قراءة في كتاب - اختلال العالم - لأمين معلوف
التاريخ: السبت 01 اب 2020
الموضوع: القسم الثقافي


 
بسام مرعي
 
في قول منسوب إلى النبي محمد  (( حبر العالم خير من دم شهيد ))
وعن التلمود ما طابق هذه الفكرة (( العالم لا يحافظ على وجوده إلا بنفس الأولاد الذين يدرسون))  
الكاتب أمين معلوف يتقمص في كتابه هذا وكما يدعي دور ناطور في بستان ليلي غداة مرور عاصفة هوجاء، وبذلك يجد نفسه معنياً كما نحن جميعاً معنيون، بما يعتري العالم من اختلال وتقهقر قيم، وإزاء هذا القلق والشعور بالخطأ في مسيرة العالم، يحاول استشفاف الحلول للوصول إلى توازن ليس بسهل ولكنه مأمول . 


لاشك أن القرن الجديد يحمل في طياته الكثير من القلق، والعديد من الاختلالات الفكرية والمناخية والجيوسياسية والأخلاقية،  وتصعيداً في الكثير من النواحي كالتعصب  واليأس والنبذ والتطرف وعدم الانفتاح على الآخر . وهنا يحاول معلوف تسليط الضوء على بعض انتصارات القرن الكاذبة٠
حيث سقوط جدار برلين مع سقوط الاتحاد السوفيتي وقيام الاتحاد الاوربي، وكان المتوقع حدوث تغييرات ديمقراطية وانفتاحا وعهدا جديداً، وازدهاراً على مستوى العالم ككل، وإن حصلت بعض هذه التغيرات، لكنها لم تكن كافية لإحداث تغير جذري وخلق حالة من التوازن . 
تفكك الاتحاد السوفيتي برز وكأنه انتصار للإتحاد الاوربي ومفاهيمه، لكنه لم يستطيع أن يحدد بوصلة الإتحاد الأوربي، الذي أصبح وكأنه يعاني من اللاوجهة في تحديد المرحلة المقبلة ، مع العلم إنه يبقى كإحدى الأطراف الدولية الأكثر دينامية لاستنباط الحلول، وذلك لوجود مرجعيات ورجالات واشخاص لديهم القدرة عل التحليل والتفكير بطريقة غير نمطية .
  ومن جهة أخرى يبقى العالم الإسلامي حسب زعمه، غائصا في( بئر)  تاريخي عميق مليء بالحقد على الكل تقريبا ، على  الغربيين والصينين واليهود والروس والهنود ..... وحتى على ذاته في مجتمع تنعدم فيه المؤسسات وتعم فيه الفوضى والطائفية . 
الروس الذين مازالوا يعانون من تركة النظام السوفيتي، ويحاولون إستعادة قدراتهم مترنحين ، أما الأمريكان بعد أن وجدوا أنفسهم وحيدين بعد تفكك الإتحاد السوفيتي، يجدون أنفسهم في مواجهة مشروع ضخم عاجزين في التعامل معه لوحدهم وليس بإمكانهم مهما بلغت قوتهم وسطوتهم ترويض  هذا الكوكب بمفردهم٠
 وحتى إذا أردنا الإشادة بتطور الصين الاقتصادي والعملاق الأسيوي وبالرغم من تقدمه،فإنه لن يشكل حلا ناجعا لوحده، 
 فنحن جميعا في حالة من فقدان التوجه، وبالتالي في مواجهة العاصفة، وعلى متن سفينة تنحو نحو الغرق المحتم وإذا كانت العاصفة تعصف بالبعض، فهي وبلاشك ستضرب البقية عاجلاً أم آجلاً، ان عالم القطب الواحد مليء الآن بالتقهقر والتراجع بل بالانحدار ٠
 والإنتصار الغربي الإستراتيجي على السوفييت لم يصل إلى مبتغاه في التطور، وبدلاً من تعزيز تفوقه فقد عجل في انحداره ٠ 
 يضاف لها أيضاً أن هزيمة الاتحاد السوفيتي المعروف بالقمع، لم تؤدي إلى نقاشات أكثر حول الديمقراطية، إنما بالعكس أدت إلى الإنشطارات الهووية، وزادت من الإيديولوجية المقيتة التي انتعشت في ذلك المناخ المواتي لها أكثر، بل وباتت المشتركات أقل ، وعادت المعتقدات التي أرادت الماركسية استئصالها، إلى الظهور ويتم إحيائها الأن من جديد، و في المحصلة ظهر جشع أوروبي غربي صيني وعمى عربي إسلامي، والكل مدان بطريقة ما ويتحمل بطريقة أو بأخرى جزءاً من مسؤولية اختلال العالم ٠ 
القرن الماضي شهد الكثير من التطور العلمي والتقني فما كان يحصل في منطقة ما ، كان بحاجة لأسابيع ليصل الى العالم وبات يصلنا الآن في بضعة ثواني، وقد يتسبب في نزاع دموي يزهق الكثير من الدماء في مناطق بعيدة ،  وعلى المستوى الطبي تم التغلب عل الكثير من العقبات، وزيادة أعمار البشر والكثير من الإنجازات الأخرى، ولكن فيما يبدو أنه لم يكن على نفس الإيقاع في المستوى الاخلاقي، لإنه شهد مشاريع شمولية ضخمة، وانتاجاً لاسلحة فتاكة بحجم كوكب الأرض، ومن جهة أخرى كان فاجعاً عل مستوى الذهنيات والسلوكيات الإنسانية والمستمرة إلى الأن، وهذا هو السؤال الملح الأن والمحتاج إلى إجابة شافية، وذلك بسبب الفجوة الكبيرة بين التطور التقني والقصور في الناحية الذهنية والأخلاقية والسلوكيات الإنسانية ٠ 
ما يترتب علينا الأن هو التفكير بطريقة كروية، تتجاوز حدود هوياتنا ودولنا وعشيرتنا الصغيرة، فالعالم بات قرية كونية أكثر ترابطاً وتناغما، والذي يريد اليوم إسقاط أحد، عليه أن يدرك أن الأخر سيجره في السقوط لا محالة .
ومن ثم يأتي الحديث عن  الشرعيات التي تحاول الهيمنة على الشعوب من خلال الانطلاقة التكنولوجية للسيطرة  على مساحة أكثر اتساعاً وبروزاً...
في المحصلة دول قليلة تتحكم في القانون الدولي، وتشمل صلاحياتها القانونية معظم الكون، وهذا بحد ذاته أحد اسباب الاختلالات الموجودة ، و يؤدي في النتيجة إلى ظهور تفاوتات لا سبيل إلى إصلاحها بسهولة،  فنحن نعاني من أزمة شرعيات سواء على مستوى بلدان صغيرة وقياداتها الغير شرعية أو الفاقدة للشرعية، أو على مستوى دول عظمى لديها شرعية دولية ولكنها مرفوضة من قبل الكثير من الشعوب، وعلى مستوى الدول الإسلامية مازالت الخلافات قائمة لتأكيد شرعية مذهب دون الآخر، كمثال الشيعة والسنة ومازالت الانحرافات مستمرة كانحرافات الشيوعية والدينية والإلحادية والرأسمالية بدون إستثناء ٠٠٠ 
هذا كله يدفعنا وبشكل ملح في استخلاص حلول من هذه التجارب، والخروج من هذه المآزق الموهنة ٠ 
العالم اليوم بحاجة إلى جرأة أكثر، لتجاوز محنه واختلالاته وانحرافاته وقد يكون هذا شاقاً، ولكن الطوفان ليس قدراً، والغد ليس مكتوباً، وإنما علينا نحن أن نكتبه وأن نتصوره وأن نبنيه، ويجب التحلي بالجرأة في الإقلاع عن العادات المزمنة، وهذا يستوجب الجمع والتطمين والإصغاء والضم والمشاركة وأن نبنيه بحكمة قبل كل شيء ((إذا كان بلد ما يغرق فبإمكان المرء أن يهاجر ولكن حينما يغرق الكوكب بالكامل ومهدداً فلا مكان آخر إلا في تغيير مجرى الامور )).
التحدي الأعظم اليوم هو كيف سنتمكن من أن نجعل كل هذه الشعوب المختلفة ثقافة ولغة وتاريخاً وديناً والمتجاورة أن تعيش بسلام ووئام ، وهنا يؤكد معلوف الحاجة الماسة إلى شيء مختلف تماما، حيث علينا الخروج من شر حياتنا السابقة نحوى الأعلى لا إلى الأدنى، وذلك من خلال إستنباط منظومة جديدة للقيم، لكي نتعامل بطريقة أفضل مع تنوعنا وهوياتنا وإختلافاتنا وبيئتنا ومواردنا ومعارفنا وتوازننا  وقدرتنا على العيش المشترك، وليس نبذ كل سلم للقيم، ويجد أمين معلوف في طريق الثقافة ومنهل المعرفة، كأهم مورد لتزويد معاصرينا بأدوات فكرية وخلقية للإستمرار في طريقة حياة أفضل  ٠ 
 وإعتبار المعرفة والتعليم أولوية للبقاء ومقياساً مهماً في فهم الآخر، فهم آدابه وفنونه وتطلعاته للبناء، وهذا ما يجعلنا أكثر قرباً وتفهما لنصل إلى علاقة تصل إلى درجة الحميمية مع المختلف، وأداة إضافية لكي نفهم أكثر مخاوفه ومعتقداته ورؤيته للعالم المحيط، وكيفية رؤيته لذاته وللأخرين بمن فيهم نحن.







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=7411