حوار مفتوح مع العاشق للفن و الحياة عنايت عطار (5)
التاريخ: الجمعة 20 تشرين الثاني 2020
الموضوع: القسم الثقافي



 غريب ملا زلال

غريب :
على سيرة الفرق بين الرسم و اللون ، بين الرسام و الملون يقال إن أحدهم 
قال لبيكاسو : "يبدو أنك لا تحسن من الرسم سوى هذه الخطوط والألوان المتداخلة ". فأخذ بيكاسو ريشته وقام برسم حبة قمح على الأرضية ..وكانت حقيقية إلى درجة أن أحد الديكة تقدم محاولاً إلتقاطها ..عندها إنبهر الرجل وقال لبيكاسو : لماذا إذن تصر على هذه الرسوم الغريبة وأنت تحسن الرسم بهذه الطريقة الرائعة ؟" فأجابه بيكاسو بهدوء :" في الحقيقة أنا لا أرسم ..للدجاج."
ما رأي عنايت برد بيكاسو ، و ماذا لو سئل عنايت هذا السؤال 
بماذا سيجيب ؟


عنايت : 
نعم ، ولو تفحصتم نسائي ، أعرف أنه ليس بإمكانكم قصها بمقص على دائر المحيط الخارجي ، فإنها ممتزجة تارة بالريح ، وتارة بالسراب ، و تتداخل بالمرايا ، أو تغوص في الظلال ، أنت كمحلل أو كناقد أعتقد أنك تعرف حق المعرفة بأن الواقعية كمذهب لاتعني نسخ الواقع كما هو ، لا بل ربما في ذلك واقع قائم بذاته، ولكنك في بعض التفاصيل مثل حبة القمح لبيكاسو بإمكانك أن ترى دقة في وجه ما ، أو تفصيلة كنت قد أردت إظهارها ، فسترى كيف تصطدم بالمرايا أو بذات عمق أزرق تحاول الغوص كبركة 
أو في بعد من الأبعاد تجد نفسك وراء الأفق، و لا حدود للجهات ، علماً إنني في المرحلة الأخيرة ومنذ ( 10 ) سنوات أحاول الإقتراب من الذائقة الشرقية ، وخصوصاً من البيئة المجتمعية الكردية ، أقولها وللأسف تراثنا ممتزج أو مسروق من الدول المحيطة بنا ولست هنا عالم آثار كي أدخل في التفاصيل ، ولا انتربولوجيا او بنيوي لإرجاع الثقافات إلى بنيتها وأصولها لكن إحساسي ينقذني بعفويتها حين أقف أمام أثر أو في مزار أو عرس او مأتم أو أتبصر في نقوش المباني من عفرين إلى لالش 
، وحتى هذا الإنتماء ليس من قبيل التصنيفات الإلزامية ،أو السياسية بقدر ما أرى في ذلك نفسيأاولاً كي أستطيع العطاء ، وليكن بعدها ملكاً للإنسانية .
( صورة اللوحة المرافقة )
في هذه اللوحة مثلاً ليس سوى إنطباع كنت قد حملته من القامشلو ذات عرس أو محفل للنوروز إلى باريس ، إن هذه الألوان والشفافيات بين طبقة أو أخرى لانجدها في بيئة أخرى ، إني أرى في اللون طيفاً للشمس ينكسر عشقاً قديماً على موال لمحمد عارف جزراوي .
يا صديقي ونحن نتحدث هنا والقلب هناك يلملم تفاصيل الشجون لوحشة الغياب في المدائن المبهرجة ، إن الغربة لوحدها كفيلة بترمة الحنين 
وتجسيد الطفولات القديمة 
صبا عميقاً وعشقاً ذهبياً 
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,و
غريب :
قدر الفنان ألا يكون مستقراً ، أن يكون نسراً أو صقراً محلقاً في أمكنة كثيرة ، ومن القليل أن يكتفي فنان ما بمكان واحد ، على حين من الكثير أن تجدهم مبعثرين ، و متنقلين من مكان إلى آخر ، و أنت صديقي العزيز منهم و لست إستثناءاً في ترحالك ، فمن هجرتك الداخلية ، من عفرين إلى حلب ، إلى دمشق ، إلى الرقة ، إلى الهجرة الخارجية ، إلى خارج الأسلاك ، إلى فرنسا حيث تقيم فيها منذ أكثر من (25) عاماً ، أقول لست إستثناءاً فالقافلة طويلة ، فمن أبناء جلدتك نذكر الراحل عمر حمدي ( مالفا ) ، و بشار العيسى ، و زورو متيني ، و بهرام حاجو ، ورحيمو .......
...إلخ، و من الغربيين نذكر فان كوخ و بيكاسو و دالي و غوغان و كاندنسكي و موديلياني و آخرين . 
ما ضرورات هذا الترحال الدائم ، هذه الغربة القسرية ، و ما مؤثرات ذلك على عمل الفنان ، و على نحو أخص عنايت ، ماذا عن هذا التفاعل ، إلى أي حد كنت مفعولاً به ، و إلى أي حد كنت فاعلاً ، بلا إنتظار لك الرد برائحته الخليطة بالتجارب الفنية ؟ 
عنايت :
الهجرة لم تكن يوماً رغبة ، أو حلماً ، مع أن المكان يمتزج باللون والإنفعال والحزن والفرح ، ولكوننا بشراً مثل كل الناس تلاحقنا هواجس أخرى ، إذ نتراوح بين الرفض او القبول ، بين اللقاء والترحال ، لكنني أستطيع أن أقول عن ثمارها من خلال التفاعل مع وسط إجتماعي له فنانيه ، ومبدعيه وله ثقافته .
في فرنسا تحديداً ، وليس قفزاً على المدن السورية ، ولكنك تعرفها، وتشرب ماءها ، ومرها وحلوها ، فرنسا تعني لي ذلك الأفق المفتوح لثقافات العالم  
فناً وشعراً وتاريخا وآداباً ، والأهم من ذلك أنه لارقابة على أي منتوج إبداعي إضافة إلى تراكم الحنين وبلورة صور الذكرى القديمة ، كأن بالانسان يقول لنفسه في كل محاولة إن لم أستطع ماكنت اريده هناك ..حسناً ربما يتحقق هنا ، ثم إننا ماضياً ، وحاضراً في بلد عريق من حيث الثقافة والفنون . 
إن المدرسة الإنطباعية تحديداً كانت قد رأت النور هنا على يد رينوار وسيزان ومانيه ومونيه .... إلخ ، نعم الإنطباعية تلك التي رأيتني منغمساً فيها ، قبل وبعد وصولي ، على الرغم من الإيحاءات الواقعية ، أو التعبيرية في بعض الأحيان ، ربما يكون ذلك آتت من إعتمادي على اللون بالدرجة الأولى ، في كل نزهة هنا أقوم بها حين أرى بركة ، أو تنافراً للظلال والأضواء تعيدني إلى مكان الولادة الأولى ، فرنسا بلد الضوء والماء والخضار ، إذ تطل على البحر المتوسط ، وليست كل بلد اوربي كما كنا نظن بأنها معتمة طوال النهار والليل . إذاً و بنفس مفردات المكان هنا عدت إلى مكاني ، لم أكن يوماً أحتاج منظاراً مكبرا ، أو إحالات شعرية ، أو تنكراً لأقول إني هنا وهناك ، كل مافي الأمر هو أن المسافة حرضت لدي شياطين الحنين ، عودة إلى زيتونة هرمة لأعصر فيرزها لوناً قديماً ، وخمراً قديماً ، وعشقاً قديماً 
لأقول لأصدقائي الفنانين الفرنسيين
لو كنت لبست جلودكم لما وضعت بصمتي ، فإني ههنا أفتح لكم شرفة على / للريح ،والأنداء ،والعادات ،
والنساء ،والعمارات ، شرفة تجعلني أقف على قدمي دون ترنح ، و دون أي إرتجاف، ربما أتمكن أن أقدم لكم جديداً ..
يتبع










أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=7664