القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 555 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي


























 

 
 

مقالات: رأس السنة

 
السبت 02 كانون الثاني 2010


محمد قاسم

غدا رأس السنة الميلادية.يوم ميلاد السيد المسيح –عيسى بن مريم- وبغض النظر عن طبيعة الاعتقاد لدى الأمم والأديان بشأن ذلك..
فقد اعتاد الناس ان يحتفلوا بمقدم رأس السنة- سواء كانت السنة؛ هجرية أم ميلادية..وبأسلوب يختلف في الاحتفال..فالمسيحيون اعتادوا ان يظهروا بهجة مبالغا فيها،وفق رؤية المسلمين،والمسلمون يحتفلون بطريقة دينية بحتة-غالبا- حيث السهر للصلاة والدعاء وتنشيط الجو ببعض القصائد والتواشيح  والمدائح الدينية،وربما رافقها بعض حركات وإيماءات وخطب..وقد يبالغ بعض هؤلاء أيضا. وربما  يوسع البعض على عيالهم في الطعام والفاكهة وغير ذلك.


وفي رأس السنة لا نحتاج عن الحديث عن الكيفية التي يحتفل العالم المسيحي- بها..فالمظاهر الاحتفالية تتحدث عن نفسها..في مختلف وسائل الإعلام والفضائيات أهمها.أحيانا ترافق الاحتفالية ذات المظهر المبالغ فيه جمالا، عبارات ذات طبيعة دينية..اذكر ان أحدهم –ربما الأب يوسف مؤنس-إذا لم تخني الذاكرة. سئل عن شجرة الميلاد فقال:إنها إذا خضعت للمعتقد الديني فهي ذات قيمة دينية،خلاف ذلك هي عادة اجتماعية فحسب.
وكذلك احتفال المسلمين برأس السنة الهجرية والتي هي أصلا مخالفة لما كان عليه الناس قبل الإسلام وقد أسس لها الخليفة عمر بن الخطاب.فلا أعياد في الإسلام سوى عيدي الفطر والأضحى..بحسب التوجيه من الرسول.
وقد درج بعض المسلمين أيضا على الاحتفال برأس السنة الميلادية كحركة اجتماعية فيها تقليد للغربيين من جهة،واستثمار المناسبة للتعبير عن مشاعر ربما لم يكن يعبر عنها في الظروف العادية،خاصة أولئك الذين لا دين لهم  أو متخففون من التدين بشكل ما.. أو مغلِّبون للحياة الاجتماعية على النمط الديني السائد للتفكير.
وهذه العادة تسري اجتماعيا عندما تتبناها السلطات ووسائل الإعلام..كل وفق أجندة لديه..ولا يستبعد ان يستقل بعض الأقوياء –أفراد مجتمعات،دول..الخ.لتمرير ما تريده من أنماط ثقافية عبر هذه المنافذ الإعلامية والسياسية والثقافية أيضا..فهيمنة ثقافية معينة تعني هيمنة سياسية وربما اقتصادية أيضا..لأن فقدان الاستقلالية في أسلوب مناسب للتفكير والسلوك في المجتمع يفقده توازنه، ويفرض عادات وسلوكيات تستنزف موارد المجتمع التراثية والاقتصادية... كما يحصل في استنزاف التكنولوجيا لدول متقدمة، موارد المجتمعات المختلفة، ومنها  الاقتصادية، وتفرض أنماطا حياتية تخلخل العلاقات الاجتماعية ضمن الأسرة، وبين التكوينات المجتمعية المختلفة .
وينسى الكثيرون من الساسة والإعلاميين وغيهم ممن يمارسون هيمنة غير مبررة،أو ليس بتخويل جماهيري في صورة ما أوضحها الانتخابات عادة.ينسى هؤلاء  ان تكريس عادة-أي عادة- قبل البحث في مشروعيتها وملاءمتها للحياة الاجتماعية –بما فيها المعتقدات والعادات المؤسسة عليها؛قد يؤسس لما هو غير مفيد..وربما ضار على صعيد تكوينات الحالة الثقافية التي تنعكس على مجمل أنشطة المجتمع.
طبعا لسنا ضد التغيير ..ولكن بشرط ان يكون تغييرا متدرجا منسجما مع طبيعة تكوين ومستوى ثقافة المجتمع الراهنة..ونخشى الأسلوب الانقلابي والثوري-أو الثوروي- في التغيير..فذلك يدفع المجتمع بلا تهيئة الى أنماط قد ترتد سلبا عليه.والأمثلة في المجتمعات الانقلابية أوضح من ان نشرحها.
أثار هذه الملاحظة ملاحظتي لبعض التلفزيونات الكردية وهي تتبنى برامج احتفالية برأس السنة على طريقة الغربيين..وهنا تصاعد سؤال :إلى أي مدى مثل هذا السلوك يخدم المجتمع في تماسكه،وفي اقتصاده،وفي انسجام بين سلوكه هنا وما يعتقد من اعتقادات وما يمارس من عادات..
كنا نأمل من إعلام  كردي متميز،يستفيد من تجارب الأمم المتقدمة ويبقي على قيم شعبه الكردي الفولكلورية والأخلاقية دون تزمت،وبلا انفلات أيضا..قيم تجدد الخصوصية
التاريخية للكورد  كأمة لها ما تتميز به عن الآخرين كثقافة  مختلفة وليس كسمات أو اعتقاد الأفضلية كما تفعل بعض الأمم عبر ثقافة التعالي والشعور بالانفراد والنقاء العرقي أو الأفضلية المعتقدية..فتلك ثقافة لم يعد لها مكان في واقع الكون بقبول حسن..بل هي ثقافة تدفع نحو الصراع الافتراضي والوهمي من اجل لا شيء سوى تلبية لترسبات نفسية أوحى بها الزمن في لحظة ثقافية ما..ولم تعد تحسن الخروج من هذا الشعور المتقوقع حول الذات بطريقة –تكاد تكون مرضية..
كنا نأمل من إعلام كردي ان يمارس نشاطه حرا دون هيمنة ثقافة حزبية ما، وتسبح باسم الزعماء والمسؤولين الحزبيين وحمدهم..وتحيل كل مناسبة الى تمجيد للزعيم الفلاني أو المسؤول الفلاني..على قاعدة الشعب في خدمة الزعيم:
-بالروح بالدم نفديك يا زعيم..
هذه الثقافة التي سادت عربيا وشرق أوسطيا..ولا تزال فتسخر كل الإمكانيات الوطنية لفرعنة الزعيم على حساب الوطن والشعب وتكرس ذلك ثقافة تمتصها أدمغة الأجيال برضا أو عدم رضا-شعوريا أو لا شعوريا..ويبدو أن القوى المتنفذة حزبيا بين الكرد قد استمرأت هذه الثقافة لتكرسها أيضا في الوسط الشعبي والنخبوي الكردي ..فكأننا –عندما نتابع هذا الإعلام الكردي- أمام إعلام عربي مترجم الى اللغة الكردية..او باخراج كردي فقط.
صخب التمجيد والحمد للزعماء والأحزاب وإضفاء القداسة عليها..واستلاب اللحظات الفرحة في حياة الناس لتوظيفها في خدمة مثل هذه الثقافة.. خاصة الإعلام المؤدلج. فضلا عن هيمنة لهجة محددة على وسائل الإعلام الكردية، مما يحرم الغالبية من الكرد من المتابعة والتفاعل ..كل ذلك بدوافع سياسية تتحكم في الثقافة كما هو واقع العلاقة بين الثقافة والسياسة في البلدان المتخلفة ومنها إقليم كردستان بالرغم من الآمال الواعدة باعتباره يتبنى مفهوم الديمقراطية كثقافة –على الأقل.
وما محاولات تخصيص فترات للّهجة المختلفة سوى أسلوب سياسي أيضا لغايات كسبية معينة..
هنا لا بد من التوقف قليلا..والتأمل..
الأصل في علاقة الثقافة بالسياسة هو ان الثقافة حالة حرة في أعمها وتشكل المناخ وتنتج المفاهيم،وتطلق الأوكسجين للحياة الثقافية بمعناها الأعم. وتوفر المعطيات المختلفة للحياة ليأتي دور السياسة فتقوم بتنظيم هذه المعطيات ووضعها في نسق يمكن ان يوفر الفائدة الأكبر..بالطبع بالاعتماد على المثقفين-العلماء والمفكرين والفلاسفة والأدباء والفنانين..الخ.فدور السياسي هو تحريك هؤلاء للعمل بنوع من التناسق الذي يجعل من الثقافة فعالية موظفة لكافة أفراد المجتمع، بدلا من اقتصارها على النخبة فقط..
في هذا المفصل يكمن الخطر..
فإذا قيّض لمجتمع –والكرد مثال- ساسة جبلوا على قيم وطنية بإخلاص يؤكده استعدادهم للتضحية فعلا ويمارسون هذه التضحية بشكل واضح وفي المواقف المختلفة،بحيث يحققون القبول الجماهيري انتخابيا أو في أشكال تعبيرية واضحة الملامح والهدف..يقدرها الدارسون المختصون في مؤسسات مستقلة ،لا بيانات ومنشورات حزبية تظل تمجد ذاتها –وهذه أسوأ طريقة في تكوين الثقافة وفي التفاعل الموضوعي مع الجماهير..وقد أحسن المثل الكردي القائل: لا احد يقول أنت، فقط هو يقول أنا..
نريد ان تعيش المجتمعات البشرية -والكرد منها- بكل فئاتها وشرائحها ومستوياتها ..أن تعيش الأحداث على طريقتها،وبروح تخصها هي، وتناسب طبيعة حياتها الثقافية..
فالمسيحي مثلا ليحتفل كما يحلو برأس السنة ..والمسلمون ليحتفلوا كما يحلو لهم والصابئة والإيزيدية ليحتفلوا كما يحلو لهم ..والمهم ان تكون هناك ضوابط لئلا يتجاوز احد الجو العام الذي ينبغي ان يبقى مريحا للكل..وفق دراسات يشترك فيها فلاسفة ومفكرون ومثقفون مختلفوا الاختصاصات وقانونيون...الخ.حينئذ تصبح المناسبة ذات وجوه متعددة تعطي لكل، الوجه الذي يناسبه ولا يحرمه متعة التفاعل مع هذه المناسبة أو تلك ومنها مناسبة رأس السنة..
الخميس
31/12/2009

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 1
تصويتات: 2


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات