القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 526 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي


























 

 
 

مقالات: مقدمة كتاب «عفرين، مدينة الزيتون بين إعصارين»

 
الخميس 19 اذار 2020


رغم اخراج الكُرد السوريين تدريجياً من معادلة الثورة السورية، بعد مرور أشهر قليلة على بدايتها، وذلك بعد استيلاء حزب العمال الكُردستاني على قرارهم؛ تحت عنوان تحييدهم عما يجري في سوريا من صراع بين نظام الأسد والمعارضة، إلا أنهم وجدوا أنفسهم بعد قليل، بسبب سياسات الحزب، وتصاعد عمليات القتل والدمار وتزايد التدخلات الإقليمية والدولية في البلاد، وقوداً في أتون صراع أكبر، تخوضه قوى محلية وإقليمية ودولية على أرضها، الأمر الذي أدى إلى نقل الحرائق إلى مناطقهم الرئيسية، كان أكبرها تعرض منطقة كوباني في أواخر عام 2014؛ لهجومٍ كاسح من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، وتعرض منطقة عفرين في أوائل عام 2018، لهجومٍ شامل من الجيش التركي، لعبت فصائل من "الجيش السوري الحر" المعارض لنظام الأسد، دور رأس الحربة فيه، الأمر الذي أدى من بين جملة من النتائج؛ إلى تدمير مدينة كوباني وهجرة حوالي نصف سكانها، واحتلال عفرين وتهجير نسبة كبيرة من سكانها، وتوطين آخرين مكانهم.


لم يكن ما جرى في كوباني وعفرين، وكذلك ما شهدته منطقة الجزيرة السورية من حرائق سابقة ولاحقة، أعمالاً منفصلة عن بعضها البعض كما ظهر لاحقاً، بل أحداثٌ متسلسلة ضمن إطار عمل ممنهج وشامل، يقوم على استنزاف موارد الكُرد البشرية والمادية؛ من خلال استخدامها لتغذية آلة القمع التي تطحنهم من أجل تطويعهم أولاً، وامداد جبهات قتال لا تعنيهم في شيء بعد ذلك، الأمر الذي وضع الأساس لكل الخسارات التي وقعت عليهم، فأصيبت المناطق الكُردية السورية بتغييرات عميقة، كان التجنيد القسري وتدمير التعليم أهم مسبباتها، وكانت أوضح تعبيراتها، المقابر الكبيرة التي أحاطت بالمدن الكُردية، والتي ضمت رفاة آلاف الشبان الكُرد، والهجرة الكُردية الواسعة من المنطقة، حيث ذهبت التقديرات إلى مغادرة ما يقارب المليون كُردي للبلاد، معظمهم من الفئة الشابة الواعدة ومن أصحاب الكفاءات، لتتفتت بذلك الأُسرة الكُردية وتفقد أفراداً منها، ويضعُف المجتمع الكُردي ويفقد تماسكه ويتصدع، وتتغير في المحصلة بنية المناطق الكُردية السورية وشكلها، لا بل حتى تسميتها. 
بعدما ساهم استعادة كوباني من تنظيم "داعش" أوائل عام 2015، في صعود نجم حزب العمال الكُردستاني في سوريا؛ على حساب الكُرد ومدينتهم، وخاصةً تغييب قضيتهم القومية والوطنية، بحيث أصبح الحزب من خلال أجندته الحزبية المتقلبة، مطلوباً لأكثر من جهة، للعب أدوار مختلفة على أكثر من جبهة، بعد أن كانت تحركاته تتقاطع مع مصالح نظام الأسد لوحده، فقد كانت هزيمة الحزب في عفرين في أوائل عام 2018 بدايةً لأفول نجمه، درجة تحوله إلى عبء على حلفائه، خاصةً أن خسارته في عفرين تزامنت مع بداية نهاية "داعش"؛ بعد خسارة التنظيم بدوره لأهم معاقله، واستعادة نظام الأسد السيطرة على حلب في شمال في البلاد، ومن ثم مناطق ريف دمشق ودرعا في جنوبها، بحيث يمكن القول، بأن مجريات الوضع ومخرجاته في عفرين، كانت من أقسى المحطات التاريخية التي مرَّ بها الكُرد السوريون، خاصةً من خلال التغييرات العاصفة التي أحدثتها في مصيرهم، بطريقة يصعب تدارك نتائجها، وبالتالي إعادة وضع قضيتهم على سكتها ثانيةً. فما قبل عفرين لم يكن مثل ما بعدها، وهذه المقولة تعبر عن وضع حزب العمال الكُردستاني، رغم أن الحزب كثيراً ما يقفز على الأسئلة الوجودية التي قد تحاصره، من خلال تغيير جلده وخطابه والتكيف مع ما قد يستجد من أوضاع، والاستمرار في البحث عن أدوار جديدة للبقاء عائماً، كما أن المقولة تشمل الكُرد جميعهم، والذين شكلت خسارة عفرين صدمةً كبيرةً لهم، اكتشفوا على أثرها وهمَ القوة التي عوَّل كثيرٌ منهم ـ مرغماً أحياناً ـ عليها، وبدأوا بتلمس الأسئلة التي تدور حول مصيرهم، ولكن دون أن يتمكنوا من امتلاك زمام المبادرة، أو اكتشاف الوجهة الصحيحة لبوصلتهم.
يبدأ كتاب "عفرين، مدينة الزيتون بين إعصارين" بالتعريف بعفرين، هذه المدينة التي تحيا وسط متحف من الأوابد التاريخية، والذي يضرب جذوره في أعماق التاريخ؛ لمسافة تصل إلى آلاف السنين، حيث تحكي التلال والكهوف والآثار التي تنتشر بكثافة في منطقة عفرين، قصص الحضارات التي مرت عليها، والتي ترك معظمها تذكاراتٍ ثمينة تدل عليها. ويستعرض الكتاب قصة بناء المدينة الحالية في بداية عشرينات القرن الماضي، كما يقدم لمحة عن وضع منطقة عفرين الجغرافي وبيئتها، أنشطة سكانها وطريقة عيشهم، بالإضافة إلى تقديم عرض عن الأوضاع السياسية فيها، والتحولات التي جلبتها معها الثورة السورية إليها. ويتناول الفصل الثاني من الكتاب وضع القوى المختلفة، المحلية، الإقليمية والدولية التي لعبت بشكل من الأشكال، دوراً في تقرير مصير مدينة عفرين، ومنها حزب الاتحاد الديمقراطي، الفرع السوري لحزب العمال الكُردستاني، والذي فُرض طرفاً دائماً في كل المعادلات القائمة، حيث يتناول هذا الفصل علاقات الحزب مع كل تلك القوى، وما قدمه لكل منها وما كان يمني النفس بالحصول عليه منها، ثم تخليها جميعها عنه عندما دقت ساعة الحقيقة في عفرين، واستمرار الحزب رغم ذلك في خطب ودها، ومحاولاته ايجاد دور ما لنفسه بأي ثمن، لكيلا يصبح طي الغياب.
أما الفصل الثالث من كتاب "عفرين، مدينة الزيتون بين إعصارين"، فيتناول تجاهل حزب العمال الكُردستاني؛ لطبول الحرب التي قُرعت طويلاً حول عفرين، وثقته المفرطة بقوته، مقابل استخفافه بقوة الطرف المقابل، ومراهنته على فعالية سلاح الإعلام في ردعه، وعلى أن حلفائه ـ الذين لم يكن يهمهم في الواقع سوى بندقيته ـ لن يتخلوا عنه إذا ما وقعت الواقعة، لا بل مراهنته في اللحظة الحرجة على نظام الأسد في الدفاع عن عفرين، رغم تسويقه طوال الوقت لرواية تحرير المنطقة من النظام، وإقامة "إدارة ذاتية ديمقراطية على أنقاض سلطته"، الأمر الذي جعله يستمر في حشد الكُرد، وتوجيههم إلى محاربة تنظيم "داعش" حيثما يتواجد، مديراً ظهره لعفرين، مطمئناً إلى "استراتيجيته الدفاعية" تلك. ويؤرخ الفصل الرابع من الكتاب، وقائع العملية العسكرية التركية في عفرين، التي شاركت فيها فصائل سورية موالية لتركيا، والحقائق التي كشفتها تلك العملية منذ بدايتها، ومنها ضعف حزب الاتحاد الديمقراطي وعزلته، وعدم وجود توازن قوى بينه وبين القوات المهاجمة، ولجوئه بعد خذلان حلفائه المزعومين، وبعد شبه صمت دولي عما يجري لعفرين، إلى نظام الأسد ودعوته إلى الدفاع عن المدينة، باعتبارها "جزءاً من السيادة الوطنية السورية"؛ التي يمثلها النظام حسب خطاب الحزب دائم التبدل، الأمر الذي لم يوقف العملية العسكرية، التي أطلقت عليها تركيا تسمية "غصن الزيتون"، وسماها حزب الاتحاد الديمقراطي من جهته "مقاومة العصر"، حتى انتهت بسقوط مدينة عفرين، وانسحاب الحزب منها عشية سقوطها، واخراجه عشرات الآلاف من سكانها الكُرد معه، مستعملاً إياهم غطاءً لانسحابه، وخزاناً بشرياً فيما بعد، لمد آلته العسكرية والايديولوجية بأسباب الاستمرار.
أما الفصل الخامس من كتاب "عفرين، مدينة الزيتون بين إعصارين" فيبحث في أسباب ونتائج سقوط مدينة عفرين، ويفصل في أهم تلك الأسباب؛ التي لم تكن لتؤدي حسب المعطيات إلا إلى نتيجة واحدة ألا وهي سقوط المدينة، وانعكاسات ذلك على حزب الاتحاد الديمقراطي، وعلى وضع الكُرد بشكل عام في مناطقهم الأُخرى. أما الفصل السادس من الكتاب، فيبحث في يوميات سكان عفرين بعد سقوط مدينتهم، واستباحة المدينة منذ اللحظة الأولى لدخول الفصائل المسلحة الموالية لتركيا إليها، والتي طبقت سياسة الأرض المحروقة فيها، حيث طالت الحرائق بيوت المواطنين الكُرد وأشجار الزيتون؛ التي تشكل هوية المدينة وكتاب تاريخها، والتي أخذت معالم التغيير تطالها. ويختتم الكتاب بالبحث في الفصل السابع، في أحوال مهجري عفرين، الذين أخرجهم حزب الاتحاد الديمقراطي معه ليلة انسحابه من المدينة، وقام بإسكانهم في معسكرات مغلقة؛ في منطقة الشهباء بالريف الحلبي الخاضع لسيطرة نظام الأسد، وعمليات القمع والاستغلال التي تعرض لها هؤلاء؛ على أيدي مسلحي الحزب والميليشيا الموالية للنظام، ومحاولاتهم المستمرة الفرار منها، واصطدامهم بالعديد من العوائق التي حالت دون ذلك، والتي لم تكن الألغام سوى احداها.
في الواقع لم أتفاجأ مما انتهى إليه الحال في عفرين، ولن أتفاجأ إذا ما تعرضت باقي المناطق الكُردية السورية لمصير مشابه أو أكثر سوءاً، ربما من خلال سيناريوهات قد تكون مختلفة، بعد أن تمت خلخلة الوضع الكُردي في سوريا منذ بداية الثورة السورية، بتخطيطٍ من نظام الأسد وبرعايته، بحيث أصبح هشاً، درجة ترجيح كفة الخسارة في أي استحقاق مقبل. وقد كتبت سلسلة من مقالات الرأي خلال العملية العسكرية التركية في منطقة عفرين، ونُشر أولها في اليوم التالي لتلك العملية، وحمل عنوان: "عفرين ساقطة عسكرياً، وعلى الكُرد مواجهة الحقيقة"، تطرقت فيه إلى الظروف المحيطة بالعملية العسكرية التركية وموازين القوى على الأرض، وبشكل خاص سلاح الطيران الذي يرجح كفة الجيش التركي، ويجعل مواقع حزب الاتحاد الديمقراطي مكشوفةً، وإلى وضع وحدات حماية الشعب التابعة للحزب، التي لم تعتد القتال دون غطاء جوي داعم، والتي لم تحرز تقدماً يوماً إلا بسبب قيادة الحلفاء لها من الجو، سواء خلال معركة كوباني أو عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" عموماً، بحيث كانت معركة عفرين الامتحان الحقيقي الأول الذي خاضته تلك الوحدات لوحدها، والذي لم تصمد خلاله أمام الآلة العسكرية التركية.
تختصر عفرين قصة كُرد سوريا مع الثورة السورية، والذين وجدوا في الثورة أملاً بعد عقودٍ من القمع الحكومي ومحاولات الصهر، فشاركوا فيها ومنحوها زخماً جديداً، ولكنهم وبدلاً من متابعة السير، للمساهمة في التغيير المنشود في سوريا، والحصول على حقوقهم المشروعة في البلاد، قطع عليهم حزب العمال الكُردستاني الطريق مبكراً، وحشرهم عنوةً في نفقه الايديولوجي المظلم، الذي حفره له نظام الأسد باتجاه واحد نحو تركيا؛ بعيداً عن مصالحهم الحقيقية ومجالهم الحيوي، والمفتوح فقط على متاهة، استنزفتهم خدمةً لأجندات بعيدة عن مصالحهم، بحيث يصح القول بأن الكُرد السوريون دفعوا ثمن تقدم الحزب في تلك المتاهة، وبأنهم في الوقت الذي لم يستفيدوا من نجاحاته الحزبية، فإنهم دفعوا فوق ذلك ثمن الخسائر التي لحقت به، والتي تمثلت بعودته إلى المربع الأول، بعد أن أثخن جراح الكُرد، دون أن يتمكن من تطبيع وضعه، وكذلك ثمن العداوات والخراب الذي خلفه، والذي يصعب جبره أو تعويضه.
في ربيع الثورة السورية، ضرب إعصار حزب العمال الكُردستاني المناطق الكُردية السورية مجدداً، فأصبح أهلها الكُرد في مهب رياحه العاتية، تستنزفهم وتلقي بهم بعيداً عن أحلامهم وآمالهم وبيوتهم، وقبل أن يهدأ الإعصار وتتاح للكُرد الفرصة لإحصاء خسائرهم، وجدت مدينة عفرين نفسها في عين الإعصار التركي الأشد فتكاً، لتصبح بذلك بين إعصارين، يعملان معاً على اقتلاع أهلها من جذورهم.

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 3.66
تصويتات: 3


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات