ديرك بساتين الزبيب
التاريخ: الجمعة 05 ايلول 2014
الموضوع: القسم الثقافي



صبري رسول
 
رفعَت حبةً بلورية بين إصبعيها قائلة: إنّها تحملُ رائحة الأجداد، وروحُ الأرض نائمةٌ في عروقها، انعكستْ على نضارةِ الحبة وجهُ أختي المدور. وضعتْها بين الأكوام المتناثرة على المفروشة على الحصير الملون شبه المهترئ. 
كانت بساتين العنب تحيطُ خاصرة مدينة ديرك من جهة (كري كرا) وطريق (مامه شور). تنام المدينة صيفاً على أشجار العنب المعرّشة وعناقيد العنب البلورية تبقى معلقة بين الأوراق، تحتفظ بنضارتها حتى تأتي لحظة قطافها، والكثير من تلك العناقيد يبقى دون أن يطالَها القطاف، فتنكمش حباتها على نفسها، فتجفُّ الحياة في عروقها، فتتحوّلُ إلى زبيبٍ طعمه أحلى من العسل وألذّ.


في نهايات الخريف تذهبُ النّساء لقطفِ عناقيد الزبيب، ونشرها تحت شمس أيلول، لتجفّ الحبات الطرية التي حالفها الحظُّ واحتفظت بنشوة الحياة في داخلها. البساتين محاطة بأسوارٍ حجرية مغرورة بروح البازلت، لاترتفع أكثر من مترٍ واحد. ذات مرة رافقتُ أختي إلى البستان، ولم أستطع تخطي أحجار السور، أصبحتُ معلقاً، ناديتُ أختي التي أنّبتني على فعلي، قائلة: تعالَ أيّها الشقي، لا أعرف أيّة امرأة ستتورّط بالزواج منك. هذه المرة الأخيرة ترافقني فيها إلى البستان. 
في زيارتي الأخيرة لديرك مسقط رأسي يوم الأربعاء 3/9/2014 مررتُ بالقرب من المكان، الكتلُ الإسمنتية زحفت مكان البساتين، وفي أطرافها اجتاحت بيوت وطيئة توحي بالبؤس الأصفر. 
المكان هو ذاته، والخريف هذا العام يشبه خريف العقود الماضية، الأمر الذي تغيّر في المكان هو اختفاء بساتين وعرائش العنب، وابتلاع السطوح الإسمنتية المظهر الخيالي لمواطن الزبيب. 
لم أعرفْ طبيعة المشاعر التي انتابتني، أحببْتُ أنْ أغمضَ عينيّ لأحتفظ بالمشاهد الجميلة لبساتين العنب في داخلي، أخذني المخيال إلى ماضٍ بعيد. صغيرتي آسيك أيقظتني من الخيال: بمَ تفكّر يا أبي؟ هل تكلّمُ نفسك؟ قلت لها: لا آسيك، أفكّرُ بزبيب الماضي، إنّه يشبهك بالجمال. 






أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=5085