القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 534 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي


























 

 
 

مقالات: ترامب الزعلان والخائف الآن.. هل يعود غداً؟

 
الأحد 30 كانون الأول 2018


د. ولات ح محمد

    لماذا لم يخبر ترامب حليفه قوات سوريا الديمقراطية بنية الانسحاب من شرق الفرات؟. إن مثل هذا التنبيه (وليس التشاور) كان سيمنح حليفه فرصة للتوجه إلى دمشق مثلاً والتفاوض معها ومع موسكو بشروط أفضل مما يتم الآن. ولكن سيد واشنطن لم يفعل ذلك، وهو يعلم أن مثل هذا التصرف سيترك حليفه القسدي في مواجهة التهديد التركي وحيداً، وسيجبره بالتالي على اللوذ بدمشق مضطراً وتقديم تنازلات كبرى للحفاظ على ذاته ولمنع الهجوم التركي المحتوم على المنطقة. من هنا ينهض هذا السؤال الكبير: لماذا وضع ترامب قوات حليفة في ذلك الموقف؟ تلك القوات التي حاربت معه ثلاث سنوات وقصفت طائراته كل الذين حاولوا في السابق مهاجمتها أو حتى الاقتراب منها؟.   


    التخوف من الاصطدام بجيش حليف في الأطلسي والخضوع لضغوط تركية ورغبة ترامب في الوفاء مع جمهوره الناخب بسحب الجيش من مناطق النزاع وتقليل نفقات الحروب الخارجية وغير ذلك قد تكون أسباب حقيقية ومنطقية ومعقولة دفعت الرئيس الأمريكي لاتخاذ قرار الانسحاب، ولكن كان من الممكن أن يتم اتخاذ هكذا قرار مهم واستراتيجي بروية وبعد التشاور مع فريق عمله وإخبار الحلفاء في سوريا وفي المنطقة عموماً بتلك الخطوة المهمة (ثم الإعلان عن الانسحاب بعد أسابيع مثلاً) حتى يقوموا بإعادة ترتيب أوراقهم على أساس ذلك القرار. أما وقد تم الأمر بالصورة تلك فإن إشارات استفهام ترتسم خلفه وتنتظر إجابات مقنعة. 
    كي نقترب من الصورة أكثر علينا في هذا السياق أن نميز بين أمرين: الانسحاب والانسحاب المفاجئ. الأسباب آنفة الذكر أعلاه وغيرها قد تكون أسباباً للانسحاب بصورته العامة، ولكن لكي نفهم سبب قرار ترامب المثير للاستغراب والجدل والدافع للاعتراضات والاستقالات داخل إدارته علينا أن ننظر إليه من زاوية "الانسحاب المفاجئ".
    يبدو أن ثمة ما قد حصل في الأيام والأسابيع التي سبقت ذلك القرار وأثار خوف ترامب أو زعله أو الاثنين معاً ودفع به إلى ردة الفعل المفاجئة تلك حتى دون التشاور مع فريق عمله. في تغريدة له وفي معرض دفاعه عن قراره وردت عبارة لترامب لم يتوقف عندها أحد حسب اطلاعي على الأقل، وهي قوله: " هل تريد الولايات المتحدة أن تعمل شرطياً في الشرق الأوسط وتنفق أرواحاً ثمينة وترليونات الدولارات بدل آخرين لا يقدرون ما نفعل؟ هل نريد أن نبقى هناك إلى الأبد؟ الوقت حان ليخوض الآخرون حروبهم". ويبدو أن أولئك المعنيين بعبارة ترامب "آخرين لا يقدرون ما نفعل" أو بعضهم على الأقل كان أحد العوامل التي أثارت غضب ترامب وزعله ودفعه لاتخاذ قراره المفاجئ بين ليلة وضحاها. أما من أثار خوفه فهو بالتأكيد الطرف التركي، أولاً من خلال التهديد بالكشف عما لديه من وثائق تخص قضية مقتل جمال خاشقجي قد تضع ترامب أمام مؤسسات الدولة وأمام جمهوره وأمام العالم في موقف حرج. وثانياً من خلال التهديد باجتياح شرق الفرات على الرغم من الاعتراض الأمريكي على ذلك. وربما أيضاً خشي ترامب من تعرض قواعده العسكرية شرق الفرات لهجوم من طرف الفصائل الموالية لإيران، الأمر الذي كان سيضعف من موقفه الانتخابي القادم لو حصل. 
    في كل الأحوال هذا القرار المفاجئ الذي أدهش الأصدقاء والخصوم على حد سواء هو قرار واحد زعلان غاضب أو خائف أو كليهما معاً؛ فقد كان بإمكان (أو من واجب) ترامب (المزاجي أيضاً) أن يخبر الحليف القسدي بقرار انسحابه، ولكنه لم يفعل، لأنه لم يُرِد انسحاباً طبيعياً حسب الأصول، لهذا وصفه بيان ق س د بـ"الخيانة والطعن في الظهر"؛ وهذا يعني أن ترامب بقراره المفاجئ لم يرد فقط تجنب الاصطدام بالجيش التركي والإضرار بقواته، بل أراد أيضاً إلحاق الضرر بقوات سوريا الديمقراطية من جهة، ومن جهة ثانية وضع تركيا (التي أصرت على فك واشنطن ارتباطها بتلك القوات وانسحابها من المشهد) في مواجهة مفاجئة مع كل من النظام وروسيا وإيران، مما سيدفعها للعودة إلى حليفها الأساس، أمريكا. 
    بهذه الصورة قد يكون قرار الانسحاب بداية لفض التحالفات المصلحية المؤقتة التي عقدتها كل الأطراف خلال السنوات الماضية والعودة إلى التحالفات التقليدية المعروفة: قوات سوريا الديمقراطية ستترك واشنطن وتعود إلى موسكو وطهران ودمشق، أما تركيا فستترك روسيا وإيران وتعود إلى أمريكا، وأما أمريكا فستترك قوات سوريا الديمقراطية وتعود إلى تركيا. أما موسكو وطهران فبعد فراغهما من الخصوم الخارجيين سيبدأ الصراع بينهما على الظفر بموقع صاحب الكلمة الأولى على الأرض السورية، إضافة إلى مواجهة منتظرة بين طهران وأنقرة.
    هذه العودة إلى الحلفاء التقليديين وترك الحلفاء المؤقتين سيعيد خلط الأوراق على الأرض السورية والمنطقة عموماً من جديد وسيدفع كل طرف لإعادة النظر في حساباته حسب المعطيات الجديدة، وقد تعود معها المواجهات التقليدية (ولكن بالوكالة) بين الأطراف الأساسية الموجودة على الأرض هناك، الأمر الذي قد يشيع فوضى في المنطقة لم تدفع واشنطن من ثمنها شيئاً، بينما قد تدفع (الفوضى) تركيا بالمقابل إلى التصادم مع موسكو وطهران بسبب تصادم المصالح والصراع على النفوذ، وبالتالي الاستنجاد بحليفها الدائم واشنطن التي ستعود من هذا الباب (ناهيك عن باب داعش الذي لم يُغلق عن عمد) إلى المنطقة مرة أخرى ولكن ليس بوصفها طرفاً في المنافسة مع الآخرين على رقعة نفوذ جغرافية وبحضور غير شرعي كما هي الحال الآن، بل بوصفها الحَكَم وحلّال المشاكل وفضّاض النزاعات الذي لا غنى عن وجوده في المنطقة. 
    قد يحصل كل هذا حتى وإن لم يكن من ضمن ما قصده ترامب (الزعلان والخائف) بقرار انسحابه المفاجئ؛ فرُبَّ رمية من غير رام، ورُبَّ إصابة لم يقصدها صاحبها، ما دام هناك من يوجه رمية الرئيس المتسرع في اتجاهات أخرى يراها أكثر صواباً مما قصده الرئيس نفسه. وإذا تركت واشنطن "وديعة" سلاحها أمانة في حوزة قوات سوريا الديمقراطية (لمحاربة داعش) فقد يكون ذلك دليلاً آخر على رغبتها في البقاء أو في العودة بعد مغادرة شكلية قصيرة. وبذلك قد لا يكون ما نشهده الآن هو الفصل الأخير، ويكون من المبكر الحديث عن إسدال الستارة الآن.

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4
تصويتات: 4


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات