محمد سيد حسين «أبو رشيد» لقطة فوتوغرافية عن بعد!
التاريخ: السبت 29 اب 2020
الموضوع: القسم الثقافي



 إبراهيم اليوسف

لاأحتاج اعتصار الذاكرة كثيراً، لأسترجع ذكريات بدايات تعارفي بالكاتب محمد سيد حسين، العم، والرفيق، والصديق كان ولايزال  بيننا إرث كبيرمن التوادد والحب والتقدير، المتبادل، بل والتاريخ المشترك في بعده الشخصي - في أقل تقدير-  الذي يمكن أن أستعرضه، في وقفة - كهذه- من ضمن الوقفات التي تفرض ذاتها على أي كاتب  صاحب ضمير تجاه مقربيه - أياً كانوا- لاسيما إذا كانت لهم بصمات في حيوات. بصمات في عالم الموقف. بصمات في عالم الكتابة، إذ لصديقي أبي رشيد حصته في كل ماذكرت، وسواه، وذلك منذ أن تعززت صداقتنا، لاسيما ضمن إطارمجموعة من المقربين، وأولهم إبراهيم محمود الذي لن أقول عنه: ثالثنا، بل ثانينا، أو أول من عزّز بنيان هذا الثالوث التعارفي، من دون أن ننسى آخرين، وفي طليعتهم: صبري علي - أبو آزاد اللاجىء، ولا أقول المقيم، الآن، في مملكة السويد، ولايفتأ يتواصل بي وبأبي رشيد وبإبراهيم، إذا نحن أمام مربع لأقل عنه: ذهبياً من جهة الصداقة، والتواصل، ولا أعني التقويم، مادمت بينهم!


كان اسم أبي رشيد يتردد في منظمة الجزيرة- للحزب الشيوعي الذي اقتربت منه، واقترب رفاقه مني في أول ثمانينات القرن الماضي، ولم أكن لأطمح، أو أطمع يوماً إلا أن أكون صديقاً لهذا الحزب، إلى أن حصل ماحصل، وغرقت في يم التنظيم الحزبي. في تلك الفترة - تحديداً- كان اسم محمدي سيد حسين بارزاً في هذا الوسط، بعد أن كان له حضوره في الحركة القومية الوطنية الكردية، كما والده الراحل. كما أخوته الكبار والصغار، بل وأنجالهم، ممن كانت بيننا معرفة عميقة، بل وبيني وبعضهم صداقات لاتزال مستمرة، وإن باتت تتوقف مع قسم آخر، نظراً لتحولات مواقف الحياة، وهوأمر جد طبيعي!
لن أستعين ببوصلة ذكريات لتحديد المرة الأولى التي التقيت خلالها بأبي رشيد، إذ إن بيت شقيقه حسن أبي نضال - الذي ذكرته في كتابين لي أحدهما سيروي والثاني روائي- قرب البيت الأول الذي سكنته في قامشلي مع أهلي، ناهيك عن أننا في حي واحد وإن كان الشارع العام. طريق قامشلي عامودا ينصف هذا الحي، فقد كان وجهه مألوفاً، كما اسمه. كما حضوره السياسي. وكنت آنذاك طالب ثانوية، ثم طالباً جامعياً، ومعلماً، فمدرساً، أنشر بعض قصائدي ومقالاتي في صحافة تلك الأيام، ومن بينها صحافة الحزب الشيوعي السوري، وحدث أن زار الشاعرالكبير حامد بدرخان قامشلي مع آخرين في المرة الأولى - لعلي أتذكر بعضاً منهم- ليقال لي: إنه يسأل عني، ولأكون وعبدالسلام نعمان وعبداللطيف عبدالله ضمن السهرة التي تضمنا في قبو المكتب الحزب الشيوعي في قامشلي. أجلس قرب حامد، ويعنى بي، باعتباري كنت الأكثر نشاطاً نشرياً من بينهم، وكنت المعتنى به حقاً من قبل الرفاق الشيوعيين في تلك الفترة، قبل أن تنشأ خلافات تنظيمية، ليصبح بعض رفاق الأمس خصوماً، والعكس، وهذا بدوره أمر طبيعي أتفهمه، وفق قوانين سنة الحياة!
في تلك السهرة، تبادلنا الحديث - أنا وأبو رشيد- قال: إن حامد سأله عني، وراح يسأل: من أهلك؟، فحين أعلمته من أبي وجدي؟ بل من هم عائلتي - بحسب تصنيفاتنا الجزرية المعمول بها- فقد قال كلمته التقويمية، وليبدأ أول تعارف بيننا، من دون أن تتعمق العلاقة أكثر، باعتباره كان أكبر مني سناً، وكنت بعد طالباً جامعياً، وكان أبو رشيد ممن يعملون في مجال مهنتهم، ويبرعون فيها، كما أية مهنة عمل فيها، نتيجة قوة ذكائه وشخصيته. قوة روح الإقناع التي يمتلكها، كما سأعرفه تدريجياً، فيمابعد. اهتمامه بالكتاب، كان جد واضح، وتحديداً في مجال اللغة الكردية الأم، وهو ما اكتشفته - لاحقاً- لاسيما بعد احتضان بيته مناسبة إحياء ذكرى رحيل عمه - الأديب الشهير والريادي ملا أحمدي نامي- رحمه الله، ودعوتي من قبل أ. سامي نامي الذي كانت معرفتنا أقوى، وأبعد، وأرسخ، آنذاك، وإن أحالت دورة الزمان والمكان وكثرة مشاغل كل منا بيننا!
في استذكارية الراحل ملا أحمدي نامي قرأت قصيدة - أسئلة الماء- التي نشرها أ. سامي، وحدثني عن ترجمتها، آنذاك، وماعدت أسأل ماذا تم بشأنها، وهو ابن عم أبي رشيد، وممتلك بدوره لأدوات اللغة، والكتابة، بل هو كاتب حقيقي، ولكم تمنيت لو أنه تفرغ للكتابة، بدءاً من مذكرات أبيه الراحل وانتهاء بمذكراته الشخصية، لاسيما وأنه أحد المربين المهمين -أيضاً- وقد تخرجت أجيال من أبناء وبنات جيلنا على يديه، وآخرين من المربين الرادة الأوائل!
لقاءاتي وإبراهيم محمود وأبي رشيد- وأحياناً كثيرة بحضور أبي آزاد- باتت تتكثف، نتحدث في أمور كثيرة، أولها: الشأن الثقافي. مازلت أتذكر جلستنا- العملياتية- في عصرونية انتفاضة 12 آذار وليلتها الأولى واليوم التالي ومابعد، في بيتنا: إبراهيم محمود وهو وأصدقائي- شبه المقيمين- لاسيما في مثل هذه الحالة، وأكاد لاأتذكر كثيرين سوى: أحمد حيدر- سيامند ميرزو - د. سيف داليني. كان البيت ممتلئاً. هواتفنا جميعاً كانت مشغولة بتلقي المكالمات عما يدور. عن أخبار الانتفاضة، كان أكثر من في الغرفة ينقلون لنا مادار وما علموه عبرالهاتف، وكنا نفرغ ذلك في أخبارسريعة، ننشرها، ونعلم الكثيرين من المعنيين الذين يتصلون بنا بغرض التحرك في الخارج بالوقائع الجارية. كان أبو رشيد من عداد أكثر الذين يزوروننا في تلك الأيام الصعبة، وننقل مكان لقائنا إلى بيته، أو بيت سيامند أو بيوت بعض الأهل نتحدث عن الشهداء. الجرحى. المعتقلين. مجهولي المصير. الانتهاكات، بل المجزرة التي تبلغ ذروتها في اليوم التالي، وحالة- منع التجول- الطوارئية، لنتواصل بعدها هاتفياً، لاسيما بعد تكاثف العيون المتربصة.
أحد الاتصالات التلفزيونية عن الانتفاضة - أتذكر- أجري معي من بيته، وتحدثنا معاً عمن لايزالون ساكتين، لم يبدوا موقفهم، لاسيما بعد ذلك اتصال صديق مشترك قال لنا: أعتذر، لن أتحدث إلى التلفاز- وكان  مقرراً أن يتحدث باسم مستعار- قائلاً: لأن صوتي معروف!
وكان قد استبد به الحماس أن يتحدث بعد سماعه مداخلتي عن الوضع القائم، ليذكر أبو رشيد - الموقف- طويلاً، بعد انجلاء الخوف بطباعه - الإرهابي- لنعود إلى دائرة الرعب المعتاد، المعيش، تحت سلطة نظام حزب البعث العربي الاشتراكي.
في ذلك اليوم، كنت وإبراهيم  أبو مالين في بيت أبي رشيد- في حالة توتر وقلق-  وثمة وفد من الشباب أتابعه - لتهريب- فيديوات الانتفاضة عبر الحدود التركية، كي يستلمها د. محمد محمود في نصيبين، ويرسل نسخاً منها إلى- سيروان حج بركو- و- ك ت ف- وأغادر منزله، بوساطة دراجة نارية يقودها سيامند ميرزو لنذهب إلى بيته، حيث موعدنا،  ذلك، لنتناول الغذاء، من دون أن أستطيع إلى أن ياتيني النبأ المطمئن:
عاد الشباب، ونفذوا المهمة، فأعلم أبا رشيد وإبراهيم بذلك، وأستطيع مواصلة يومي، متابعاً شؤون الانتفاضة.
حاول أبو رشيد أن يشغلني - قليلاً- خلال اللقاء، ليخلصني مما أنا عليه وفيه من توتر وقلق، على من قمت بإعطائهم الفيديوات، لأن اكتشاف أمرهم سيؤدي - لاسمح الله- إلى هلاكهم، فوضع مجموعة نصوص له بين يدي. بعضها خواطر والآخر نصوص شعرية أو مقالات. قرأت بعضاً منها، فأدهشتني لغته العالية، ورحت أسأله عن معاني بعض المفردات التي كان يوظفها، في إطار جملة أكاد لم أقرأ مثلها من قبل، فقلت: أتمنى أن تنشر بعض ما تكتب، فرد علي: إبراهيم وأبو آزاد يلحان علي، إلا أنني لما أزل ممتنعاً عن النشر!
ماأكتبه أحتفظ به لنفسي إلى أن يأتي وقت ذلك!
بعد عودته من زيارة له إلى أولاده في - التشيك – في العام 2010وضع بين يدي بعض الكتب الأولى التي طبعها، في طبعات أنيقة، وإن بنسخ محدودة - أولاً- كما أعلمني، وقرأت بعض ماورد فيها، لأدرك أن أبا رشيد قد غدا في مساره اللائق به، لاسيما وأنه نشر بعض المقالات ولو القليلة في المواقع الإلكترونية، ضمن هذا الإطار الثقافي أو ذاك، وليفاجئنا بعد وقت وآخر، ويكون - في تصوري- أول كاتب كردي ينجز مخطوطات كثيرة - بعد أن تجاوزالستين- ضمن فترة جد قصيرة، ويطبعها، ليصنف في مرتبة كتاب الكردية الأكثر إنجازاً، وعبر موضوعات ومحاورمختلفة، وأشكال كتابية عدة، تتراوح بين السرد وعالم الشعر، اللغة. الاجتماع. النقد، بل بين الثقافة والسياسة والسيرة والرؤى والحوار، ليصبح - الآن- أحد الأسماء الوازنة، ذات الحضوراللافت بعد أن أفرغ جزءاً كبيراً من حالة الكمون الثقافي، الإبداعي، كي يقدم لنا ما يعتد به، مشكلاً مكتبة كاملة.
 أعترف، أن أبا رشيد، ومنذ أن توثقت علاقتي به - وكان حريصاً على علاقاته بنخبة من المثقفين- فإنه كان شديد الحرص على التواصل بيننا، لأراه حقاً في مرتبة - العم- كما خاطبته، أكثر من مرة، وذلك لحرصه الشديد على من حوله، وأنا من بينهم، من دون أن يكف عن تقديم ما ينبغي من  المشورة والنصح لي أنى استدعى الأمر ذلك، كأحد المقربين جداً، لاسيما وأن الحدود امحت بيننا، ضمن مجموعة صغيرة، لم يتمكن انتشارنا في أرض الله بيننا، حيث هو في مدينة Tebliseتبيلتسة الشيكية، وإبراهيم في دهوك وأبو آازاد في السويد، وهكذا بالنسبة للآخرين من المقربين، كما هو حال أبناء وطننا الذين تبعثروا في جهات الأرض كافة؟

ثمة  مالابد من أقوله - هنا-  وهو أن الصديق إبراهيم اقترح علينا أن نمنحه إحدى جوائز الاتحاد التي تليق به، وماكان مني ومن الصديق رئيس الاتحاد العام أ. عبدالباقي حسيني إلا أن عرضنا الفكرة عليه، إلا أنه رد بكل تواضع عن أن هناك آخرين يمكن منحها لهم وغيرذلك مما يدل على - إيثاره- الآخرين على ذاته، ماجعلنا نقدم على إطلاق ملف أول عنه في نسختي بينوسانو: الكردية منها والعربية، في آن، كنوع من التكريم، لاسيما وإنه كتب وبغزارة، وهو يواجه المرض، بل أتذكر كيف أنه أنجز كتاباً عن الشاعرالراحل فرهاد عجمو - رحمه الله- في مدة زمنية قياسية، فيه الكثير عن لقاءاتهما التي تمت خلال السنوات الأخيرة قبل رحيل فرهاد!
لدي الكثيرمما أقوله عن الصديق الكاتب واللغوي محمد سيد حسين، إلا أنني أرجئه لوقفات أخرى، وذلك لأنه يستحق ذلك، ليس لأنه أحد كتاب بينوسانو -فحسب- بل لأنه أحد كتابنا الكرد ذوي الحضور، وقد استطاع خلال فترة زمنية قصيرة، قياسية، أن يقدم للمكتبة الكردية تراثاً جد مهم، نتيجة ثقافته الواسعة، وخبرته الحياتية، وقبل ذلك موهبته، ودأبه، ولما نزل ننتظر منه ماهو أكثر!







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=7469