في الحداثة الشعرية الكردية «فرهاد عجمو نموذجاً»
التاريخ: الجمعة 31 اب 2012
الموضوع: القسم الثقافي



 إبراهيم محمود

كما أن الناس يختلفون طبائعهم وميولهم، ربما هكذا تكون توجهاتهم وألوان تذوقهم للحياة، ربما هكذا تكون استشرافاتهم على ما هو حياتي، باعتبارها عصية على الحصر أو التسميات، لتكون الاختلافات من جنس الموضوع، حيث إن أي متحدث عن الحياة، يسمّيها باعتبارها حياة، ليكون كالآخرين، ولكنه في تسميته يمنحها حضوراً مستساغاً معيناً اعتماداً على كشف معين لها.
في بنية الحداثة تتشابك الأصوات بقدر ما تتسابق حول شرف الاسم، وكلٌّ يدعي أنه أوتي المعنى المنشود، وهذا يهبه قيمة استمرارية في الحياة، وشعوراً بنشوة روحية،


 ولكن ذلك ما يتراءى موضوعَ رهان، حيث الآخرون هم حاضرون، كما لو أن الحداثة تمنح كلاً منهم فرصته لأن يقول ما لديه، أو يطلق العنان لخيالاته وزخمها أو تنوع إيقاعاتها، ويدوّن ما يعتبره إبداعاً خاصاً، سرعان ما يبرز أداة اختبار أو تقويم لذات الشخص، وهي اللحظة التي يتحرر الأثر من سلطة القائل، ليكون القارئ والزمن واختلاف الأمكنة في موقع المحك.

