نورك موسويان يستلهم موضوعاته من حكايا الأجداد ومروياتهم
التاريخ: الخميس 04 كانون الثاني 2024
الموضوع: القسم الثقافي



غريب ملا زلال

نورك موسويان فنان شاب في مقتبل العمر، من كورد روسيا، هاجرت أجداده قبل عقود طويلة من مدينة قارس ( karsi ) الكردية و الواقعة شمال بحر وان على الحدود الإيرانية إلى أرمينيا، هناك تلد والدته ( صدا موسويان )، و تنطلق إلى روسيا لتتخرج من جامعاتها و تصبح مدرسة لغات ( روسية، إنكليزية ) و مازالت تمارسها، هناك يلد نورك الفنان ألدي نحن بصدده و صدد قراءة أعماله، عشق الرسم مذ كان في السادسة من عمره، و تبدو الأم مرتبطة إلى أبعد الحدود، يقومها الكورد و تراثهم، و لهذا حرصت على بقاء الكردية لغة للأسرة يتبادلون بها فيما بينهم، و لهذا يتقنون الحديث بها جيداً، حتى حين إستمعت إلى حديثها مع الصديق و الفنان لقمان أحمد في برنامجه حفت رنك ( 7 ألوان ) لا تكاد تفرقها عن المقربين منك و الذين مازالوا يعيشون على ترابهم، كانت لغتها الكردية قريبة إلينا، و إن ظهرت بعث المفردات الروسية في لكنة إبنها و أقصد في لكنة فناننا الشاب نورك، 


و هي حريصة أن ترسي بأولادها و مستقبلهم إلى ضفاف جميلة، فكانت القراءة العمل الأجمل لهم و التحريض الكبير عليها، فهي مدركة تماماً من يقرأ و يعيش أجوائه و أجواء الكتب تتكون شخصيته و كيانه و لا يمكن أن ينحرف سلباً، و لهذا تحولت إلى أسرة متعلمة و مثقفة و إنموذجية، فهي كما قلنا تعمل في سلك التعليم و إبنتها موسيقية، و إبنها نورك كانت تتمنى أن يمضي في أحد الطرق الثلاث : إما أن رياضياً أو موسيقياً أو رساماً، لم يخب ظن والدته به، فقد أنجز الثلاثة معاً، فقد أحسن إتقان رياضة الجودو، و درس الموسيقى و بات موسيقياً و درس الفن التشكيلي و أنجز أعمالاً بإمكانها أن تضعه في طريق الصعود، أعمالاً تفوح منها الهمة و الإجتهاد، فقدم أربع معارض في روسيا، و نال إحدى الجوائز في مهرجان فني تشكيلي يضم الفنانون من بقاع كثيرة من الأرض، و الحلم الذي يتأمله أن يقدم معرضاً في كردستان، حلم من يحب و من يرغب أن يكون قريباً من النفس الذي ينتمي إليه، و نتمنى أن يحقق حلمه هذا، و نراه و أعماله في ربوع كردستان، في السليمانية أو أربيل أو دهوك، و هي همسة في أذن المسؤولين الكورد ليدعوه و يجعلوه ضيفاً على كردستان .
من الوهلة الأولى ونحن نخطو نحو عالمه يتراءى لنا عالماً بجذور سردية مختلفة، عالماً لا يبدو متواضعاً أبداً، بل عالماً كل ما فيه يمضي نحو التبلور بمجمل عملياتها، عالماً له من الإمكانات ما يجعله قادراً على المضي في طريق التطور و النمو و النضج للوصول إلى مرحلة يشار فيها إليه، حيث يمكن التأسيس لرؤية ناضجة و بتجربة ناضجة تجعل من منحاه ما يدل عليه و على لمساته الخاصة، أقول من الوهلة الأولى و مقارنة إلى سنه الفتي بإمكاننا أن نقول بأننا أمام تجربة ستكون لها شأنها في الوسط التشكيلي الكردستاني على الأقل، تجربة مختلفة تحمل كل مؤهلات الصعود و التمايز، تجربة تحتضن في زواياها مفاصل ظاهرة لا يمكن عزلها عن سياق ظهورها، فهو يحاول أن يؤرخ البدايات تمهيداً للبحث في الراهن، و يبذل قصارى جهده لكي يخرج من منطقة المسلمات إلى منطقة الوصف الموضوعي لهذا البحث، و هذا يمنح تجربته مضاءها، و يفتحها على أبعادها الرمزية منها و الواقعية، و يجعلها في مواجهة الحياة دون أن تتهاوى موضوعاته في دروب الأفول، بل ثمة إستراتيجية يعتمد عليها في تداعياته المكثفة، فيذهب به الحماس لتناول مجموعة صور بكيفياتها التي تجعله يفطن لجماليات إحيائها، ثم يواصل فتح مجراه معتمداً على إمكانياته الخاصة و قوى مفرداته، فترد جملته المنتعشة بما تفتن مشهدية مرئياته التي قد تأتي على شكل إيماءات عابرة، أو على شكل أديم يحتل موضعاً محدداً، فترد مبتدعة و طافحة بأنغام تجعله يتوغل عميقاً في رحابها، و تتوالى الصور الطافحة بالدلالات تنكشف و كأنها إيماءات متزامنة تمضي في الإتجاهات جميعها، أو كأنها حشد من المرايا المتناظرة كل منها يحيل إلى الآخر حشوداً من الدلالات، و كل هذا لا يرد و لا يتحقق صدفة، بل هو نتاج حركيّة الإيقاع فيها، ينتقل من سلم إلى آخر، يبعثرها في الصدى، و هنا يشار بفرح إلى ما في داخل تجربته، فهو يمتلك ماضياً ممعناً فيه، و مدى ينهض أمام رؤياه .
يستلهم نورك موسويان موضوعاته من حكايا الأجداد و مروياتهم له، و من والدته التي لا تبخل عليه بكل ما لديها من قصص و روايات، بل تكاد تكون النهر الرافد له، النهر العذب و الغزير في النفاذ إلى دواخله، بل و من جهة أخرى هي سلسلة الجبال التي تسنده و تدفع به بكل هديرها و نسيمها، كما أنه و حسب قوله يستلهمها من إطلاعاته و من قراءاته للتراث الكردي و فولكلوره، و مما تيسر له عبر الإنترنت كوعاء يحمل معانيه ليمنح نفسه له، فيبتنيها بإيقاعاتها و دلالاتها حركات و أشكالاً و رموز اً، و بذلك يستمد خطاباته و قضاياه مواجهاً أسئلة راهنة تبقى تترصده، كنوع من التحريض على إبراز مقاصده، تلك المقاصد التي يحتاجها في لحظة الإنجاز، اللحظة التي يحاصر فيها أبعاد نصه بمكائده و تحايلها إلى أقصاها، أو بمقارباتها لمحور الإختيار و التعمق فيه، فهو يوسع دائرة الذاكرة و يشحن خياله علّه يحقق مناخات جديدة لا تربكه مهما كان الإزدحام كبيراً، بل تثير فيه أن يتجاوز ما هو مستهلك، و يمضي إلى ما هو أبعد من حدود إصطناعية، إلى حدود لأشكال جديدة بقيم بصرية جديدة، و لهذا لا يكتفي بالمضي في ذهن المتلقي الذي ينشد على نحو عام إبهاره و إيهامه بكل ما يفي حاجاته، و ما يستجيب لقراءته، القراءة التي تقي ذاتها، أو حتى التي قد تتعلق بخاصية من خاصياته الجمالية أو البنائية، بل يدفعه إلى حمل أسئلته و البحث عن أجوبتها في كل مفاصل التجربة . 
بموجب احتكاكه المباشر بالواقعية الروسية كان لا بد أن ينتمي إليها، و أن يعوم في أجوائها، و أن يقول بصريح العبارة بأنه بحاجة ماسة إليها، ولهذا فهو شديد الحرص على العلاقات القائمة بين تفاصيلها و ما تحتاجه من حركات تركز على سلسلة مفردات تلخص بدورها موضوعات بحوثها على وجه الخصوص، و موسويان يسيطر على تلك الخصوصية بمحاولاتها توفير سياق صحيح لتطور سردياته، تلك السرديات التي تتوزع على البورتريه و الطبيعة و ما تيسر له من إلتقاط مشاهد بصرية من التراث الكردي و فولكلوره، و يعرف موسويان تماماً أن لغته قادرة على هندسة مشاهده، و إبعادها من إشكاليات قد تلد هنا أو هناك و من المفيد أن تؤخذ بعين الإعتبار ففي دلك يكمن بيت الحكمة، نعم يدرك أن لغته قادرة أيضاً على توفير الأحتكاكات بين مفاصلها إلى درجة كبيرة، فهو ينطلق من مقولات عن جماليات فنون الخلق التي تقوم على التجانس المأخوذ من عملية الإبداع ذاته، فآداته لغته التي تركز على توالدات شديدة التوافق مع إنجازاته التي تعطي بعض إشاراتها الموجزة فيما يمضي هو إليه من تأسيس جماليات معرفية، غنية و موحية و داعيةتتفق مع لغته الخاصة التي تذهب في إتجاه تأكيد مواقيت ملخصاته .





















أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=9873