القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 515 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي



























 

 
 

فيسبوكيات: يوميات الحصار

 
الجمعة 25 كانون الثاني 2013


صبري رسول

يوميات الحصار(22
) حياة المسنّ

«لم يعد للحياة متعة بعد الآن. ليتني عرفتُ كيف اُستُشهدَ ولماذا»؟؟ 
يمشي كعودٍ جاف، لم يبقَ سوى الجلد والعظم(حسب التوصيف الشعبي). يقفُ أمام الفرنِ ساعاتٍ طوال، ينتظر دوره، إذا نفخْتَ عليه ربما لن يصمدَ أمامه. سألني عن السّاعة، قلت: إنها الخامسة صباحاً. وسألته: ألا يوجد غيرك ليأتي في هذا البرد؟


قال: آاااه يابن أخي.(تعبير دارج، ينادي به الرّجل إلى من هو أصغر منه) ابني الكبير سافر خارج البلد، لأنّه مُنِعَ من التوظيف، جالس في بلاد الضّباب والبرد. والثاني، تمّ الاحتفاظ به ستة أشهر زيادة عن الخدمة الإلزامية، قالت العجوز أمه: أريد ابني بأي ثمن. ماتركنا باباً إلا وقفنا أمامه، وما تركناً شخصاً إلا سألناه عن المخرج. حتى حصلنا عليه، فقطع الحدود إلى إقليم كردستان، هرباً من جحيم القتل. 
الجوع، والبرد، والعتمة، والتعب، كلّها سهل، نتحمّلها، لكن الموت،( ومن أجل ماذا؟) أصعب.
ذكَّرني هذا بكلام والد شهيدٍ من ريف ديرك(مالكية): 
((منذ الصّغر كنت أهتمُّ بابني أكثر من أي شيء، وجدتُ متعة الحياة بوجوده. أنواعُ السّعادة كلّها، اُختُزِلَتْ في عينيه. في لحظة واحدة، قصيرة جدا، غادر الحياة، تركَنا بلا وداع، أخذ معه كلّ ما يُبهِج في هذه الدّنيا، لا أريدُ أنْ أعيشَ بعده. لم يعد للحياة طعم. لم يعد للحياة متعة بعد الآن. ليتني عرفتُ كيف اُستُشهدَ ولماذا ))؟؟
25/1/2013

يوميات الحصار(21) البحثُ عن الدّواء

لكلّ شيءٍ في هذه الحياة بديلٌ، وحدَها الحياة لا بديلَ عنها، وإذا توفَّر البديل عنها سنشتريها بأرواحنا، فلم يعد بمقدور المرءِ التحمّل أكثر من هذا.
ماذا يفعل المرءُ إذا احتاج إلى دواءٍ وصفَهُ له الطّبيبُ، وماذا يفعلُ لو كانَ مفقوداً، كانت الحرية والكرامة هما مفقودتان سابقاً، والآن أصبح كلّ شيء مفقوداً.
أتنقَّل من صيدلية إلى أخرى بحثاً عن نوعٍ من الدَّوء، خاصٍ بالتحسّس الجلدي المصاب بالبرد لإحدى الصغيرات.
يبقى الصيدليُّ جالساً على كرسيه، ينتظرُكَ لتسأله عن الدّواء، فيومئ لك بهزةٍ من رأسه(علامة لا، بمعنى غير متوفر) فتخرجُ محبطاً إلى صيدلية أخرى، وقد يقول لك: هناك نوعٌ آخر بديل، النّوع نفسه من شركة أخرى، الاسم مختلف فقط.
فتضطرُّ لمراجعة الطَّبيب لتسأله عن البديل، فيبقى الطبيب المسكينُ يفكّر ضارباً الأخماس بالأسداس، ثمّ يقول: الدواء ليس بالفعالية نفسها، لكن ليس أمامنا غير ذلك. ثمّ نبحث عن البديل، لأنّ العلبة الوحيدة قد نُفِّقَت، ويطول البحثُ، ويطول الألمُ، ولا دواء لهذا النَّزيفُ الطويل.
وأحياناً يبتسم الصيدليّ بمرارة قائلاً: اطلب الحشيش ولا تسأل عن هذا الدواء.
لايتوفّر في سوريا إلا البرد، والعتمة، والقهر، والدمار، والموت الجماعي. كما يتوفّرُ كثيرٌ من اليأس والإحباطِ على وجوه النّاس، والقلقُ الحارقُ من المجهول يتقاسمُهُ السّكانُ معاً. أصبحنَا قشةً تتقاذفها الأمواج، فتتقلَّبُ دون أن تحدّدَ مصيرها.
24/1/2013


يوميات الحصار(20) جريحٌ في المشفى

اتّصل أحدُ الأصدقاء، واللهاث المتقطّع يصعد من نبرته ويمنعه من الإفصاح، سألته: ما الخبر؟
قال: هناك جرحى في المشفى الوطني، ضحايا لقصف الكتائب المسلحة لمنازل المواطنين العزل في سري كانيه.
ركضنا مسرعين نحو المشفى الغارق في بحرٍ من العتمة الليلية على منحدر المطار.
بدا لي العاملون في المشفى دائخين، تسألهم مرة أو مرتين عن أمرٍ ما حتى يفهموا السؤال، لكنهم لا يعرفون الإجابة.
دخنا مثلهم ونحن نبحث عن جريح قادمٍ من سري كانيه (رأس العين) الجريحة، وجدنا مرافقاً لبعض الجرحى. قال: الأمر جيد، ولهم عنفوان الشّباب، لم أفهم قصده، لأنّي دختُ كالممرضين الدّائخين.
عندما تنزف المدنُ، فأنَّ نزيفَها لا يتوقف بسهولة، وجرحها لاتندمل بسرعة، وسري كانيه في كردستان سوريا بمثابة الكبد للإنسان، بدونها لا حياة وشفاء.
كان الجريحُ طريحَ فراشٍ باردٍ في غرفة باردة، داخل جناح بارد.
رجلُهُ تنزفُ، عظمُهُ مهشّمٌ كأمَلِ السّوريين المُهَشَّمِ، مربوطةٌ بضمادة رطبة. والمسكين يتأوه ألماً.
سألنَاهُ عن ظروفِ الإصابة. فقالَ: إنّهم(أصحاب اللُّحَى الكثَّة) يطلقون النّار على أي شيءٍ يتحرّك، حتى على ظلّ متحرّك. كل شيء هدفٌ لهم، والمدينةُ كذلك هدف لهم. يظنّون أنّ طريق دمشق تمرّ من (واشو كاني).
سألناه عن معنويات المقاتلين الكرد. فأجاب: عالية بقدر طموح الكرد.
سألناه عن الاهتمام به بالمشفى: هزّ رأسه أسفاً، قائلاً: لم أجد أي اهتمام هنا، فقط مجرد سرير وغرفة.
حتى الأغطية(البطانيات) تبرّع بها أحد المرضى في الغرفة.
امتلأ قلبي من الأسى والحسرة، فاتصل الصديق الذي معي مع طبيبٍ ليس من اختصاص المطلوب، لتقديم ما يمكن تقديمه من المساعدة الإنسانية.
هل يجب أن يموت الإنسان بهذا الشّكل؟
23/1/2013


يوميات الحصار(19) أصبحتُ دخاناً

وضع يدَه على فمِه، تأفّفَ وهرب، ناديتُه: لم فعلتَ ذلك؟
قال ببراءة الطفولة: ريحة كريهة، اختنقت أنفاسي، وهاجمتْهُ جحافل من السُّعال الحادّ.
اكسرْ هذه المدفأةَ اللعينةَ، أكرَهُ الحطبَ وأكرهُ الدخانَ وأكرهَ البردَ. لأنَّ رائحتَها تقتلني، أكرهُ مدفأةَ الحطبِ يا أبي. 
منذ نصبْنَا المدفأةَ الحقيرةَ، وهي تنفثُ دخاناً، كقطارٍ عجوزٍ من العصور الوسطى وعلى الفحم الحجري.
إنها تشبهُ قطار الحوارنة، وتستغلُّ الفرصة، فتنفثُ الدّخانَ إذا رأتنا نائمين.
إذا نظرتَ من فوق سطحٍ عالٍ سترى آلاف الأدخنة تنطلق من السّطوح. المدينة بحر من الدخان، حبالٌ من الدّخان تنسال مع الرّيح، ترسم لوحةً قاتمةً كوجهي العابس.
في غرفتي أصبح كلّ شيء إلى دخان، السّتائر والأبواب، والنّوافذ. الجدران اكتست لون الدّخان، ورائحة الحطب المحروق، ورائحتها تفوح من الألبسة والكتب والصّحون، حتى القلم واللاب توب ينفثان دخاناً، وكلّما زارتنا الكهرباء فجأة وجدنا التلفاز ينفثُ دخاناً. والهاتف اللعين ينفث صوتاً من الدّخان.
أنامُ في غمامة من الدّخان، وأصحو فيها، أنفاسي مشبعة بدخانٍ، وعندما أرى أعمدة الدّخان تعلو من ضربات القصف والتفجيرات أشعر أنّ رائحتها تأتي من خلال الصّورة
الحياة دخان، والممات دخان، والدخان دخان، والإنسان من أنفاس الدخان، والدّخان من أنفاس الإنسان.
22/1/2013

يوميات الحصار(18) الدراسة وجيل المراهنة

تبكي شاكية من وضع ليست مسؤولة عنه، وتدفع ضريبة فاتورة فُرِضت عليها, ثمَّ قالت: يوم أمس لم أستطع الدراسة، لأنّ في النهار كان الزّمهرير يجمّدُ كلّ شيءٍ، والرّيح الباردة تنتفُ الشعرَ من جسم الأفعى، نرتجفُ طوال النّهار, والليل عند إشعال المدفأة امتلأت الغرفة دحاناً ورائحة فاندفعنا هاربين إلى غرفة أخرى تلفّنا عتمتها. الكهرباء عندما تغيبُ لا تعرف الرجوع، ونور الشمعة أو لمبة (الكاز) غير كافٍ ولا يفي بالحاجة.
وينتابني قلق من المادة الدراسية، ويتراكم القلقُ، حتى أصبحَ جزءاً من صفاتي. ويزيدُ الطّين بلّة سماعنا أخبار الحرب في المناطق الأخرى، والصّور التي تنطبع في ذاكرتنا كما حدث في جامعة حلب، وأشلاء الطلاب المتناثرة مع كتبهم ودمائهم.
هذه حال طلبة سوريا، التي لا يحسدُ عليهم أحد، ولا ننسى أنّ الكثيرين غادروا عالَم الدراسة، فالنفقات باهظة جداً، فأجور التنقّل ومصروفه الشّخصي من وإلى الجامعة تزيد عن 600ل.س يومياً إذا كانت المسافةُ أقلّ من 100كم، أما إذا كانت المسافةُ أكثر لا تقلّ عن 1000ل.س.
ما العمل؟ سؤالها المختصر ذكرني بعنوان كتابٍ لقائد الثّورة البلشفية(فلاديمير ايليتش لينين): «ما العمل؟»
فقلتُ لها: لستُ لينين حتى أجيب عن هذا السّؤال الصّعب، ولا أحد يملك الإجابة، قد تكون الإجابة في جعبة (كوفي عنان، أو الأخضر، أولافروف) أو في جعبة « القادة الشيوعيين » الذين وضعوا شعار«لقمة العيش» و«الوطن» منهاجاً لهم طوال 89 عاماً، فلا أمَّنوا لقمة العيش لفقرائهم، ولا حافظوا على الوطن. تباكوا عليه طويلاً، والآن سيبكون عليه حقيقة.
الكلّ يراهن على جيل الشّباب، جيل المراهنة، فإذا أصبح الجيل على شفير الهاوية، بقيت المراهنة على كفّ عفريت.
17/1/2013

(17) أسلوبان للحياة

أولاً: ريف ديرك.
في ريف ديرك الشّرقي يقوم الأهالي، خاصة سكان الرّيف الشّرفي، بالعبور إلى الجانب الآخر للحدود السورية العراقية، الجزء الخاضع لإقليم كردستان، يحملون على ظهورهم(بدونات) سعة 20 لتر أو25لتر، يملؤونها محروقاتٍ(مازوت أو بنزين) ثمّ يرجعون إلى قراهم بصيدهم الثّمين، يستخدمونها في بيوتهم أو يبيعونها كمادة تجارية. والمسافة الفاصلة تلك تقارب ستة كيلومترات، يقطعونها ذهاباً وإياباً مشياً على الأقدام، حاملين بضاعتهم على ظهورهم. وتكثر فيها، وفق بعض مَنْ قام بذلك، الوديان والتّلال. الطّبيعة لا تعرف الحرب، ولا الرّحمة، لكنها لا تشترك فيها، الطّبيعة حيادية في الحرب، فقد تكون عاملاً لحماية الإنسان، وقد تكون مساعداً في تعرّضه للمخاطر. إنّها الطبيعة يا أخي.

ثانياً: ريف قامشلي.
في بعض الأرياف الجنوبية لمدينة قامشلي تشكّل بعض المجموعات دوريات مسلحة طائرة(غير مستقرّة في مكان محدّد) فتقيم حواجز مؤقّتة، للتفتيش والسّلب، فتفتّش المارين في الطرقات الفرعية لبعض القرى البعيدة، تسلبهم من كلّ ما لديهم(موبايلات، والنقود) ثمّ تختفي في عمق عتمةٍ فرضتها الظروف القاسية.
إنّها أسلوبان للحياة، أسلوب يتّخذه الناس وسيلة وكفاحاً للبقاء، وأسلوبٌ مختلِف يتّخذه الناس وسيلة لتجريد الآخرين من وسائل البقاء.
إنّها الحرب ومفرزاتها القذرة في الحياة، إنّها حربٌ مجنونةً لا تعرف الرّحمة، توزّع البؤس كيفما تشاء، ولكلّ امرئ نصيبٌ فيها. فمنهم من يقع قتيلاً يغادر الحياة، ومنهم من يقع ضيحةً تغادره الحياة وهو يتنفّسُ من رئيتيه.
إنَّها التّربية التي يرضع منها الإنسان، فتظهر النتائج عند الامتحان.
14/1/2013

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 2


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات

عفوا، التعليقات غير ممكنه لهذا المقال.