نفحات شعرية من الشاعرة الكردية أفين شكاكي
التاريخ: الأحد 23 ايلول 2007
الموضوع: القسم الثقافي



د . محمد أيوب - غزة

الشاعرة أفين شكاكي كما يتضح من أشعارها إنسانة رقيقة المشاعر مرهفة الحس، يمتزج فرحها بالحزن، تحاور الآخر وتبثه خواطرها دون ابتذال أو إسفاف، يمتزج حب الإنسان عندها بحب الوطن، تتألم لمعاناة أبناء شعبها وتشاركهم هذه المعاناة من خلال كلمات شفافة تكاد تنبئك عما وراءها من الكلام المسكوت عنه، ولعل القصائد التي سأتناولها تعطينا صورة واضحة عن هذه الشاعرة الإنسانة، فقد مررت بقصائد لها لفتت نظري ببعدها الإنساني والوطني، ولو تتبعنا عناوين قصائدها لوجدناها تموج بالمشاعر المتدفقة فتغريك وتشجعك على قراءتها


ولعل قصيدة "زهرة حبق وملك أعمى" تحمل من الإشارات أكثر مما تحمله الحروف والكلمات المكونة للقصيدة، فزهرة الحبق رمز لجمال الطبيعة والملك الأعمى رمز للإنسان الذي لا يرى جمال الطبيعة ولا يهتم به؛ فلا هو قادر على تذوق جمال الطبيعة بسبب ضغط الحياة ، ولا هو قادر على نفي هذا الضغط مرة وإلى الأبد ، وعلى الرغم من كل الانكسارات ومن كل الأنين يجد الحب مساحة مناسبة عند الشاعرة، تقول :
كنا نملك من الحب ما يكفي للملمتها
و من الفضول ما يكفي
لنلتقي في زمن ممنوع من الصرف و التداول
و التقينا ............
والشاعرة تمنح حروفها حياة نابضة، تختار حروفا معينة من حروف اللغة تشكل النخبة بين الحروف بتعبيرها عن المشاعر الإنسانية الطيبة والصادقة، وهي تحتاج هذه الحروف لتأليف قواميس عشقها ومداراة جروحها حتى لا تبدر منها أنة تعبر عن الألم الذي تعانيه وتعيشه، الشاعرة تحتاج إلى الحفاظ على ذخيرة التأمل لدى الحبيب والتي كانت تغفو على بقايا أناملها ، وهي بذلك تقدم لنا صورة رائعة لهذا الحبيب الذي يداعب مخيلة حبيبته ويداعب أناملها، هذه التأملات ستساهم في رتق انكساراتها في الأروقة المؤدية إلى قلب ذلك الحبيب الذي يغمض عينيه عن رؤية جمال أزهار الحبق ويحيلها إلى تأملات تغفو على ما تبقى من إحساس في أناملها التي خدرتها تأملاته .
لكنني كنت بحاجة إلى نخبة من الحروف
لتأليف قواميس عشقي
و مداراة جروحي بإخلاص
و الحفاظ على ذخيرة التأمل لديه
تلك التأملات التي كانت تغفو على بقايا أناملي
كان بإمكانه أن يرفو انكساري في الأروقة
المؤدية إلى قلبه
يداعب الحبيب خلاخل وأقراط قصائدها، ليقول لها أحبك، يبدو هنا أن الشاعرة قد تحولت إلى قصائد شعرية، أو أن القصائد تطابقت معها تمام التطابق فأصبحتا اثنتان في واحدة، وإلا كيف يمكن له أن يداعب أقراط القصائد ليقول لصاحبتها أحبك، ومع ذلك تلازمها الحيرة، فهي في شك من أمره معها ، ترى هل يقول لها ذلك ليرضي أنوثتها، ومع أنه لم يخفف من معاناتها فقد ظلت في يديه بقية منها تنبئ بتواصل لم يكتمل بعد، تقول :
حاور بصمت خلاخل و أقراط قصائدي
و قال : أحبك
ربما ليرضي أنوثتي
لكنه لم يلقي عليّ ما يخفف عني الشحوب
مع هذا
كان في يديه بقية مني
أما في قصيدة اعتراف فإن العنوان ينبئ بأن هناك ذنبا سيتم الاعتراف به، ولكننا نكتشف وراء العنوان ما يشبه التحدي الصامت، فهي لم تعد تتحرق شوقا في انتظار الحبيب الذي غادرها :
فأنا مذ غادرتني
لم يعد يغمرني وجه النهار
لم يعد يحرقني وهج الانتظار
كما تؤكد أنه لن يستطيع سرقة قصائد شوق من عيونها :
عبثاً
تحاول سرقة قصائد شوق
من عيوني
لملمة حنين من جفوني
تكويني أو تلويني
يوحي العنوان قصيدة "قوافل مطر" بالتتابع والتواصل والتجدد والخير، لأن القوافل تحمل الخير لسكان المناطق التي تتوجه نحوها، فهي تحمل البضائع من كل ما يحتاجه الناس والمطر حين يتحول إلى موجات من القوافل فإنه يمنحنا ويمنح زرعنا أسباب الحياة، وقد ربطت الشاعرة بين المطر وبين الشمس أو الشموس التي لولا وجودها لما تكون المطر ولما تبدل المناخ من فصل إلى فصل ولكانت الحياة فقدت طعمها لولا هذا التجدد والتغيير.
لقد وعدت الشاعرة الآخر الذي تخاطبه بأن تزرع في يديه أو في راحتيه بيادر قمح وسكر، هنا نجد تناقضا واضحا بين الزرع والبيادر، فالبيادر تلي الزرع ولا يكون هناك بيادر ما لم ينضج الزرع وما لم يرتوي بماءالمطر، كأن الشاعرة تود أن تقول لنا إنها زرعت حبا فأعطانا قمحا وسكرا على اعتبار أن القمح زاد الأجساد والحب زاد النفوس والقلوب التي تتذوق فيه حلاوة طعم السكر، تقول :
أعدك أن أزرع في يديك
بيادر قمح و سكّر
و أسكنك ثلاثين شمساً
بل أكثر.
غياب الحبيب يجرح مشاعرها ويخدش أنوثتها ومع ذلك تحاول لملمة جرحه وتطالبه بأن يلملم جرحها حتى يتعلم ألف باء الحب، وهي تلملم جرحه مع حنينها الذي ترتبه على الطاولة، وأخيرا ترسم غيابه على شكل  خطوات على أضلع قصيدتها التي تزخر بالحياة حتى أنها تخيلت تحت كل حرف قلبا ينبض وكأني بالشاعرة تتمثل قول أم كلثوم في أغنيتها:
وحنيني لك يكوي أضلعي      والثواني جمرات في دمي
ولكنها تصل في النهاية إلى نتيجة مفادها أن الحبيب لا يبادلها حبا بحب، فغيابه موت وحضوره حضور الياسمين ببياضه الناصع ورائحته الخلابة، تخاطب الآخر بقولها :
مشيت على أضلع قصيدتي..حفرت الأرض كثيراً
كان تحت كل حرف منه قلب يحلم……..
غيابك موت…وحضورك حضور الياسمين
وكل اللغات في حضرتك غياب
غيابك مزقني الى ألف قصيدة….
زادني حلماً ويقيناً
أنك لا تحبني ؟
والمطر له دالة على الشاعرة ففي قصيد "عيناك "، ترى المطر في عيني الحبيب ربما بسبب زرقة هاتين العينين التي تشبه زرقة السماء، أو لأن دموع الفرح تنهمر من عيني الحبيب عند لقائه بالحبيبة :
عيناك مطر غامضٌ
العيش فيهما ولادة
الوقوف أمامها
تراتيل حبّ و عبادة
والحب يشغل مساحة واسعة من قصائد أفين ، فهي تحتاج إلى حب البشر والأرض التي يحيون عليها، ولكن المجتمع يحاصر الحب بل يغتاله ويمزقه؛ فقد اغتيلت قصيدتها أثناء عودتها من عيد الحب وكأن الحب جرم أو فعل حرام:
في طريق عودتها
من عيد الحبّ
أفرغوا الرصاص في قلب
قصيدتي.
فتمزقت حروفها
                 نقاطها
                       و فواصلها
لقد منحت الشاعرة كعادتها الحياة لحروف قصيدتها  وجسدتها وكأنها كائن حي لأنها لا تريد أن تنسب فعل الحب إلى ذاتها آخذة بعين الاعتبار تقاليد المجتمع من حولها حتى لا تنال ما نالته قصيدتها التي تمزقت حروفها.
وبعد أن تجسدت الشاعرة في قصيدتها جسدت الحبيب في قصيدة أخرى هي قصيدة "عنوان" ليصبحان قصيدتان في قصيدة واحدة وكأنها تومئ إلى حتمية التواصل بين الطرفين وتوحدهما ، فالحبيب هو عنوان قصيدتها بل كل قصائدها ومع ذلك تختلط عليها الأمور أثناء بحثها عنه لأنها تنسى دائما أنه عنوان قصيدتها:                                      
أتخبط بين كلمات قصيدتي
بحثاً عنك.
أعبر الفواصل
                و هتاف المطر
لكنني أنسى دائماً
أنك عنوان القصيدة
تشغل المدينة والوطن مساحة في شعر أفين حتى أن الحبيب يختلط مع تفاصيل المدينة على الرغم من رحيله عنها، وهي ترى أن الحبيب هو الذي سيلملم أحلامها وأحلام بني قومها المفروشة على طريق عين ديوار، فهم يحلمون بحياة كريمة تنهي حالة التمزق بين عدة دول مختلفة، فالأكراد يعيشون حالة تشبه حال الفلسطينيين وإن كانت أقل تعقيدا وحدة، الطرفان يعيشان غريبين في وطن لا يمنحهما حق المواطنة الكاملة، على مر التاريخ كان الأكراد وسيظلون حلفاء طبيعيين للعرب مهما حاول البعض دق أسافين الفرقة بينهما، فقد خرج من بين الأكراد من شاركوا الأمة العربية نضالها، بل إننا نجد منهم من قادوا كفاح الأمة العربية ضد الغزاة الخارجيين :  
حينما كنت أتصفح
وجه مدينتي ا لهادئة ديرك
رأيتك تلملم ضحكاتي
من الأزقة المليئة
بالوجوه الحزينة
و أحلامي المفروشة على طريق:
عين ديوار
وتعبر أفين عن تضامنها مع بني قومها في حلبجة ، حيث يعم الإضراب مدينة ديرك التي بدت وكأنها تحتضر في ذكرى مجزرة حلبجة :
دقت الساعة الحادية عشرة ظهراً
بدأت مدينتي ديرك
في تلك اللحظة كأنها تحتضر
في تلك اللحظة
كانت أسراب من الفراشات
تحلق في الأفق
تحمل على أكتافها
نعش قصيدة اسمها حلبجة
تختلط العاطفة نحو الوطن بالعاطفة نحو الحبيب، الشاعرة ترى في الحبيب صورة الوطن كما يرى الشعراء في الحبيبة أنها الوطن وأنها تتطابق معه.
تقودنا الشاعرة إلى النتيجة التي كنا نتمناها، فقد حملت نعش حزنها إلى مثواه، وكأنها تطلق نبوءة أو رؤيا مستقبلية فتقرر موت حزنها وتخلصها من يأسها وكأنها ترى شعاع أمل ينير لها الدرب لتصل إلى تحقيق أمانيها فتقيم قصائدها أعراس الخلود: 
أحمل نعش حزني
 إلى مثواه الأخير
 بعد أن كان يأسي
سيد القافلة
وتؤكد في قصيدتها " إعلان " على قناعتها بتحقق آمالها:
غداً
سيعلن قلبي
هطول المطر
و تعلن أمسياتي
نهاية الضجر
لقد نجحت أفين في رسم صورة لمعاناتها الشخصية التي هي جزء من معاناة أوسع وأشمل فقدمت لنا قضيتها دون صراخ أو ضجيج ، بلا شعارات رنانة ، ولم تجعل السياسة تطغى على أشعارها حين مزجت الخاص بالعام ، كما قدمت من خلال قصائدها صورا تتدفق رقة وعذوبة، كلي أمل ألا أكون قد بالغت في تقدير قصائدها أو انتقصت من قيمة أشعارها وأن أكون قد أوفيتها حقها دون إفراط أو تفريط .







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=989