القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 321 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي



























 

 
 

مقالات: عبدالصمد داود.. تلويحة ماقبل الأوبة الأخيرة!

 
الأحد 01 تشرين الثاني 2020

  
إبراهيم اليوسف
 
أراجع الآن، علاقتي بالكاتب الراحل عبدالصمد داود، الذي عرفته منذ  أكثر من أربعين سنة، عندما كانت أسرته تقطن في دار لصق دارنا- من الجهة الأخرى- لصق ظهر بيتنا، في شارع الحرية. كانت تربط بين عائلتينا علاقة، إذ إن والدهم - رحمه الله- عالم دين، كما أبي الذي كان ذا علاقة قوية بشقيقهم - رفعت- يجده مثلاً بين من يجمعون بين الدين والدنيا، وكان أحد النماذج التي لايفتأ يقول لي: ليتك كنت مثله.. وقد قالها في أكثر من شخص متحسراً!


كنت طالب ثانوية -آنذاك- وأخال أ. عبدالصمد كان قد أنهى الجامعة، ثم أتذكره موظفاَ في وزارة الزراعة، توصله سيارة الدائرة إلى منزله، أو تأخذه، يسلم علي، وأنا في محلي- للخياطة- الذي افتتحته، مقتطعاً أمتارأ من ساحة البيت، أرد عليه السلام، كما سواه، وأشرد، فتشرد إبرة ماكينة الخياطة، وتدرز على نحو منفلت، وأصلح العطب، إلى أن أترك مهنة الخياطة التي أتقنتها، وأظنني نسيت الكثير منها!
انتقلت أسرة المهندس عبدالصمد من حينا، إلى حي آخر، بعد أن توثقت العلاقة بيني وشقيقهم عبدالسلام الذي كنت أكبره قليلاً بالسن، كما يخيل إلي الآن، لتظل للأسرة مكانة في ذاتي، فأفرادها يترددون على أقربائهم في شارعنا -آل حميدي: محمد وداود رحمه الله، ولأعمل مدرساً إلى حين مع أ. رفعت في إعدادية "الحمدانية"، وكان مرجعاً في اللغة بحق، كما في الشريعة، إذ كان ينال احترام جميعهم، ولا يساوم على موقفه، بعد سنوات تم نقلي إلى- وزارة الزراعة - إذ درَّست في- ثانوية هيمو الزراعية-  ليكون أ. عبدالصمد مع كوكبة من المهندسين هناك، أزور رفيقاً لنا: محمود سالم، فألتقيه والمهندس سلمان إبراهيم وآخرين منهم ابن عم لسليم بركات، ونتناقش في أمور كثيرة.
كانت علاقتنا في حدود الاحترام المتبادل، أدعوه إلى أنشطة الحزب الشيوعي كما غيره من الكتاب، إذ كان كاتباً وملتزماً بالعمل التنظيمي في حزب يكيتي، إلى أن اندلعت انتفاضة آذار2004، ومن ثم استشهاد الشيخ محمد معشوق خزنوي2005، لينضم إلى - لجنة أصدقاء الشهيد معشوق- مع  كل من: أ. حسن صالح- فؤاد عليكو- الملا محمد ملا محمد الغرزي أدامهم الله، وننسق عن قرب لأكثر من فعالية لإحياء ذكرى الشهيد معشوق وغيرها، وكنت قد قرأت من قبل كتاباً له أهداه إلي رفاق يكيتي مع مطبوعاتهم التي كانت تصلني، وعمل في تلك الفترة على إنجاز كتابه عن الشيخ الشهيد.
انقطعت عن التواصل مع أ. عبدالصمد بعد سفري إلى الإمارات، لأتابع بعض نشاطاته اللاحقة، ولأكون من عداد الذين اتصل بهم فور وصوله إلى- ألمانيا-  لتتوثق العلاقة، وتتعمق، أكثر أكثر أكثر، وأعرفه. أكتشفه عن قرب أكثر. أكتشف إنسانيته. شفافيته. ثقافته، أكثر أكثر، وليشرح لي، عبر الهاتف، أو المسنجر، أو عبر اللقاءات القليلة التي تمت، ولم تستمر، بسبب وضعه الصحي، وكنا قد وضعنا برنامجاً للتواصل، بحضور الصديقين: فواز عبدي و أحمد إسماعيل  و هكذا: حفيظ عبدالرحمن في بيته، أكثر من مرة،، باعتبار علاقتهما كانت متواصلة، ولم تنقطع، أو بحضور أ. خورشيد شوزي في بيته، فقد كان جد طموح، يسعى لطباعة مخطوطاته الكثيرة التي تأخرت طباعتها كثيراً، وما أن هم بطباعتها عن طريق صديقنا فواز عبدي كمشرف ومتابع وبوساطة صلاح محمد  مع إحدى المطابع وتدخل جزئي من قبلي، لحسم الأمر، من دون أن تكحل عيناه برؤية كل ما هو مطبوع، أو تحت الطبع بسبب ظروف مرضه، ومن ثم جائحة كورونا التي- شهد أول موجتها الثانية- و قيدت حركة تلك الدار، وما أردت التدخل أكثر، لأن الأمر بيد صديقنا فواز، الأقرب إليه تنسيقاً ورفاقية قديمة وعمق صداقة تاريخية متجذرة.
النقلة الأخيرة، إذاً، في علاقتنا: أ. عبدالصمد وأنا، كانت بعيد وصوله إلى ألمانيا، وكان من الممكن أن نعمل معاً أكثر، وكان أول ذلك مشاركته معنا – عبرقصيدتين إحداها بالكردية والأخرى بالعربية- في يوم الشعر الكردي- أكتوبر2019- قبل مرضه الأخير والتزامه السرير بحوالي شهر ونصف، إذ تم إعلان تكريمنا له، على أن يحضر الحفل، فحال مرضه دون ذلك. خلال لقاءاتنا القليلة: ولربما آخرها في عرس نجل صديقنا فواز،  حيث قال الكثير: في التنظيم والسياسة والأدب والنقد والذكريات المريرة ولدغات بعضهم له، وهو ينتظر أن يقطن في المنطقة التي نقيم فيها: نورد راين فستفالن- لأن أكثر أصدقائه . معارفه هنا، وللأسف، فإن ذلك لم يتحقق.
قال لي حفيظ، ما إن أعلمته بنبأ رحيل أبي داود الذي عمل معه في مجلة" ستير" وكان معهم آخرون منهم: الراحل رزو أوسي-  وزاغروس حاجو الذي كان يدير المجلة، كما فهمت:
لقد قضى هذا الرجل حياته وهو يعاني، إذ إن معاناة كبرى كانت تسلمه إلى أخرى، في سلسلة لم تنته إلا مع انتهاء أكتوبر السنة 2020- سنة الخسارات- سنة الموت- سنة كورونا- الشهر الذي شهد آخر أنفاسه، ودقات قلبه الإنساني ولربما كانت ذروة معاناته هنا في أوربا، إذ لم يهنأ خلال ثلاث سنواته الأخيرة بالراحة، بل ظل يكابد في مواجهة الظروف الصعبة، الصحية والروتينية العابرة التي كان وأسرته من ضحاياها، ولا أريد أن أتكلم عن عدد- الحبوب- أو الإبر التي كان يزرقها في جسده- بعد كل وجبة طعام، وذلك منذ أن اشتد عليه مرض السكر الذي عطب كلتا كليتيه، ما أدى إلى استئصالهما.
في آخر لقاء، بعد إجراء عملية استئصال كليته زرناه أنا وحفيظ، وكان هناك بعض أفراد أسرة الصديق المحامي صبري ميرزا، والكاتب نواف ميرو- من كردستان تركيا- وأخرون. ما أثار إعجابي، وأنا أعضُّ على روحي، محاولاً إخفاء حزني عليه أنه كان يسرد لنا الطرائف- وهو في تلك الحالة- معتمداً على ذاكرة قوية من أسماء وتواريخ، شاداً انتباهنا إليه، كما كان يفعل دائماً. استودعناه، على أمل أن نلتقيه، من دون أن يبقى بيننا إلا - الهواتف- ورسائل الواتس، بسبب جائحة- كورونا" إذ قلنا له:
إنا نخاف عليك من زيارتنا!
لدى رفيقة دربه - أم مجيد- روايات عن ألمه الكبير، ليس منذ أن وصل- ألمانيا- واستشرس عليه المرض، فحسب، قائلاً له: من قال لك أن من يتخلص من استبداد النظام الدكتاتوري في بلدك  قادر أن يهدأ ويرتاح ويتخلص من قبضتي؟! إذ إنه عاش سنوات من -إبر- حاقنة- ونقر على أرقام هواتف الإسعاف، لتتحول رفيقة دربه إلى: طبيبة- وممرضة-  ومترجمة، وألف رجل، ولا أستطيع أن أتناول- كتابياً- ولو ألم ثوان عابرة وهو يتوجع- بالرغم من جلده العظيم-
الرسالة الصوتية الأخيرة التي وردتني على واتسابي منه- قبل ساعات من رحيله أو قبل أقل من يومين- سمتها أم مجيد، رسالة" صحوة الموت"، فهي بالرغم من أنها آلمتني، لكنها احتفلت بصوته ورأته متماسكاً، ثم طمعت لأهتف، وأحدثه عن حوار تلفزيوني معه أو نشر أخبار عن كتبه، فقال:
الآن صعب، إلى أن أشفى. كل شيء عند فواز!
ولم أدر أنني بعد يومين تحديداً، سأهتف لفواز وأقول له: ما أخباره؟ هات أسماء كتبه المطبوعة- بعد أن تأكدت من الصديق نعمت برحيله- فأعدها لي، لتكون جزءاً من نعوة- المكتب الاجتماعي في الاتحاد العام للكتاب والصحفيين برحيله-! كي يكون أول من أعزيهم من أسرة الراحل بعد أنجال أ. رفعت وعمهم عبدالغني الذي أكلمه لأول مرة وكان مصدوماً من هول النبأ
حقيقة، لقد خسرنا قلماً غيوراً على شعبه، وثق جزءاً مهماً من المظالم التي لحقت به، بل استطاع أن يهرب وثائق جد مهمة عن معاناة شعبه، وينشرها، في أحد كتبه، ويظل تحت وطأة التهديد، والتهمة، محققاً بذلك منجزاً عظيماً، لا أراني مخولاً- هنا، بتناول تفاصيل تلك المغامرة التي يستطيع صديق كـ "أحمد إسماعيل" جعل نواتها - كتاباً- أو عملاً سردياً، أو توثيقياً، لتكون فيلماً في حدث جد مهم!
لكم كان جميلاً، لو أن تكريمنا له قد تحقق- وكان قد تحول الخبر إلى حالة واتسابية في أحد هواتف بيته- إلا أن تسويفه لنا: دعوا الأمر الفلاني إلى أن أسكن قربكم، من دون أن يتحقق ذلك، وها هو جسده الطاهر يتأهب، ليطير إلى الوطن، بعد أن تعب أكثر من سبعة عقود، على تخوم حلم كان أحد من حفروا في صخره بأظافرهم الصلدة، والواثقة!


 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4.6
تصويتات: 10


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات