القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 337 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي



























 

 
 

مقالات: سفر الجوع الرهيب!

 
السبت 25 تموز 2020

 
  إبراهيم ايوسف

إلى طفل مدينتي الذي ينام الليلة بلا حليب!

من الذات إلى المحيط:

أتردد، منذ أيام، في الكتابة عن حالة الفقرالتي وصل أهلنا في الوطن إلى  دركها الأسفل، أو قاع هاويتها، وسبب ذلك هوأنني منذ عشرين سنة، أو أكثر لطالما كنت أكتب: نحن نعيش تحت" خط الفقر"، أقولها، منطلقاً من واقع محيطي. من واقعي، بالرغم من أنني لطالما كنت منتجاً منذ أول شبابي، إذ عملت خياطاً، وحارساً موسمياً في مكتب الحبوب، ومعلماً وكيلاً وأنا في الثامنة عشر من عمري، ثم واصلت عملي في عالم التدريس، وتعرضت للمزيد من التضييق من أجهزة النظام الذي حاربني في لقمة أسرتي، وإن كان ما كنت أحصل عليه ينفد في أول يوم من أيام الشهر، لأستدين من ذوي، وثمة ديون لاتزال مترتبة علي، منذ أيام دراستي الجامعية، وها قد غدوت متقاعداً:


-إذ لم يكن حتى العمل المنتظم خلاصاً من شراك العوز!

ما يدفعني إلى هذا الكلام- الآن- بوتائر أعلى، وإن بتُّ أجد لغتي دون إمكان رصد تفاصيل حالة عوز الأهل في الوطن، هو أنني عندما أكتب عن فقر الناس، فلأنني لا أخجل حتى  الآن، من سرد بعض المحطات الأكثرصعوبة التي مررت وأسرتي بها، إذ غدوت لاجئاً، وأنا الذي طالما كنت أرفض فكرة اللجوء لي ولأسرتي- وهو مؤرشف في مدونتي- و قد أكرهت على العمل خارج الوطن، ولطالما كنت أحاول مقاومة التحديات وأصمد هناك، إلى أن غدا ذلك مستحيلاً، بالرغم من إعانات أهلي لي. إعانات أبي طالما كان على قيد العطاء . أخوتي، بل إنني قرأت مساء اليوم، نصاً لكرم يوسف- زميلي في المهنة والكتابة والشغب الأول-  وهو يواصل عبره ما بدأ يسرده من مواقف أليمة عن معاناة الأسرة. أسرتنا،إذ فتح  هذا النص جراحات كثيرة في قلبي، وأنا  أعود القهقرى لأقف أمام مرآة البيت الطيني، أراني، أرى أطفالي، أمهم. أهلي. أصدقائي. العالم، وإن كنت  سأعترف أن سوء إدارتي لشؤون البيت كان له دور في تلك المعاناة التي كانت تجري في  محيط البيت الصغير، وفي حالة  كتمان ذاتي  تام، بالرغم من أنني من هؤلاء الرجال الذين كانوا يسلمون كل مالديهم من" معاش" لأمهات أطفالهم، وهي سنة أتبعها إلى الآن. آخذ ما يلزمني من مصاريف وأدع الباقي في عهدتها، إذ إن راتب الموظف في سوريا. الموظف الشريف. الموظف الذي لم يقبل المهانة على نفسه كان لايكفي أسبوعاً- فحسب- في أحسن الأحوال!

في تلك الفترة، كنت أكتب بعنف، ما استطعت، وعبرالصحافة المتاحة، ناقداً حالة الإفقار التي يمر بها المواطن في سوريا، في ظل الفساد العارم، العام، الذي كان يهيمن على البلاد من أعلى قمة المسؤولية وحتى أدناها: الرئيس، وأسرته، وحاشيته، وأزلامه الصغار في دورة كاملة: حيث اللصوص الصغار من مرتشين، ومسهلي معاملات، ونمامين، وكتبة تقاريرأخطبوطيين، ينهلون  جميعاً من حوض واحد كل بحسب خرطومه أو خراطيمه. إذ كان في البلاد ثمة فقر حقيقي أليم. أقول هذا لأنني كنت أعيش مع الناس البسطاء، أعرف تفاصيل أحوالهم، فما أكثر تلك البيوت التي مرت على أطفالها شتاءات وحشية كاملة في ظل حكم البعث وعصابته من دون أن تشتعل مدفأة مازوت فيها، وما أكثرتلك البيوتات التي لم يكن أطفالها ليتناولون اللحم، أو الفواكه، على امتداد أشهر، بل ما أكثر تلك البيوت التي كانت تمرأيام كثيرة لا يدخلها الخبز*:

سيسألني بعضهم: كيف كانوا يعيشون؟

يمكن أن يذهب السائل إلى أحياء: الهلالية- العنترية- طي- قناة السويس- جرنك ويسأل عن أحوال  نسبة كبرى من الناس، لاسيما هؤلاء الذين لامردود مالياً لهم. لا وظائف. لا أملاك. وكان لسان حال أحدهم وأعرفه عن قرب وهو يصور واقع أسرته: "أرض جرداء وسماء يابسة" ولا شيء لنا، ولربما كان للسماء توصيف آخر: سماء بعيدة، كما قد أتصوره خارج النص، وهو ما أظنه مثلاً على مقتضى أحوال عديمي الحيلة. أتذكر أن أحدهم في قامشلي قال لي: شهر كامل لم تشتعل في دارنا نار، أي لانار مدفأة أو" وابور" كاز، أو غاز، اشتعل في البيت، وثمة أفواه جائعة في ذلك البيت.

وأنا أتابع، الآن، نتفاً من جوانب معاناة الناس، بعد نصف قرن من حكم نظام مافيوي، فاسد، وعشر سنوات حرب. هي فضاء العقد الأخيرالذي نأمل أن يذهب إلى- مزبلة التاريخ- وإن كان أكثر من يتم إعدادهم من- البدلاء- من شاكلته، وأسوأ. ثم أسأل نفسي:

ترى، من القادم الذي لاتزوغ عيناه إلى ماقد تبقى من دم في ضرع بقرة الوطن؟، وأكاد لاأرى أحداً ذا أدوات مطلوبة البتة..!

كلما أحببت أن أتصور أحوال هؤلاء الفقراء الذين كانوا بلا موارد، بلا أملاك. بلاحيلة، ولم تتح الحرب لبعض منهم إلا خسارة معيل  طحنته رحى الحرب، أو آخر لاذ بالفرار وراء الحدود هرباً من- الجندية الإلزامية- جندية حزب لايؤمن به غالباً حتى وإن صفق له مكرهاً، وأنا عارف في قرارتي أن ثمة حديثي النعمة الذين عرفوا- من أين تؤكل الكتف- وهم وجوه  جديدة الحضورفي المكان، كما أعلم أن أعظم غني في المكان لم يتقن أفانين اللصوصية في الحرب فقد أفقرهو الآخر، أما هؤلاء الذين لم تكن لتشتعل النارفي بيوتهم أشهر: ما حالهم الآن؟

ولربما الأمر ممكن التخيل، حتى الآن، ولكن:

-أسأل أحدنا نفسه:

ما الذي سيفعله ذلك الذي كبلته قيود كورونا**، فلا عمل، ولابيع ولاشراء ولاحركة ولابركة؟

ولعل صوتاً قادماً:

ثمة سلال غذائية؟

أية حياة يمكن أن تستمد من سلال تكاد لاتكفي إلا عُشرمتطلبات الأسبوع، لا الشهر، بل إن السلال ذاتها تتطلب سلالاً من نوع آخر، فيما إذا وزعت على بيت كل ذي حاجة بالقسطاس، وأليس عاراً أن تذهب أموال هائلة إلى جيوب بعض حديثي النعمة، واللصوصيات المختلفة المنظمة- والسابقون عليهم من اللصوص عم المؤسسون ومسببو بؤس الحال- بينما من مهمات أي حاكم توزيع خيرات المكان لتصل كل بيت في الوطن.

كما أن علينا ألا نتصور أن من لاذ بالهرب إلى هذا البلد المجاور أو ذاك قد استطاع تأمين سبل معيشته، إذ ثمة جزء كبير من مهجرينا بلا عمل. حملة شهادات بلا عمل- ومن بينهم من أعرف- كما أن هناك من انتهز الفرصة ليكون ممثل لاجئي- كامب ما- وقد غدا أحد أثرياء الحرب؟ كيف ذلك؟ أي تواطؤ متبادل أوصله إلى هذا المقام. ثمة أطفال في كامباتنا الهائلة بلا علاج. بلا حليب.

أأكمل؟؟

أأتحدث عما قيل لي قبل يومين من استثمار حاجات الناس لابتزازهم: مخبرين، أو حتى على حساب كراماتهم وأعراضهم؟

ياإلهي؟

أتذكر ممولي الحرب المختلفين، ماذا لو أن هؤلاء الأشد سوءاً من القتلة والوحوش وزعوا هذه الأموال الهائلة على الناس في ظل شبح الحصارالرهيب، لئلا تكون هناك حرب.

هل كنا نصل إلى هذه الحال لولا أن طاغية ابن طاغية مجنوناً استبد، وباع وطنه لقاء كرسي سابح على بحرمن دماء وأشلاء؟

الطاغية لص البلاد الأول!

لص البلاد الأول

مجرم البلاد الأول

وإلافكيف كان المجرم أردوغان يمرر خططه، لاعقاً أحذية قادة العالم، واحداً تلو آخر، ليكون مجرد أرنب في المحافل الدولية ووحشاً ضارياً في مواجهة السوريين، ومنهم الكرد، بعد أن مارس متتالية لعبة: التشبيع والتجويع، ليرتمي من تم إعدادهم مشاريع قتلة أمام قدميه، ينفذون أوامره، وليكون أول امرىء في التاريخ المعاصر يضحك من شعوب المنطقة. العالم، يخطو في الاتجاهات كلها، ووقود حربه دماء الأبرياء!

إنه الهذيان أعرف!

وبينما أحاول أن أختتم هذه الصرخة، إلا أن حديث صديق كاتب في- قامشلي- أسرَّه لي، أمس، لايزال يتردد سكاكين في قلبي وهو يقول:

لكم شعرت بالخجل، وأنا أتجول بين أقسام معرض الكتاب، إذ لم أستطع شراء مجرد كتاب واحد.

هذا الشخص، كان من أبرزالميسورين في زمنه، فقد عمل موظفاً أكثرمن ثلاثين سنة، و كان له مورد آخر، بيد أن الحرب قد أجهزت عليه

وهنا، أشيد بماقام به بعض الأصدقاء- الكتاب المشاركين- في الداخل والخارج من تخصيص بعض الإهداءات من كتبهم إلى القراء، وأستغرب لم لم تفعل ذلك دور نشر كان متوقعاً منها ذلك، موزعة كتبها على قائمة أسماء قراء نهمين يعرفونهم بعض من وجدنا صورهم على امتداد أيام المعرض!

 

* أشارت الكاتبة الإماراتية صالحة عبيد في روايتها إيباد I Pad - الحياة على طريقة زوربا 2013 إلى مقال لي عن"الخبز/ الجوع"

** مقالات كثيرة لي تحدثت فيها عن أحوال الناس، تحضرني هنا أجوبتي على أسئلة تحقيق أجراه الإعلامي محي الدين عيسو

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=681285

 بعض المقالات الأخرى كغيض من فيض واقع الحال في مهاده:

http://www.cdf-sy.org/paper/isso4.htm

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=134505

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=107045

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=10676

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=4625

***كم أتمنى أن يكتب أصحاب الأقلام في الداخل عن الجوع في زمن كورونا/ الحرب، وهوجوع مضاعف!؟

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 9


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات