في البحث عن الرّابط الأصيل .. شعر يوسف رزوقة
التاريخ: الأربعاء 07 شباط 2007
الموضوع: القسم الثقافي



 مسعود عكو

يوسف رزوقة، كوكب شعري، ينفرد بمزاياه عن ثلة الشعر، أو متعاطيه، في يوطاليا الشعر، يخلق عبارات، وكلمات جديدة لم يسبقه أحد إليها. يحاول من خلال ثقافة منوعة التلقيح بين الأحرف المرئية أمامه فتحبل منها تعابير أخرى قد يستغرب قارئه في محاولة منه خلق جيل جديد من الكلمات الشعرية ذات موسيقية أقرب إلى الميكانيكية في عبارات، وتعابير حديثة، حيث حاول رزوقة إلجامها في قصائده التي تفوح منها رائحة العولمة، ويسعى من خلالها تغيير منحى الشعر باتجاه رياح التمدن الكلامي، والعباراتي، وليس فقط من خلال تكريس الأحرف، والعبارات الجاهلية في إعادة بناء قصيدة ترجع بأصولها إلى سنين خلت رغم حداثة من نظمها.


 البجعة عنده على ضفاف وادي السيليكون، وما يكتبه ليس الشعر الموزون أو الشعر المنثور، وما هو بالإعجاز فهو يرى أنه قد ولى زمن الشعراء المنتفخين بأنفسهم زعماء النظم الزائف، و الزلفى، وما يكتبه بالفحم الآن هو محاولة للحلم، و للتحريض عليه، وفلسفة للثأر من امرأة، ولدت هذا الأسطول الهائل من حمقى العالم.
القصيدة تستدعي عموم معارضيها من أساتذة المجاز، وما إليه فترى أن تجلد " الأدب القديم " أمامهم دعت الحطيئة، عروة بن الورد، بشار بن برد، الشنفرى، و الآخرين إلى مبارزة أشد ضراوة هذا هو عالم رزوقة.
عن دار إيماجين صدر كتاب نقدي عن الشاعر التونسي يوسف رزوقة  بإمضاء الباحثة  الفرنسية أود ريشو ديانو أستاذة ألأدب الفرنسي بالسوربون، حيث تناولت فيه بالبحث المجموعات الشعرية الخمس باللغة الفرنسية، والتي أجراها صاحبها في لغة فولتير، وهي:
ابن العنكبوت 2005، حديقة فرنسا 2005، منظوراً إليها من فوق، يوطاليا أو مدينة الشعراء (بالاشتراك مع الشاعرة الفرنسية هيرا فوكس)2005، ألف قصيدة، وقصيدة (بالاشتراك مع الشاعرة هيرا فوكس)2005، و حديثاً: باكراً على الأرض 2006، وهذا الكتاب الأخير التقى فيه صاحبه في مستوى التواشج تلاقحاً، وتقاطعاً مع الشاعر السويدي غونار إيكيلوف صاحب كتاب "متأخّراً على الأرض".
الكتاب الذي جاء تحت عنوان " شعر يوسف رزوقة أو البحث عن الرّابط الأصيل" كان على هذا الطفل الشاعر، قبل أن يعيد تشكيل كلّ شيء، أن يفكّ شفرة كلّ شيء، انطلاقاً من حلّ العقدة التي يتمّثلها في كلّ قصائده تقريباً. فالعقدة لديه هي مفتاح عالمه الشعري، وتتجلى العقدة الإشكالية هنا كصورة، وكصوت فهو يلعب، ويشفّر العالم من جديد من داخل اللغة الفرنسية. فالعالم بالنسبة إليه معقّد، رتيب، وكئيب، وبالتالي فإن أنا الشاعر تمحو خارطة العالم لتقترح الخارطة البديل.
وفي غمرة اختلاط الأسئلة، ينجم سؤال الهويّة عبر ثنائية " نحن والآخر" ليبحث فيها الشاعر على طريقته بإلغاء الحاجز: واو العطف لتصبح" نحن الآخر" أي أنّ  نحن= الآخر، ومن شواهده الشعرية تورد ديانو في هذا السياق ما يلي:

تلك أسئلتي الحارقة
أريان وهبتني خيطها
ثمّ تركتني هناك
في الجزيرة الصحراء
لا أحد أراه الآن وهنا
فقط  يتامى الخارطة
في ركن كذاك الرّكن
يخطّطون معا
 لطريق الهروب

إن عقدة الهويّة تجعل قصيدة يوسف رزوقة تدور حول ذاتها، وصوته يتماهى مع السؤال اللانهائي للأنا الدائرة. ولم يقف ولع الشاعر بالجانب المضموني فحسب بل اعتنى بالبعد الشكل في سؤاله الشعري حيث تلتقي الكلمات مع الموسيقى، ومع الألوان، تلتقي كلها باتجاه أفق جديد، وممكن للحلم حسب القاعدة السحرية الرزوقية على حدّ تعبير ديانو.
وبالتالي فإن أنا المتكلم مطالبة بفضح العلائق المستعارة الراهنة عبر تشكيل نظام جديد  يجمع فيه الكائنات، والأشياء هو عالم شعريّ له قابلية الوقوف بشراسة، وجهاً لوجه مع العدم كما تجلّى ذلك في قصيدته " الأوبرا غير المكتملة"  حيث آلى الشاعر على نفسه أن " يجعل النجوم خارج الإطار، وأن يخلّ بتوازن العالم" حتى يهب حبيبته الروسية أولغا، وهماً يتجوّلان بين مئات اللوحات في الأرميتاج لوحة مختلفة وفق رؤيته الشعرية الفائقة.
شعر يوسف رزوقة زاخر بما هو عقد، وتقاطع طرق، ونقاط من أجل إعادة تأثيث العالم برؤى جديدة. إنّه تفكيك الرّاهن، ومحاولة تركيب العالم بطريقة مختلفة تماماً كهذا المجنون الحكيم جداً، والذي انخرط في رسم شبكة،  وعليه كي يصطاد شيئا أن يكون هو السمكة. يقول رزوقة:

أكثرهم حكمة
رسم شبكة
ولكي يمرّ عبر خيوطها
أنشأ يصرّف فعل "صار سمكة"
في الحاضر.

إن العقدة تتجلى صورتها لدى يوسف رزوقة في أشكال شتّى  حسب التيمات المتنوعة، وكل ذلك من أجل نسج عالم بديل للكائنات، وللأشياء، كما أن الأنا الشعرية تلغي المسافات، وتدعو قارئها إلى منزلها، " منزل الكلمات"  حيث أثّث الأبجديّة على هواه  أي  بهذه "العقد" التي تتخلل النسيج النصّي، والتي تأخذ أشكالاً شتى ، من البرزخ إلى مفترق الطرقات إلى نقاط مضيئة إلى جسر بين شرق، وغرب، أو إلى نقاط تهيئ لملتقى العشّاق حيث يختلط كلّ شيء كما في عشّ، على خلفية ذات صلة وثقى بفكرة الجذور.
فالأنا الشعرية تهفو في تطلعها إلى نبع الحياة، إلى المهد الأوّل، إلى الحرف  الدّائريّ، والرّحميّ  "0"  الأساس المؤسّس، إلى امرأة ورجل، وإلى بيضة التكوين بينهما، فكل رجل هو آدم لدى رزوقة، وكلّ امرأة هي حوّاء، وعليهما إعادة اختراع العالم بولادة عالم جديد بفضل الفعل الشعريّ.
إنها العقدة في بعدها المتعدّد، عقدة شرق، وغرب عبر خلق نظام معجميّ جدي، وعبر مختلف الدوائر التي تشكّل عالم شرق، وغرب المجنون، وخارطة العالم المثلى.
هذا الخلق المتجدّد للروابط الجديدة من أجل عالم آخر ينبغي أن يمرّ كما ترى ديانو عبر مقتضيات كتابة مختلفة، وهذا ما تحقّق لدى يوسف رزوقة من خلال تقنيتي الإحداث، والعدول، ومن خلال تحرره من قيود القديم كما تجلى ذلك في ديوان " حديقة فرنسا"  حيث تحرر من ربقة الإيقاع المتوارث، أو في ديوان " ابن العنكبوت" حيث سوّغ أكثر من كلمة منحوتة جديدة.
في شعر يوسف رزوقة، تقول الناقدة ديانو، حلم عبر الكلمات، فهو يلتقي مع طرح جيرار جينات الذي يرى " اللغة في حالة حلم"، ويبدو أن اللغة الفرنسية جامدة جداً، في رأي ديانو فلم يتحقق عبرها ما به يحلم شاعر، ولهذا يعمد رزوقة إلى المبادرة بالمغامرة لتحقيق إمكانات قول أخرى، غير مستعملة.
بعد جولة استقرائية عبر مجموعات رزوقة الخمس، توقفت ديانو في فصل مستقلّ عند مجموعته الشعرية الأخيرة " باكراً على الأرض" وتحت عنوان" قصور من الكلمات"، تقصّت تقنية الشاعر بوصفه لاعباً ماهراً بالكلمات دون أن تغفل تقنيته الأساس أي العقدة في بعديها السيميائيّ، والتّيمي.
وترى في هذا الكتاب نزوع رزوقة إلى الكتابة المبتهجة حيث أن الأنا الشاعرة، وهي تكتب تمارس اليوغا، وترقص على إيقاع الحياة الكثيرة، متأرجحة بين الظل، والغبطة ومن ثمّة ترى ديانو أن أنا رزوقة الشعرية لا يمكن استقراؤها إلا عبر لعب الكاميرات، ومختلف زوايا النظر لالتقاط الصور.
هي لعبة المرايا الدائمة بين شرق، وغرب، بين الرجل، والطفل وبين شاعر اللسانين العربي، والفرنسي، ورجل الإعلام الحالم بالكلمات ذلك أن شعر يوسف رزوقة هو وعد ببهجة ما وراء الدموع، دفق حياة عابر للألم. الشعر هنا نشاط يوميّ مقدّس، رياضة تخوّل للأنا الشاعرة أن تمتلئ بذاتها " سكرى بشيء من الاخضرار" بفضل "اليوغا الشعرية" و" الزّن الرزوقيّ" وغيرهما.
رزوقة شاعر من طراز مختلف، يكتب عن أشياء قد لا يتخيل القارئ أنه بالإمكان كتابة شعر عنها، له عالم مختلف عن عالمنا الكوني الذي نعيش فيه، فللكلمات عنده تعابير أخرى يعكس من خلال مرآته أوصافاً، وتعابير أخرى تنعت رؤية جديدة للواقع بصورة رزوقية في اختلاف تام عن كل ما يجاورنا.
للشاعر يوسف رزوقة مدوّنة شعرية زاخرة  في أكثر من لغة إلى جانب نشاطه الثقافي  حيث  صاغ مع نخبة من الشعراء العرب ( محمّد علي شمس الدين من لبنان، وعز الدين المناصرة من فلسطين، وعيّاش يحياوي من المغرب، وشمس الدين العوني من تونس) صاغ| " دستور الشعراء " : رؤية جديدة لتشخيص الإيقاع العالمي الجديد في ظل الفضاء الاتصالي المعولم.
كما خاض مع شعراء أوروبيين ضمن أشغال ورشوية تجربة تطبيق العروض العربي على القصيدة الفرنسية، وله في هذا السياق مؤلفات، وقد تمّ انتخابه سنة /2005/ سفيراً لدى جمعية أمريكا اللاتينية لشعراء العالم بالتشيلي، ممثّلاً للعالم العربي.

من مؤلفاته:
 بالعربية
1978 أمتاز عليك بأحزاني

1984 برنامج الوردة

 1986إسطرلاب يوسف المسافر

 1998الذئب في العبارة
2001 بلاد ما بين اليدين

2001 أزهار ثاني أوكسيد التاريخ

2002 إعلان حالة الطوارئ (شعر)

 2003الأعمال الشعرية | الجزء الأول

2004 يوغانا | كتاب اليوغا الشعرية

2004 الفراشة والديناميت

2005 أرض الصفر

بالفرنسية
2005ابن العنكبوت

2005 (يوطاليا (فوكس بالاشتراك مع الشاعرة الفرنسية هيرا فوكس

2005ألف قصيدة و قصيدة بالاشتراك مع الشاعرة الفرنسية هيرا فوكس
2005حديقة فرنسا

2006باكراً على الأرض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكتاب:
La poésie de Youssef Rzouga ou la recherche du lien authentique

Aude Richeux Diano, Imagine TN, 2006








أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=543