القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



القسم الثقافي

























 

 
 

مقالات: صباح الخير فرهاد عجمو !

 
الخميس 19 تموز 2018


http://www.welateme.net/wene/15/ekrem_husen1.jpg اكرم حسين

سنة او اكثر مرت على فراقك لم اشعر بها لأني لم افتقدتك كما افتقدك الاخرون ، ففي كل صباح وفي كل مساء تزورني وتكسر خلوتي نتبادل فيها الحديث عن الشعر والحب والسياسة ، السياسة التي لم نجني منها سوى الويلات وكنت تنصحني دائماً بالابتعاد عنها والتفرغ لتربية الاولاد والاهتمام بالعمل الذي لا بد منه ، كل شيء يشدني اليك المكان ، الكرسي ، الهاتف ، اطلالتك ، وانت تطلب مني ان اضع فيش ابريق الشاي في الكهرباء لحين عودتك من مخبزسليم القريب . جالبا غذائك المفضل ، ربطة من خبز النخالة وعلبة من جبنة لافاش كيري ، وعندما كنا نشرب الشاي مع النخالة كنا نحس باننا اسعد مخلوقين وكأننا نملك العالم .


لا يمكن الحديث عن قامشلو ومعالمها الثقافية والاقتصادية والفنية دون الحديث عن فرهاد عجمو الانسان والشاعر والفنان فهو صرح من صروحها المتميزة ، وقبلة لكل الكتاب والشعراء والمثقفين . ففي محله بشارع الوحدة القريب من سينما حداد كان يزوره العديد من الكتاب والمثقفين والفنانين الكرد و يتجمعون حوله للسؤال او الاستفسار او طلب النصيحة او استعارة كتاب في الشعر اوالوزن اوالقافية ، وهو يستمع اليهم باهتمام شديد ، وبعقل منفتح ، وبلغة كردية اصيلة وعندما كانت تصعب عليه بعض الاشياء يتصل مع الاستاذ دحام عبد الفتاح الذي كان يكن له كل الود والاحترام ويناديه بالخال.
في محله علقت لوحة كرتونية كتب عليها " كلما ازدادت معرفتي بالناس ازددت حبا بالكلاب "يقول عنها بان هذا الشعار يمثل فلسفته في الحياة من خلال تجاربه مع الاهل والاصدقاء .
لم يكن يهتم فرهاد بظواهر الاشياء بل ببواطنها وعوالمها ، ولا حتى بالمظهر او الملبس او المأكل . كثيرا ما كنت الومه على ذلك ، واطلب منه ان يهتم بمظهره وهندامه لكن لم يكن يهتم بذلك ، ويقول باني مثل ابي طالب الذي كتب عنه رسول حمزاتوف في كتابه داغستان بلدي . ملتصق بالأرض وبجبال كردستان وسهولها وبكل التفاصيل الصغيرة التي تعبر عن وطني وشعبي .
في احد الايام وقف بالباب وطلب مني اغلاق المحل بسرعة والذهاب معه ، اغلقت المحل دون أي سؤال عن الوجهة جرني من يدي وسحبني معه مسرعا دون ان يخبرني وانا الذي لم اشأ ان اسأله عن السبب الذي دعاه لأخذي معه وقبل ان نصل الى عيادة طبيب الاسنان سيف الدين مسور قال: هناك فتاتان دخلتا العيادة برفقة صبي وكنت اود ان اسالك عنهما لكن للأسف دخلتا الى العيادة دون ان نصل . طلبت منه الدخول لكنه رفض . دخلت الى داخل العيادة فوجدت ابنتا خالي جالستين مع اخيهما في انتظار دورهما للمعالجة .
سلمت عليهما ثم رويت لهما القصة وخرجت ضاحكا وقلت له انهما ابنتا خالي واذا كانتا تناسبانك فانا ساعمل على تزويجك احداهما . رد ضاحكا بانه يعرفهما بانهما ابنة خالي وقد اراد ان يكون الموقف مفاجئا لي رغم موقفه السلبي من المرأة واطلاق بعص الصفات السلبية عليها واستشهاده ببعض الآيات القرآنية التي تقول بان النساء ناقصات عقل ودين ، والرجال قوامون على النساء .لكنه في واقع الامر كان يعشقها حتى العبادة ، وقد كانت مصدر الهامه والسبب في تدفق شيطان الشعر الذي كان يسكنه رغم ان القدر لم يجمعه تحت سقف واحد مع حبيبته التي كان يعشقها لأسباب قاهرة فظل وفيا لها حتى اخر العمر .
رفض فرهاد الانضمام الى اتحادات الكتاب الكرد ، وكان يعتقد بان الكتابة هي حالة فردية ابداعية لا تحتاج الا الى ورقة وقلم وطقس خاص وليس الى اتحادات كتاب شبيهة بالأحزاب القائمة سرعان ما تنشق وتتبع هذا الطرف او ذاك . تعرض لضغوط شديدة حتى من اقرب اصدقائه للانضمام اليها .الا انه بقي على موقفه ورفض ان يكون جزءا من ماكينة ايديولوجية تخدم هذا الطرف او ذاك .فقد قال لي بانه في احد المرات وضع طلب انتسابه للبارتي امام المرحوم كمال درويش سكرتير البارتي الا ان كمال رفض وقال له انت ملك الشعب الكردي وليس البارتي فقط لذلك ابق كما انت ولا تتحزب وعمل بنصيحة المرحوم ولم ينتسب الى أي حزب رغم قربه من الاحزاب ومن قضايا الشعب .
عند سفره الى كردستان قال اتمنى ان اعود سالما كي استطيع ان اكفر عن ذنوبي وارد جزءا من جميل الشعب الكردي الذي قد اكون قد قصرت في حقه . فالحياة لا تستحق كل هذا التعقيد والعذاب والصراع السلبي الذي لا مبرر له .
قبل ان يكتشف مرضه تغيرت اطباعه وساءت احواله وكان دائما يقف في الاتجاه المعاكس فعندما يلتقي الابوجيين يصبح بارزانيا وعندما يناقش البارزانيين يصبح مدافعا عن الابوجية ، ويبدو انه كان يعيش توترا وضغطا نفسيا جراء المرض الذي كان يعانيه دون ان نعلم عنه شيئا .
في احد المرات التقى مع شمس عنتر ويسرا زبير في مكتبي فبادر الى تعنيفهن و بعد ذهابهما طلب مني البحث عن عنهن والاعتذار منهن لأنه اثقل العيار وبرر ذلك بانه لا يتمالك نفسه عندما يرى الاخرين وفعلا سارعت السير في اثرهن ونقلت لهن طلب فرهاد بالاعتذار قرر منذ ذلك الوقت الا يدخل الى مكتبي ان كان به احد سواي تجنبا للإحراج لأنه شخص حساس لا يريد الاساءة الى احد او الاحراج . رددت عليه لا يهمني احد سواك حتى لو قاطعني العالم كله بسببك . انت في كفة والعالم كله في كفة اخرى .
في احد الايام جاء الي قائلا بنه لم يعد يتذكر بعض الاسماء والاشياء المهمة ، لم نصدقه في البداية . حتى المقربون منه ظنوا انه يتظاهر بذلك وبعد ايام تم التأكد من الموضوع . طلبت منه مراجعة الطبيب . اعطاه د .ماجد كلش بعض الادوية وطلب منه ان يعود اليه بعد شهر وخلال هذه الفترة قد يفقد بعضا من ذاكرته او لا قد لا يتذكر بعض الاشياء المهمة . بعد مرور حوالي عشرة ايام جاءني وقد ساءت حالته . فقلت له عليك بزيارة طبيب اخر وطلب منه الطبيب الجديد اجراء صورة طبقية تبين فيما بعد بانه مصاب بورم دماغي حيث تم التاكد من المرض عن طريق اجراء صورة رنين مغناطيسي تبين فيها ان الورم في مراحله الاخيرة ، ومباشرة تم ارساله الى كردستان لتلقي العلاج لآنه لم يكن باستطاعته الذهاب الى دمشق لوجدود مذكرة من الفرع 279- ادارة المخابرات العامة بحقه . لاشتغاله بالشأن العام ومشاركته بالتظاهرات .
اطلقنا عليه نحن اصدقاؤه لقب امير القصيدة الكردية . في احد المرات قال ما دمتم تعتبروني اميرا فعلي ان استكمل امارتي كامارة جزيرة بوتان ، لذلك علي ان اختار وزرائي وولاتي ، وتمت التسمية وبدأ بإطلاق الالقاب علينا نحن اصدقائه ومحبيه فبعضنا تم تسميته بالباشا والاخر بالوزير والوالي والسائق وكنا ننادي بعضنا بهذه الالقاب عندما نلتقي .
الكتابة عن فرهاد لا تنتهي لان لفرهاد مئات القصص والمواقف التي يمكن ان تسرد وتكشف جانبا من شخصيته المثقفة والواعية كما ان المرء لا يستطيع ان يلم بكل تفاصيل فرهاد ومواقفه الانسانية النبيلة واحاديثه الشيقة .
رحم الله فرهاد وطيب ثراه .
له المجد والخلود .
قامشلو 19-7-2018

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 3.66
تصويتات: 3


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات