صلاح ريكاني بين الإبلاغ عن رؤيتة و إنفتاحها على الرموز
التاريخ: السبت 02 تموز 2022
الموضوع: القسم الثقافي



‏غريب ملا زلال

قبل الدخول إلى العالم الإبداعي لصلاح الدين محي الدين ياسين أو لصلاح ريكاني ( 1963 ) الإسم الذي به يعرف في الوسط الفني، و قبل أن نتصفح أعماله و مهارته فيها، و قبل أن نقرأها بلغتنا و بصوت جهوري لا بد أن نشير إليه و بأنه يثمر في أكثر من جانب إبداعي و لهذا رصيده كبير و رافد غزير و فاعل للحركة الفنية الكردستانية و العراقية، رافد زلال وعذب و رقراق، عنه تتحدث حقوله المثمرة بالطيب و الجميل، فهو فنان تشكيلي له أكثر من ثلاثين معرضاً ما بين فردي و جماعي، و هو مخرج مسرحي أخرج أكثر من عشر مسرحيات، و هو ممثل مثل في أكثر من ستين مسرحية ما بين أدوار البطولة و أدوار الثانوية، و مثل أيضاً في أربعة مسلسلات و في فلمين تلفزيونين و ستة أفلام سينمائية، جعبته حافلة بالإنجازات التي تجري في عروق و أوردة الجسد الثقافي الكردي على نحو خاص و العراقي على نحو عام، و ستكون وقفتنا هذه بوصفه فناناً تشكيلياً، نحاول أن نقترب من حكايته أقصد من تجربته علها تكشف لنا عن طعمها و رائحتها، و بالتالي عن تفاصيلها التي لا تكتفي بالبوح عن أسرارها .


صلاح ريكاني في جمالياته البصرية يحمل خصوصية ذاتية و بحثية، ذاتية آسرة به و بالمكان المشبع بالشمس و تجلياتها، و بحثية ينقب في الواقع و ملامحه بالشكل الذي يراه حيث المجال الحيوي على أشده، فيتحسس الإنسان و متغيراته التي لا تنتهي، يتحسس حفرياته المتشعبة المواضيع بأبجديات تتناثر على سطوحه علّها تتعانق جامعة كل التناقضات كحقول معاصرة تملك خاصية التنقل المريح المحسوس بإيقاعات داخلية تناغم لمسات الحركة في أبوابها المشرعة لفضاء متخيل تشرح الصدر بتكوينات حاذقة و منسجمة و حالمة، فالطاقة الكامنة في دواخله على أهبة الإنفجار مع إستعاب إنحباس توضعاته و طروحاته في مسارات اللون و مخارجها، و هذا ما يفسر أعماله و كأنها على مفارق زمنية لا يهدأ فيها ذلك التعارك الحتمي و الوديع بين الحسابات الجمالية و هندستها من الداخل و من الخارج، مهما كانت هناك فروقات في البيئة الحياتية و في تطوراتها الفنية التي أنجبت حقبة بمفاهيم خاصة و برؤية خاصة، فالأمر الذي يحتم على ريكاني عدم عزل الأشياء عن إرتباطاتها التاريخية و تحولاتها و إلا سيكون أمام إشكالية تكمن في أن جميع أعماله ستتحرك في فضاء واحد .
يبدو لنا أن ريكاني ينسجم إلى حد كبير مع تلك التطورات الفنية التي تظهر في مجالات الإبداع المختلفة و التي لا تخلو من إشكاليات كثيرة قد تعترضها، و التي قد تظهر في تداخلها فيما بين بعضها بعضاً حتى تختصر بمفاجآت جديدة تحمل قراءات تداولية جديدة بوعي معرفي، فكل شيء عنده قابل للتعبير، قابل للتصرف و الحركة، قابل للتغطية و الإغراق، فكل شيء عنده هو معطى آخر من معطيات الحياة بنسبة ما تمتد من اللابدايات إلى اللانهائيات كفيضان ضوئي يلقيها على مجموعة تفصيلاته تجنباً من الجفاف غير المسبوق التي تجتاح كل المفاصل بما فيها النبض ذاته و التي تدفع المرء نحو التكيف مع الظروف المناخية، الحياتية، النفسية، الإبداعية، السيئة جداً و التي باتت تغطي أرواحنا كلها، و لهذا فهو لم يترك لحظات التشابك و التجاذب بين الرغبة الجارفة في الجموح نحو المسافات و إلغائها و بين الشروع في رصد اللامرئي و إقتفاء أثره و إستدعائه بلاوعيه و دفعها في فضاءاته ليتحول إلى ركيزة لمنجزه الفني بل إلى بوابات مشرعة في مهب الدلالات و التخيل، في مهب التصورات غير المألوفة و التي تمتلك حضوراً بإعتبارها تلغي الفوارق بين الأبعاد المختلفة و يعصرها في بعد واحد تخص الفنان وحده، دون أي إلغاء لمشاهد الواقع اليومي، فيمضي في خلطته الجمالية بتقاطع الواقع مع اللاواقع، المرئي مع اللامرئي، المعقول مع اللامعقول، يمضي في إحتفاء مهيب و على شكل محاورات بينهما حتى يفتن كل منهما بالآخر و حتى يحن كل منهما للآخر فيتحرق عليه لتلد حينها لحظة نهوض منجزه كخيوط دقيقة ممتدة بين الأبعاد ذاتها التي عصرها في بعد واحد، لتلد حينها اللحظات العالقة من الحدود الفاصلة بين فعل الخيال و وقوعه، و بين الإبلاغ عن رؤية و إنفتاحها على الرموز و كيفية تشكلها، و هنا يبرز ريكاني مقدرته على الفعل و على سن رموز تلبي حاجته أقصد حاجة منجزه وفق حاجاتها و وفق الحريق الملتهب في بؤر عمقها، و هذا ما يجعلنا نقر بأن خطاب ريكاني بسيرياليته الموظفة بمفاهيم يتم تداولها بما يجسد تجربته هي أقرب إلى الأسطوري منها إلى الأسطورة و ذلك بصخب لحظاتها التاريخية، و بتلاشي المباشرة، و بمفرداته التي تؤمن له روح الديمومة و عدم الإكتفاء بمعاينة الأشياء كظاهرة بل كبناء تكويني فيه يدور دقائق التفاصيل و فيه يبني ريكاني رموزه الشخصية ما يجعله يتحرك في اللاحدود لا كإشارات عابرة بل كدلالات جديدة، بأبعاد جديدة تعلن عن نفسها في شكل ولادة جديدة، و الحال أنه ينتشل نفسه من مسايرة الواقع و مما ظهر منه، يبتني رموزه الحاضنة لسيرياليته في لحظة تشكلها لذاتها، و ما رموزه تلك إلا صدى للحظات التقاطع الخفي المحجب بين الواقع و اللاواقع، العادي و الخارق، الواقعي و الخيالي، و هي لحظات إحياء لنصه / منجزه و إلحاقها بجموح ما يجاهد في بنائه، الذي لا يمكن أن ننعته بالغلو و المبالغة، و إنما بهدير يتحول في ميادين المواجهة إلى ما يمكن أن نسميه لحظات المكاشفة بإمتياز، فثمة حرص من قبل ريكاني على الإشتغال بكيفيات بناء الرمز في نصه / منجزه و بكيفيات تشكله و نهوضه إمعاناً في الزمن اللاميقاتي الذي ينخرط فيه بكل مقدرته للفعل فيها، لا بمجرد نقل ما يجري بلغة مغايرة، بل ينقل ما لم يجري و هذا ما يجعله ينفتح على لحظات الترحال ذاتها و في رحاب العتبات المعتمة حتى يشق مجراه بدلالاتها و معانيها غير مكتف بإلتقاط المقاصد وفق ما ما يتطلبه النص / المنجز، بل يدعها تتوالد تحت سطوة الإكتشاف دون الإنشغال عن أبرز مميزاتها الرافدة لبنيتها الإيقاعية، و المساهمة في بلورة بنيتها الدلالية، و التي تقيها من التلاشي و التماثل، و في ضوء ذلك يتبين لنا السر في التنوع المستمر لديه، و في بعثرة شظاياه بين مدركاته التي لا تقف عند حدود معينة بل تتوالى المشاهد طالما تتوالد و تتعالق دلالاتها .




















أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=8801