإنما لاعتبارات أخرى خاضعة لمصالح تلك الدول , وتقسيم مناطق النفوذ , إذاً هل ان إزالة آثار الاستعمار تتوقف على إزالة الحواجز السياسية بين الدول العربية, أم تستوجب صياغة جديدة للحدود السياسية للكيانات القائمة؟
أعتقد أن الطرح القائم على السعي إلى إزالة  الحواجز بين الدول العربية هو طرح مشروع بكل المقاييس, ولكن إذا كان هذا الطرح مقرونا بالإقرار للشعوب المتعايشة في كيانات سياسية مع الشعوب العربية في حقها بتقرير مصيرها بنفسها فإن هذا الطرح والموقف يأخذ أبعادا سياسية وديموقراطية وإنسانية وأخلاقية  تنسجم مع الحقائق الموجودة على الأرض ويمنح أصحابها صفة القوى الديمقراطية الحقيقية إلا إذا كان هذا الطرح الفكري يرفض فكرة إن للشعوب المتعايشة مع الشعوب العربية حقها في تقرير مصيرها بنفسها فنحن هنا أمام حالات عدة :
1- أمام فكرعروبي شوفيني تجاوزه الزمن بكل معطياته
2- الدعوة إلى  إزالة آثار الاستعمار يجب أن تكون شاملة
3- اقتصار الدعوة إلى إزالة آثار الاستعمار فيما يتعلق بالشعوب العربية وإهمال حق الشعوب الأخرى فيعني استمرار آثار الاستعمار بكل تركاته وتداعياته , وهذا يتناقض مع الدعوة إلى انتهاء آثار الاستعمار، لذلك إما القبول بكل آثار الاستعمار وتداعياتها ونتائجها أو محاربة كل آثار الاستعمار ونتائجها فيما يخص الحدود السياسية
أعتقد جازما أن التطورات العالمية والإقليمية وتفتح الوعي لدى الجيل الشاب ولدى شعوب المنطقة يتيح إمكانية فتح حوار جدي وهادئ وجريء حول مختلف القضايا التي تهم شعوب المنطقة , ومن بينها قضايا التعايش الاختياري والاتحاد الطوعي , أو حق تقرير مصير للشعوب مع الاحتفاظ بأفضل العلاقات , وهذا ما ينسجم مع المفاهيم الدولية والإقليمية وروح الربيع العربي .
فالشباب في المنطقة عموما والعرب خصوصا الذين نجحوا في تحقيق انجازات ضخمة ونوعية وتحولات جذرية في بلدانهم لابد أن يتجاوزوا القوى السياسية الكلاسيكية التي فشلت في تحقيق ابسط التحولات ليست في أوطانها بل حتى في فكرها وتنظيمها وأدائها , فإن هؤلاء الشباب لابد أن ينجحوا في تحقيق تحولات نوعية في الفكر العربي وإكسابه بعداً ديمقراطيا وإنسانيا قويا لأنها جاءت على النقيض من الفكر الشمولي الاستبدادي الشوفيني.
إنها بداية عهد جديد دشنه شباب العرب , عهد يتسم بالتخلص من الشعارات البراقة والالتفات إلى الواقع والتعامل معه بكل موضوعية وجرأة , واقع يعبر عن نفسه بالتعددية في الكثير من المناطق , تلك التعددية التي لابد من البحث عن حلول ديمقراطية لها بعيداً عن الإكراه والقسر , حلول تعتمد الحوار أساسا , وحق تقرير المصير منطلقا سياسيا , وإزالة آثار الاستعمار , ورؤية استراتيجية قوامها إما التعايش الحر والاتحاد الاختياري وحق تقرير المصير ، وهذا ما تسعى إليه معظم الشعوب المضطهدة ، وإما بقاء الصراعات التي عمل الاستعمار لفترة طويلة على استمراريتها بغية التدخل من خلالها حينما يشاء ، يعني استمرار التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والفكري ، واستمرار للمشكلات التي تعرقل الأمن والاستقرار في المنطقة وتهدر الجهود والمال في غير محله ، وتعرقل الأمن والاستقرار وتكبح التأسيس لتحولات ديمقراطية حقيقية مقرونة ببناء مجتمع مدني متطور يحقق للإنسان هويته الثقافية وخصوصيته القومية وإنسانيته في أقصى مداها.  
10/9/2011


 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 2.77
تصويتات: 18


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات

عفوا، التعليقات غير ممكنه لهذا المقال.