بالإضافة إلى ما سن من قوانين وتشريعات خاصة كالقانون رقم /49/ , وما شكل من تعطيل لمجمل النشاط الاقتصادي ومظاهره وآثاره المدمرة , والمؤدية – مع تراكم حالة الإملاق والفقر المدقع – إلى هجرة جماعية منقطعة النظير , لتخلف آثارها الاجتماعية المشينة فيما تتركه إلى المدن الكبرى وإلى الخارج من حالات تشتت شمل الأسر وتعرضها للمهانة وضعف التعليم , والتسرب عنوة من المدارس , وكثرة البطالة المقنعة والحقيقية , وما يرافق الحالة من اغتراب وصعوبة في التكيف مع المحيط الجديد, وممارسة بعض الحرف اليدوية والأعمال الخدمية الزهيدة الأجور , دون أن تجد سبيلا إلى معالجة هذه الظاهرة الخطيرة , لغياب المشاريع الإنتاجية والإنمائية والمصانع والصناعات التحويلية والغذائية في المنطقة , مما يمكن تخفيف الأعباء وسد الثغرات ومعالجة البطالة العامة والشاملة , بعكس التوجه إلى مزيد من الإفقار وما ينتج عنه من تراجع خطير في الصحة والتعليم ومجمل الخدمات , إلى جانب سياسة التخوين والمؤامرة , وبروز وانتعاش تيار شوفيني , يحرض على ضرب مرتكزات واستقرار الوجود الكوردي , واعتباره خطرا يهدد الوحدة الوطنية, ويزعزع استقرار سوريا وعروبتها وازدهارها, لتأتي جملة إجراءات استثنائية جديدة وعقابية تؤرث لهذه النزعة وتشجعها , في مظاهر استفزاز العاملين الكورد في دوائر ومؤسسات الدولة ودفعهم إلى ردات فعل ونقلهم تعسفيا خارج مناطقهم , ودغدغة مشاعر هؤلاء العنصريين إلى درجة تحريضهم على القتل كما حدث في نوروز, ليزداد الأمر نكرا وسوءا منذ الانتفاضة الآذارية العارمة في وجه النزعة الشوفينية , حتى وصل الاستفزاز أقصاه في تعذيب كثر من الجنود الكود في الجيش حتى الموت , مما ينذر بكارثة يهدد الوحدة الوطنية مع تفاقم الاحتقان والتوتر والفقر والهجرة , وهو ما يدفعنا إلى تنبيه ضمائر الوطنيين والتحذير من نتائج هذا التوجه الخطير ولجمه , وإعادة النظر بجدية بالغة في الحسابات الخاطئة , لأن شعبا أصيلا ووطنيا , ناصع الصفحات كالشعب الكوردي , لا يمكن أن يكون جزاؤه هذا الاستثناء والقهر والقمع , في قرن التعددية والعولمة والديمقراطية وحقوق الإنسان , وعصر لا يعد ممكنا فيه إخفاء الحقائق عن المجتمع الدولي , في محاولة بائسة للتذويب والإزالة والصهر , مما لا تنفع فيه سياسة الاستعلاء والاستئصال والمحو والإقصاء .
إن الوجود الكوردي في سوريا راسخ وأصيل لا يمكن الجدل حوله , كما أن هذا الوجود فاعل وممتد وتاريخي ومؤثر , وليس غريبا ولا هامشيا,وهو معترف به من خلال تفاعله وجوديا , بما يحقق دستوريته , ويرقى إلى التفاعل الاجتماعي والاقتصادي كقوة فاعلة , والتراثي والثقافي كقوة منتجة ومتميزة , وقدرة إبداعية تجلت في كبار أعلام السياسة والريادة الفكرية والعلمية والعسكرية وفي معترك النضال الوطني المشهود , مما لا يمكن القفز فوقه وتجاهله, أو محاولة تشويهه ومحاربته واتهامه بما ليس فيه , أو محاولة وضعه في خانة التحطيم والحصار والتغريب ليكون ذلك بعيدا كل البعد عن القيم الوطنية والأخلاقية والمجتمع المدني المتحضر .

* الجريدة المركزية للبارتي الديمقراطي الكوردي – سوريا – العدد (338) حزيران 2009

لقراءة مواد العدد انقر هنا