خلطة أمي لمعالجة كوفيد19
التاريخ: الأحد 05 نيسان 2020
الموضوع: القسم الثقافي



إبراهيم اليوسف

انتشرالخبر، في القرى المجاورة لقريتنا "تل أفندي" بأن دجاجات بيت "العم السيدا" نجت، من وباء الدجاج، الذي ما أن كبرتُ حتى علمت أن له اسماً آخر هو "الأنفلونزا" التي لم أعرف البشري منها حتى الأربعين من عمري، أو يزيد. يبدو الأمر عادياً لدى قارىء العام 2020 الذي لم يعش تلك المرحلة، ويرى أن المداجن وحدها من تنتج الدجاج، إذ إنه لم يكن  ثمة بيت في قريتنا التي لم يكن عدد بيوتها يزيد عن الخمسة عشر بيتاً، إلا وله سرب من الدجاج غير مكلف التربية، ولطالما تكرك إحدى دجاجات البيت، في دورة متواصلة، على مدار أشهر السنة، بعد أن يتغير سلوكها. يتغيرصوتها، تنفش ريشها، تهاجم الدجاجات الأخرى، ما يجعل ربة المنزل تؤمن ماقد يصل إحدى وعشرين بيضة ملقحة، من البيت، أو من الجيران، تلونها بالأسود، أو سواه، ليكون للدجاجة سرب من الصيصان التي تفقس بعد واحد وعشرين يوماً، وهي تكبرتدريجياً، وتصبح فراريج، ثم دجاجاً وديكة!


أمينة إكثار وضع البيض تحت الدجاج حرام لأنه يتعبها!
كان أبي يقول
عالم الدجاج الأهلي يمكن تناوله طويلاً، لاسيما إن قن الدجاج كان- مدجنة البيت- تلجأ إليها الأسرة لذبح واحدة أو اثنتين أو أكثرمنها، بحسب الحاجة كوجبة أسبوعية، أو عندما يحل ضيوف غير رسميين ممن يتم ذبح الخراف والجداء لهم، وحتى الأغنام والماعز والعجول والأبقار- كل بحسب مقامه- عندما تكون هناك مناسبات كبيرة، لكن الدجاج"البلدي" كان في متناول أيدي الريفي قبل أن يكثر دجاج المداجن، المهجن، أو المستورد، وبات الريفي يبيع دجاجته الواحدة بما يكفي ثمن ثلاث دجاجات من دجاج المدينة.
أكثرأطعمة القرويين، لاسيما في فصل الشتاء الممطر الذي كانوا ينقطعون خلال أكثر أيامه،  عن المدينة، بسبب توحل الطرق الترابية، وعدم وجود شبكة مواصلات، بسبب إهمال الدولة للريف، إلا في أيام جني الحبوب، تعدُّ من المؤونة المجهزة مسبقاً، بما في ذلك القديد، أواللحم المجفف، الذي كنت آنفه في طفولتي، وغيره من الأجبان والمربيات والأطعمة التقليدية، والمخزنة، وكان لحم الدجاج يثير شهياتنا، صغاراً، بل وكباراً، وكانت أعداد دجاجات كل بيت من القرية معروفة لدى الجيران جميعاً  لطالما ثمة مديرية إحصاء غير رسمية للدواجن، والمواشي، كما هي معروفة لدى أصحابها. بل إن كل فرد في القرية كان يعرف دجاج سواه، كما يعرف دجاجات بيته!
في تلك الفترة، كانت هناك أسماء أمراض شائعة يحدثنا عنها الكبار: الملاريا - السل- الكوليرا، وكان التهديد بهذا الأخير متواصلاً، كلما أهملنا نظافتنا، بالرغم من أننا لم نسمع أحداً من أهالي القرية قد أصيب به، كما كنا نصاب بالحصبة، أو الجدري، أو كما كنت أصاب ب"الخنَّاق". أتذكر ذات مرة، علمت أمي أن  بعض دجاجات أحد الجيران قد أصيبت بوباء الدجاج السنوي، هكذا كانت التسمية، وتم ذبح بعضها، بينما وجدت صاحبة البيت بعضها نافقة، ما أدى إلى حزن تلك الجارة.
أول خطوة قامت بها أمي هي أنها نقلت عاصمة دجاجاتنا من القنين المتجاورين: الكبير والصغير، إلى إحدى غرف البيت، وقامت بتذويب بعض الحبوب والأشربة المتوافرة في صيدلية الأسرة: المضادة للالتهابات والأسبرين في حوض مائها، وباتت تكثف دوريات مراقبتها. قالت لأبي: إنهن بخير
ردَّ عليها أبي:
إني أرى هاتين الدجاجتين وكأنهما مصابتان بالداء؟

أقنع أمي، التي وافقت على مضض، على اقتراحه، بعد حوارقصير، فنططت إلى الغرفة أمسك بهما، وسط  ذعر الدَّجاجات والديكة الأخرى، فأحضرالسكين، وذبحهما، واحدة بعد الأخرى، بعد أن وجههما إلى القبلة، من دون أن تدري الثانية بما تعرضت لها الأولى من مصير، لنكون على موعد مع وجبة طعام لذيذة من "البرغل أو الرز مع اللحم"، لأن هناك أكثر من سبب كان يدعو أبي وامي ألا يشووا لحم الدجاج، أولهما لأن أبي كان يأنف من شوي اللحم-بسبب رائحته- مالم يوزعه على الجيران، ثم لأن من ضمن نظريات أمي في فن تربية الدجاج أن انتشار رائحة الدجاج المصاب بالداء الموسمي إنما يعدي جميع دجاج القرية.
وعادة، ماكان أهل القرية يسألون:
من جلب دجاجاً مصاباً بالوباء من المدينة؟
آخر القادمين من المدينة كان متهماً ويبدو وكأنه ارتكب جريمة كبرى!
ذات مرة كان أبي هومن جلب الدجاج من المدينة، وقد أصيب كل دجاج القرية بهذا الداء، بينما نجت دجاجات أمي، ما جعل أبي يقول لرجال القرية في المضافة خجلاً:

سامحوني، أنا من جلبت دجاجتين مذبوحتين، من المدينة، ولم أكن أعرف أنهما مصابتان بداء الدجاج الموسمي، ويبدو أنهما وراء هذه الجائحة؟!
معذور، ياسيدا، حدث ذلك معنا جميعاً.....!
قالها الجيران، كرفع عتب، فحسب
صارت معنا جميعاً
قالها العم حاج سليمان آغا المللي

ولأن دجاجات أمي سلمت، فقد أقنع أبي أمي، بعد أول هطل مطري غسل أرض القرية من رائحة الوباء السابق، بضرورة توزيع دجاجة أو أكثرعلى كل بيت من بيوت القرية، وهومافعلته أمي بعد تردد، وأتذكر أن بعض الدجاجات كانت تهرع إلى بيتنا، أكثرأوقات النهار. تبيض عندنا، فيقول أبي: لاتنسوا أعطوا بيت فلان بيض دجاجتهم، وكانت الدجاجة تنقطع عن بيتنا بعد أن تكرك، وتفقس بيضها، وتشكل أسرتها الجديدة.
 عرفت أمي بطبيبة الدجاج، أكثر، عندما تعرض أحد صيصان البيت لهجوم من قبل ديك شرس، بقر حويصلته، فراحت أمي تخيط الحويصلة، كطبيبة جراحة، وتعنى بالصوص، إلى أن كبر وصار دجاجة، وهوما تكررأكثرمن مرة.
أمينة كيف نجت دجاجاتك في العام الماضي؟
سألت نسوة القرية أمي، فدلتهن على وصفتها في مواجهة الجائحة الجديدة، وهوماعممته نساء القرية، لينتشر خبر اكتشاف أمي العلاج في القرى المجاورة، وتظهرأمي كطبيبة بارعة، بأكثرمن اختصاص. اختصاص معالجة أمراض حنجرة الأطفال، لكثرة تعرض لوزتي للالتهابات، بالإضافة إلى معالجة أوبئة الدجاج، إذ إن كانت بعض النسوة يسألنها:
كيف نعالج الديكة الرومية؟
فكانت ترد عليهن : اتبعن الوصفة نفسها!
وأسالها: "يادي*" وهل أرانبي ستصاب بهذا المرض؟
للأرانب أمراضها
وماذا عن زوج القطا
انتبه إليهما جيداً
الدجاجات أكثرمن تتعرض للأوبئة!

كانت لدى أمي صيدلية من بقايا أدوية التهاب حنجرتي، أو أدوية البيت أية كانت، ومن بينها دواء السعال، الذي غدا شافياً، قبل أن تكون لها صيدلية بيطرية للدواجن فيها آخرما ينتج العلم و العالم من أدوية للدجاج
في أحد اجتماعات السكايب، التي بدأنا نقيمها لعدد من أسرنا في الوطن والمهجر، في مرحلة الحجرالصحي، لنملأ أوقات الصغار. قال أخي عبدالإله:
احكِ للأولاد والبنات قصة دجاجات أمي!
رحت أسرد القصة، فقال  ابني الصغير !أيان:
لوكانت جدتي حية حتى الآن، لاوجدت دواء لكوفيد19
ردت عليه أخته نوشين من هولير/ أربيل وهي تضحك:
 سنسمي خلطة دواء جدتنا-الله يرحمها- أنتي كوفيد20
قلت لهم:
إذاً، لنبق في بيوتنا كما دجاجات أمي، إلى أن ينتهي الوباء، على أمل أن ينجو العالم كله منه!

*أماه
النص من مخطوط كتاب سيروي جديد







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=7166