القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 297 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي



























 

 
 

مقالات: سوريا: الكورد وحرب الخطوط الحمراء

 
الأثنين 12 شباط 2018


جان كورد

المعنويات الكوردية لا تزال عالية، حسبما نرى ونسمع من قادة "مقاومة عفرين الباسلة"، حتى وصل الأمر بأحد المسؤولين إلى القول بأن قواته ستقاتل ضد الجيش الثاني في حلف الناتو ولو بسكاكين المطابخ في النهاية، وهذا هو ذروة الثناء للمقاتلين والمقاتلات، قد يعتبره بعض المراقبين اعترافاً بقلة الحيلة الكوردية والفرصة المتاحة أمام جبروت القوات المعتدية للجيش التركي المدعوم بمختلف الفصائل المصنفة "إرهابية"، في هذه المعارك غير المتكافئة، وفي هذه الزاوية الضيقة من شمال غرب سوريا، حيث تهاجم القوات التركية على عدة محاور، في حين أن القوة المدافعة لا تملك حلفاً عالمياً يقف معها ولا مجال لديها للحركة، سوى في حال نقل المعارك إلى الداخل التركي، وهذا صعبٌ للغاية في الظروف الحالية كما يبدو.


نعم، المقاومة مستمرة في (عفرين) إلى أن يغيّر الأتراك من موقفهم العسكري حيال منطقة جبل الكورد إجمالاً، بعد الخسائر التي تلقاها جيشهم (المحمد جيك)، إلاّ أن الوضع السوري متوتّر بشكلٍ عام، أكثر من أي وقتٍ مضى، منذ انطلاقة الثورة السورية التي أصيبت بنكسةٍ عظيمة لعدة أسبابٍ، منها دخول مجاميع "إرهابية" في الصراع السياسي -  العسكري بين الشعب السوري ونظام الأسد المتشبث بكل أساليب القمع والتدمير بالحكم، ومنها التدخل السافر لبعض الدول العربية ولإيران وتركيا بهدف السيطرة سياسياً واستراتيجياً على الساحة السورية من أجل مصالحها القومية، إضافة إلى تحوّل سوريا إلى مرتع نزاعاتٍ سياسية ومحاولاتٍ للسيطرة العسكرية من قبل الدول العظمى، حيث صارت هذه البلاد مرتعاً لكل من شاء أن يكون له  نصيب في تحديد المستقبل السوري.
ومن أجل تثبيت الخيام المختلفة على أرض الواقع، شرع كل من القوى الإقليمية والدولية يرسم خطوطاً حمراء لا يحق للآخرين تجاوزها، والسباقون إلى ذلك كان الإيرانيون، فالإيرانيون قالوا بأن "إسقاط نظام الأسد خط أحمر"، وبرروا رسمهم لهذا الخط الأحمر الغليظ بأن هذا النظام الذي استمر كنظام أبيه في حماية الحدود الشمالية لإسرائيل أهم عناصر "المقاومة والممانعة ضد إسرائيل"، ومن أجل منح تدخلهم المباشر الفوري في سوريا فقد وجدوا "المراقد المقدسة!" مثل "السيدة زينب" وسواها "معرّضة للتدمير!" فدفعوا بقوات تابعهم اللبناني أولاً، ثم بالتنظيمات الطائفية المشكلة من قبلهم ثانياً، ومن التدخل المباشر والواسع للحرس الثوري الإيراني تحت قيادة أحد أخطر قادته (قاسم سليماني) لتثبيت خطوطهم الحمراء ومنع القضاء على حكم العائلة الأسدية (العلوية)، على الرغم من أن العلويين في سوريا غير راضين عن التبعية المطلقة للشيعة، رغم قربهم منها عقيدياً. ومن خلف الكواليس كانت إسرائيل متفقة مع الإيرانيين في صمتٍ مذهل عن فكرة حماية نظام الأسد من السقوط، وهذا أمرٌ غريب، فالمعروف عن إيران وإسرائيل نزاعهما الطويل الأمد لدرجة أن رئيس إيران الأسبق محمود أحمدي نجاد كان يدعو علناً إلى إزالة إسرائيل من خارطة الشرق الأوسط، ومعلومٌ أن الإيرانيين يدعمون تابعهم اللبناني حزب الله بشتى أنواع الأسلحة والمال والخبرات على الحدود الشمالية لإسرائيل وسعيهم متواصل للتمركز بالقرب من الجولان. وصحيحٌ أن إسرائيل لم تطلق عبارات صارخة عن "خطوط حمراء" لها في سوريا من قبل، إلاّ أنها تفصح اليوم عن ذلك، وفي الوقت ذاته لم تعد تهتم ببقاء الأسد في السلطة أو إخراجه منها بشرط ألا تصب نهايته في مصلحة إيران والمتطرفين العرب المتفقين مع ملالي طهران على هدف زوال إسرائيل، ولو بأسلحة الدمار الشامل. والمعلوم هو أن إسرائيل ترفض الآن بقاء قوات تابعة لإيران في سوريا، بعد أن كانت تطالب بعدم اقترابها من هضبة الجولان فقط.  وأوضحت الحكومة الإسرائيلية بأنها ستستمر في قصف كل المواقع التي تتصاعد منها رائحة التواجد الإيراني في سوريا.
أما روسيا فإنها لكثافة دعمها العسكري لنظام الأسد قد غيّرت وجه الصراع السوري الداخلي، باستخدامها أفظع الهجمات الجوية على مواقع المعارضة السورية وبارتكابها جرائم ضد الإنسانية وممارستها حق "الفيتو" لما يقارب ال10 مرات ضد أي إدانة دولية لنظام الأسد في مجلس الأمن الدولي، وبسعيها الدائب لإفراغ محادثات جنيف الدولية حول الوضع في سوريا من مضامينها، من خلال طرح مشاريع تمييع وترقيع، مثل مؤتمرات "الأستانة وسوتشي" التي لم تلق النجاح، والخطان الأحمران لروسيا واضحان للغاية، وهما: تثبيت وجودها العسكري لنصف قرن قادم على ساحل البحر الأبيض المتوسط والحفاظ على نظام الأسد إلى حين إيجاد بديل له ومن ثم التخلّص منه بانقلاب أو اغتيال...
وعلى الجانب الآخر، ثمة خطوط حمراء عديدة لنظام أردوغان الجيورجي في أنقره، فكان السيد وزير الخارجية السابق الدكتور أحمد داوود أوغلو يرسم خطاً بعد آخر، فقصف الجامع الأموي في دمشق كان خطاً أحمر، وقصف جامع خالد بن الوليد أصبح بعد ذلك خطاً أحمر، والاقتراب من مدينة حماه، ومن ثم مدينة حلب خطان أحمران، وفي آخر الأمر تحدث عن كون المدن في داخل تركيا خطاً أحمر، إلاّ أن تركيا لم تتحرّك عسكرياً في الداخل السوري سوى لأمرين يبدو أنهما أهم الأمور لها: قبر سليمان شاه بالقرب من نهر الفرات، واحتلال جزءٍ من الأراضي السورية لمواجهة تقدّم القوات المعروفة باسم (قسد) أي قوات سوريا الديموقراطية التي يدعمها الأمريكان. 
تركيا التي ظلت منذ تأسيس الجمهورية على أنقاض الدولة العثمانية لم تقف يوماً في وجه الحليف الغربي، إلاّ أن الدعم الذي قدمه هذا الحليف ل(قسد)  ونيته في إقامة حزام حدودي أمني من هذه القوات بتعداد 30.000 مقاتل، أفسد على تركيا أجواء الصداقة وعلاقاتها مع واشنطن، فشرعت حكومة أنقرة في التلويح بشراء صواريخ روسية والانخراط في حلفٍ روسي – إيراني ضد السياسة العامة للحلف الذي أمد جيشها لعقودٍ طويلة من الزمن بشتى أنواع العتاد والسلاح، وكما قال جنرال أمريكي متقاعد (أمريكا زودت جنود الأتراك من الخوذة إلى الجوارب).  وها هي تركيا عازمةٌ على التوجه العسكري صوب إدلب بعد أن تلقت صدمة قوية لرفض الأمريكان توجه قواتها تحو مدينة منبج التي تتمركز فيها قوات (فسد) ووحدة هامة من القوات الأمريكية التي تتواجد هناك وفق خطوط حمراء لواشنطن، وهي تتمثل في عدم افساح المجال أمام إيران للتوسع في شمال سوريا، وعدم الوقوع في ذات الأخطاء التي ارتكبتها إدارة أوباما في كلٍ من أفغانستان والعراق بإخلاء سوريا لصالح إيران.
وبسبب فشل تركيا في تنفيذ أي خطٍ أحمر لها في سوريا، فقد تخلّت عن دعم قوات المعارضة السورية في مدينة حلب لصالح نظام الأسد، مما اعتبرها بعض المراقبين خيانة عظمى للشعب السوري، وبسبب اضطراب مواقفها وتغيّر مواقعها من عضوٍ في الناتو إلى حليفٍ ضد الحلف، فقد شرعت في الهجوم على الشعب الكوردي في منطقة جبل الكورد (عفرين) مستخدمة كمرتزقة فصائل إرهابية خطيرة، لا تتوانى عن سحل المقاتلين وحز رؤوسهم وعن سرقة ممتلكات الفلاحين الفقراء وعن اتهام الكورد عموماً بالمشركين والكفار، وحسب التقديرات المختلفة فإن أفعال هذه المنظمات التي ترتدي قناع "الجيش السوري الحر" شبيهة بجرائم تنظيم الدولة (داعش) ضد الإنسانية، بل هي ذات المنظمات التي حاربها الكورد والتحالف الدولي في كوباني والرقة. 
أمام هذه اللوحة الكبيرة المعقدة من تشابك الخطوط الحمراء، يقف المراقب السياسي حائراً، ويطرح على نفسه بعض الأسئلة، منها:
- ماذا سيحدث للعدوان التركي على الشعب الكوردي في حال تطوّر النزاع الإسرائيلي – الإيراني على أرض سوريا إلى حرب مدمرة في المنطقة؟ فهل ستتوقف الحكومة التركية عن "غزوتها" المدهونة بزيتٍ إسلامي وتجد نفسها مرغمة على العودة إلى أحضان حلف الناتو وتنفيذ ما يطلب منها ومن قواتها في هذه الحرب؟
- كيف سيتصرّف المقاتلون الكورد، بل مجمل الحراك السياسي – الثقافي الكوردستاني إزاء الحرب المحتملة، هل سيقول الكورد "فخار يكسّر بعضه بعضاً" أم سيتخذون لأنفسهم حليفاً فيها لا يخذلهم مستقبلاً، ومن سيكون هذا الحليف؟ أمريكا والاتحاد الأوربي وإسرائيل وبعض الدول العربية أم إيران التي ستدعمها روسيا والصين لأسبابٍ متعلقةٍ باستراتيجياتهما الدولية فيما إذا تطورت الحرب على سوريا إل حرب عالمية كبرى؟ 
- وماذا عن العلاقة بين هذا الحراك الكوردي والنظام الأسدي الذي سيكون الخاسر الأكبر على أرض الواقع وكذلك هذه المعارضة التي فقدت إنسانيتها بتحولها إلى عصابات من سراق التراكتورات الزراعية والمواشي والدجاجات ويستولي قادتها وشيوخها على مساكن الكورد بعد اختيار الأجمل والاغلى منها؟ كيف ستبدو العلاقة بين المقاتلين الكورد والسوريين الذين كانوا يفضحون ممارسات "شبيحة الأسد" فتحولوا بأنفسهم إلى "مرتزقة أردوغان" الذي لا يتوانى مثل الأسد عن قصف المدن والقرى الكوردية؟ 
برأيي، أن يتناقش المثقفون والسياسيون الكورد بهدف إعطاء أجوبةٍ مفيدة لشعبنا عن هذه الأسئلة، بعد تحليلاتٍ ودراسةٍ متقنة لمختلف الخطوط الحمراء المتشابكة على الساحة السورية، وليس اتخاذ موقف القرفصاء ضمن الحلقة الكوردية وحدها.
    ‏12‏ شباط‏، 2018       
kurdaxi@live.com           

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 0
تصويتات: 0

الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات