الطريق الى برلين .. قصة من مدينتي
التاريخ: الثلاثاء 14 تموز 2020
الموضوع: القسم الثقافي



هيثم هورو 

-1-
انه شوكت ، هذا الانسان الرقيق القلب ، كان يعيش مع زوجته في مدينة عفرين بسعادة وهناء ، وكان بائعاً للمواد الغذائية ، فيما بعد انجبت زوجته سينم طفلة ، وسميت من قبل ابيها ( هندرين ) والتي ملئت حياتهما فرحاً وسروراً بقدومها ، وهي في غاية الروعة والجمال ، وأصبحت هندرين ككورة ذهبية ، يلعبان ويمرحان بها في جلساتهم المسائية ، ويقضيان اجمل الليالي معها .
مرت سنوات عديدة ، ولم تنجب سينم غيرها ، وبدأت الناس من كل حدب وصوب بتحريض شوكت على الزواج ثانيةً ، بغية انجاب الذكور ، من اجل حمل لقبه ونسبه بين اقرانه ومنادته ب ( ابو فلان ) 


وفق العادات المألوفة في المجتمع الشرقي ، حيث كانت هذه الحجة مستمرة طوال حياة شوكت ، وفي احد الأيام اقترح عليه احد اصدقائه ، ابنة جاره الجميلة الشكل ، وضرورة زيارة اهلها واللقاء بها ، لكن رفض شوكت اقتراح صديقه بدايةً ، خشيةً من تعدد الزوجات ، وآثارها السلبية على افراد الأسرة ، لكنه لم يبقى ثابتاً على موقفه الأول العقلاني فحسب ، بل فكر بابنته المدللة والوحيدة ، وتزوج شوكت بتلك الفتاة زعفت الجميلة .
-2-
هنا بدأت حياة شوكت تنقسم إلى شطرين ، واصبح يهرول بين الزوجتين تارةً ينفذ مطالب ام هندرين وتارةً اخرى للام المرتقبة ، كل زوجة تغني على ليلاها ، سينم تريد الأنتقام من شوكت بسبب وجود منافسة ولاعبة قوية محمية ، والتي نصبت من نفسها اميرة الأسرة ، ولاسيما بعد أن أنجبت مولوداً أميراً واسمه نديم ، ولم يعد يسع الدنيا لشوكت بسروره العظيم ، لكنه لا يدري كيف ستكون فظاعة هول الأيام القادمة القريبة جداً ؟؟ .
-3-
عاش ابو نديم زمناً طويلاً في خضم معارك نكدية من زوجتيه ، الى ان ودعت سينم الى دار الآخرة ، على اثر مرض عضال ، وبقيت هندرين يتيمة الأم و وحيدة ، فاضطر شوكت بضمها الى اسرته الثانية ، لكن لم يدم وجود هندرين في كنف ضرٌة والدتها ، حيث تزوجت من احد اقربائها ، فاستقرت بها المطاف في بيت زوجها  . 
انجبت زعفت أطفالاً واحداً تلو الأخر ، حتى بلغ عددهم الى خمس فتيان وفتاتان ، ترعرعوا هذه الأطفال في جو ساده الهدوء والطمأنينة ، طالما زوجة واحدة تحكم الأسرة ، اما سارة تزوجت ، ثم هاجر نديم الى ألمانيا ، عند خاله احمد الذي استقبله كبرودة مواطن ألماني ، لم يبقى نديم فترة طويلة 

لدى خاله على اثر اخلاقه الغير اللائقة ، ونسيانه العادات الشرقية ، ولا سيما الكردية العفرينية . 
مما اضطر نديم للإسراع بالزواج من فتاة ألمانية ، ليستقر في مدينة كولن ، واما جوانا وهي الأبنة الصغرى لشوكت تزوجت ايضاً وارتأت ان تعيش مع زوجها في مدينة حلب . 
واما زعفت تعودت على حياة التبذير والبزخ ، ولم تكن تحسب حساباً للفقر القادم إليها ، حتى اصبح شوكت بين مطرقة زعفت المسرفة وسندان توافد الدائنين له ، لذا اضطر عنوةً وبكل مرارة الى بيع كرمة الزيتون الذي وريثها من ابيه ، فسدد فقط قسم من الدين والقسم الأخر بقي إلى اشعار آخر نظراً لضخامة القروض المتراكمة عليه من جراء تبذير الزوجة المدللة . 
-4-
وفي احد الليالي الشتائية ، بينما كان شوكت جالساً مع زوجته الوحيدة جسداً ، لكن افكاره متناثرة ومشتة هنا وهناك ، ولا سيما انه يتخيل دائماً بأن هناك من الدائنين يطرق الباب ، وهو لا حول ولا قوة له والجيوب باتت فارغةً ، أحضرت زعفت القهوة كي يحتسيا معاً ، بدأ شوكت يدخن سيجارة تلوى الاخرى ، ويطلق زفرات وحسرات تزامناً مع كل رشفة قهوة ، وكان يود مصارحة زوجته في تلك الجلسة ، لكن الخوف من زوجته جعله كتوماً ، وهي التي جلبت له كل المصائب ، والتزم الصمت المطلق ، كي لا يعكر صفوة الجلسة ، ولا يزيد الطين بلة ، مضت ساعة من الزمن مليئة بالحوارات الهادئة شكلاً بين الزوجين ، ثم خلد الى النوم ، وفي اليوم التالي صباحاً ، أحضرت زعفت كعادتها القهوة الصباحية ، ثم نادت على ابو نديم مرات متعددة ليحتسيا معاً القهوة ، لكن ابو نديم لم يستجب لندائها ، لأن عزرائيل سبقها وقبض على روحه دون انذار ، واصبح جثة هامدة في فراشه لا تسمع صرخة زعفت وبكاء اولاده .
-5-
تلقى صهر شوكت خبر وفاة عمه شوكت ، فأسرع حالاً مع زوجته جوانا إلى منزل عمه ، وقام بكل التحضيرات بواجب العزاء على نفقته الخاصة احتراماً ووفاءً لزوجته جوانا طيلة ثلاثة أيام  .
لم تمضي فترة طويلة ، بدأ  الدائنين الى دار شوكت يطالبون زعفت بتسديد ديون زوجها المرحوم ، لكن زعفت تجهش بالبكاء امام الدائنين ، وقالت لهم زوجي لم يترك قرشاً واحداً من وراءه ، وانا لا ادري كيف سأربي أطفالي الأربعة ، اضطر الدائنون جميعاً بعدم تكرار زيارتهم لأم اليتامى . 
-6-
وفي احد الأيام الصيفية ، زار احمد المغترب قادماً من المانيا شقيق زعفت الأرملة ، مرفقاً معه عائلته وسيارته المرسيدس إلى عفرين ، استقبلت زعفت شقيقها بحفاوة بالغة ، وقدمت له كل ما لذ وطاب ، وهي تأمل حصولها على مساعدة مادية من اخيها الثري ، بيد ان زعفت انصدمت جداً ، حين طلب شقيقها احمد مبلغاً قدره أربعون الف ليرة ، الذي قرضه لشوكت في العام المنصرم ، بالرغم من انه كان يعلم جيداً الأحوال المادية لشقيقته ، وعلاوة على ذلك ان كفن زوجها شوكت ، كان لا يزال رطباً ويفوح منه رائحة شوكت . 
اجابت زعفت اخيها قائلةً ، من اين لي يا اخي انظر إلى هؤلاء اليتامى وهي تردد من اين لي؟  من اين لي؟ فأجبها الأخ الزائر وهو ينظر الى خاتم الخطبة في اصبعة شقيقته ورد عليها ما هذه القطعة الذهبية ؟ أجابت زعفت مرة أخرى بحسرة واطلقت زفرات متتالية ، وقالت احسنت يا أخي سأبيعها حالاً ولربما تشتري بها سيارة مرسيدس لزوجتك وهي افضل من الحقائب المدرسية لأولادي فاليذهبوا الى الشيطان ! وهي تزرف الدموع وتمسح دموع اطفالها . 
-7-
اصبحت زعفت اماً و اباً معاً ، ولم يبقى امامها إلا منفذاً واحداً ، ألا وهو الهجرة الى بلد اليورو ( المانيا)  حيث يعيش ابنها نديم ، ثم اقترحت على ابنها بأن يقرض مبلغاً من المال لإرساله لها ، ليتم تسفير اخوته اولاً الى جنة الدنيا ! في البداية كان نديم متردداً بإرسال المبلغ المطلوب لعدم ثقته بوالدته ، التي دمرت حياة والده ، لكن كما تقول الحكمة الكردية ( خون نابى آف )
 ( xwin nebe av)  
ومن ثم استلمت زعفت المبلغ المطلوب بكل سرور .
وصل ثلاثة من اخوة نديم الى ألمانيا دفعة واحدة ، دون أن يغرق احدهم في البحر اسوةً بالمئات من المهاجرين ، حيث استقروا فيما بعد في احد ملاجئ النازحين ، وبعد مضي ستة أشهر وصلت زعفت مع عنقودها الأخير وبطرق ليست مشروعة ، وحققت حلمها الذهبي ! 
لم تمضي فترة طويلة ، حالف الحظ شبابها وعملوا لدى بلدية مدينتهم الجديدة كولن في تنظيف الشوارع وقاطرات نقل الركاب ، اما زعفت استعادة سلطتها ثانيةً على ابنائها في هذه المرة ، أصبحت اميرة الأسرة ، وبسطت هيمنتها بكل شراسة ، ثم تدخلت في شؤون ابنتها جوانا ، التي كانت تعيش مع زوجها في مدينة حلب ، وتحرضها الى الهجرة واللحاق بها بالرغم من حالتها المادية الميسورة .

لقد تحولت زعفت هناك الى أفعى سامة تبث سمومها، وكانت جوانا إحدى ضحاياها المسمومة ، التي حولت حياتها الى جحيم لا يطاق في عقر دارها ، وذلك عبر اتصالاتها المستمرة وتطالبها باللجوء الى المانيا ، لكن كانت الأحوال المادية لماهر جيدة ولديه وظيفة محترمة لا يريد التخلي عنها وعن بلده .
حاولت جوانا بإقناع زوجها بشتى الوسائل ، لكن كلها باءت بالفشل الذريع ، وفي نهاية المطاف وبتعليمات من والدتها خلقت جوانا ذريعة تافهة ، وذهبت إلى بيت شقيقتها سارة ، وطلبت الطلاق من ماهر بشكل علني ، حاول ماهر بإقناع زوجته المتمردة بالعودة إلى منزلها ، لكن كانت جوانا مصرة على قرارها المجحف وهو الطلاق حصراً .
لم تمر ايام معدودة تفاجئ ماهر تسليم مذكرة دعوة من المحكمة الشرعية ، بخصوص الطلاق ، بذل ماهر جهوداً مضنية مع زوجته بالعدول عن قرارها المجحف بحقه لكن دون جدوى ، لقد تمت عملية الطلاق القسري بطْلاً بين الزوجين ، بتحريض مستمر من تلك الحية الرمادية اللون .
-8-
اصبحت جوانا حرة طليقة ، لكنها غيرت مسارها بالمطلق ، وخيبت آمال والدتها ، التي كانت تنتظرها في المانيا ، ثم تزوجت هنا في الوطن خلسةً من رجل خسيس يشبه طبائعها ، وهو متزوج ايضاً ولديه ثلاثة أطفال ، وهنا حطمت جوانا بهذه الخطوة الدنيئة حياة اسرة اخرى .
ولم يمر عام واحد فقط ( عادت حليمة إلى عادتها القديمة ) وكشفت عن حيلتها مجدداً بتشجيع من والدتها الخبيثة ، وأمرت زوجها الجديد بالهجرة الى بلاد الأحلام (المانيا) كما كانت تسميها والدتها زعفت ، لكن هذه المرة لم يعاندها زوجها ابو إدريس ، وسالت اللعاب من فمها فرحاً وسروراً ، ولا يهمه مستقبل اولاده كأنه اصبح ( طنجرة عثرت على غطائها ) كما يقول المثل الكردي .
-9-
وفي احد الايام وصلت المتمردة برفقة المتمرد ابو ادريس ، إلى مطار حلب الدولي ، وهما يسبحان في بحر من احلام اليقظة ، وينتزهان في احدى حدائق برلين بصحبة الاميرة الخانم _ وبينما كان الإثنان واقفان في رتل طويل من المسافرين ، نادى احد الموظفين قائلاً : على السيد .... ابو ادريس مراجعة فرع الأمني في المطار ، دب الرعب والخوف في قلبيهما واتجه ابو ادريس نحو الفرع الأمني بخطوات مرتبكة ، ولحقته جوانا باكيةً ، وهنا برز العضو الأمني مذكرة منع مغادرة السيد ..... ابو ادريس ، ولم يتجرأ ابو ادريس ان يستفسر عن الأسباب خوفاً من إلقاء القبض عليه حالاً ، ثم عاد مع زوجته من المطار الى منزلهما ، وهما في أوج خيبة الأمل ، تلاشت احلامهما والحزن يأكلهما .
لكن لم تفقد جوانا أملها وحلمها العسلي طيلة اربع سنوات اخرى ، وهي تعيش مع ابو ادريس الى ان دخلت سوريا جحيم الحرب الداخلي ، وعمت حالة الفوضى في سائر ارجاء سورية ، واسوةً بعائلات كثيرة ، تسللت جوانا برفقة زوجها الثعلب الحدود السورية التركية ، بطريقة غير مشروعة ، فأستقر بها المقام أولاً : في استانبول ، ومن ثم تابعا مسيرتهما براً و بحراً  ، الى ان وصلا إحدى الجزر اليونانية ، وبعد محاولات متعددة تمكن الإثنان بجوازات إيطالية مزورة  ، الوصول الى مطار كولن في المانيا. 
هل انتهت سيناريوهات التي تحبكها زعفت ، فأن قادمة الأيام تشهد ؟ 
-10-
لم يهدأ قلب زعفت ، الى ان نجحت ايضاً في إقناع ابنتها سارة وصهرها ، باللجوء الى المانيا ، فنفذت سارة هي الاخرى تعليمات زعفت ، وغادرت مع كامل عائلتها من سورية وتركا من خلفهما كروم الزيتون والرمان للغرباء ، وأصبح زوج سارة خادماً في أحد المطاعم ، ولا ندري الى الآن هل كحلت زعفت عيون بناتها ام اعمتها كما يقول المثل الكردي الرائج ، والمستقبل القريب سيكشف عن غبائها ؟؟ 







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=7382