القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 336 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي



























 

 
 

مقالات: كورونا وأسئلة الوجود والعدم.. غياب دار العبادة وحضور الله

 
الخميس 02 نيسان 2020


إبراهيم اليوسف

ما إن ارتفع  مؤشر الخط البياني لاستفحال مرض كورونا-كيوفد19، على مستوى عالمي، خارج مهاده الأول: أووهان، وبات الفيروس/ الجائحة، يتسلل في الجسد الأوربي، والأجساد القاراتية: محطة محطة، نتيجة انتشاره، عبر أدواته التي يتمُّ الإعلان عنها، وباتت مفردة "كورونا" الأكثر ذكراً و وروداً  في المعجم اليومي، حتى  في مرتبة ما قبل: الهواء والرغيف والماء، حتى تحول هذا الوباء إلى شبح عالمي يخيم في كل مكان، لا ينجو من هاجس الخوف منه، لا المصاب به، ولا السليم، على حد سواء، إذ إن كل سليم مشروع ضحية له. كل امرىء مشروع  التقاط الفيروس، بل إن الموت الكوروني بات مفزعاً، فمن قائل: إنهم يحرقون أجساد الضحايا، إلى قائل بأنهم لا يسلمون رفاته إلى ذويه، ليغدو أي ضحية: حيَّاً كان أو ميتاً مجرَّد متَّهم، بل ليغدو التقاط الفيروس من قبل أحدهم اتهاماً، ومصدر ريبة، ونفور، واشمئزاز، بل إن مجرد: العطاس. مجرد السعال أصبحا من دواعي الاتهام.


ثمة فيديو وصلني، قبل أيام، إذ إن شاباً في الرابعة والعشرين من عمره يسقط على قارعة الطريق، أمام أعين المارة، وتهرع عدسات الموبايلات لتوثق الحدث، من دون أن يتجرأ أحد من الدنو من الرجل، أو العمل على إسعافه، قبل أن تصل سيارة الإسعاف، ويقول الطبيب: إنه تعرض لجلطة قلبية، وكان من الممكن إسعاف هذا الشاب، وهو في ربيع عمره، لو تطوع أحد المارة من حوله وأجرى له الإسعافات الأولية، إلا أن رهبة "كورونا" منعت الناس، من القيام، بواجبهم، الأخلاقي، حتى الفطري، كما أرى!
ثمة الكثير الذي يمكن تناوله في مرحلة- الكورنة - ومن وجهات نظر مختلفة: اقتصادية- سياسية- سيكولوجية- سوسيولوجية، بل "وقائية"/ صحية، إلا أني أحاول- هنا- أن أركز على مسألة صدى وباء كورونا، على صعيد الموقف الروحي، لاسيما إن هناك من رأى في هذه الجائحة موقفاً قدرياً من العالم، بل ثمَّة من راح يعمم فيديوات فيها الردة إلى هذا الدين، أو ذاك، بعد أن وهن إيمان الناس، وأن هناك من الناس من هم في منجى من هذا الوباء الفتاك، وهناك من هم مستهدفون، تحديداً، من دون أن يقدموا ما يلزم من أسانيد، وكان الأكثر مجازفة، في الأمر، من نظر إلى الجائحة من منظور التشفي، والثأرية، في الوقت الذي هونفسه ليس خارج دائرة خطورتها، أنى توافرت الأسباب!
وحقيقة، فإننا وجدنا آراء وازنة، إنسانية، من لدن بعض رجال الدين، الذين نظروا بموضوعية إلى هذا الخطر المحدق بالمركبة البشرية، بحيث أن لا أحد خارج التهديد، بحياته، وراح يتعاطف مع سواه، من رؤى إنسانية، سمحاء، فلا يفصل في دعواته، وابتهالاته بين: أحد وأحد، بل ثمة" واو" عاطفة بين الأقربين والأبعدين، بكل الموازين، من دون أن يجير، أو يحور- فيروس التحوير- لأجل عقيدة، أو مذهب. مثل هذا الحديث يروج، في الوقت الذي يتم فيه غلق أبواب العبادة، بل إنه ومنذ أربعة عشر قرناً، وإلى الآن، لم يتم إلغاء إحدى فرائض الإسلام- مثلاً- وهي الحج، إلا في هذه المرة، بعد أفتى بذلك كبار مفتي الإسلام، إذ إن المسلمين- كما سواهم- أدركوا أن لا أحد في منجى عن هذا الوباء الكوني!
 وإذا كان هذا واقع حال المشهد العام، على نطاق قارات العالم، لاسيما في ما يخص هاتيك الدول التي تسللت إليها الجائحة، فإن ما يشبه- عودة إلى الله- باتت تلاحظ، من قبل أوساط واسعة. ضمن الدين الواحد، أو ضمن سلسلة الأديان، ولعلَّ ما نسب إلى رئيس الحكومة الإيطالي" جوسيبي كونتي"  من  تصريح- روج له كثيراً ولا أدري مدى صحته- حول انتهاء حلول الأرض،  في مواجهة: كورونا، وأن الأمر متروك للسماء، ليدل على مدى سيطرة التفكير بحلول السماء، على أذهان  ومخيلات أوساط واسعة. كل حسب معتقداته، وقناعاته، ولعل مثل هذا التفكير ليس غريباً، إذ إن الاستنجاد بالخالق، حتى من قبل المشككين- كثيراً، ما يظهر، أمام مداهمة الأخطار الشخصية، وهوما يمكن تلمسه لدى كثيرين، وإن كان هذا لا يعمم!
ما فاقم حالة اليأس، والقنوط، في تصوري هو استسلام الدول العظمى أمام خطر الجائحة، إلى الدرجة التي نجد فيها  دولة كأمريكا، يتواصل رئيسها دونالد ترامب، وطاقمه الحكومي، والصحي، على نحو يومي مع الناس، يتدارسون سبل  مواجهة هذا الخطر الآدمي، ويتم الحديث عن كل شيء: الوقاية- العلاج- الواقع- المستقبل، وهوما يتم بثُّه عبر وسائل الإعلام الأمريكي، والعالمي، بما يؤكد أن الأمر ليس عبارة عن تمثيلية، متفق عليها، وإن كانت قراءة وتشريح الأسباب، وعلى نحو مفصل، شأن الخبراء، والعلماء، وهوما يمكن أن يظهر إلى العلن، أو حتى يعدُّ سراً، لاتتم مقاربته على المدى القريب، أو حتى البعيد!
وإذا كنت أنطلق-هنا- من حالة توصيفية، اعتماداً على قراءات، واستنتاجات، واتصالات، في ما يتعلق بحالة الردة الداخلية لدى أوساط واسعة- وقد لا يكون الأمر معمماً-  وفق بيئات ما، فإن هذا القنوط- الآدمي- الشعبي- ليس إلا صدى لقنوط من نوع آخر. قنوط صادم. قنوط رسمي.، هو قنوط  الرؤوس العليا، في ما أصطلح على تسميته ب" الدول الكبرى" أو " الدول العظمى" المتحكمة بمصائر البشر، وذلك بعد عودتها إلى أنواع علاجية بدائية، وإطلاق تصريحات من قبيل:" سيتم اللقاح متوافراً بعد سنة أخرى"، إذ إن في مثل هذه التصريحات إغلاق بوابة الأمل، والثقة بالعلم، والتطور البشري، وصدمته بتحد" كويئن" والتسمية هنا كبيرة على  مجرد فيروس، هلامي، لامرئي، لما يزل الخبراء العالميون مختلفين في الحديث عن طريقة وسبل  انتشاره، بسرعة الهواء. الضوء. البرق، إلى حد خرافي، بات يدعو إلى الأسئلة والشكوك، بالرغم من القناعة الكاملة لدى جميعنا، بوجود مثل هذا الخطر، على ضوء مانقرؤه من أرقام، في جداول وبيانات أعداد ضحايا الفيروس، ما بين: مصاب، ومفارق الحياة، على نحو دولي.
ما يهمني، في هذه الوقفة هو الدرس الآدمي/ الكوني، من رسالة كورونا- أياً كان مصدرها، في تجسير أحدنا تجاه الآخر، ورفع ما بيننا من جدران، وسدود،  ضمن الشقة الواحدة، أو ضمن العمارة الكونية، وان ينعكس ذلك على موقف إنساني من الدمار، والقتل، وإقرار الحقوق المغتصبة للشعوب والأمم، وإسقاط آلة الاستبداد، بأشكالها، ضمن أسرة دولية، تعيد إصدار لائحتها، بصدد كل ذلك، لاستدراك الثغرات التي نشأت، في إطار هيمنة المصالح، ومحو الأقوياء للضعفاء.
أجل، لا يمكن أن نكون أمام تحولات حقيقية في حيواتنا، مالم يتم استثمار هذا التهديد العام الذي راح بعضهم يرى بأنه كفيل بإنهاء الوجود الإنساني، على سطح المعمورة، على أن ينعكس ذلك في سلوكين: عام وخاص، وعلى نحو متكامل. العام منه ما يتعلق بالدولة/ الدول، والنظام العالمي المابعد جديد" المنتظر". نظام كل البشر، والخاص، هو طهارة الآدمي ذاته، من داخله، حتى يكون في مستوى إنهاء حالة الاستوحاش التي طالما عانينا منها، وكان من نتائجها تدمير حتى الطبيعة، التي يتم الحديث عن ثأريتها منا، وقد بدت الآن أكثر هدوءاً، بعد هبوط حركة" المطارات" والطائرات، وحتى المركبات، والمصانع،  بل ووضع  حد لبؤر الضوضاء، إذ باتت سماء بعض مدننا التي كانت تخيم عليها سحب الدخان في هالة، أو حلة جديدة!


 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 3.85
تصويتات: 7


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات