القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



القسم الثقافي

























 

 
 

مقالات: زمار بين الاغراق والترحيل

 
الأربعاء 26 اذار 2008


كفاح محمود كريم

  لم تكن عمليات التعريب والتغيير الديموغرافي محصورة في مراكز المدن في الموصل وكركوك وديالى فقد شملت هذه السياسة كل المناطق التي تقع غرب دجلة اعتبارا من ضفة نهر دجلة الغربية وحتى أقصى غرب سنجار، مرورا بربيعة التي كانت حتى مطلع الثلاثينات من القرن الماضي تعج بالعشائر الكوردية التي تم تصفيتها بالترحيل والإذابة بين المجتمعات العربية منذ ذلك الحين واستبدالها بعشائر شمر من الصايح والعبده ثم عشائر الجبور والعوجان وكثير من العشائر العربية التي تم تشجيعها للاستيطان هنا في هذه المنطقة لعزل كوردستان تماما عن جناحها الغربي في زمار وتلعفر وسنجار وبقية غرب اقليم كوردستان العراق.


   ومنذ قيام الدولة العراقية اتجهت الأنظار إلى إجراء تغييرات ديموغرافية في هذه المناطق، حيث بدأت حكومة المملكة العراقية منذ ثلاثينات القرن الماضي بتمليك مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت تعج بالعشائر الكوردية إلى عشائر عربية لا تمت بصلة إلى المنطقة تحت مسميات مختلفة ربما أهمها هي مسألة توطين البدو في قرى ومجمعات واراضي هذه المنطقة، حيث تم استقدام عشائر البدو من مناطق الحضر والشرقاط والبيجي واطراف سامراء وتوطينهم في هذه المناطق.
   وهذا ما حصل فعلا، حيث تم تمليك المئات من شيوخ تلك العشائر آلافا من الدونمات الزراعية على طول الحدود مع الدولة السورية باتجاه الموصل شمالا وسنجارغربا ودهوك شرقا، مما يخلق حاجزا سكانيا يفصل تماما بين غرب وشرق اقليم كوردستان من طرفي محافظة دهوك والموصل.
  وخلال سنوات تم تهجير وإذابة الكثير من العشائر الكوردية من المنطقة إلى مناطق بعيدة عن مواطنها وإشغال أماكنها من قبل تلك العشائر التي استقدمت لغرض التعريب، وتمليكها الاراضي ووسائل الانتاج والاسلحة وتأسيس وحدات عسكرية او مخافر حدودية قرب قراها لربطها وتأمينها في المنطقة، وحينما اكتملت عمليات التهجير والاستيطان بدأت الحكومة بتنفيذ برنامجها في سد الموصل كما ذكرنا اعلاه، هذا السد الذي كان في اساسياته مشروعا لأرواء سهل تلعفر وسنجار كونهما يعانيان من شحة المياه واعتمادهما على الزراعة الديمية والامطار الموسمية والتي تقع معظم اراضيهما خارج الخط المطري المعروف في المنطقة، وكما يقول المؤرخ العراقي الدكتور سيار الجميل في مقاله عن سد الموصل وخطورته: 
    ( لم يكن سد الموصل وليد عهد صدام حسين، لقد ولدت فكرته لأول مرة عام 1950 ايام العهد الملكي، اذ كان يعد واحدا من المشاريع العملاقة لمجلس الاعمار في العراق واستغرقت دراساته اكثر من ثلاثين سنة من جانب شركات بريطانية وسويسرية وفنلندية وسوفياتية واميركية وايطالية وفرنسية ونمسوية وتشيكوسلوفاكية وغيرها. اذ ليس هناك عهد من العهود السياسية في العراق لم يعقد اتفاقيات مع شركات عالمية عدة للدراسة ومعرفة طبيعة الارض وجيولوجياتها. وقد اختير اكثر من موقع، وكان يطلق عليه اسم مشروع سد اسكي موصل (بسبب وجود قلعة اسكي موصل والتي غمرتها اليوم مياه البحيرة). وتقول المعلومات ان موقع بناء السد كان الى الاعلى من موقعه الحالي عند قرية "ضوء القمر" (60 كيلومتراً شمال الموصل)، ولكن تغّير بعد ذلك الى الموقع الحالي. كما دُرست ايضا مشروعات جدوى سد الموصل، وتقرر ان تعقبه اربعة مشروعات كبرى للري، اثنان غرب دجلة (ري الجزيرة الشمالي وري الجزيرة الجنوبي) ثم اثنان شرق دجلة (ري الجزيرة الشرقي لكل سهول الموصل واربيل). وذُكر ان السد سيؤمن بعد اكماله الزراعة الدائمة الكثيفة لمساحة تقرب من ثلاثة ملايين ونصف مليون دونم من الاراضي القابلة للزراعة على جانبي نهر دجلة كما سيؤمن المياه لاحتياجات الزراعة الصيفية في اواسط العراق وجنوبه. ومن اغراض السد ايضا توليد الطاقة الكهرومائية والسيطرة على مياه نهر دجلة لدرء اخطار الفيضان وبخاصة في مدينة الموصل ).
    حتى حوله النظام السابق ورئيسه صدام حسين الى مشروع شوفيني عنصري لا يخدم الزراعة بقدر خدمته اهداف ذلك النظام، وتحويله الى هدية الى منطقة ربيعة كما صرح هو نفسه حينما زار المنطقة وحرم سهل تلعفر وسنجار من المياه ليمنحها الى منطقة لا تحتاجها اصلا.
   ولعلنا نتذكر جيدا عملية إغراق بلدة أو مركز ناحية زمار واكثر من 25 الف دونم من افضل الاراضي الزراعية في حوض السد بما فيها اعرق قرى المنطقة وأقدمها تاريخا الا وهي قرية ( جفتكا عمري مستي ) التي يعود تاريخها الى عام 1878 م أي قبل تأسيس الدولة العراقية بأكثر من اربعين عاما، كما يذكر الدكتور موسى هسنياني الاستاذ المساعد في قسم التاريخ بكلية الاداب في جامعة دهوك. 
   اضافة الى تدمير قرية سي قبه الكبيرة ومعظم قرى الكورد في هذه المنطقة وترحيل قسم كبير من سكانها بعد عام 1975م والقسم الاخر على خلفية مشروع سد الموصل السياسي والتعريبي الذي افتضح أمره منذ عدة سنوات.
  وقد تم تمليك ما تبقى من أراضي بين منطقة ربيعة وناحية الشمال (سنون ) في قضاء سنجار من جهة، وبين ربيعة وعوينات من جهة أخرى للشيوخ من شمر ومن عشيرة زوبع وبقية العشائر العربية والبالغة عشرات الآلاف من أخصب الأراضي في مشروع أرواء الجزيرة ( مشروع ربيعة ) الذي تحول فيه سكان المنطقة الاصلييين من مالكين إلى أجراء يعملون عند إقطاعيات تم استحداثها في عملية التعريب هذه.
  ولم يكن هذا المشروع مشروعا اقتصاديا أو إنمائيا بقدر كونه مشروعا عنصريا، وذلك لتقطيع أوصال الاقليم وإنشاء عازل طبيعي بين كل من شنكال وزمار من جهة وبقية أنحاء كوردستان من جهة أخرى وبالذات منطقة دهوك. حيث مئات المزارع المملوكة للعرب وآلاف الأجراء الكورد وبالذات الايزيديون وحرمان سكان المنطقة الأصليين من الهسنيان والميران والموسى رش والكركرية من امتلاك أو استثمار أية أموال أو أراض زراعية كمزارع على مشروع ربيعة، لسبب واحد وهو إنهم كوردا.
   إن التصاميم الأساسية للشركات التي صممت وربما نفذت أجزاء من المشروع تؤكد بأنه يمتد الى أطراف قرية خانصور غربا والى شنكال وتلعفر الى الجنوب  والجنوب الغربي من المنطقة، إلا إنهم لم ينفذوا إلا الجزء الذي يحقق مآربهم العنصرية فقط.
     وفي تلعفر التي لا تضم إلا مجموعة صغيرة من القرى تم استبدال أصول وانساب كثير من العشائر الكوردية الأصل أو التركمانية بأصول وانساب عربية منذ تسلط البعثيين على الحكم وحتى سقوطهم في نيسان 2003م. حيث فرضوا على جميع العشائر في هذه المنطقة أن تختار لها أصولا عربية وتنظم شجرات لعوائلها تؤكد انها من انساب هذه الاصول الجديدة فيما عرف لاحقا بتصحيح القومية!؟.
   وكذا الحال في سياسة الترحيل والتهجير لسكان زمار وآفكني أو العياضية وعشرات القرى التي تم تدميرها بالكامل في هذا القاطع من غرب دجلة حتى اجتازت عاصفة التعريب نهر دجلة باتجاه زاخو ودهوك حيث وصلت العشائر العربية الى تخوم المدينتين.
   وباتجاه الغرب نثروا العشائر العربية قرب الحدود السورية ومع اتجاه الطريق الذي يربط ربيعة بتلعفر والموصل من جهة وباتجاه الطريق الذي يربطها مع سنجار حتى حدود جبل سنجار حيث قرية خازوكة التي تسكنها عشيرة الجحيش العربية، إضافة إلى عشرات القرى التي تم إنشاؤها على طول الحدود مع سوريا من نقطة الخابور وحتى تل صفوك في غرب سنجار وإسكان العشائر العربية المستقدمة من مناطق لا صلة لها تاريخيا ولا جغرافيا بهذه الأماكن مثل قرى الفاو وحصاويك والزكو وبني سبعة والتي دعموها بوحدات عسكرية من الجيش وحرس الحدود او مخافر الشرطة التي عينوا فيها ابناء تلك العشائر لكي ترتبط اكثر بالمنطقة وتنفذ مشاريع النظام في الكراهية والتسلط وإشاعة التفرقة بين الناس وتحويلهم الى درجات اعلى وأقل في المواطنة.
   واذا كان سقوط النظام السابق جاء نتيجة لتلك السياسات الشوفينية التي كلفت العراق ومكوناته خسائرا فادحة وفرصا ذهبية للتطور والازدهار بدلا من تلك السلوكيات والعبث الذي ادى الى زراعة الاحقاد والكراهية والظلم بين الناس، فان الحكومات التي أعقبت سقوط ذلك النظام ما زالت تراوح في مكانها وعند حدود نفس السلوك والممارسات المقيتة وعاجزة عن أن تصلح ما افسده ذلك النظام وتعيد الحق الى اصحابه بعد مايقارب من خمس سنوات على انهيار وسقوط نظام البعث.
   وأكثر ما يزيد المشكلة تعقيدا وجدلا إن الحكومات التي اعقبت حكومة صدام حسين وحزب البعث يفترض انها من ضحايا ذلك النظام ومن أشد المعارضين له وجاءت انما لتعيد الامور الى نصابها وتنصر المظلومين من ابناء العراق بصرف النظر عن اعراقهم او اديانهم او مذاهبهم ، وأن يكون مجلس النواب موطن صيحات واهات اولئك الذين جزتهم سكاكين النظام السابق لا أن يكون منبرا لهلوسات من يعيد الى الذاكرة ثقافة علي كيمياوي والابادة الجماعية والعرقية لغير العرب في الموصل وغيرها من مدن العراق، ويلغي مكونات مهمة من تركيب السكان في المحافظات والبلدات، بل يعتمد نفس احصائيات النظام السابق للمكونات العرقية المصححة القومية وتلك الثقافة البائسة في التعاطي مع الكورد والتركمان والكلدان والاشوريين وغيرهم من مكونات العراق القومية والعرقية او الدينية والمذهبية. بل وتمارس جهات مهمة من الدولة الجديدة نفس ممارسات النظام السابق في تأسيس قوميات واحزاب للزينة على خلفيات مصالحها في محاربة القوميات الاخرى، كما يحصل الان في تصنيع قوميات على اسس دينية اومذهبية مع بعض العشائر الكوردية في محاولة يائسة وبائسة لاستنساخ تجارب حزب البعث وممارساته التي دمرت العراق وشعوبه.
  إن عراقا جديدا ومعافى لا يمكن له أن ينهض دونما معالجة تلك الجروح واعادة الحق الى نصابه وإشاعة قيم المساواة والعدالة والانسانية وسيادة القانون بدلا من الشوفينية والنظرة الضيقة والفوقية في التعاطي مع الاخرين، ونبذ ثقافة الاقصاء والتآمر وزرع الكراهية والاحقاد على اسس دينية او قومية او عرقية.

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 3


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات