أربعون يوما على الرحيل في رثاء توأم الروح كاميران حجي خليل
التاريخ: الجمعة 30 نيسان 2021
الموضوع: القسم الثقافي



ادريس عمر 

كنت جالساً أتأمل هذا اليوم النوروزي الكئيب الغير العادي، واتذكر أعياد نوروز قبل جائحة كورونا القاتلة، و لطالما انتطرنا هذا اليوم طوال السنة لكي نخرج إلى الطبيعة وتتزين النساء والرجال بالألبسة المزركشة ونحتفل بعيدنا القومي،عيد الحرية والتحرر والانعتاق. وكيف تقلبت حياتنا إلى سجناً ممل لا يطاق، ولا نسمع غير أخبار الموت وفقدان الأعزاء، شباب بعمر الزهور يغادروننا فجأة بدون وداع، أصبح الحزن سيد الموقف، لايوجد غير الاحزان والاتراح أصبح حياتنا سواداً بلا طعم.
أهكذا ستستمر حياتنا؟ ماذا جرى للعالم ؟ اسنبقى طوال حياتنا جالسين في بيوتنا، لا زيارات ولا أعياد، ولاندوات ولا أعراس ولآ خيم العزاء لكي نواسي بعضنا البعض ونخفف من آلام ووقع الأحداث!


في غمرة هذه التخيلات، وإذ بجرس الهاتف يرن، ويظهر اسم ابن خالي الذي يعايدوني في المناسبات القومية والأعياد الدينية وهذه أحد طقوس المناسبات لدى الأقارب في أوروبا.
آلو، أهلا ابو أزو، وإذ بصوته خافتاً، باهتاً، منخفضاً، حزيناً أكاد لا اسمعه، شعرت فجأة بغصة في حلقي ونخزة في قلبي، أبو أزو ماذا جرى لا أسمع صوتك.
قالي لي: هناك خبر سيء لم أخبر أحد به بعد...
 قاطعته مباشرة، لا تقول لي جرى أمر ما لـ كاميران، بتلك اللحظة لم أفكر بأي شخص آخر ماعدا كاميران!
قالي لي: بلا، لقد ما، لقد ماه، لقد مات، ولسانه لم يكن يطاوعه أن يقول أنه غادرنا بدون رجعة!
يا للهول، ياللكارثة ، يا للمصيبة التي حلت علينا، وبدأ البكاء يأخذ مني السيطرة على الكلمات وبدأ جسمي يرتجف من هول الحدث، وبكينا سوياً مدة طويلة. وتجمعت عائلتي الصغيرة حولي ويسألونني ماذا جرى وبدؤوا يبكون لبكائي.
ما هذا الخبر الصاعق الذي سمعته، كاميران الذي كان يحثنا دائما أن ننتبه إلى أنفسنا ونحمي حالنا من مرض كورونا القاتل، هكذا فجأة بدون أن يودع أحد منا يغادر من غير رجعة! لا اصدق هذا الخبر أن وقعه ثقيل وثقيلاً جداً.
صديقي عمري وأبن خالي وعمتي الذي عشنا معا طوال حياتنا، في السراء والضراء، لا أعرف عن أي مرحلة من مراحل حياتنا أبدأ، أ من مرحلة الطفولة أم مرحلة الشباب أم مرحلة النضوج، كاميران الموهوب الذي كان يعزف الغيتار والعود ويغني لفريد وعبدالوهاب ومن عشاق نجاة الصغيرة ومحمد شيخو، الذي كان يضيف المرح ونكهة خاصة على جلساتنا، أم كاميران الذي كان يكتب الشعر عندما في المرحلة الاعدادية أم كاميران الثوري الذي كان يتكلم السياسة بحماسة ويتقنها.
انتسب كاميران في بدايات عمره الى الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي)، كان نشيطا ومحب من قبل رفاقه واستطاع أن يقنع الكثيرين للانضمام إلى صفوف الحزب، وفي الثمانينيات من القرن الماضي وبعد مجيء الحكم العسكري في تركيا وهروب حزب العمال الكردستاني إلى سوريا وإلى مناطقنا، تعاطفنا كلنا مع كردنا بسبب المظلومية التي عانوا منها من الحكم الفاشي التركي، واستطاع حزب العمال الكردستاني بشعاراته الكبيرة والفضفاضة التي طرحها آنذاك، بتوحيد وتحرير كردستان الكبرى أن يؤثر على جيلنا وانضم كاميران إلى حزب العمال والتحق بصفوفه وعمل عدة دورات كادر ومن خلال تواجده في معسكر الحزب في لبنان رأى الكثير من الاحداث بأم عينه وكانت لديه نظرة نقدية ثاقبة ويشهد له بعض رفاقه الأحياء عن مدى جرأته ومواقفه تجاه القضايا التي لم يكن مقتنعاً بها، لذا ترك صفوف العمال الكردستاني وكانت ضريبة ذلك أربع سنوات سجن مع أخته وثلاث من رفاقه الذين كانوا ينتقدون هذا الحزب وممارساته وعلاقاته مع الانظمة الغاصبة لكردستان وعدائه للحركة التحررية الكردستانية.
سنوات السجن الأربعة في صيدنايا صقلت تجربة كاميران الثقافية والسياسية، كان يقرأ بنهف الأدب العالمي وبشكل خاص أدب أمريكا اللاتينية، لماركيز وايزابيل الليندي وكان متأثر بأسلوب بركات في الكتابة، وفي مجال الفكر يقرأ لاركون ومحمد عابد الجابري وطرابيشي وفوكوياما، ويناقش الآخرين الطبقة السياسية السورية المعارضة لنظام البعث الشوفيني، الموجودة في سجن صيدنايا العسكري. من لجان الدفاع عن حقوق الإنسان وحزب العمل الشيوعي والاخوان المسلمين وكان محبوبا ودوداً ويملك روحا مرحه وبنى علاقات جيدة مع معظم الشباب الذين كانوا معنا في نفس الجناح. وكان يناقش ويفكر بالمستقبل السوري وحل القضية الكردية من خلال هؤلاء المعارضة الذين أن تغيرت الامور واستلموا السلطة في يوم ما. وبناء سوريا ديمقراطية لكل مكوناتها لذا كان لديه نظرة استراتيجية للقضايا الفكرية والسياسية وكان يبني علاقاته على هذا الاساس. 
 بدأ بكتابة القصة في السجن، وكان لديه مشروع كتابة بعد أن خرج إلى أجواء الحرية ولكن ظروف الحياة أجبرته على العمل والسفر والتنقل من بلد إلى آخر وتأجلت مشاريعه الثقافية والسياسية إلى أشعار آخر، وبدأ بتحسين الأوضاع المادية للعائلة وخاصة من بعد وفاة والده، أصبحت مسؤولياته كبيرة، أصبح الاب والأبن الكبير والصديق لكل العائلة، وساعد كل أخواته وأصهاره وأبناء أعمامه ووجد لهم فرص العمل وحسن من أمورهم المادية والمعيشية، أصبح العقل المفكر والناصح لهم جميعاً.
كاميران كصديق كان محب لاصدقائه ومخلصاً لهم، وأثناء زياراته إلى أوروبا، كان يلتقي مع أصدقائه ونسهر ونشرب حتى الصباح ويبدأ بأحاديثه الشيقة عن تنقلاته للبلدان التي زارها من سودان إلى قطر وإلى جزائر ويسرد لنا قصص ومغامرات عاشها كزوروبا بكل لحظة ودقيقة وكنا نستمع إليه بشغف لا يمل، وحبه لديريك كان يرافقه في كل مكان وأمنيته بالعودة إليها والتجول في شوارعها، وأحياء ذكريات الطفولة والشباب !
للأسف عُدتَ إلى ديريك يا كاميران ولكن ليس كما كنت تحلم، بل في تابوت خشبي، عدت والسواد كان يخيم على المدينة بعد أن فقد أحد أبنائها الأبرار وأحد عاشقيها، ستبكي المدينة طويلا وستفتقد ضحكاتك ومشيتك السريعة، ستفتقدك أزقتها وشوارعها، ستفتقدك كانيا عسكريية وسكنا فرنسي وعندما كنت تتفنن بأخذ الصور التذكارية تحت قوسها، ستفتقدك مطعم القصر لعمك أبو كاوى ومكتبة ريزان لخالك حجي يوسف ومركز السلام لتوأم روحك أدريس وكل السهرات التي سهرناها معاً على أنغام موسيقا صديقك نوهاد دياب وأغاني جمال سعدون وأزاد فقه وشفكر ميرزا، ونكت رضوان خورسي، وقهقهات ضحكاتك تعلو السماء، ستبكيك المدينة طويلاً ونحن معها وحبيبتك التي أحبتك من كل قلبها وتمنت أن تجتمعا تحت سقف واحد حتى ليوم واحد فقط، سنبكيك كلنا، وأن الجرح الذي سببته لن يندمل بسهولة.  







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=8039