على هامش كتابها الثالث (صراع الآلهة) سامية السلوم: لا آلهة على الأرض.. عليها أناس، فحسب.....!
التاريخ: السبت 25 اب 2007
الموضوع: القسم الثقافي



حاورها : إبراهيم اليوسف

تعود معرفتي بالناقدة اللبنانية سامية السلوم، إلى أكثر من عشر سنوات ، منذ أن كانت تعد ّرسالة الماجستير، واستعانت بالإرشيف الذي أعدّه لسليم بركات، والذي كنت قد قمت بجمعه على مدى حوالي ربع قرن، آنذاك،لأجد فيها مبدعة مسكونة بهاجس الاختلاف ، وليس أدلّ على ذلك من أن ولعها بإبداعات سليم بركات – آنئذ- كان يشكل مغامرةً كبرى ، و لاسيما بالنسبة  إلى كاتبة مثلها ، كانت تتناول كاتباً مجهولاً بالنسبة إليها،وهو بركات ، قادتها إليه استثنائية كتابته ، شعراً ونثراً، فكان بالتالي كتابها المهم جداً" الصورة الشعرية عند سليم بركات، والذي صدر عن دار الينابيع بدمشق 2006، وكان من الدراسات الأولى التي تناولت سليم بركات أكاديمياً.


وسامية المولعة بما هو استثنائي، فاجأتنا  خلال العقد الماضي بأعمال كتابية متنوعة من بينها مجموعتها الشعرية اليتيمة "  صمت الذاكرة- دار الحداثة 2004 "  ومن ثم كتابها الثالث " صراع الآلهة " الذي صدر حديثاً عن دار الفارابي – بيروت2007 وكانت قد كتبته ، وكما كانت تؤكد لي أثناء الكتابة، بأنّ "يدها على قلبها" لأكثر من سبب، ربما أولها الداعي الإبداعي الذي تركّز عليه،  كي نكون أمام كتاب يؤنسن الجماد، ويستنطقه، في إهاب جدّ خاص، ضمن دورة الإبداع الإنساني، و قد يكون سليم بركات من بينها أحياناً ، كما أزعم ، وبخاصة، حين تناوله الحيوان وكل، ما هو نافل، لا أنسي ، ساقط ،من حسابات سواه، وإن كان لسامية لغة تخصها،تفرض حضورها اللافت ، و لا يتلكأ متابع تجربتها الإبداعية في  معرفتها بدقة
- حول كتابها الأخير " صراع الآلهة " كان الحوار التالي لتسليط الضوء على تجربتها الإبداعية المهمة:
 
س: من أين استوحيت اسم الكتاب "صراع الآلهة"؟ وما مدى ارتباطه بواقع حرب تموز؟

ج: عندما نكون أمام حدث زمانه على اسم الإله تموز، ومكانه بين أرض إلهين هما: بعل وإيل، وشخصياته الرئيسة شعب الله وحزب الله، وحدثه حرب... عندما يتحقق كلّ ذلك، ألا ترى معي أنّ العنوان يأتي صورة تكاد تفقد شعريتها لتصويرها الواقع المؤسف، ذلك الواقع قد صار خيالاً يعاني المنطق فيه من ألم الغربة.

س: تخلطين "الواقع بالخيال" بطريقة عبثية ، شيّقة، فربّما كلّ ما ذكرته منتم إلى الواقع إلى أن تتدخل عشتار في الأحداث ، وبعدها يجنح الخيال، ويندغم مع الواقع، ليرفعه شعرياً، أيّ منطق ملحمي جمعها برأيك؟


ج: نحن أمام كمٍّ من الآلهة القديمة الحاضرة... والوطن يحترق ولا نعتمد المنطق بل نقوم كطائر الفينيق. فلا غرابة بعدها في أن تأتي قذيفة على مخزن الأساطير وتخرج عشتار لتبحث عن قاتل أدونيس ما دامت حتى اليوم شقائق النعمان تجدد ذكرى دمه مع كلّ شهيد. حتّى الله مزّقه أتباعه، باعتقاداتهم، فصار آلهة تحارب مع أتباعها في أرض الواقع، فتردّنا إلى أساطير اليونان.
ببساطة نحن نعيش في واقع تحكمه آلهة ،أو ربّما كلّ إنسان يحكم إلهاً حسب الأعمال...

س: إذاً ، هل تعتقدين بوجودآلهة تحكم الناس؟


ج: الموضوع خارج عن طور الاعتقاد. عندما تجعل لك إلهاً يتبنّى آراءك الجزئية، وتعطي لنفسك سلطته في تكفير غيرك ،أو حتى رفض اعتقاده لمجرد أنه عارضك، فإنك تدخل الإله المطلق في جزئيات الحياة، وتعيد نفسك إلى أيام تعدد الآلهة، بل تجعل إلهك سلاحاً فعالاً بيد الموت.

س: ألا تعرّضين نفسك للخطر، عندما تتحدّثين عن آلهة متصارعة، وتداخلين بين الأديان ، بطريقة جريئة غير مسبوقة، كما أزعم؟


ج: أنا لا أحاور الفكر الديني وثوابته التوحيدية، فكتابي يعرض الواقع ويعارضه. واقعنا الكافر بالإنسان قبل الإله أوصلنا إلى تبنّي الحرب القاتلة وسيلة مقدسة للحوار على الأرض... أمّا الخطر، في اعتقادي، فيكمن في بقائنا تحت خطر الموت المادي المتنامي، ولا متطوّر فيه سوى السلاح، ويكمن في بقائنا ميتين من الخوف متخلّفين عن الحياة، أمام الكلمة الأزلية دون فهم معناها.

س: اللغة أرقى ما توصّلت إليه الحضارة الإنسانية في التواصل، لكنك ضدّ تقديسها بل تريدين وجوب تغييرها بما قد يخالف المسلّمات؟ 


 ج: ربّما صار التطرّف لغة القداسة، تجد معنى إسرائيل "رجال الله". هل الشرق الأوسط يفرح ويمجّد الله على رجاله عندما يكون في حكومة إسرائيل وزير حرب، وعندهم سلاح لا يعترف بالحياة وعند غيرهم وزير دفاع إمكانياته محدودة؟...
ومؤخّراً لاحظت كيف صار التكبير "الله أكبر" يرعب الناس، لأنّه في الوقت نفسه ، بأسف ، لغة إرهابيّ ، أيضا ً ،يفجّر نفسه، فكيف غيره؟ أهؤلاء مؤمنون؟ هذه فلسفة موت لا حياة...!
أرى المقدّس هو معنى التواصل الإيجابي الطري غير المعلّب مع الحياة، وعندما نقتله، فإننا كأنّما نقتل طفلنا الذي نحقق من خلاله تطور الحياة نحو الآتي...

س: لكن اللغة تراث قوميات وأديان...! ، ألا تعتقدين أنّ عليها أن تحمل ملامح أصحابها وأنّ لها قدسية إلى حدّ ما؟


ج: عندما اخترع نوبل البارود من أجل يناء بيوت الحياة، انتحر حين رأى اختراعه في يد الموت، هكذا اللغة على لسان الحياة والموت؛ استعمالها في قتل الفكر أكبر خطراً من استعمال البارود في قتل الأجساد، فالسلاح يقتل من يصيبه لكن استخدام اللغة القاتلة للفكر مثل الوباء السرطاني...
أرى اللغة تعبّر عن الحياة ويجب عدم دفنها في الماضي، أو تفريغها من حاضرها، لصالح الماضي ،من جهة، ومن جهة أخرى، يجب تغييرها إن أساءت إلى تطوّرنا االفكري. وأرى الكفر ذاته في حبس اللغة في أحرف الموت بتجميدها، وهي قابلة لحياة سليمة...

س: يعالج كتابك" فلسفة الحياة والموت" بطريقة شعرية جريئة،ترى ما الرسالة التي يحملها الكتاب ؟


ج: كتابي يحمل نفسه معارضاً للسائد ،وغير قاتل له، وإن شئت فهو يعرض فكرة تقبّل الآخر، فالحياة قائمة على النسبية التي لا تمحو غيرها، والمطلق لسان حال الموت لأنّه يلغي حياة النقيض....!

س: هل تقصدين- هنا - المطلق الإلهي؟


ج: لا آلهة على الأرض، عليها أناس وحتى لو حملوا فكرة الحياة إن أطلقوها صارت موتاً؛ فحتى عناصر الحياة (الماء والهواء والنار والتراب) تتحوّل إلى موت إن لم تتفاعل إيجابياً مع غيرها، تراها تحوّلت إلى طوفان، إعصار، بركان،" عجاج" أو عاصفة رمل... هكذا الآراء. سقف السماء يتسع لكلّ الناس، ولا أحد يحقّ له أن يملك غيره...

س: عبر شخصيات القصة تدخل الآلهة ومنها- الله- في صراع شعري، ويدخل في الفكرة جزء من التوراة، والإنجيل، والقرآن، والأسطورة، والتحريف الديني، والصوفية...، ويبدو الراوي آلة تصوير، فهل تقفين إلى جانب أحد الآلهة؟


ج: تدخل آلهة في النص، حسب اعتقاد آلة الحياة، برأيي الشخصي الحر، لا أرى حرية في عبادة تجعل إلهك جزءاً منك، وأنا مع الحب حتى العبادة. وأن تعبد الله على أنّه المطلق الإيجابي يعني أن تمنحه ذاتك لا أن تملكه وتكفّر به من يخالفك حتى في ما يسمى اعتقاداً دينياً. أنا ضد إلغاء الآخر بالمطلق، وللحياة لغة يتقنها الموت الذي قد يحبسك في جسدك وأنت مقتنع بأنك آمن من شر الآخر. أما لغة الحياة فترى في الآخر خيراً تحاوره لتزاوج المتناقضات من أجل خلق جديد أو على الأقلّ من أجل تجديد الفكر بتحريره من الماضي كحياة لا كجذور.

س: أين تجدين سامية بين شخصيات أفكارك؟ هل هي العاشقة الباحثة عن حبيبها المفقود في زمان الصراع ومكانه؟


ج: العاشقة بروحيتها، هي جزء مني، ومن كلّ فتاة شرقية تجد فارس أحلامها، روحها القوية، ولا تبدلها بروح أخرى، وتحتفظ بقلقها عليه رغم قوّته وبأنه "عنيد أحرقوا صفحة حياته فأطفأها بيده"... رسائلها إلى المصير تظهر مفهومها للحبّ المضيء درب حياتها مهما سطع حضور الموت... تبقى نسمة حياة ناعمة في هذه الفتاة تحاول أن تشارك فيها فتاها حتى حين مات وقام...

 س -هل أنت هي النجيم اللبناني العنيد، العارف بأسرار الحياة، والذي يضيئها بحياته في عتم الإعلام وتعتيم القمع...؟


ج: لا. أنا أجد نفسي في جزء من أفكار النجيم الذي يعاند العتم ولا يراهن على البصر المحدود... اسأل النجيم من أنت؟

س: أيّ نجيم أسأل؟ في الصراع في كلّ زاوية من فضاء النص نجيم يضيء عتماً ما بمنطق شعري مختلف عن سابقه؟ مندوب محطة عشتار أو حبيب الفتاة، أو الإله، أو اللبناني العارف بأسرار الإله،أو من رفض أن يكون إلهاً ورفض أن يكون طرفاً،ً أو نجيماً على راية، أو الذي عاد بعد ألوهيته إنساناً، ليكتب بدمه لغة جديدة، توصل إلى الأمان لا إلى حروب لاحقة...؟


ج: النجيم هو ما ذكرت وهو معنيّ جداً بالصراع لبنان أرضه وليس سقفه، يحمل فكراً حرّاً يحاول أن يحرّر الناس من التبعيّة العمياء. في مجالات عدّة يحرق عمره ليضيء زمانه في زوايا الإله والإنسان والطبيعة والحضارة ينشر لغة الإنسان الحقيقي على الأرض ينشرها في السماء غيوماً تبشر بالربيع...

 س: هل تجدين نفسك في الراوي؟ أقصد "آلة التصوير" التي تلتقط الأفكار، وتترجم عن الآلهة، والكائنات لغاتهم غير الصائتة؟ وكيف تكون الفتاة جزءاً منك وأنت جزء من النجيم؟


ج: برأيي أننا عندما تحاول الأحداث التي تعيشنا تشييئنا نصبح آلات تحاول استعادة أنفاسها المحروقة أو عدساتها المكسورة أو أفكارها الحياتية فتحاول رسم الماضي بحبر المستقبل لأنّها لا تملك من حياتها إلاّ الحلم...
 الفتاة الباحثة عن الأمان في الصراع المفروض عليها واقعاً لا يعمى قلبها عن رؤية نجيمها يضيء في ظلام حياتها وضياعها.
يمكن لآلة التصوير أن تلتقط أفكار النجيم وهو الصغير بالنسبة إلى عتم السماء والأرض ناشر الضوء...، إنّه يساعدها في أن تلتقط الأفكار لأنها في ضوئه ترى ما تكتبه.

س: لكل مبدع رموزه المحببة إليه ، وكما لاحظت في كتابك ،أنه لا يمكن تهميش رمز النجيم المتمرّد الذي يضيء عتم الحبر بإصرار، ويطغى وجوده على وجود النجوم، والكواكب، والقمر، وحتى على الشمس في الإضاءة، إنّه يشارك- باختصار - المتكلّم في النصّ ، من خلال إسناد معجم نجمي إليه ، فيه محاولة تغيير اللغة المتوارثة، وادّعاء بأن لغته هي اللغة الأولى الطبيعية التي حرّفها القمع...    


ج: رمز النجيم بالنسبة إليّ هو رمز ثورة كونية على الظلام رغم إمكانياته الذاتية المحدودة ومهما صار زياداً ضوءه فإنّه يعرف أنّه برعم حياة وأنّ شجرة الحياة الخضراء أحلى من النظريات الرمادية. هو يعرف كيف ينشر فكره الحرّ ولو كان الظلام كونياً. النجيم في ذهني القارئ القدوة الواعي الأغلى على قلمي...  

س: في نهاية الصراع، تترك"الحرية" لبنان تذهب إلى الطبيعة الكونية...

 أليس في هذا تسليم ضمنيّ بأنّ الحرية موجودة في الصراع؟

ج: الحرية لغتها سلام، لا تكون في الحرب. وإن وجِدت في صراع فإنّها تتعب. وهي في "صراع الآلهة" رغم حبها للبنان تغادره لتتجدد في الكون المطلق فهي لا تنتمي إلى مكان لكنها تنتمي إلى الفضاء الإنسانيّ، وتتبنّى فكرة أنّ الإله واحد متعدد الأسماء كما أن الإنسان واحد متعدد الأجساد، وعندما تسالم جوهر الإنسان في غيرك تتعرف إلى الحرية فيك. أما عندما تقتل فرح سلام غيرك فسيموت الله فيك.

س: لم تذكري في كتابك أية إيجابيات للحرب؟ هل ترينها كلّها دماراً، فحسب ؟


ج: لكلّ شيء في الحياة إيجابيات، وسلبيات، فأنا في طرح السلبيات بطريقة عبثية، لا أقصد تعميمها، لتحلّ محلّ الإيجابيات، مثل تعاطف الناس المعنيين بتبعات الحرب، لا بصياغتها، تعاطفهم مع بعضهم في لبنان كلّه، فلأوّل مرة، يقع لبنان كلّه تحت خطر العدو... وكذلك التعاطف الجماهيري في بعض الدول العربية، وغير العربية...
هذا ليس بحاجة إلى علاج، وتمّ تسليط الضوء عليه إعلامياً، للتغطية على الأمور المرعبة، التي يراها المشاهد وحشاً، هم يحاولون بدلاً من قتل الوحش تزيينه،  لئلاً يخيف أطفال العقول برأيهم...

س: في نهاية الكتاب، ثمة حواش ، من بينها رسالتا عاشقة إلى "مصير" وفيها رسالة إلى الله، ومعجم نجمي،فيه مئتان وست كلمات، كتبه إله بعد أن رجع إنساناً. ألا يوحي استخدام الحواشي بأنّ الأحداث حقيقية ،موثّقة؟


ج: هي محاولة لتوثيق المضمون بما يوازي في الواقع توثيق الحقائق إن شئت.

س: يقال: إنّ لحظات الإبداع هي لحظات الغربة والانفصال عن الواقع الحاضر، واستبداله بماض، أو بمستقبل، يضع مخططه على الورق، أو قد ينتمي إليه.

- ترى ، هل من رسالة تريدين إيصالها إلى زمن ما؟

ج: أشعر بالغربة عن الحياة كلّما زاد خوف الناس من الحياة واحتموا بالجمود شكلاً للموت المعاش... لكن أياً كانت الأمور فلا يهتزّ يقيني من أنّ وجود النقيض المعارض هو دليل من الآخر على وجودي.
أريد أن تصل رسالتي إلى كل من يسمع صوت الحبر ويعرف قدسية الكلمة. ويدرك أيّة جريمة في قتل معنى الكلام. ويعي أيّ حجم حضاري للغة في التواصل...

س: كلمة أخيرة، تريدين إضافتها، أو ربّما بعض حلم يراودك، هنا ، وتريدين قوله؟


 ج: في اللغة الله كلمة. الكون كلمة. الحياة. الموت...
أحلم بأن ترى الأجيال الآتية أنّ لغة الحياة النسبية تصمت حين نسمح للغة الموت المطلقة بالحياة، وأنّ إرادتهم هي رحم الآتي القائم على أنّ "لونا واحداً لا يرسم لوحة الوجود"...

 









أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=934