القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 512 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي



























 

 
 

مقالات: لقاءات السلطة – الكرد... نظرة متأنية

 
الأحد 30 تموز 2006

الدكتور عبد الحكيم بشار


إن لقاءات السلطة السياسية في البلاد متمثلة بالسيدة نجاح العطار نائبة ريس الجمهورية للشؤون الثقافية قد حصلت قبل هذه الأحداث الأخيرة في لبنان ، إذ حصل أول لقاء بالتحديد يوم 15-6-2006 ، حيث استقبلت السيدة نجاح العطار وفدين من الحركة الكردية ولمرتين متتاليتين بشكل رسمي ( كما ادعت ) دون الإعلان في وسائل الإعلام الرسمية للدولة أو الإشارة إلى هذه اللقاءات .


إن هذه اللقاءات لم تأت من فراغ ، بل جاءت نتيجة معطيات متعددة ؛ داخلية – دولية ، فالبعث الذي يحكم سوريا منذ 1963 هو الذي طبق جميع السياسات الشوفينية والممارسات العنصرية بحق الكرد ( عدا الإحصاء الذي طبق عام 1962) وبذلك فهو الذي يتحمل جميع أشكال المعاناة التي يعانيها الشعب الكردي بما فيها الإحصاء ، ناهيكم عن عدم اعترافه بوجود الكرد كشعب يعيش على أرضه التاريخية ، وكقضية قومية ، بل نظر إلى الكرد دائماً كجالية مهاجرة من دول الجوار ( تحديداً تركيا ) لذلك طبق سياسات عنصرية غايتها صهر الكرد أو تهجيرهم ، وقد اعتمد في ذلك على بند من بنود نظامه الداخلي ( إن كل من يعيش على الأرض العربية فهو عربي ) معتبراً أن سوريا جغرافياً وبأكملها أرض عربية ، لذلك فإن جميع القاطنين على هذه الأرض أمام خيارين : إما قبول سياسة التعريب والانصهار في البوتقة العربية أو الرحيل عن هذه الديار هذا كان عماد السياسة التي طبقت بحق الأكراد ، ولا تزال جميع إفرازاتها قائمة بل مستمرة بهذا الشكل أو ذاك ، هذه السلطة وفجأة ودون تمهيد تستقبل وفداً من الحركة الكردية بشكل رسمي .
إن هذا الاستقبال المفاجئ وكما أعتقد كانت له مقدمات تراكمات وأدت إلى حصوله وهي :
أولاً – الضغط المتزايد على السلطة السورية من قبل المجتمع الدولي الأوربي والأمريكي بشكل خاص ، هذا الضغط الذي شمل جميع الدول التي كانت مرتبطة بالمنظومة الاشتراكية السابقة بغية تغيير أنظمتها أو سياسات الأنظمة ، وسوريا من تلك الدول التي كانت مرتبطة بالاتحاد السوفييتي ، وهذا الضغط الأمريكي المتزايد على سوريا ينطلق من ثلاث اعتبارات هي :
1- ارتباط سوريا بالمنظومة الاشتراكية السابقة .
2- استمرار سوريا بنفس السياسات السابقة السائدة في مرحلة الحرب الباردة ( حسب وجهة النظر الأمريكية ) والتي لم تعد مقبولة لديها
3- وجود قضايا ساخنة في المنطقة ( العراق – ملف إيران النووي – لبنان – فلسطين – إسرائيل ) والتناقض والاختلاف بين الموقف السوري والأمريكي من هذه القضايا .
كل هذه العوامل تجعل الضغوطات الأمريكية على سوريا في تزايد مستمر ، وأن تشهد أحياناً فترات ممن الهدوء النسبي ومطالبة أمريكا بوجوب تغيير النظام السوري لسياساته بشكل يرضي التوجهات الأمريكية حتى يكون النظام السوري مقبولاً أمريكياً ، وبالتالي قد تتغير المعادلات السياسية والضغوط التي تمارس على  سوريا .
ثانياً – الضغوط الداخلية على سوريا ، تلك الضغوط السياسية والإعلامية التي تمارسها المعارضة الداخلية بمختلف أطيافها ، ولديها من المبررات التي تكفيها لكسب جماهيري واسع وعميق ، وهذه المبررات تستند على :
1- استئثار حزب البعث بالسلطة بمفرده منذ أكثر من أربعة عقود معتمدة على بند أقره الدستور ( البند الثامن ) الذي يعتبر حزب البعث قائد المجتمع والدولة وإن الجبهة الوطنية هي عبارة عن اكسسوارات أو فروع ، بل شعب تابعة للبعث لا تتحرك إلا بما تمليه عليها السلطة من سياسات ونشاطات إعلامية .
2-  استمرار حالة الطوارئ والأحكام العرفية
3- غياب قانون عصري ينظم الحياة السياسية ( قانون الأحزاب ) وينظم الحياة الثقافية والفكرية والإعلامية ( قانون الإعلام ) .
4- الحريات العامة والفردية إما غائبة أو محاصرة بشدة ، غياب دور منظمات المجتمع المدني .
5-انتشار الفساد الإداري والاقتصادي في معظم مفاصل الدولة .
6-تدني مستوى المعيشة وازدياد حجم البطالة بشكليها المقنع والحقيقي .
كل هذه العوامل الجوهرية والتي بات يلمسها كل مواطن سوري ، في ضوء فشل سياسات التطوير والإصلاح العام التي تدعي كل الحكومات بأنها تعمل على تحقيقها دون أن يتحقق على أ{ض الواقع شيء منها يلمسه المواطن أو يشعر به ، مما خلق مزاجاً سلبياً ومعارضاً للسلطة لدى شرائح واسعة من المجتمع السوري ، حتى تلك الشرائح التي كانت بالأمس القريب موالية لها ، ( اعتقال ميشيل كيلو ) وغيره وتنامي أصوات المعارضة بشكل أكثر جرأة من ذي قبل ، الأمر تدركه السلطة بازدياد حجم المعارضة الداخلية لسياساتها .
ثالثاً – المعارضة الخارجية المتمثلة بما يسمى جبهة الخلاص الوطني والتي جمعت بشكل أساسي بين الأخوان المسلمين وعبد الحليم خدام ، هذه المعارضة التي أعتقد أنها تسعى إلى الوصول إلى السلطة بأي ثمن رغم إعلانها الظاهري ( بأنها سوف تسعى إلى التغيير الديمقراطي السلمي ، ولكنني أعتقد أنها لن تدخر سبيلاً إلا ويسلكه للوصول إلى السلطة .
إن تضافر العوامل الثلاثة رغم عدم ارتباطها مع بعضها ، خلق وضعاً جديداً تدركه السلطة بعمق وسوف تسعى إلى التعامل معه بما يحقق مصالحها ، لذلك لابد أن تتحرك باتجاه أو أكثر لخلق وضع جديد يخفف عنها هذه الضغوطات والسعي لاحتوائها أو احتواء البعض منها ، وتحدد مسارات التحرك لديها بما يلي :
1-بما أن أمريكا هي التي تقود الضغط الخارجي على سوريا بشكل أساسي ، وهي القوة المهيمنة والتي يحسب حسابها ، لذلك تسعى سوريا إلى فتح حوار مباشر معها في أية قضية من القضايا التي تهم المنطقة أو في مجملها ، ولكن هذا ما ترفضه أمريكا وتضع شروطاً مسبقة للحوار يجب أن تستوفيها سوريا بقبول الحوار معها ، وهذه الشروط هي قاسية ومصيرية بالنسبة لسوريا من جهة ومن جهة أخرى ليس هناك ضمانات من أن أمريكا سوف تبدل موقفها من سوريا وتتخلى عن الضغوط عليها إذا استوفت الشروط الأمريكية والتي هي شروط يتطلب من سوريا إحداث تغيرات جوهرية وجذرية في سياساتها وعلاقاتها ومواقفها ، وباختصار ( تريد أمريكا من سوريا تغيير سلوكها ) لتهيئة الأجواء لحوارات مباشرة ، ويبدو أن هذا المسار شبه مغلق في الوقت الحاضر على الأقل .
2- التوجه نحو احتواء جبهة الخلاص : وأعتقد أن هذا غير ممكن أيضاً لان جبهة الخلاص قد أعلنت على الملأ أنها تريد تغيير النظام السوري وأنها بصدد تحقيق الترتيبات اللازمة لهذا التغيير وأن العلاقة بين السلطة وجبهة الخلاص أصبحت علاقة متناقضة ومن الصعب البحث عن اتفاقية شراكة بينهما وأن جبهة الخلاص سوف تسعى إلى هذا التغيير بأي طريق وسلوك يمكنها من تحقيق هدفها ( حتى خارج الأطر والأساليب المعلنة من قبلها ) لذلك يبدو أن هذا المسار أيضاً شبه مغلق إن لم يكن تماماً في الوقت الحاضر وحسب المعطيات المتوفرة .
3- التوجه نحو الداخل : لاشك أن الانفتاح والتوجه نحو الداخل والسعي إلى تحقيق وحدة وطنية حقيقية وراسخة بعيداً عن الشعاراتية والخطب الكلامية ، وحدة وطنية تحقق للمواطن حريته وكرامته وخصوصيته ، وللشعب مصالحه ، يبدو ضرورياً وجوهرياً باستمرار ، ولكنه يكتسب أهمية استثنائية في الظروف التي تمر بها سوريا ، فالاعتماد على الشعب وقواه الوطنية عن طريق إقامة علاقة حقيقية معه ، علاقة شراكة ومساهمة في رسم سياسات البلاد وليس علاقة قمع سوف يحقق أقصى درجات القوة والمنعة لدى الحكومة تمكنها من تحديد خياراته على أرضية صلبة طالما مدعومة شعبياً ، وكلنا يدرك تجربة ( شافيز فنزويلا ) لذلك فإن التوجه نحو الداخل يبدو خياراً صائباً ونتائجه ستكون فاعلة ومؤثرة .
من هذه المعطيات قد تكون السلطة قررت الانفتاح نحو الداخل والسعي لتقوية الجبهة الداخلية عبر إيجاد الحلول للعديد من القضايا العالقة ومن بينها القضية الكردية التي هي قضية شعب يعيش على أرضه التاريخية وتخص ما يقارب ثلاثة ملايين نسمة ويشكل القومية الثانية في البلاد ، كما يشكل كتلة بشرية متماسكة لا يمكن الاستهانة بها ، هذه الكتلة التي قد تبدل المعادلات السياسية بشكل جوهري حسب المواقف التي تقفها ، لذلك قد يكون قرار السلطة الانفتاح نحو الداخل والبلاد بالانفتاح على الشعب الكردي وذلك بسبب الكتلة البشرية الهامة التي يشكلها أولاً وبسبب أحقية وشرعية مطالبها ثانياً ، ولعدم تشكيلها خطورة مباشرة على السلطة ثالثاً .
إن ما قامت به السلطة من لقاءات مع الساسة والمثقفين الكرد يمكن أن يندرج في إطار مسعى السلطة ( قرار السلطة ) للانفتاح على الداخل ، ولكننا يجب وضع كل الاحتمالات في حسباننا وهي :
