القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 551 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي


























 

 
 

مرايا الســـــــــــــجن (1) ( غير محكوم )

 
الأحد 17 حزيران 2007


  لا أخفيكم يا أصدقائي بأني وفي منفاي البعيد .. المنفى الذي أرغمت عليه لا أزال ومنذ تسعة عشر عاما ً أحلم أحلاما ً مفزعة ، وتنتابني في الليل كوابيس مخيفة .مرّة أرى في المنام ( لا أراكم الله هما ً ولا غما ً ولا اعتقال) المحقق الذي كان يحقق معي ، يلاحقني ومعه مجموعة كبيرة من المسلحين ، ومرة سيارة اسعاف فيها ممرضون يمتشقون أســلحة خفيفة ، يطلقون النار بين ساحات المدينة وهي تطاردني ..
ومرة جرذ رمادي يقضم أصابع رجلي واحدة تلو الأخرى ..
سأقص عليكم شيئا ً عن أيام الاعتقال الرهيبة التي عشتها في أحد أقبية الاعتقالات وخفت من نشرها طيلة تلك المدة لأنه وللأسف لاتزال  أجهزة القمع تتحكم بقيادة البلاد.. 
ربحان رمضان



"عندما تعود إلى البيت ، لاتنسى أن تلبس البيجاما تحت البنطلون" قالها لي ناصحا السيد أبو نوزاد " ممثل حزب البارتي الديمقراطي الكردي في سوريا ، " الحزب الحليف لحزبنا إثر معركة الإنتخابات البرلمانية في شباط 1986 ، التي خضناها بثقة كبيرة وتفاؤل بالنجاح ، إلا أنه وبقدرة قادر لم ينجح مرشحنا في البرلمان ، ولم تتحقق نبوئته في الإعتقال ..
بعد الإنتخابات بفترة قصيرة خرجت جماهير سكان منطقة زور آفا (2) بمظاهرة سلمية تطالب بتمديد الماء والكهرباء لبيوتهم والتي كان من نتائجها جرح الطفلة " سينم " التي كسرت ذراعها جرّاء هجوم رجال الشرطة على المتظاهرين . ولم يمضي وقت طويل حتى جاءت مناسبة نوروز . العيد القومي للشعب الكردي حيث تمترست قوات المخابرات لمنع الإحتفاء بها ، مما دفع الجماهير المحتشدة في حيينا (حي الأكراد) بدمشق إلى الإحتجاج في مظاهرة سلمية تطالب السلطات بالسماح لها الإحتفال بهذا العيد ، الرمز .
المظاهرة شارك فيها حوالي عشرة آلاف مواطن "كما قدرها البعض" ، واستمرت طيلة نهار الواحد والعشرين من آذار اليوم الذي استشهد فيه الشهيد "سليمان" من قرية جرنكة التي أستشهدت مرتين . مرة عندما إقتحمتها الكوماندوس التركية عام 1983 لتقتل ستة عشر شخصا ً أكثرهم من الأطفال ، وبينهم امرأة حامل بحجة ملاحقة الثوار الأكراد ، لكن والحقيقة تقال فإن مدير منطقة القامشلي "زعل وعاتب الأتراك " .
والمرة الثانية في استشهاد سسليمان الذي كنت من المفاوضين لإستلام جثته في أرض قريته بالشمال .
بعد عودتي من القامشلي اعتقلتني إحدى فروع المحابرات في مدينة دمشق ، ودامت استضافتي في رحاب فرعهم سنتان .
سألني أحد المعتقلين ممن سبقوني / لماذا ؟وما التهمة ؟
أجبت : حركة كردية .
ضرب على رأسه وصرخ : تقرير.
في غرفتنا الجماعية وصل عددنا إلى 180 معتقل ً تجمعهم تهم مختلفة أطرفها حالة العم أبو سعيد زينو (65) والذي اتهم بشتم السيد رئيس الجمهورية في المملكة العربية السعودية ، وأكثرها درامية حالة العم ديبو محمد ديب عليان المولود عام 1914 (يعني أيام السفر برلك) والذي أحضروه بدلا ً عن ابنه الذي هرب منذ سنوات إلى الخارج.
كان المعتقلون ينتمون ‘لى قوى وأحزاب مختلفة ، منهم الشيوعيون ، ومنهم القوميون العرب ، والفلسطينيون ، والإخوان المسلمون ، ، والبعثيون ، والتوحيد ، والتكفير والهجرة..
ومن الأكراد كنت وحدي ، كانت الإعترافات تنتزع تحت التعذيب الجسدي والنفسي ، فقد صلب السيد نادي الطراونة (أردني الجنسية) في غرفتنا لثلاثة أيام ، وقيل لي أن عماد الفلسطيني قضى تحت التعذيب ، والشيخ محمد الرفاعي " أصبح يبول على نفسه ليلاً لأنه لم يكن يستطيع الوقوف على رجليه ، ولا يستطيع الكلام .
بقيت سنتين في هذه الغرفة الجماعية التي لاتدخلها الشمس ، ولا يسمح لنزلائها بالتدخين ، أو شرب الشاي ، أو القهوة ، ويمنع عنهم وجود أية صحيفة جتى ولو كانت تنطق باسم الحزب الحاكم ، بل يمنع عليهم الهمس والكلام.
كان التواليت والحمام حارج الغرفة يقصلهما عن الغرفة ممر معتم ، ويتحتم على المعاقلين التبول والعودة بسرعة ، وإذا دخلنا  الحمام فكل اثني في كابينة ، ولفترة لاتزيد عن ثلاثة دقائق ، مرة في الاسبوع.
لم يكن أحد يعرف أين نحن ، أما الذين يطلق سراحهم يهددونهم من قبل محققيهم باستعادته ثانية إذا أخبر أية عائلة عن مكان وجود ابنها ، كما توضع عصابة ‘لة عيون المعتقل في حال القبض عليه وأثناء التحقيق معه لكي لا يعرف إلى أين يساق ، ولا يعرف من الذي يحقق معه.
كما مفصولين عن العالم الخارجي ولا نسمع سوي أصوات المعتقلين الذي يستجوبون ويتعرضون للتعذيب ا في غرف التعذيب تخترق الآذان حتى الثالثة أو الرابعة صباحا ً . . . الكل يجمعهم الظلم والتعذيب ، ويفرقهم الخط السياسي ..
التهمة التي وجهت إلي كانت الإنتماء إلى حزب محظور ، والتحريض على مظاهرة سلمية ، كان لي صديق فلسطيني اسمه أحمد الكردي .. تهمته : حبه لفلسطين كما أحببت أنا سوريا وكردستان ..
كنا الوحيدين المتفائلين بالشمس التي ستشرق يوما ً فنغني كل صباح :
ياظلام السجن خيم
إننا نهوى الظلاما
ليس بعد الليل إلا
فجر شمس يتسامى
كنت أعد الناس ، إن خرجت سأذهب إلى حمام السوق أغتسل قبل الوصول إلى البيت ، فلم يصدقني أحد.
ولما أطلق سراحي (بعد الإعتذار مني طبعا ً) ذهبت إلى البيت نظيفا ً من كل شئ لأن السجانة سرقوا مني كل ما أملك حتى البنطلون ، ولكن ولحسن الحظ كان معي شهادة من السجل العدلي تعترف بأني غير محكوم ..!!
=========
*  أحمد الكردي وفي نفس العام الذي كان معتقلا خلاله مات أخيه ، واعتقلت أخته ثناء بتهمة الانتماء لحزب العمل الشيوعي (توفيت بعد اطلاق سراحها بفترة) ، التقيته في آخر زيارة لي إلى دمشق ثناء مظاهرة اشتركت فيها قوى فلسطينية مختلفة استنكارا ً للهجوم الاسرائيلي على لبنان ، ودعما ً لصمود المقاومة الوطنية اللبنانية.
* قال لي يومها أنه أكمل ثمان سنوات في نفس المعتقل ..          

--------

مرايا الســــــجن (2)  " الأمثولة "
 
" الصبر طيب "
منذ اليوم الأول لاعتقالي بدأت أحاول أن أتكيف مع واقعي الجديد ، كيف لا وقد وجدت الكثيرين ممن دخل هذه الزنزانة قبلي قد أصبحوا عاديين في حياتهم ، وكأنهم ولدوا وتربوا باشراف السجانين أنفسهم فيها .
كما أن عقدة الخوف قد زالت لأن الاعتقال بحد ذاته كان مبهما ً لدي ، كنت أخاف أن يحدث معي ماحدث للشهيد سليمان الحلبي (1) أول " مخوزق" من أجل التآخي الكردي – العربي لأني كنت متأكد من أن أساليب أبو حمزة السفاح – عم الحجاج  لا تزال سارية في سجون الأنظمة العربية حتى الآن .
مع التعذيب كانوا يغروني ويراودوني على شرفي الحزبي.. يريدون أن أتعاون معهم لنصنع حزبا ً كرديا ً وعلى رأيهم من طراز جديد.
-         : " لا مانع من النضال في كردستان ، ونحن لن نعطي الجنسية السورية للأكراد (2) نريدهم أن يذهبوا ويقاتلوا في كردستان.. لن نعطي الجنسية السورية للأكراد كي لا يستقروا في هذه البلد " هكذا قال لي العميد " .
* لكنهم يطالبوا بحقوقهم ضمن الوطن السوري وليس في تركيا ولا ايران، وهذا مطلب مروع ياسيادة العميد ..!! قلت أنا ذلك .
-         نؤيدكم ، ونساعدكم على أن تطردوا صلاح بدرالدين من الحزب لأنه عدوكم وعدونا ، ومرتبط بجهات معادية .
* من ؟ !!
لن أوافق ، فهو أمين عام حزبنا وسكرتير لجنة المركزية وأنا متأكد من نزاهته ، وإلا هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ، ثم منذ متى عدونا وعدوكم واحد، سوى اسرائيل ومن وراء اسرائيل ؟!! 
فكوا لي قيدي وناقشوني ، ارفعوا عن عيني الطماشة (3) كي أراكم .. إنهما لا يريان إلا كلمتين محفورتين في القلب ، ومنذ زمن طويل .. "الشعب" و"الحزب" .
- لا .. لا ، نحن نريدك أن توافق أولا ً ، و "قسما ً" سنعينك رئيسا ً للحزب ، وعضوا ً في مجلس العب .
* قلت في نفسي : " طز " ..
وأردف قائلا ً : نحن نريد منك أن تبني حزبا ً جديدا ً مستقلا ً عن حزبك ، وستنجح في عضوية أول انتخابات تجري لمجلس العب ، سنضع اسمك في قائمة الجبهة الوطنية التقدمية في سوريا .. تخرج من هنا سالما ً ُمسلما ً ، بل أكثر وزنا ً .. لدى الآخرين .
لكني كنت أعرف أن وزني لم يزد طوال حياتي عن الخمسة والخمسين كيلو غراما ً ، ولن يزيد ، ومن سيصبح عضوا ً في مجلس الشعب يجب ان لا ينقص وزنه عن الثمانين كيلو غرام ، بل يجب أن يكون له "كرش" بارز إلى الأمام كما هو كائن لدى البعض في "خلفيتهم" البارزة إلى الوراء .
كنت أرفض فـُألام من قبل بعض زملائي في الزنزانة .. أجلس فأقص عليهم قصة الكاتب التشيكي "دوبتشيك" المناضل في الحزب الشيوعي التشيكو- سلوفاكي الذي أعتقل لدى أجهزة "الجستابو" الهتلرية ، كان يرفض أن يذعن لإغراءات سجانيه ، وبقي صامدا ً حتى تحررت المانيا منهم .
يقول الكاتب في روايته : أنه كان بين أربعة جدران في زنزانة صغيرة لا يدخلها الضوء .
 فيها حفرة صغيرة للتبول ، وفي الباب نافذة (أعتقد أنها أكبر من نوافذ زنازيننا حيث تسمح للصحن أن يدخل من خلالها .
أما نوافذ بوابات زنازيننا فإنها تتسع لقبضة السجـّان فقط .
كان الراوي لا يسمع سوى صوت أقدام السجان يمشي يمشي عندما يأتيه بالطعام .. كان ينتظره بلهفة كي يسمع ذلك الصوت .
وعلى مر ّ الأيام بدأت عوارض الملل تدب في نفسه .. لم يعد يفكر إلا بالحياة في النور بين الناس من جديد .
يجتر ذكريات الماضي الجميلة ، ويحلم بالمستقبل السعيد .. ويحسبها :
" إذا طرقت الباب ودعيت السجان سيكون الضابط بانتظاري في مكتبه ، أصرح له (كما يريد) لأخرج .. سيطلق سراحي ويخرجوني بعد توقيع صك الخيانة ..
أصيح ؟ أم أطرق الباب ..؟؟
هذه الحالة كانت تنتابه مرة في الشهر .. مرة واحدة فقط ، ثم تتلاشى .. إلى الشهر الذي يليه ، وهكذا ..
ومع مر الأيام بدأت تنقص فترة تلاشي الفكرة فأصبحت ترتاد ذاكرته في كل أسبوعين  مرة ، ينتابه خلالها شئ من انفصام الشخصية وصراع الذات .
هل أطرق ؟
هل أصيح ؟
وأيضاً ومع مرور الأيام نقصت فترة التلاشي وأصبحت كل أسبوع ترتاد ذاكرته مرة .. ثم يومين بيوم .. ثم يومياً ..
سمع صوت النعال يقترب .. اقترب من الباب ، كاد أن يلفظها ، إلا أن السجان ناوله منورا ً بدل الطعام معلن فيه أن برلين قد تحررت من الزية.
هذه القصة لم تعطيني الأمل وحدي فحسب ، وإنما كانت مثالاً رائعاً للآخرين ..
مثلكم أيها المنفيون والمشردون ، والقابعون في السجون والمعتقلات تركت أمـي الطاعنة في السن ، المريضة دون أن أودعها أو أن ألقي عليها السلام .. ، وعرفت من أحد المعتقلين الجدد بأنهم اعتقلوا أخي الأكبر مني أيضا ً بسبب لأنه و (فقط) حاول رمي كتب تباع عادة في الأسواق كانت مركونة في مكتبتبتي قبيل الاعتقال ..
وأحلم كما تحلمون بعيون حبيباتكن .. وابتسامتهن ..
غير أن تقديسي لحزبي هو دليل حبي لأمـي ولأخي .. وكل الشعب ..
كنت أوصي كل من كان يطلق سراحه بإبلاغ رفاقي قول الشاعر أن :
قل لرفاقنا .. ماركعنا .. مالوينا   * * أن قــــهـــــقــــــه الديجــــــــور
ماانثنينا ، ومزق الشــوك عينينا  * * وفــي الريح حلـــمنا مـــــذرور
دنــــس خمرنا البغاث ، فموتــي  * * عطشــــا ً لن تلوثي يانســـــــور
===========
(1)            سـليمان الحلبي ، كردي من قرية كوركان في جبل الأكراد = شمال سوريا واسمه الحقيقي سليمان محمد أمين .
(2)            الأكراد المجردين من الجنسية حسب قانون الإحصاء الاستثنائي لعام 1962.
(3)            الطماة هي العصابة التي توضع على عيون المعتقل أثناء التحقيق معه . 

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 0
تصويتات: 0

الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات