تارا خليل تمتلك حيوية اللون و حركيّة توزيعه
التاريخ: الأثنين 26 ايلول 2022
الموضوع: القسم الثقافي



غريب ملا زلال 

تارا خليل إبنة مدينة كركوك الغنية بثرواتها، و بأبنائها، و بفنانيها، لا ترتوي من الرسم، تمارس عشقها الإبداعي بغزارة لونية تعتز بها، و تتقن مرارة قطع المسافات الطويلة، تمتلك الخيارات الصعبة و تمضي فيها محاولة التأكيد على ذاتها، محددة ملامحها، بأجنحتها، بوضوح ألوانها، بموجوداتها التشكيلية و قدرتها على تطويعها، تحدد قيمها الفنية و تضعها في لوحتها لا كظاهرة فنية، بل كطوفان تنتشر في كل الإتجاهات، فتتحرك مؤثراتها الحسية على نحو متصل حيناً، و حيناً على نحو متقطع، لتبقي إشاراتها و ما تقدمه من دلالات تفاعلات تجري في أقانيمها المرئية على نحو شبه صوفي بها تتوسل سطوحها و ما تنساب عليها من ألوان تمتلك حركيّة توزيعها، لتتحول إلى معطيات مشبعة بالتشخيص و الحضور الإنساني،


 و في الوقت نفسه مشبعة بلمساتها و خطوطها و ألوانها، و كأنها إيحاءات لذاكرة أمكنة لا يمكن الوصول إليها إلا بما تشمله من هواجسها و تطلعاتها، لا يمكن ثقبها إلا بما يساعدها من إمتلاكها لرصيد يسمح لها بالظهور، فهي تحتاج دوماً إلى قدر من الوقت لتضع خياراتها الكثيرة على المحك، الخيارات التي لا مستقر لها، لكن لها هروبها و غناها، لها فراغها و رؤياها، لها تكنيكها و إرهاصاتها، تضع خياراتها على نحو ما تفاجئك بالتأمل الشديد، و بحاجتها الكبيرة إلى البحث بذاتها الملتهبة عن أفق بإحتمالات مغايرة، بإحتمالات تكون اللحظة فيها مبهرة، و في مسار قد يستدعي زمكاناً آخر لها، و تحتمي بالأسئلة، و تدافع عن حلمها الذي ما زال يهرب في الزحام، حلمها الحاضر دائماً في الذاكرة الإنسانية، و المختزل بحميمية في عودة الأشياء إلى ذواتها، إلى أشلائها الهاربة من خبايا ملمسها، إلى إنتماءاتها التي لا حدود لها، فكل المؤشرات و بعيداً عما تسكن في الذاكرة تتداخل على نحو فيه تتيه اللحظات مع التداعيات، لكن قدرتها على التعبير تمنحها مناخاً يضمن قيمها المعرفية و الجمالية .
تارا خليل ترسم بمسؤولية و تترك أثر ذلك في كل ما ترسمه، فهي لا تفترض بيئة، أو جغرافية معينة، و لا مناخاً مستورداً، و لا تصعد سلالم ليست لها، و لا تدخل واحة إن لم تلونها بشهيقها و زفيرها، أبجديتها التي يمكن تلخيصها بالإنسان و الطبيعة حاشدة بسحر ملوناتها، بها تنقل حقيقة مشاعرها، و دقة رؤيتها، و بأشرعتها العائمة في واقعها الموضوعي تقود أشكالها بدقائق أمورها، فتلفت الأنظار من حولها، فتبني لنفسها بمعطيات مباشرة طريقاً تكاد لا تجد نفسها إلا فيه، و بالفعل فوضوح أعمالها قد تكون أشبه بالإستراحات التي تثبت التوازنات للإنسان، و تثبت لها الرغبة بطموح يبدو لأول وهلة بعيد المنال، و لكن بقائها في حالة حالمة دائمة تجعله في متناول ريشتها، فهي لا تترك حلمها، و لا تخرج من جلدها، تقدم تركيباتها بما تحتمل، لا زوائد تثقل كاهلها، و لا قدراً يخفف حيويتها، تلك الحيوية بعنفها، و رقتها تحدد ملامح تجربتها، التجربة المستمدة برمتها من مناخاتها و بيئاتها و طبيعة بلادها، فتسقط كل ما تعيشه و ما تشاهده من عادات و تقاليد على فضاءاتها لتكون شاهدة عليها، و على السر المعلق بين جوانحها، فلوحاتها محطات زمنية مقتنصة من المكان الذي تعيش فيه، و بذلك تكتسب إحتكاكاً مباشراً مع إيقاعات لواقعية ما زالت تنبض بين أصابع أمثالها و أمثال شكران بلال التي تتقاطع تجربتهما في نقاط كثيرة، ضمن الأجواء ذاتها، و ما تستعيدان من موضوعات بيئية، و عناوين محلية، و مضامين إجتماعية، فتارا بخصوصيتها تؤكد أن الفن مسؤولية التي لا تحيد عنها، و التي تمتلك كل مواصفات هذه المسؤولية، فهي مرتبطة بأبجدية المكان بكل مفاهيمها التاريخية و التراثية و الإجتماعية، و تسقط كل ذلك على مفارق زمنية أعمالها، حتى تظهر ملامحها كملامح عاشقة مسافرة في الحلم أبداً .
تارا خليل لا تغادر أعمالها، و لا أمكنة الإنجاب فيها، فهي تتدفق بصمت و بكل وداعة من نبضات فرشاتها، و من أقاليم حلمها الراقد بهدوء، و بثقة و طمأنينة بين بقعها اللونية التي تمددها في أنحاء اللوحة كلها، و تسيطر عليها لدرجة التلاشي، فأمامها بناء و حشود و مفردات تشتغل عليها بالشكل الذي يضعها أمام نفسها لتواجه الحقيقة و خطورة لمسها، الأمر الذي قد يجهض أحلامها، و لهذا فهي في أدق حذرها و هي تقترب من ذاتها، أو من الذات الإنسانية و فهمه، أو من التراث البيئي حيث الفصل في تثبيت الحقائق، و الذي يجعلها تبحث عن المعلومات المرتبطة بأفكار جديدة و تلتقطها ثم تعالجها بأسلوب معرفي قائم على أساس من الإستكشاف و التنوع، و في ضوء ذلك فهي تختبر الواقع بمهارتها، و تكسبه قرابة زمنية، و إسهام خاص في صقل فهمها لخصائصه الشكلية، فهي تعطي أهمية قصوى للون و البهجة الإنفعالية فيه، لا كقيمة موضوعية، بل كقيمة جمالية لها أبعادها المعرفية، و الثقافية، لها إسهاماتها في جذب إهتمام عين المتلقي على نحو نشط و فعال، و تجعله يتلقى و يفسر و يتذوق تبعاً للمنحى التي تمضي فيها، فعمليات التلقي عندها مبني على تفاعلات لها تأثيراتها في أهمية إكتساب الخبرة الجمالية .
إضافة إلى حركة الناس المألوفة، و الطبيعة المحاطة بمسافات خاصة فتارا خليل تلتقط ملامح من حولها، فإشتغالها على البورتريه تكاد تأخذ حيزاً كبيراً من تجربتها، مؤكدة على أهميتها في تغيير الذائقة الجمالية، فهي تستأثر شكلاً خاصاً بها، بها تقترب من لغة الحياة اليومية، فلا وجود لإنزياحات لوجوهها، بل تحيط بها بأشكال تمتلىء حيوية، و تزخر بالحياة، و كأنها تقتفي حركة الروح فيها، و تخفف من الضغط الممتد في أعمدتها الخاصة، و هي تميل إلى البساطة في إسقاط مشاعرها، و في إخضاع نفسها لتأثيرات القوى التي تحدث في داخلها، فالشيء الحقيقي التي تلبسها خليل لإدراكاتها هي بالضرورة تعبيرات وصفية لعلاقات ضمنية / داخلية لنشاطاتها المختلفة .






















أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=8949