إضاءة ابداعية.... حوار مع الشاعرة السورية (نارين عمر)
التاريخ: الأثنين 23 نيسان 2007
الموضوع: القسم الثقافي



  حاورها...أحمد طايل*

من خلال حواراتنا مع مبدعي عالمنا العربي نهدف إلى ان نلقى الضوء وبشدة على مبدعينا بهدف التواصل مع كل الثقافات العربية وان نصنع جسرا قويا بين الثقافات العربية.. وأن نضخ الشريان الابداعى العربى بمزيد من الماء ومن الروافد لضمان استمرارية وقوة هذه الثقافات العربية..


ونحن هنا نتيح الفرصه لشاعرة سوريه من وجهه نظري تستحق أن تجد لنفسها مكانا بين عالم المبدعين وتقف على ارض صلبه قوية لأنها تملك كل المقومات والادوات الابداعية... ولندع الفرصة لـ( نارين عمر) لتعبر وتلقى شلالات الضوء على فكرها...

إذا أردنا التّعريف بـ (نارين عمر) الإنسانة والمبدعة, فماذا تقول؟

نارين عمر سيف الدّين, أعيشُ في هذا العالم الجميل والفسيح مع إخوتي وأخواتي البشر جميعاً, أمّ لثلاث منابع للحبّ والبراءة, مدرّسة لشبابٍ أرى في قلوبهم النابضة بالحبّ والحيوية المستقبل الذي نحلمُ به, وهاوية حتى العشق والهيام للكتابةِ والأدب بمختلفِ فنونه وأجناسه, وحالمة كما كلّ مَنْ أعيش معهم وأتواصل: بعالم ما زلنا نأمل ونتأمّل أن يأتي ونعيشه.

متى أحسستِ أنّك بالفعل تتجهين لأن تكوني شاعرة؟

عندما بدأتُ أشعرُ بتناغم مشاعري وأحاسيسي مع أذنيّ لدى تلقيها معاً لأنغام عذبة, وألحان رقيقة, وقصائد مبعثرة في ملكوت الحسّ العميقة.

متى تكتبين؟ ولِمَنْ؟ ولماذا؟

أكتبُ حينما أجدُ قلمي مطواعاً لنداء فكري وشعوري اللذين يدغدغهما همسٌ ما للكتابة, وأكتبُ لكلّ مَنْ يرى في الكتابة بكلّ أجناسها وفنونها عملاً مقدّساً ونبيلاً. ولماذا أكتب؟ لأنّي أرى في نفسي وفكري رغبة على ألا أعيشَ في وعلى هامش الحياة.

أنتِ مع أم ضدّ قصيدة النّثر؟

أنا مع الكلمة الصّادقة, والمعنى المؤثر, شعراً موزوناً كان, أم منثوراً لأنّ نجاح القصيدة يعتمد بالدرجة الأولى على هذين العاملين اللذين يصوغانهما وقصيدة النثر باتت واقعاً وحقيقة , بل وأحد متطلبات العصر, لما يجذب إليها من العشاق والمهتمين.

هناك من يقول إن قصيدة النثر تحديداً تحتاج إلى الرّهافة والإحساس أكثر من أي جنس أدبي آخر.

أظنّ أنّ من يقول ذلك ينطلق من مقولة: إن الشعر الموزون مقيّد بأوزان وضوابط ربما تفقد القصيدة بعض الإحساس بها, ولكن كما أسلفت قبل قليل الكلمة المناسبة , والإحساس الصادق يخلقان قصيدة مميّزة موزونة كانت أو منثورة.

هل تنتمين إلى أيديولوجية معينة بالكتابة؟

أكتبُ ما أحسّ به, وأحاول أن أنطلق من واقعي وعالمي المعاش.

هل هذا العصر هو عصر الشّعر, أم عصر الرّواية أم عصر النّص الذي يحتمل كلّ الإحساس الإبداعية ؟

لا أوافقُ من يقسّم الأجناس الأدبية والكتابية إلى عصور ومراحل فالأدب حيّ وسيستمر مادام الإنسان ينبضُ بالحياة , وكلّ الأجناس الأدبية والفنية تلقى الاهتمام والرّعاية والقبول, وإن بنسبٍ متفاوتة ومتباينة. وكلّ جنس أدبي أو فنّي له قرّاؤه في كلّ زمان ومكان , وطبقاً لمتغيّرات المرحلة التي يمرّ بها.

سُئلَ ابن قتيبة : لماذا لاتكتب الشّعر؟ فقال: عليّ بصناعته. هل برأيكِ أنّ الشعر صناعة؟

الشّعر موهبة وفطرة, وهو هبة من الكون للإنسان ولكنّه يتحول إلى ما يسمى بالصناعة حين يُعمَّدُ في أرض الواقع بمحسوساته المختلفة, ليتكوّن جنساً مبدعاً وخلاقاً والصناعة الشعرية في رأيي تعني الإبداع الذي يتدفقُ من خيال الشاعر وتتعانق مع لمسات خلجاته الرّوحية والنفسية, لنجد الصناعة الشعرية مختلفة تماماً عن مصطلح الصناعة المتعارف عليه لدينا.

ما طقوس الكتابة عند نارين عمر؟

ليست لديّ طقوس محددة لأنّني أكتب كلما أحسستُ أنّ لدي رغبة بالكتابة, وفي أي وقت كان. ولكن ما أستطيع البوح به أنّ القلم والورقة يرافقانني أينما ذهبت وأينما توجهت, في الغرفة وخارجها وفي المطبخ وفي السيارة وفي مكان عملي وحتى حينما أذهب إلى النوم أضع قلمي ودفتري تحت مخدتي لأنني كثيراً ما أستيقظ في الليل على فكرة أو خاطرة فأدونها على الفور كيلا لا أنساها.

هل تحول المبدع العربي إلى مجرد شاهدٍ على ما يمرّ به؟

لا أعتقدُ ذلك, لأنّ المبدع الحقيقي عربياً كان أم غير عربي, ملكة الإحساس بواقعه وواقع مجتمعه لديه تكون مضاعفة لملكة الإنسان العادي لذلك فهو ينقل الحدث بصدق وإحساس بعدما يتأثر بحدوثه سلباً كان أم إيجاباً. لأنّ مهمة الكاتب والأديب لا تقل أهمية عن مهمة أي شخص آخر يحمل هموم واقعه.

ما الذي تضعينه باعتبارك حين الكتابة؟

حين الكتابة, أضع باعتباري عاطفتي وضميري ووجداني أوّلاً, ثمّ أضع مَنْ سيتقبّلُ كلّ ما يصدر ممّا ذكرت, وكيفية قبوله لها /أقصد النفوس والعقول التي ستتلقاها/.

ألم تفكري بكتابة نصوص شعرية, مسرحية؟ ولماذا اختفى المسرح الشّعري برأيك؟

أتمنى فعلاً أن أكتبَ نصوصاً شعرية مسرحية, لأنّ الكاتب المسرحي كالممثل المسرحي, يستطيع أن يختبر قدراته على الكتابة والأدب من خلال النّص المسرحي. أمّا لماذا اختفى المسرح الشّعري: أعتقدُ أنّ السّبب يكمن في شيوع قصيدة النثر, وتراجع الشّعر الموزون, لأنّ المسرحية الشعرية تعتمدُ بالدّرجة الأولى على القصيدة الموزونة, والإيقاع الموسيقي.

لماذا اختفى الشّاعر النّجم برأيكِ ؟

لم يختفِ الشّاعر النّجم (إذا صحّ التعبير) كما نتصوّر, ولكن هناك مسألة هامّة يجب أن نتنبّه إليها : قبل عشرات الأعوام لم يكن عدد المتعلمين والدّارسين بهذا الحجم الكبير كما نشاهده اليوم, لذلك عندما كان يظهر من بين هذا العدد القليل منهم كاتباً أو شاعراً, كان ظهوره ملفتاً للنّظر. بينما المسألة انعكست في وقتنا الحاضر حيث أعداد الكتاب والأدباء والمثقفين في تزايدٍ مستمرّ, ويظهر بين الحين والآخر مجموعات من المبدعين والنّجوم, بالإضافة إلى تطور وسائل الإعلام والإعلان معاً. تماماً كالفنان الممثل والموسيقي والمطرب .

ما هي برأيك قدرة الكتابة على توصيل رسالة الكاتب؟ وماهي أساساً رسالة الكاتب من خلال الكتابة ؟

الكاتب الحقيقي والصّادق- والذي يكتبُ رغبة وشغفاً في خدمة مجتمعه ووطنه والإنسانيةِ جمعاء- بإمكانه أن يوصلَ رسالته إلى الجميع بيسر وسهولة. ورسالته لا تقلّ أهمية –برأيي- عن رسالة الحاكم والقائد والعالم وغيرهم وما زلنا منذ أقدم العصور وحتى اليوم نعرّف الأدب بأنّه (مرآة صادقة للواقع المعاش والحاضر المعاصر, وللماضي البعيد والقريب معاً, وكذلك للمستقبل القادم بكلّ أبعاده وتجلياته).

ما هو رأيكِ بتوظيف التّراث لخدمة النّص الإبداعي ؟

لا يوجد كاتبٌ أو أديب يستطيع أن يدّعي أنّه يكتب انطلاقاً من ثقافته الشّخصية أو الذاتية فقط, إنّما ما يكتب هو نتاج هذه الثقافة ممتزجة بثقافة الآخرين, وثقافة التراث الذي تأثر به كليّاً أو جزئياً, والكاتب الحق هو مَنْ يستطيع توظيف التراث لخدمة النص الذي ينتجه ليخدمان معاً القارئ المتلقي.

ما هي شهادتكِ على الواقع الثقافي السّوري والعربي ؟

الواقع الثقافي السّوري بخير وهو في تقدّم وتطوّر دائمين , لما تشكله أرض الشّام من بيئةٍ خصبة لنشوء شعراء وكتاب وفنانين جيّدين وذلك لتمتع شرائح واسعة من الشّعب السّوري بالثقافة العالية وسعة الأفق والفكر, والإحساس المرهف بما يجري على السّاحة السّورية ومن كلّ جوانبها. أمّا الواقع الثقافي العربي ككلّ أيضاً فهو يتجه نحو الأفضل وخاصةٍ بعد ظهور كتاب ومثقفين تجاوزوا الحالة الإقليمية الضيّقة التي كانوا متقوقعين فيها وتوجهوا نحو الاطلاع على ثقافة وأدب وحضارةِ الآخرين وتقبّلها بشغفٍ ووداعة,لينتجوا عملاً أدبياً وثقافياً متميّزاً , وأتمنى أن يحذو المثقفون والكتاب العرب الآخرون حذوهم لمدّ جسور الصّداقةِ والأخوة بينهم وبين الآخرين, ودفع عمليتي التأثر والتأثير المتبادلتين بينهم نحو الأفضل والأحسن.وأعتبرك أخي الأستاذ أحمد طايل واحداً من هؤلاء الخيّرين, وإلا لما كان هذا الحوار.

هل أنتِ مع النّصّ الشّعري الخليلي, أم مع التّمرّد على الشّكل الشّعري ؟

بصراحةٍ تامّة أنا مع النّص الشّعري الخليلي- كما أسميته- وأنظم ونظمّتُ قصائد على أوزان الخليل,لأنّها برأيي تضفي إيقاعاً موسيقياً ورونقاً مريحاً على النّص ,يلامسُ الحسّ والإدراك مباشرة, ولكنّني لستُ ضدّ قصيدة النثر, بل أكتبها أيضاً.

لابدّ لكلّ مبدع من عودةٍ, أو مراجعةٍ يراجع فيها نفسه, ويرتب فيها أوراقه, ما الذي يدفعكِ إلى هذا؟

في كلّ ليلةٍ وقبل أن أنام, أدخلُ إلى محراب نفسي وعقلي, لأبدأ معهما مراجعة شاملة لما بدر منّي خلال اليوم بكامله, وقد تصلُ بنا الأمور إلى درجةِ الصّراع وتبادل التّهم . كذلك الأمر بالنّسبة للكتابة, فقد تعوّدتُ ومنذ أن بدأتُ بالكتابة أن أعيدَ قراءة كلُّ ما أكتب بين الحين والآخر, فأثابر على الجيّدِ والمفيد منها, وأطرحَ ما أجده غير مجدٍ ونافع.

ما مدى الحلم عندكِ إنسانياً وإبداعياً ؟

الحياة كلها حلمٌ قصير أو طويلُ الأمد نعيشه ونتعايشُ معه, ولا نستيقظ منه إلا بإنذار من عكازةِ الشّيخوخة أو لمسةٍ من ملك الموت, لذلك فإنّنا نخلقُ في حلمنا الحياتي أحلاماً و... أحلاماً, نظلّ نسعدُ بالسّعيدِ المحقق منها, ونعيشُ على أمل تحقيق ما لم يتحقق.
إنسانياً : أحلمُ ما يحلمُ به مجموع البشر: الصّدق, والصّداقة الحقيقية, والأمن والأمان, والوئام والسّلام.
أدبياً : أن أظلّ قادرة على رسم أحلام للذين يحلمون مثلي, ولا يملكون القدرة الكافية على التّعبير.

ما هو رأيكِ في مسألة تقسيم الأدب إلى ذكورية ونسائية ؟

في أكثر من مرّةٍ و مناسبة أكدتُ على أنّني لا أميل إلى الرّأي الذي يقسّمُ الأدب إلى ذكوري وأنثوي أو نسوي لأنّ الأدب- وكما ذكرتُ في حوار سابق- والكتابة ككل هيّ عصارة الفكر والوجدان, وقيمة نتاج كلّ منهما ( المرأة والرّجل) تكمنُ في مدى ملامسته لتلافيفِ النّفس والوجدان, وللواقع المعاش. وربّما الفرق الوحيد الذي قد يظهرُ بينهما يكون في طريقةِ تناول كلّ منهما لقضايا الجنس الذي ينتمي إليه, انطلاقاً من كون المرأة أدرى بما تعانيه المرأة, وكذلك الأمرُ بالنّسبة للرّجل.

هل الملتقيات الثقافية والأدبية تثري الحياة الثقافية؟ وهل الإصدارات الثقافية بالعالم العربي قادرة بالفعل على الأخذ بأيدي الموهوبين, ودفعهم ليكونوا شرايين تغذي المشهد الثقافي والإبداعي العربي؟

نعم الملتقيات الثقافية والأدبية تثري الحياة الثقافية وخاصة إذا كان مَنْ يشرف عليها كاتباً وأديباً ومثقفاً موهوباً, ويظلّ لها تأثير فعّال في التواصل والتّعارف بين مهتمي الأدب والثقافة والكتابة, وتعارفنا أخي أحمد خير دليل على ما أقول. والإصدارات الثقافية قادرة بالفعل على الأخذ بيد الموهوبين وأعود لأؤكد على أن يكون المشرف عليها مثقفاً وأديباً وصاحب ضمير ووجدان.

إلى مَنْ تدينين بالفضل إنسانياً وإبداعياً ؟

أنا مدينة للحياةِ ولأسرتي ولمدرستي ولكن كشخص فإنّي مدينة حتى النّخاع لأختي الكبرى المرحومة (بريخان) التي لم تكن أختاً لنا فحسب , بل كانت الأمّ الحقيقية بعدما أفقدنا القدر أمّنا التي ولدتنا.
أنا مدينة لها بكلامي ونطقي ودراستي وشهادتي وثقتي بنفسي وتقرّبي الدّائم إلى ربّي وربّ العباد, بل وبحياتي كلها.
كنتُ طفلة دون العاشرة من العمر حين أرسلتني إلى السيّدة فلك داوود /ولها منّي جزيل الشّكر والامتنان/ لتعلمني القرآن الكريم, ومنذئذ بدأ الميل إلى الكتابة والأدب معي, وعندما لمستْ فيّ هذا الميل (وهي الأميّة التي لا تكتب ولا تقرأ) شجعتني بقوّة على الكتابة والشّعر, وحتى دراستي الجامعية يعود إليها الفضل الأكبر في إنهائها بتشجيعها المستمرّ لي, وحسن نصائحها ونطقها, وبعدما انتقلت إلى العالم الآخر شعرتُ بفراغ مخيفٍ يخيّمُ على حياتي كلها –على الرّغم من أنّي وقتها كنت زوجة وأمّاً لأطفال- قرّرتُ أن أتابع مشوار الأدب والكتابة الذي كنتُ أسلكه منذ سنوات طويلة وألا أجافيه, إكراماً لروحها المتعطشة حتى بعد رحيلها لكلّ ما هو نبيلٌ وإنسانيّ وخيّرٌ في الحياةِ والوجود, فوجدتُ القلم- كما كانت تؤكد هي على ذلك دائماً- خير رفيقٍ في الحياة, وخير سلاح في الصّعاب والملمات.

كلمة إلى النّشء الإبداعي ؟

رسالة الأدب والكتابة الحقيقية هي تجاوز كلّ الحواجز التي صنعتها عنوة الأحقاد البشرية , والخلافاتُ التي لا مبرّر لها, لذلك علينا التّعارف والتواصل والتلاحم على الودّ والصّدق والإلفةِ, والتّحليق في فضاءاتِ التسامح والخير التي ستجردّنا من كلّ ما قد يجردّنا من إنسانيتنا الحقة ولو للحظات.
وفي الختام اسمح لي أيّها الصّديق العزيز أحمد طايل أن أهديك باقاتِ شكر وامتنان, وتقبّل أمنياتي القلبية لك بدوام العطاء والمحبة للجميع.

* أحمد طايل: كاتب ومحاور مصري







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=699