الوليمة
التاريخ: الأثنين 05 شباط 2007
الموضوع: القسم الثقافي



نسيم الكورد 

تعرفت عليه أيام الجامعة منذ سنتين و لم أراه منذ وقتها ,كان شابا مرحا مقبلا على الحياة و الابتسامة لا تفارق وجهه و لكننا افترقنا لأنه سافر إلى وطنه العراق ..و في إحدى الليالي و أنا جالس في المنزل أتصفح بعض الكتب اسمع صوت الهاتف يرن لأرفع السماعة و اسمع صوتا ليس غريبا عني و لكن من الصعب تمييزه  ليقول لي: أنا بسام, ألم تعرفني من العراق!! 
فقلت بكل ثقة : نعم عرفتك , فكيف أنسى أيام التسكع في الجامعة أيها المشاغب أهلا بك أين أنت الآن ؟ أنا في سورية و انتظرك في الحارة الفلانية لم أتردد و جهزت نفسي للقائه و لم أكن أحبذ أن احضره إلى بيتي الذي يعج بأفراد عائلتي .


انطلقت إلى لقاءه و أنا متلهف أن يكون لقاءنا كالتقاء نهري دجلة والفرات و وصلت إلى المكان المحدد و بدا ظله يتراءى لي و سلمنا على بعضنا و بعد العديد من عبارات المجاملة و مررنا بالقرب من مطعم الملوك الذي يحضره أصحاب الملايين و رأيت صديقي يحدق بالمطعم و يسألني بأنه فندق فخم و ما كان علي إلا إكرام الضيف ودخلنا بهو الفندق و تأملت أبوابه الزجاجية الأوتوماتكية و الطاولات الفخمة و المرايا الساحرة حتى بدأ الرعب يدب رويدا رويدا إلى قلبي و لكنه بعث الطمأنينة قائلا : أنا لا أتناول شيئا على العشاء فرددت عليه بابتسامة تخفي وراءها الخوف : أوه لا, لا يجوز ذلك أنت ضيفنا اليوم, و بعد لحظة صمت استطردت قائلا  :
لا استطيع إجبارك على العشاء فأنا أيضا لا أكل شيئا على العشاء و اعتقد أن الناس تأكل أكثر من حاجتها .
ثم جاء النادل ليرحب بنا و اعلم أن وراء ترحبيه غايات و أهداف فسألت ضيفي : ماذا تأكل
أجابني : بعض البيتزا و الكبب الشرقية في هذه اللحظة كنت ابحث عن قلبي بسبب هبوطه المفاجئ و تسارعت أنفاسي و اخترت لنفسي ارخص طبق على القائمة و بادرني ضيفي بالسؤال عن طبقي الذي اخترته فقلت له بكل صدق : إنني اتبع حمية غذائية وجاء النادل يحمل الأطباق و المقبلات التي هي بالنسبة لي غذاء يوم كامل و بدأنا بالأكل و تخيلت نفسي في حرب مع المطعم
فانا اعلم أن الفاتورة ستأتي كبيرة جدا لذا لن ادع صحنا من شري و التهمنا الأطباق حتى شعرنا بالتخمة.
و بعد تناولنا العشاء سالت ضيفي أتشرب شيئا بعد العشاء فقال: لا في هذه اللحظة أيدته و قلت بغبطة و لا أنا و لكني تابعت قائلا وليتني لم اقلها يبدو انك لا تشرب المشروبات الروحية فأجابني بلى اشرب و طلب من النادل كأسا من الفودكا و أنا اعلم السعر العالي لهذه الزجاجة بينما فضلت أن اشرب كأسا من الماء معللا بعدم شربي للكحول بان كبدي يوجعني .  
كنا نتكلم عن الفن والمسرح والأدب إلا أن عقلي كن مع الفاتورة و اعرف أن ساعة الدفع ستحين
و سمعت صوت خطوات النادل يقترب و يحضر لي مصيبة أخرى حيث جاء وقت الحلويات و تحدث صديقي بان سورية تشتهر بحلوياتها ولن أسافر للعراق قبل تذوقي طعمها و طلب من النادل أغلى نوع تلك التي كنت أراها من وراء زجاج المحلات ويسيل لعابي لمجرد رؤيتها و سألني ألا تأكل منها فقلت له: لا إنها دسمة جدا استغرب كيف تستطيع أكلها و بقيت أفكر بالفاتورة و كأنه يوم الحساب بالنسبة لي و أتساءل بيني وبين ربي ترى بما أذنبت يا ربي   
أرجوك أنقذني من هذا الموقف الحرج.
وحان وقت المشروبات الساخنة هنا جمعت قواي و أصبحت أدق على صدري فالحساب ارتفع و ما عاد باليد حيلة فسأله :ماذا تشرب أجابني قهوة فطلبت من النادل كوبي قهوة مع نارجيلتين
و ما أن انتهينا منها حتى جاءنا النادل بسلة من الفواكه و توسعت حدقتا عيني فانا اعرف أسعار الفواكه في هذه الأيام و ازداد خوفي و رعبي و ما في جيبي معاش شهر لم أكن أخاف على معاشي بل خفت ألا يكفي و بدا النادل مهتما بنا يرفع صحنا و يضع آخر و يضع المناديل أمامنا
و ما كان مني إلا أن و ضعت بعض الليرات  في جيبه لكي أرضيه و لكنه أعادها إلي بابتسامة ساخرة و بادرت ضيفي بابتسامة غبية كي لا يقول عني بخيلا .. و جاء وقت الدفع فالنادل قادم و بيده الفاتورة بدا لي كجلاد و بيده حبل المشنقة , و عندما نظرت إلى الفاتورة تغيرت ألوان وجهي كألوان قوس قزح ودفعت الفاتورة التي كانت عبارة عن معاش شهر كامل و لم يبقى معي سوى أجرة طريق الرجوع  وودعت صديقي قائلا : آه كم اتخمت و أنني اشعر بعسر هضم و لن أتعشى مرة أخرى  في المطاعم فأكل البيت صحي أكثر و بعدها استغربت من جوابه : واحد بواحدة ,فقلت له ماذا تعني ؟ ألا تذكر عندما كنا في الجامعة عزمتني إلى مطعم جيد ثم قلت انك ذاهب إلى الحمام إلا انك هربت وقتها تاركا الحساب علي و ما كان مني إلا أن ارهن هويتي ثم أعود لأدفع لصاحب المطعم هل تذكر ؟ كان يسألني و هو غارق في الضحك فالعين بالعين والعزيمة بالعزيمة و البادي أظلم ...






أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=540