الإبراهيمان.. في مختلف سيرتين ومؤتلفهما
التاريخ: الخميس 02 تشرين الاول 2014
الموضوع: القسم الثقافي



إبراهيم اليوسف  
  
"إلى المدينة التي جمعتنا: 
قامشلو 
كي نتنفس هواءها 
ونأكل خبزها 
ونتفيأ ظل أشجارها 
ونشرب ماء نهرها 
الذي جفّ في حروب مائية وغير مائية" 


ثمة التباس، لا بد من أن يتم، وأنا -هنا- في معرض الكتابة، عن المفكر إبراهيم محمود، وتسميته ب"المفكر"، قد تكون مجازفة قرائية، لدى قارىء لا يرى غير نفسه، أو لا يريد أن يرى غيره، بيد أنها صفة منصفة تناسب الموصوف - وهو ما سأتعرض له في موقع آخر- ما دمت أخالني أحد من غامروا بإطلاق التسمية، عينها، من خلال ما أرتئيه، من مقاييس، عبر متابعة جادة، لما يطرحه إبراهيمنا ، خارج إطار ما هو مستنسخ، لاسيما في عصر الفضاء الإعلامي المفتوح، و هو أمر ميسور لمن يتنطع لإعادة تكرار، ما هو مطروح من رؤى، مسبقة التناول، أو ممجوجة الطرح، إذ أننا أمام هذا الاسم، في حضرة حالة من الارتقاء إلى مستوى النص الفكري، عبر نص مواز، كما في بعض نتاجات الرجل. ولعل سبب مثل هذا الالتباس يعود إلى أن من أكتب عنه "إبراهيم" ومن يكتب هو "إبراهيم" وليس هذا ما جمعنا، أو فرقنا، ليجمعنا، أكثر من مرة، ويكون الاختلاف -عابراً- مقابل ائتلاف استراتيجي، في تشابك روحي صديقين، لم يختلفا، إلا لأنهما اتفقا أصلاً. 
يبدو، أن من شأن متوالية دورة الزمن، أن تمحو بعض ما توثق له الذاكرة، عبر إحدى علاماتها، وهو تحديداً ما يجري لي-الآن- وأنا أحاول أن أستذكر أي َّ الصَّديقين الصدِّيقين: أي صديقينا المشتركين، التشكيلي والكاتب خليل مصطفى، أطال لنا الله عمره، أو التشكيلي والكاتب المحامي الراحل حسن دريعي، أول من سمانا ب"الإبراهيمين" - وإن كنت أرجح أولهما ولم يجزم إبراهيم ذات مرة بأسبقية الثاني في سياق مشابه - وهو لا يتطلب مزيداً من البحث، لاسيما أن زمن التسمية جاء بعد الثاني عشر من آذار2004، وهو زمن يقع ضمن حدود المعاينة، الاستذكارية، أو الموثقة، مادام أن كثيرين، تناولوا -المتناول- من قبلنا الاثنين، بعد أن بدأ بعد مجرد ساعةٍ، تداعي كثيرين إلى مكان واحد، جمعنا، ليكون المكان غرفة عمليات إعلامية، وليكتب صباح غد، الشطر الأول من "الإبراهيمين"، وقبل بدء مسيرة يوم الثالث عشر من آذار، وقبل إضافة أسماء أخرى- سنسميها شهداءنا- إلى قائمة شهداء الأمس، مقاله، المعنون ب"الجمعة الدامية" بعد بضع عشرة ساعة، من المساهمات الإعلامية، في منزلي، ليكون إبراهيم- منظِّر- ما يتم، وباسمه الصريح، وليكون بيتنا "غرفة العمليات الإعلامية"، على حد أوصاف المنصفين من الوصاف، وهنا، لعل غوغل- ونحن اليوم في ذكرى ميلاده السادس عشر تحديداً- يبين أسبقية أي الصديقين في التسمية تلك، ولا أنكر جهود من كتب باسمه، أو حتى باسم مستعار، في السياق الآذاري، حيث ثمة معجم خاص يتناول ذلك، في منأى عن التزوير. 
أدرك، أن حشر اسمي -هنا- وأنا في معرض تقديم شهادة، عن صديقي، إبراهيم محمود، هو ضرب من النشاز، وإن كنت سأسوغ، لما أنا قائم به، ما دمت أرصد صورة أحد الإبراهيمين، في مرايا الآخر، بل وإن كنت سأسارع، لأقرَّ، بأني لست في مقام مطاولة كل ما تركه لنا سميي، في مجالات عدة، تابعتها، في وقت مبكر، في مهادنا الثقافي، الأول "قامشلي"، منذ أول أمسية شعرية للرجل، قبل صدور باكورته الأولى "قصائد حب مجوسية" التي سيحذفها، من ترتيب نتاجاته، لاسيما بعد أن تعمق في غمار البحث الفكري، والأدبي، والفلسفي والسوسيولوجي والأنتربولوجي.. إلخ... في موازاة مع مخطوطاته القصصية التي أتذكرها، في مشيمتها الحبرية، أو أعماله الروائية، أو ترجماته، أو حفره في التاريخ واللغة الكرديين، بل وأزيد من كل ذلك، مادام أنه كتب المسرح، أيضاً، كما كتب النقد، فهل ظل فن أدبي، إبداعي، فكري، لم يتطرق إليه؟. 
يسجل لإبراهيم، الجزء الآخر، من الثنائية التي جمعها توصيف واحد،، في صيغة المثنى المرفوع،  خارج مشيئتينا، كما أن اسم كل منا خارج مشيئته، أنه وصديق آخر-قاص وشاعر-وأد موهبته، في حقول أخرى، فترك مخطوطاته المهمة، في حبر سبعينياتها، وبدايات ثمانينياتها، بل ليوقفها عند هذا الحد، دون أن يزيح عنها غبار الوقت، أنهما كانا من رافقاني، بعيد نشري لقصائدي الأولى في ثمانينيات القرن الماضي، وتحديداً، كما يشير خط إبراهيم محمود على جزء من مكتبة بيتي، أنهما رافقاني إلى مكتبات المدينة، ذات عصرونية في يوم خريفي من العام من العام 1982، وهي مكتبات: أنيس مديواية - داوود غرزاني- عبدالقادر جمعة، ليدلاني على ما هو جديد، مفيد، في عالم الكتب، "وأنا ابن الاثنين والعشرين ربيعاً وهما يزيدانني سناً بقليل، وأتذكر، أن الأخير من هؤلاء، كنت أستدين منه- طوال الشهر-الكتب، لأدفع أثمانها، في نهايات كل شهر أو بداياته، قيد فيه الدين بذمتي، وكان هناك صديق آخر، على وجه الخصوص، معني بمكتبتي، إنه "عبدالسلام نعمان" القاص، والباحث، والمترجم، الذي نطحت قصته "العجل" كل مخطوطاته المدونة، وغير المدونة، إلى درجة الضياع. 
أتذكر، في إحدى أمسيات منتدى الثلاثاء الثقافي، وبحضور كل هؤلاء الأصدقاء، المومأ إليهم، وآخرين، من بينهم: عبداللطيف عبدالله "السومري" والذي غاب إبداه الواعد كما حضارة السومريين، أو توزعت في أرواح أجيال من طالباته وطلابه-وأعتذر ممن سأسهو عن إيراد اسمه- وضعت نسخة من باكورة إبراهيم الشعرية، بين دفتي مختارات محمود درويش، ورحت أقرأ بعض قصائده، التفعيلية، كي يمدح أحدهم هذه القصائد -على أنها درويشية- وكان قد ساهم مع إبراهيم محمود، في الجلسة، ذاتها، في ذم مجموعته، البكر، من خلال الحديث عن "استعجاله في النشر؟" بعد أن افتتحتها بقصيدة له من الديوان، ذاته، كي تدوي في غرفتنا الطينية ضحكة مجلجلة بيننا، ترتطم بجدرانها، وسقفها القشي، وكنت أريد إعادة الاعتبار لشعرية إبراهيم، بل لعلي كنت أول من كتب عنها، في جريدة "صدى المعاهد" في العام 1980 أو بعد ذلك بقليل. 
 ثمة تأنيب شديد اللهجة، طالما سمعته من إبراهيم، وهو ينصحني أن أعنى أكثر بالجانب الأدبي، بعد أن جرفتني السياسة، إلى حدِّ الاختناق، حيث كنت أحس أن كتابة "ريبورتاج" عن معاناة المضطهدين، من الناس، في جريدة الحزب الشيوعي السوري، أهم من قصيدة، هذا الانحياز الإنساني، جاء نتيجة تربيتي البيتية، على يدي أب علمني ألا أسكت على ظلم من حولي، ولي في هذا قصص لا تعد و لا تحصى، وكانت أعمال إبراهيم تصدر تترى، وأحسُّ أنه يكتب عني وعنه، إلى درجة أنه صار يشدد من تقريعه لي، وهو ما لم أنتبه إليه، إلا بعد فرمتة إرشيفي الشخصي، مرات عدة، من حاسوبي، وموات بعض مواقع المنابر والصحف التي كتبت فيها، ومن بين ذلك مشاريع أدبية كثيرة، دونتها، في فترة ما بعد العام ألفين، حيث توطدت العلاقة بيني والحاسوب. 
روح جد عنيدة يمتلكها إبراهيم، وهل أكثر دلالة على ذلك، ما قلته، عنه، أكثر من مرة، أنه كان يزورني في البيت حوالي العاشرة صباحاً، أكثر من مرة في الأسبوع، حيث هو كما خليل مصطفى من أصدقائي الأكثر تمكناً من اقتصاد أوقاتهم، واستثماره، ليقول لي: لقد كتبت مقالي الحدثي، بالإضافة إلى كذا صفحة من كتابي الفلاني، إلى الدرجة التي يستطيع فيها أن ينجز كتاباً كل شهر، بينما كنت في ليلة البارحة، أمضيت وقتي، في مهمة حزبية، داخل المدينة، أو خارجها، وكتبت بياناً لمنظمة "ماف"، فور عودتي، أو رحت أسهر مع بعضهم ممن سيحرفون أحاديث حوارات ليلة -أمس- ويؤلبون علي بعض من حولنا، ماعدا قلة قليلة منهم، فمن هم؟، أكاد لا أتذكر، وهو في هذا المقام، يستأهل أن يكون صاحب بضع عشرات المؤلفات، منها ما هو أكثر أهمية، إلى الدرجة التي استغربت، وأنا في الإمارات، كما قطر، عندما كنت أذكر لهم أني من "قامشلي" فيقول لي بعضهم وفي موقع عملي في صحيفة الخليج: مدينة إبراهيم محمود "صاحب كذا أو كذا.."؟، وللدقة هنا أذكر أسماء منها: النور علي- يوسف أبو لوز- محمد إسماعيل زاهر- عثمان حسن- محمد ولد سالم –محمد أبو عرب- فوزي صالح .......إلخ وكل منهم من بلد عربي....!. 
لم أبتغ من شهادتي، هذه، تناول تجربة إبراهيم محمود، عبر بضعة عقود، وقائمة، طويلة من الكتب، والكراريس، والبحوث، وأمات الندوات الكبرى، حيث أن ذلك يتطلب دراسات مطولة، حيث يمكن تناول كل مجال من نتاجه الإبداعي الفكري، على حدة، من قبل المتخصصين، أو عبر قراءات، خاصة، ليس مكانها، هنا، باعتباره أحد الأسماء الأكثر حضوراً في المشهد الثقافي الكردي، وفي موازاة مع سليم بركات، الشاعر، والروائي، و السيروي، والصحفي إلى حد ما، وإن كان لتجربة كل منهما خصوصيتها، وعلاماتها الفارقة. 
مؤكد، أن لإبراهيم رؤيته الخاصة، مشاغله الخاصة، عالمه الخاص، اهتماماته الخاصة، قراءاته الخاصة، انفعالاته الخاصة، كما أن لي في المقابل، وإن كنا سنلتقي، في هذه الملمة، أو تلك- وحياة إنساننا كلها تاريخ من ملمَّات- فلا يرضى عن الكثير من عالمي: علاقاتي، ثقتي المفرّطة ببعضهم، ذبح وقتي من أجل من لا يستأهلون، وقوعي في فخاخ بعضهم، من النهَّازين، وربما حزبيتي التي انتهت في آذار2003، وإن كنت سأعود إلى ضرب مواز لها، في الفضاء العام، وبمعناها الأشمل، إلى حين، لأقلع عنها نهائياً، وأنا أحترم كل محطات حياتي على أنها: أنا، بينما إبراهيم يعوض عن كل ذلك، بالتوجه إلى جوهر الكتابة، إلى روحها، وإن كنت سأضع ملاحظاتي على هذا الكتاب، أو ذاك، من كتبه، أو مقالاته، لاسيما على ما يتعلق منها، بردود فعله على الآخرين، وهو ما قد أقع فيه، أنا الآخر، وإن على طريقتي المختلفة. 
مكتبة إبراهيم محمود التي عرضها للبيع، وهي نتاج اشتغاله على لبناتها واحدة، واحدة، تم تعميرها، على امتداد ما يزيد عن أربعة عقود، وتكاد تكون من أكبر مكتبات الكتاب، وقد اضطر ذات يوم للإعلان عن بيعها، مقابل تأمين اللقمة، وهو ما أشرت إليه في أحد مقالاتي في جريدة الخليج، وكنت أعرف أن مكتبته تعني له "ماء كائنات روحه السمكية" التي لا تعيش دونها، ومع ذلك فقد أعلن في مقال خاص عن تخليه عنها " قبل أن يتركها مرغماً مع كمائن غير مبرملة من سموم الفئران والعث" وكأن في ذلك ردة فعل على محيطه العام، الجاحد، الذي لا يضع قوانين الحفاظ على "ماء وجه المبدع"، والعمل على عدم تعرضه للحاجة، ولعل المسألة تفاقمت -الآن- بعد أن اضطر إبراهيم للهجرة، أو النزوح، إلى إقليم كردستان، مع ربع مليون كردي آخر، نتيجة دواع عديدة، أومأنا إليها، وها هو يفتقد مصدر معيشته - هناك- بسبب الظروف التي يمر بها الإقليم، في مرحلة "ما بعد شنكال" وأرى أن من واجب "اتحاد الكتاب الكرد في الإقليم" والمؤسسات الثقافية الانتباه إلى وضع هذا المفكر، اللائذ، بأهله، من خلال ديمومة عمله، وسبل معيشته، حيث أتذكر الإمام الشافعي الذي قال، في مثل هذا المقام: "إذا احتجت بصلة ما عرفت مسألة"، بل راح أبو هلال العسكري، أبعد، من هذا، وهو يتناول واقع الكاتب، الذي تضطره اللقمة لأن "يبيع ويشتري"، بما لا أريد إيراده هنا. ولقد لاحظنا، توقف إبراهيم -فجأة-عن الكتابة، وهو يواصل نزيف روحه، منذ غزو شنكال، عن كتابة مادتين، يوميتين، إحداهما سياسية، والأخرى ثقافية، بعيد شموله بقرار توقيف العقود الوظيفية، المؤقتة، نتيجة الدائر هناك. 
كثيراً، ما سألت نفسي، وأنا أستذكر علاقة إبراهيم محمود بالكتابة: ترى، أية روح لدى الرجل، وهو يقدم هذا الإنتاج الغزير، وهو إنتاج لا يتأتى إلا من خلال بذل الجهد، المضاعف، لقراءات، عميقة، لاسيما أن أكثر ما يتناوله "إشكالي"؟، وهو ما يأتي-مؤكداً- على حساب راحته، مادام أنه معني بشؤون بيته، صغيرها، و كبيرها، كأب ناجح، وكرب أسرة ناجح، كون معادلة مدهشة بين أفراد أسرته، وفي مقدمتهم: زوجته، المرأة، الكردية، المثالية، والأصيلة، شريكته الكبرى في مواجهة  متاعب الحياة..!. 
لا أريد الغوص في تفاصيل عالم إبراهيم محمود، وعلاقته بكتابته، فهو أحد أغزر الكتاب المعاصرين -كما يخيل إلي على الإطلاق- حيث استفاد من التكنولوجيا، وجاراها، وتفاعل معها، دون أن تكبحه، ولديه الاستعداد أن يكتب أربع مقالات مطولة، أو فصلين، من كتاب ما، في يوم واحد، معتمداً بذلك على ذاكرته المذهلة -التي أسميها خرافية أو أسطورية- بما يستظر بوساطاتها مقروءاته، بما في ذلك عناوين الكتب، وأسماء الكتاب، وأقوالهم، كي تصلح فيه مقولة "المكتبة المتنقلة"، الموسوعية، التي يتلاطم فيها: الديني والدنيوي، بكل مابين هذين الحدين، من فضاءات هائلة. 
ولعل كل ما استطاع بنائه، وهو بناء شخصيته -في الأصل- قد تم على نحو عصامي، كي يبدأ من نفسه، وهو لعمري من أشد أسباب بناء الشخصية، رسوخاً، وتجذراً، عالمه: كتابه، صديقه كتابه، أنيسه كتابه، ظهيره كتابه، منجزه كتابه، عبره يلج بوابات الحياة الاجتماعية، كي يتبعه الكتاب عينه، في جلساته، كمثقف حقيقي، وإن كنا سنلتقط، ونحن على طاولة تشريح حالته، من خلال عين الصديق، أكثر من يجمع بين الانفعالات أو ردات الفعل في أقصى حدودها، وروح التسامح، حيث لكل منهما مجالهما، وفق معاييره الخاصة، ولذلك، فلا نستغرب أن نكون أحياناً أمام نصوص إبراهيمية، أكثر إشكالاً، و أكثر صدامية، وأكثر نزقاً، بل هو قد يتعمد كتابة هكذا نصوص، في استدراجات ثقافية، لمتلقيه، كما سيفعل ذات مرة مع نورالدين ظاظا أو كما فعل معي في مقال امتحاني مثير، من دون أن يخشى مغبة المساجلة، وهو يخوضها، لينفس عبرها، عن رؤاه، بطريقة مختلفة عما هو مألوف، ولا مانع من أن تترك وراءها -عاصفة- من النقود، بما يذكر بالحروب الثقافية التي افتقدناها، في وجهتها المعرفية.   
أن أكتب عن إبراهيم، الجزء الآخر مني، أي أني أمام ثلاثة عقود ونصف، من علاقتي به، حيث ثمة تفاصيل، من الممكن أن تكون محور كتاب، بأجزاء عدة، سيرة، وعطاء،  حيث أني من خلال - شهادتي عنه- أستذكر جزءاً من سيرتي: هواجسي- انكساراتي-ارتباكاتي- خساراتي- جساراتي- نزقي- حزني- فرحي- استفزازي- غضبي- منجزي-إخفاقاتي- مآثري- المآخذ الفعلية علي- مشاريعي المؤجلة - معاناتي مع اللقمة- معاناتي من آلة النظام ومخبريه وأدواته.. وهي مفاصل هائلة، يصلح كل منها أن يكون محور، باعتبار هذا الصديق، يمثل جانباً من حياتي، حتى في أشد لحظات خلافنا التي لا بد منها أيضاً، كامتداد لما بيننا من وشائج قربى الكلمة، بما يجعله، في موقع من يصلح أن أرى في روحه تفاصيل حياتي، على امتداد شريط زمني، هو الأكثر إلفاتاً في سيرتي الشخصية والكتابية. 
ثمة خطأ بليغ، تم، هنا، أعترف، وهو أن الحديث عن إبراهيم قادني إلي، إلى الحديث عني، في معرض الكتابة عنه، على خلاف المطلوب، أو المأمول، في أن أرصد تجربته، وأكتب عن تصادي صورته، فحسب، في مراياي، وهو قد تم - ربما- كما قد يقود الحديث عني إليه، من قبله، أو من قبل سواه، مادمنا "الإبراهيمين" ضمن ما هو مؤتلف، مكاناً واحداً، وبيئة واحدة، وهماً واحداً، ومعاناة واحدة، وقضية واحدة، وأحلاماً واحدة، وإن كانت ستبقى لكل منا: علاماته الفارقة، حيث تتجلى علامات الرجل، من خلال الجهد العملاق الذي بذله في مجال البحث والتأليف والكتابة، كي يستحق لقب المفكر، في زمن عطب التفكير، وببغاوية التفكير. 
 أعرف، أن هناك من لا يوافقني، ولهذا السبب، أو ذاك، حين أقول: "إننا نعيش زمن إبراهيم محمود، كما أننا نعيش زمن سليم بركات، هي "مبالغة..!" "أتركها للتاريخ" وربما يقولها أبعاضنا، الآن، هي "حقيقة" ربما أتجاسر على طرحها، ولعل آخرين يشاركونني في استساغتها. وكمرافعة مسبقة مني، وأنا على عكس إبراهيم لا تبهرني غوايات المغامرات الكتابية - مكتفياً بالحياتي منها- أقول: "من يعرف ما اسم وزير الثقافة في فرنسا في زمن بول إيلوار؟" أو "جاك بريفير"..إلخ، ولن أقول: ليس مهماً حتى اسم من كان رئيس فرنسا في هذه الفترة الزمنية، أو تلك. 
الكتابة عند إبراهيم محمود، جسارة، جسارة على متداول المعنى، جسارة على المتداول الطقسي، في مقارعة التابو، إنها هواء، ورغيف، ووطن، وامرأة، وسلالة، وتاريخ، إنها باختصار: مشروع حياة، لا حياة لديه خارج الكتابة، كما لا كتابة لديه خارج حياته، حياته هو، وهذا لا يعني أني في موقع مرافعة أخرى، عن تفاصيل رؤى الرجل، فهو ما لا أعني، حيث أنه -وعلى ضوء معرفتي العميقة به- يصيب، ويخطأ، ولكنه، ينتمي إلى هؤلاء الذين يستطيعون أن يرتفعوا -حتى بأخطائهم- إلى مساحة الضوء، وكأنه يقول بتحد: "هذا أنا، فاستقرئوني، كما يحلو لكم". إنها جرأة الكاتب، جرأة إبراهيم محمود، الشرسة، الانفعالية، المتوترة، مادامت الكتابة أعظم المسؤوليات، حيث أن بسالة المقاتل، تنتهي، ما لم توثقها الكتابة، ما لم يوثقها الفن، ما لم يوثقها التاريخ، لتخرج عن محدودية زمنها، بينما بسالة الكاتب، تمتلك عناصر ديمومتها: ذاك هو إبراهيم محمود الذي لن ننصفه، وهو بيننا الآن. 
  
  
ضمن ملف المنجز الكتابي للمفكر إبراهيم محمود –بينوسانو العدد29-10-2014
  






أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=5117