1- إن ما جرى هو بداية انفتاح حقيقي للسلطة نحو الداخل والبدء بمناقشة القضية الكردية وإيجاد الحلول للبعض من قضاياه مع اعتقادي أن السلطة حتى إذا كان الانفتاح حقيقياً فإنها لن تقدم على حل كل القضايا المتعلقة بالقضية الكردية في سوريا بل قد تقدم حلولاً مرضية لبعض القضايا  وكذلك الانفتاح على الشعب السوري عبر تحقيق بعض الإصلاحات السياسية والإدارية والاقتصادية ( أقول البعض وليس كل القضايا لأن الحلول سوف تأتي من جانب السلطة ولا أعتقد أنها سوف تحل جميع القضايا دفعة واحدة حتى لو كان الانفتاح حقيقياً ) وسيكون الانفتاح حقيقياً إذا باشرت السلطة في وقت قريب بحل مشكلة الإحصاء ومعالجة نتائجها وتداعياتها ومن ثم إيجاد حلول منطقية للغة والثقافة الكرديتين وإبقاء الباب مفتوحاً لمناقشة ومعالجة القضايا الأخرى عبر تشكيل وفود من الجانبين ( السلطة – الحركة الكردية ) وكذلك الانفتاح نحو الداخل وتطبيق بعض الإصلاحات المتدرجة ( سياسية واقتصادية وإدارية ) .
2- قيام السلطة بحل مشكلة الإحصاء لوحدها والسعي إلى اختزال القضية الكردية في سوريا برمتها في حل مشكلة الإحصاء والتوقف عند هذا الحد ، وسيكون ساذجاً من يعتقد أن هذا الحل لوحده وإغلاق ملف القضية الكردية هو نوع من الانفتاح بل قد يكون مسعى من جانب السلطة إلى إجهاض القضية الكردية بعد أن خطت خطوات نوعية بعد أحداث آذار 2004
3- قيام السلطة بحل مشكلة الإحصاء وبعض تسهيلات للنشاطات الثقافية الكردية والتوقف عندها ولجم كل توجه أو مطالبة قومية بتجاوزها
4- اللقاء مع الساسة والمثقفين بين فترة وأخرى ، وكذلك الوجهاء وإعطاء الوعود المتكررة دون تنفيذ أي منها
لذلك يجب تقييم هذه اللقاءات بعد فترة محددة من الزمن وذلك بالانطلاق من النتائج التي تمخضت عنها والترتيبات والمناقشات التي تليها لأن هذه اللقاءات رغم أهميتها الجوهرية من حيث الشكل فإن أهميتها الحقيقية تكمن في نتائجها ، ويبدو من السذاجة التصفيق والتهليل لها أو الحكم عليها بالموت قبل صدور نتائجها لأن كل الاحتمالات واردة ( انفتاح حقيقي جزئي متدرج – اختزال القضية الكردية في مسائل جزئية كالإحصاء ، اللعب على عامل
 الزمن ، الاكتفاء باللقاءات والوعود .
لذلك فإن على الحركة الكردية المطالبة بالحوار والاستمرار فيه مهما كانت النتائج لأن الحوار هو خيار استراتيجي وهو لغة العصر ولكن بنفس الوقت يجب تطوير وتوثيق العلاقات مع قوى المعارضة الوطنية بمختلف أطيافها واعتبار الموقف من القضية الكردية إلى جانب القضايا الوطنية هو المقياس الأساسي لتحديد الموقف من هذه القوة أو تلك وتطوير العلاقات معها وأخذ الحيطة والحذر من محاولات البعض من أوساط السلطة إلى عزل الحركة الكردية عن القوى الوطنية المعارضة وإحداث شروخ في صفوف المعارضة .
كما أن على الحركة الكردية أن تتسم بالجرأة والموضوعية في تقييم نتائج هذه اللقاءات بعد فترة من الزمن وأن تتخلص من سياسة التدجين التي يمارسها البعض في صفوفها وصفوف شعبنا لأن في عدالة قضيتنا وفي أسلوب نضالنا الوطني والديمقراطي وفي تاريخ نضالنا الوطني الطويل والدفاع عن قضايا بلادنا ما يمنحنا من القوة والصلابة تكفينا للتحلي بالجرأة الكافية للدفاع عن قضيتنا القومية وقضايانا الوطنية العامة .

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 0
تصويتات: 0

الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات