القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 451 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي



























 

 
 

مقالات: اشكالية الوعي في الشرق الأوسط

 
الأحد 30 نيسان 2006

بقلم: الدكتور شمدين شمدين

في ظل الحديث اليومي والمتواصل عن المشاكل والأزمات السياسية التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط ، سواء في الدول التي بدأت تخطو أولى خطواتها على طريق المشروع الديمقراطي ،وكمثال لهذه الدول لبنان والعراق، أو الدول التي ما زالت شعوبها تناضل في سبيل نيل حريتها وكرامتها ، ونتيجة لكم الصعوبات والعقبات التي تظهر يوميا في طريق هذه الشعوب ، فان نوعا من الفتور واليأس أخذ يعتري هذه الجماهير ، حتى أصبح الكثيرون من المحللين والمفكرين يشيعون ويبررون الديكتاتورية والقمع  كأهون الشرين ،فأما الفوضى والإرهاب أو الديكتاتورية


وقد تناسى هؤلاء المحللون وفي ظل هذه الأزمات المتواصلة إن مشكلة الشرق لا تكمن بالدرجة الأولى في الفوضى أو الديكتاتورية، وإنما تكمن في الوعي الجماهيري وقدرة هذه الجماهير بمجملها بمن فيهم المثقفون والعلماء والمتعلمون على فهم الواقع والقدرة على الاختيار ،ولا سيما في ظل الواقع الاقتصادي المتردي الذي يمنع فئة كبيرة من الناس في الدول الشرق أوسطية من الاطلاع على الفكر الأخر والرؤية الأخرى في نظرتها إلى العالم ،وكمثال بسيط لذلك فقد بقي المثقفون العرب وبحكم كونهم قدوة للعالم العربي يرددون والى ما شاء الله نظرية المؤامرة على الأمة العربية ومقدراتها وشعوبها ،حتى بات الإنسان العربي يكرر ما يقوله هؤلاء على شاشات الإعلام التي تدار بعقلية غير ديمقراطية وغير شفافة ،فأصبحوا مقتنعين إلى درجة كبيرة إن شخصا باسم الزرقاوي لا وجود له وإنما هو عبارة عن دعاية أمريكية لإطالة أمد البقاء في العراق ،والانقضاض على ثرواته ومقدراته، إلى أن ظهر الزرقاوي ببذته السوداء التي تبعث الرعب والموت ، وهو الذي يفتي بقتل الشيعة والكرد وجماعات السنة المؤيدة والمشاركة في العملية السلمية ،وبذلك يكون هذا الرجل قد كفّّر ما يقارب تسعين بالمائة من الشعب العراقي واعتبر نفسه الحقيقة المطلقة ، وهنا تكمن مشكلة المفكرين العرب ، فالشعوب ونتيجة لعقود من الاستبداد الذي صنع من الأخ عدوا للأخ ، وجعل من المواطن العربي يهيم في بقاع الأرض باحثا عن لقمة عيشه ، فلم يعد يهتم بمن يحكم أو كيف يحكم ولماذا يحكم ، بل المهم لديه كيف يطعم أطفاله الجياع ،وكيف يرسلهم إلى المدرسة على أمل أن يغيروا هم أنفسهم هذا الواقع المتردي الذي يعيشه الأباء ، وبابتعاد هذه الجماهير عن خوض غمار النقاش السياسي ، أصبح المثقفون والذي وصل أغلبهم إلى المستوى العلمي الذي هم فيه ، من خلال سلك طرق ملتوية ومن خلال السير في ركب السلطان والحاكم ، أصبحوا هم المحللون والمفكرون والمخططون والقادرون وحدهم على إنارة الطريق أمام الجماهير المسحوقة والمحرومة من أية فرصة للخروج من ظلمات التخلف والجهل ، ولكون هؤلاء المثقفون موجودين ومترعرعين في ظل بنية سلطوية شمولية قومية ،بدوا غير قادرين على الخروج من مظلة الموروث الفكري القوموي والأنوي، فمعظمهم لا يختلفون عن الأنظمة سوى بكونهم غير متواجدين في السلطة ، وإذا ما تم التخلص من السلطة القمعية فان هؤلاء هم الذين سيحتلون مكان الأنظمة وبعقلية  أنوية خالصة ، وهذا ما يظهر جليا في لبنان فكل الفرقاء اللبنانيين خرجوا من رحم الحرب الأهلية المقيتة وباتوا يحتكرون رأي الشارع اللبناني ، بل إن الشارع نفسه ونتيجة للوعي الموروث من الزمن السابق هو الذي أختار هذه الشخصيات على أسس طائفية ودينية وحزبية ضيقة ، ومثل لبنان هو العراق فالشعب العراقي وكنتيجة مباشرة لسنوات القمع والتسلط الذي ولد فكراً غير مكتمل بعد ، قد اختار ومن منطلق الحفاظ على الذات شخصيات أما طائفية أو مذهبية أو رجال أعمال كبار ، ولم يستطع أن يختار شخصيات تتسم بتاريخ حيادي ووطني وبكفاءة عالية مطلوبة لشغل مواقع المسؤولية .
إننا هنا لا نلقي اللوم على الشعوب وكما ذكرنا فان الموروث والتاريخ السلطوي قد صنع من شعوب الشرق الأوسط جموعا من فاقدي القدرة على الاختيار الصحيح ، والإرادة الكاملة ، والمعرفة العلمية والواقعية بالتطورات الحاصلة في العالم ، وبسبب الدور السلبي الذي ما زال يمارسه بعض المثقفين العرب وبعض وسائل الأعلام العربية التي تروج لسياسات الإقصاء والكراهية والحقد تجاه العالم الأخر، وتبرر ذلك بممارسات الدول الغربية تجاه القضايا العربية وهي بذلك تجر الشعوب المسكينة إلى مواجهة خطيرة وجديدة مع العالم الغربي بل مع الحضارة الغربية التي أوجدت معظم ما يتمتع به العالم اليوم من وسائل اتصال وتواصل ووسائل تساعد الإنسان على العيش براحة على هذه الأرض ، ولا أدري كيف يمكن أن يعيش المرءفي هذا الزمن بدون كهرباء وبدون مياه وبدون مطاحن ومعامل ووسائل نقل ،و كل هذه الأشياء وكما يصنفها بعض الرافضين للحضارة الغربية هي من صنع هذه الحضارة بل من صنع رأس الأفعى نفسها أي أمريكا كما وصفها أحد الدعاة السعوديين على قناة الجزيرة الفضائية ، ربما يريد البعض أن يعيدوا الساعة إلى الوراء ويرجعوا المسلمين والعالم العربي إلى زمن الخلافة حينما كان ن الخليفة يأمر بقطع الرؤوس التي أينعت ، وحينما كان يعلقون المصاحف المباركة على أسنة الرماح وهم يقاتلون إخوانهم المسلمين  ، وربما يريدون أن يبعثوا طالبان جديدة وصومال جديدة بغض النظر عن أمال وطموح مختلف الجماهير المسلمة والعربية .
إن مشكلة الوعي في منطقة الشرق الأوسط هي مشكلة كبيرة جدا، وهي نتاج حقبة مظلمة ما زالت مستمرة إلى وقتنا الحاضر وبسبب الخوف من المستقبل المجهول والريبة مما تحمله الأجندة العالمية تجاه هذه المنطقة ، فان الخيارات الشعبية ما زالت قاصرة وحائرة، وحتى يستطيع دعاة الحرية والديمقراطية من إنارة الطريق أمام فكر جماهيري سليم يعترف بحقوق الغير كما بحقوق الذات ويحترم إرادة الفرد الحرة ، فان النخب الحاكمة ومن خلفها الدول المتحضرة مطالبة بمد يد العون لتوفير وسائل ترقية وتنوير الوعي الجماهيري والذي يبدأ أساسا من التربية السليمة والتعليم الذي يتلقاه الطفل الشرقي كأساس لبناء الأجيال القادمة ، وهذه الوسائل تكمن في مصادر المعلومات الحرة كالانترنيت، والمرشدين المتنورين القادرين على تعليم الطفل الاعتماد على ذاته ومحبة زملائه واحترام حقوقهم ،والتعرف على ثقافات العالم المختلفة، لا تلقين الطفل المبادئ التي تمجد  الحزبية والقومية والطائفية الضيقة ،إضافة إلى ضرورة احترام القانون الذي هو فوق الجميع مهما علا شانه ومركزه ، وضرورة توفير فرص متكافئة للجميع على أرضية الأجدر علمياً وأخلاقيا ووطنيا، وبهذه الطرق البسيطة يمكن أن نصل ذات يوم إلى مرحلة يستطيع فيها الشرقي والمسلم والعربي من أن يسقط حكومات لا توفر له أساليب وأسس الحياة الحرة الكريمة ، وذلك بقناعة شخصية وفكر ووعي سليم لا بادعاء لديمقراطية لا تمثل غير القشرة الخارجية من الشخص نفسه ، وهنا نستذكر قول الشاعر الإغريقي اسخيلوس حينما قال ( الألم هو السبيل الوحيد إلى التعلم ) ويقصد بالتعلم هنا الفكر السليم والاختيار السليم والوعي المستنير و قد قاس الشرقيون من العذاب والألم الكثير والكثير، وهم يستحقون حياة أفضل، ومعيشة أكثر رفاهية، وأمناً وحرية ومشاركة في صنع مستقبل أكثر ازدهاراً وتقدماً، فهل بدأ مشوار الانفتاح الفكري في شرقنا العظيم بعد كل هذه المآسي ،سؤال نترك إجابته للمستقبل .

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 0
تصويتات: 0

الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات