القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 299 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي



























 

 
 

مقالات: اعادة اكتشاف الآخر في العلاقة العربية – الكردية في سوريا

 
الأحد 10 تموز 2011


حليم يوسف
 
لاأود الخوض في التغييرات العامة التي أحدثتها الثورة السورية المشتعلة ضد أعتى نظام اجرامي, دموي, أحكم قبضته الأمنية الشرسة على رقاب العباد والبلاد منذ أكثر من أربعين عام. وقد يكون من المبكر الحديث عن ذلك. ما أريده هو التوقف عند بعض التغييرات التي رافقت هذه الأشهر الساخنة, من خلال تسليط الضوء على بعض جوانب العلاقة الكردية العربية. وربما جاء مقال الكاتب ابراهيم محمود (التالية أسماؤهم من الكتاب الكرد) أيضا في هذا السياق, ولكن في بعد آخر يتعلق بمجال الكتابة الكردية. وهنا سأحاول مقاربة هذه التغييرات في مجال أرحب.  ولا أقصد التغيير في مستواه السياسي والاجتماعي العام بقدر ما أعني انعكاسات هذا الحدث الكبير على المستوى النفسي والفكري لدينا.


 اذا تطرقنا الى هذا البعد- كرديا- كجزء من عام – سوري – سنجد أنفسنا أمام تغير هائل يبدو كبيرا جدا, اذا ما تم قياسه بالفترة الزمنية البالغة القصر تلك.

 أكاد أجزم مقدما بأن التغييرات التي أحدثتها ال- أربعة أشهر – هذه في نفوسنا تتجاوز التغييرات التي أحدثتها ال- أربعون سنة – الأخيرة من عمر كاد أن يغرق في يأس كانت خاتمته صورة مرتجفة, حزينة, لطالما راودت مخيلة أغلب المثقفين السوريين المغتربين الذين فروا بجلودهم اما هربا من القحط الروحي أو من أقبية المخابرات, أومن الموت المجاني البطيء الى الخارج, وهي (العودة الى الوطن في تابوت). ما ان قدمت الحرية وهي تدق أبواب سوريا بيدها- المضرجة بالدم- حتى استفاق وحش اليأس في داخلنا وبدأ يتنحنح فاتحا الباب أمام اعادة النظر في مجمل علاقاتنا المتكلسة, سواء مع المكان بمجمله, أو مع الذات أو مع الآخر. بدأ الاحساس بالانتماء الى المكان الأول يتشكل من جديد, بعد كره متبادل ومتراكم عبر سنوات أجهزت فيها (منظمة طلائع البعث) على طفولتنا ونحن أطفال. ونكلت منظمة (اتحاد شبيبة الثورة واتحاد الطلبة) بأحلامنا ونحن شباب.  وأجهز حزب (أمة عربية واحدة , ذات رسالة خالدة) بفضل مخابراته الميامين على ما تبقت فينا من روح انسانية.
كانت الهجرة أشبه بمحاولة لانقاذ ما يمكن انقاذه من بقايا روح وحب للحياة. وهكذا ودون سابق انذار, بدأ الصوت الذي طالما سلب منا يرتفع شيئا فشيئا, تهدر به حناجرأطفال وشباب عاموده البعيدة عن العين و القريبة من القلب (الشعب يريد اسقاط النظام) فنتلقفه فرحين, كطفل يعثر على لعبة أضاعها منذ سنوات. و تشتعل الروح مع الشموع التي يضيئون بها ظلام شوارعهم وعتمة غربتنا القاسية. وبدأنا نتغير....
  بدأنا نحب حوران (وكانت قد صدرت لنا محمد طلب هلال, ضابط المخابرات الذي أشرف عن طريق مشروعه القميء على أكبر عملية تشويه للوجه الكردي في تاريخ سورية) وأطلت علينا حوران, من حيث لاندري, ببشائرها وخرجنا اليها هاتفين حبا ونحن نبكي معا, شوقا الى حرية كنا قد نسيناها لولا كتابات أطفالها على جدران ذاكرتنا المتآكلة.
 وبدأنا نحب حتى دير الزور (وكانت قد أصدرت لنا كل مديري الناحية في عاموده منذ استقلال سورية وحتى وقت قريب) وان لم يكن مدير ناحية فهو عنصر من المخابرات العسكرية وفي أفضل الأحوال شرطي, هؤلاء هم من تعرفنا عليهم من دير الزور في عهد (القائد الخالد والقيادة الحكيمة). لم نتعرف يوما على أحد منهم نتقاسم معه حب الحرية الا قبل أربعة أشهر. هذا ما قاله لي صديق عتيق قبل أيام من هناك! هكذا بدأ الأكراد يكتشفون عربا يشبهونهم, لايحملون العصي والمسدسات , بل يتقاسمون معهم الأحلام نفسها. وهكذا اكتشف الجار جاره وبدأت دير الزور تحيي القامشلي, وقامشلو ترد التحية بأفضل منها. وهكذا تم اكتشاف بانياس وادلب و ريف دمشق وحمص و...لن ينتهي الكشف الحسي المؤلم هذا بحماة من خلال ترداد اهازيج المغني المذبوح ابراهيم قاشوش في شوارع عامودة والقامشلي, حيث سبقت سكاكين القتلة مجيئ الحرية التي كانت على الباب, فوصل الذبح الى حنجرته قبل أن تصل الحرية الى بيته. وتظل الحرية منتظرة على باب وطن تعبث في جسده رصاصات الأمن وسكاكين القتلة المنتشرين في كل مكان. انها التراجيديا المستمرة التي تنتظر الملايين خاتمتها المفرحة والتي قد لاتكون قريبة. وبين هذه وتلك يستمر الكشف المتبادل بين وطن مصاب بالاغماء منذ عقود وبين شعب بدأيتعرف على نفسه وان كان متأخرا بعض الشيء.
 وفي قراءة سريعة للعلاقة الكردية- العربية في ضوء الحراك الشعبي الجديد تظل المخاوف قائمة من محاولات اعادة انتاج الذهنية القوموية البعثية وفق آلية جديدة تتخذ من الدين متراسا في بعض الأحيان ومن منطق الكثرة العددية حجة في أحيان أخرى , وذلك بأن تعيد المعارضة اعادة انتاج ذهنية السلطة التي تحاربها بشكل أو بآخر. ومؤشرات هذا الخطر القائم بادية في الشوارع مثلا من خلال رفع العلم التركي والتعويل على أردوغان, دون أية مراعاة لمشاعر الأكراد الذين هم من المفترض أن يكونوا شركاء فعليين في سوريا المستقبل. فاذا تم رفض دور الفرنسي اليهودي برنارد ليفي في مناصرته للثورة السورية نتيجة مواقفه من القضية الفلسطينية , هذه المواقف التي تجرح المشاعر القومية لدى العرب السوريين وهم على حق في ذلك , فلماذا لايراعي هؤلاء المعارضين المشاعر القومية لدى شركائهم الأكراد , وما فعله أردوغان ودولته بالأكراد يضاهي ما يفعله نتنياهو وليس ليفي بالفلسطينيين؟ هذا سؤال من أسئلة كثيرة تلوح في أفق المعارضة. ويمكن التطرق الى مثال آخر من خلال مؤتمري المعارضة في أنطاليا- بداية حزيران هذا العام. وفي دمشق- - نهاية حزيران هذا العام , حيث انني في مؤتمر أنطاليا كنت شاهدا على مدى صعوبة تقبل الآخر. وخاصة حينما يتعلق الأمر بالحقوق الكردية. في بداية المؤتمر أذهلتني صرخات جميع المؤتمرين بكردهم, بعربهم وبمختلف اتجاهاتهم السياسية, وهم يهتفون هادرين بكلمة (آزادي) الكردية. وهذه لها دلالات تتعلق بالواجبات, أي أنه يتوجب على الجميع أن يكافح لأجل الحرية, وهذا أمر لاخلاف عليه. أما عندما انتقل الأمر الى مرحلة الواجبات, التي تتجسد, على أقل تقدير, في البيان الختامي, فقد بدأ الكر والفر والتهديد بالانسحاب من الجانبين والاختلاف على صياغة الجمل والمفردات . وأخيرا حدثت المعجزة بالاتفاق على جملتين مرتبكتين عامتين تتعلق بالحقوق الكردية في سوريا المستقبل. (الشعب السوري يتكون من قوميات عديدة عربية وكردية وكلدوآشورية وشركس وأرمن ويؤكد على تثبيت الحقوق المشروعة والمتساوية لكل المكونات في دستور سوريا الجديدة)
 ومن النص المرتبك لهيئة التنسيق الوطنية لمؤتمر دمشق يتبين أن الأمر هناك لم يكن أفضل من هنا, ان لم يكن أسوأمنه. حيث يكاد أن يكون تكرارا لما قاله بشار الأسد يوما, مع بعض التعديلات التي تنسف نهايتها ما ورد في بدايتها. وعندما يحضر الحديث عن الوجود الكردي, يعقبه التأكيد على أن سوريا جزء لا يتجزأ من الوطن العربي. (الوجود القومي الكردي في سوريا جزء أساسي وتاريخي من النسيج الوطني السوري, الأمر الذي يقتضي ايجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في اطار وحدة البلاد أرضا و شعبا, والعمل معا لاقراره دستوريا, وهذا لايتناقض البتة من كون سوريا جزء لا يتجزأ من الوطن العربي). ان هذه الأمثلة تعكس الذهنية السائدة لدى قطاعات واسعة من المعارضة السورية التي لاتزال تحاول اعادة انتاج ذهنية السلطة الحاكمة من خلال ترقيع الحل السلطوي للمسألة الكردية, للاستفادة من الزخم الكردي في الصراع مع السلطة من خلال ارضائهم بجمل انشائية, أقل ما يقال فيها أنها حمالة أوجه. وتكمن الاشكالية الأساسية في هذه الذهنية أنها تبتعد عن السعي الى التعامل المبدئي مع الآخر المختلف –وهنا القومي المختلف – لصالح الاستخدام المنفعي و الوقتي لهذا الآخر. اذ ببساطة يمكننا القول بأنه اذا كانت سوريا العربية جزء من الوطن العربي (الوطن التاريخي المتخيل للعرب) فلماذا لاتكون سوريا الكردية أيضا جزء من الوطن الكردي – كردستان (الوطن التاريخي المتخيل للكرد)؟, ثم لماذا هذا الاصرار على غلبة الجانب القومي العروبي على حساب الجانب الوطني السوري, خاصة عندما يتعلق الأمر بالمسألة الكردية؟
.ان كل هذه الاشارات الذاهبة الى تعكير أجواء اللحمة الرائعة التي تجمع الطرفين من خلال النزول الى الشوارع والهتاف للحرية المستلبة من الجانبين تخلق نوعا من الشك المتبادل لدى الطرفين وتسيء الى اللوحة الجميلة من التعاضد والآخذة بالتشكل منذ أربعة أشهرفقط. مايتوجب على الجانبين الانتباه الى هذه النقاط الشائكة والتأسيس لعلاقة جديدة قائمة ليس فقط على ضرورة أن نعترف  بالآخر, وانما أن نطلب للآخر ما نطلبه لأنفسنا.
 وفي طريق الوصول الى هذا المستوى المتقدم يتداخل النفسي و الاجتماعي و السياسي والفكري لدى جميع الأطراف التي تشكل الجسد السوري. بدأت الثورة السورية تعرف أبناء البلد الواحد على بعضهم عن قرب,  بعد أن زرعت سنوات الاستبداد الطويلة الفرقة والكره المتبادل والأحقاد بين الجميع.
 ان اكتشاف الآخر يفتح الطريق أمام فهم الآخر الذي يقود بالنتيجة الى حب الآخر واحترام خصوصياته. وهذا ما تحتاجه العلاقة العربية – الكردية.  


 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 1.66
تصويتات: 12


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات

عفوا، التعليقات غير ممكنه لهذا المقال.