تكون الحداثة حيث يكون البشر، الأمم والجماعات، التحديات القائمة، والمحرّضات على إيجاد الفرص التي تستبقي الحياة، أو تضفي عليها جديداً، وبالتالي، فإن الحداثة هي البعد الحيوي والذي يؤكد حضوره فينا بصيغ شتى، إنها القاسم المشترك الأكبر لهذا الذي يتداوله الناس فيما بينهم، لهذا الإرث الذي يسمّي شعوباً وأفراداً، من خلال أولئك الذين يكونون مستعدين لها، حيث يستحيل وجود بشر دون تواجد أطياف، أو أصداء أصوات من هذه المسماة بالحداثة.
هذه الجمهرة من أسماء الحداثة، تبقي أي مبدع في حالة من التفاعل مع الحياة، دون أن تفقده الأمل بالانقطاع عن الحياة أو فرصة ذيوع الصيت من خلال جانب إبداعي ما، يُهلَّل له هنا وهناك، حيث يغيب القائل أو صاحبه، لنكون في سياق مسيرة حداثة وقد انفصلت عنه.
في حال الشاعر فرهاد عجمو، شبه المخضرم، يبدو" ولا أقول أكثر من ذلك، انطلاقاً من ذاتية التذوق الشعرية هنا، وبغية إبقاء باب الولوج إلى عالم المعطى الشعري مفتوحاً لسواي، يبدو أنه ترك سجلاً وثائقياً له في حاضرة الحداثة أو حِماها، إنه السجل الذي لم يغَلق محضره بعد، طالما أنه حتى الآن موعود بهذا المأخوذ به ويشغله في أثريات غوايات لا تنقطع: الشعر.
لا يكف عجمو فيما يقوله أو يريد قوله في نصوصه الشعرية عن اعتبار المتقدَّم حقل اختبار له، لروحه، وروحه هي سليلة واقعها بالمعنى الواسع للكلمة، أعني واقعها الكردي، وما هو متداخل معه، حيث الصوت الشعري لا يخفي مهمازه الذي يصله بما يقرأ بلغات أخرى: العربية خاصة.
إنما الأهم مما هو ممكن قوله، هو أن ذائقة عجمو للشعر تنسّبه إلى ما هو سالف، إلى سلافة يسهل تلفظها بالجدودية، وبوضوح جلي، هي ذاتها التي تحرّضه على التقدم إلى الأمام، لتقوم بتقديمه إلى ما هو مستقبلي، وفي الوسط يتوحد الوجهان، بعيداً عن مفهومه الحسابي بالتأكيد.
لا بل يمكن القول، وربما من خلال معرفة شخصية، أن ثمة أصولية لافتة لدى عجمو فيما يطرحه في خانة المفردة الشعرية، أصولية لا أظنها تؤذي أحداً، بقدر ما تؤسس بالمعنى الأدبي أو الجمالي لـ" قاعدتها" البيانية المتخيلة، وهي شعرية أولاً وأخيراً، استناداً إلى الموقف من الثقافة الكردية، وما يمكن أن يوفره له الفولكلور الكردي في مجمله، وما يكونه التاريخ الكردي المحمول طي الروح غالباً، من قيم تتابع ٍ، لتبقي النظر أكثر معاينة لما هو مستجد، وربما بطريقة تعبيرية تكاد تقرُب من لغة الواقع أحياناً، كما هي الأمثلة التي استطعت تقديمها، وما عانيته، وفق المستطاع، في الترجمة، وأنا أراعي المغايرة في الحالتين، ولتكون الحداثة التي يروَّج لها، أو ما هو مطروح للتداول في نصها العربي" حيث نكون معنيين به كثيراً عبر لغتها: لغة الحداثة هنا"، حداثة تفيض بتلك الروح الباحثة عن موطئ قدم لها، لتكون مقروءة أكثر.
ربما أبيح لنفسي القول أكثر من ذلك، بزعم أن ثمة قلقاً وجودياً، أقرب إلى التصوف المنكر لإلهه تماماً، وهو يتوق إلى وجود لم يتسنَّ له الحضور الفعلي، حيث التصوف ارتباط بقوة متعالية: إلهية في المقام الأول، ولكن الإله المسمى هنا لا يندرج في إطار المعبود المتوارث أو التقليدي أو الأهلي أو المتعارف عليه، لأن ثمة انجراحاً مدمَّى في الذاكرة الجمعية كردية الطابع واقعاً ومصيراً، وعلى أكثر من صعيد، يكون الحائل دون الطواف حول مقام يعنيه.
والحداثة التي استوقفتني في عجمو الشاعر، حداثة تتوخى سهولة التدفق، وانسيابية الهوى، مع وصف لا ينفك يصدم، من خلال الإيقاع القريب مما هو كلاسيكي: القافية، بغية إيصال الأثر أكثر إلى قارئه، وهو" أي قارئه" يصدم بما هو مودع داخله، كرؤية يومية للجاري كردياً.
لقد كتبت عنه قبل سنوات بالكردية والعربية، أعني في شعره وما يبقيه المأهول بهذا الذي لا يظهر عليه أنه مفارقه، كتعبير أوفى وأكثر إيلاماً في الآن عينه عن العالم الذي يعنيه: الشعر، رغم سهولة تعيين الأزمنة المتفاوتة الفاصلة بين كتابة قصيدة وأخرى، إن انطلقنا من تاريخ نشرها، وما يكتبه شعراً دون نشر يظل طي الكتمان طبعاً، وهو التفاوت الذي يفسَّر ويؤوَّل من خلال مستجدات الحالة النفسية، وأشكال تنفس الواقع الضمني، إذ إن كل قصيدة تمثّل صدى لموجة نهرية، إيذاناً بأن ثمة جرياناً لحياة ما، أن وسطاً يسمى في الجوار، أن ضفافاً حياتية حيث يتواجد هذا" النهر" تُمس أو تلامس، وتتروى وفق تدفق شعري معين.
إن انحساراً في المجرى المائي، أو علو منسوب، أو تغير لون، أو تحول مشهد، يشير إلى هذا الذي يستجد في الروح المتعلقة بما هو شعري، إن لأحوال الذات، ما يشبه المواسم النهرية، ما يشبه مغذياتها المائية، وتحولات المناخ، وحالات الطوارئ البيئية، ومباغتات الطبيعة، وحتى بالنسبة لوضع أي كائن حي، باعتبار الشعر أكثر من كونه لسان حال ذات فردية في المحصّلة.
في قراءة عجمو، يمكن استحضار شعراء آخرين في سردهم الأدبي: الشعري، اليومي، الحدثي، الوصفي، الحكائي أحياناً، وشغفهم بالمختلف دون نسيان صلته بما هو جار ٍ، ولكن الباقي هو عجمو نفسه، لمن أمكنه أو يمكنه التوقف عند نصوص مختلفة له وعبر عقود زمنية.
شعر لحظي، شعر يومي، شعر دوري، شعر فصلي، شعر متقطع في ترتيبه الزمني، شعر لا يؤخَذ به كعلامة فارقة، وقطعية، عما يعتمل في النفس من مشاعر أو أحاسيس أو تردد رؤى، وكشاهد عيان على الجاري، إنما هو تابع لهذا العالم الذي يتبع قانون تواجده الخاص، حتى بالنسبة للشاعر بالذات، وهو يقف أحياناً مفارقاً لما يستشعر، وتنتابه حالة شعرية بين الحين والآخر كما لو أنه وسيط ليس أكثر، فتتداخل وجوه المعنى ومقاماته كما هي متحولات الحداثة!
ليس المدوَّن هنا مديحاً لما  تفتحت عنه قريحته، وإن تشكَّل خاطر ما على هذا المنوال، إنما هو سعي إلى إمكان رفع الستار أكثر عما نشره من دواوين شعرية، والحامل الجمالي بينها، وفي هذا التقديم الموضوعي كما أعتقد، ثمة دعوة إلى تبين هذا المختلف، والاشتغال على جملة العلاقات الفنية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي تلهم الشاعر أو تستحوذ على لبه.
بين القصيدة الطويلة، ومتوترات القصيدة القصيرة، تتنوع مسافات الرؤية، أو" الحكي" الشعري، كما تتنوع حالات الشاعر النفسية، وتختلف تكويناته، ووجوهه ومراياه، وكأن كل قصيدة تسمّي في شاعرها ما أغفل عنه بالنسبة لخاصية الزمان والمكان وحدث القصيدة، وكأن أن كل قصيدة ترمي بظلالها على قائلها بشكل مختلف، استجابة لرغبة الشاعر وهواه الذاتيين.
أي حداثة يمكن تسميتها، كيف فعّلت اسمها، وتجاوزت محليتها أو إطارها المنزلي، وباتت حداثية، وهي محل أخذ ورد، يتقاسمها السلب والإيجاب، وتتفاوت رؤى قرائها؟؟؟؟؟!
هذا متروك لمن يهمه أمر الحداثة، وما تعنيه صفة" الكردية" في الحداثة، وما هو منتظر من هذه المسماة بـ" الحداثة" كردياً، وما هو محقق ولم يتحقق وهو مرجو أيضاً منها، شعرياً طبعاً، وما هو منشور من نصوص شعرية مختلفة، انشغال مختلف بهذا القلق الإبداعي التليد...
مختارات من ديوان" حبك"

ثلاثة وعشرون عاماً

أمضيت ثلاثة وعشرين عاماً
على طريق الحب
ثلاثة وعشرون عاماً
مثل الرحّالة...
أمضيتها، تحت أعباء
ثلاث وعشرون جمرة
في البرد
طي الأصابع السمراء والناعمة
ثلاث وعشرون جمرة
أحلتُها خوفاً إلى رماد
ثلاث وعشرون وردة
سرقتها من حديقة القلب
القلب عبر التمني
استحال زنزانة باردة ومعتمة
ثلاثة وعشرون عاماً
صارت مسبحة
طوع أصابعك الثملة
تلك المسبحة أيضاً
ضيَّعتها بلامبالاة
للقلب المعنَّى والمبهدل
ثلاثة وعشرين وجعاً
مثل حزمة
 جراحات حمراء
جعلتها هدية
على شاهدة قبرك
سأكتب بالزهور
فليكن مبروكاً
عليك هذا القبر
فليكن مبروكاً كفنك
فليكن مبروكاً ألف مرة.
" ص21-22"

======
عروسة الكرد

أي ورد أهديه
لأجل عروسة البساتين
كم يليق بها أن أفتديها
كرمى عش الأوجاع والآلام
العروس لا تزيَّن بالورد
وسط ضباب الشتاءات
آلاف الورود لا تضيء
تلك العتمات في الزنازين
لو أنهم جلبوا من الهند
من أجلها حليب الأسود
أو أنزِل القمر من السماء
من وسط حديقة النجوم
باليدين هاتين من قلب البحار
أخرج الفضة والذهب
فإن العروس المهمومة لا تغتبط
بعيداً عن الأسود وأشباه الأسود

لست خاني، حتى أنظم
بحبها عقداً
ومن حوالي أمواج بحر وان
أفرش بساط الورد
ولو رغبت فإنني سأضع أمامها
تيجان الأباطرة
في الحديقة، العروس وردة حمراء
كرمى لها أنا ماء وتراب

يهبط الزاب وهيزل إلى الأسفل
من ينابيع الوجع والألم
في الأطراف، الورود الحمراء
وسط دماء أصحاب الشهامة والجود
شقوا أمواج الدماء بجدارة
من حول العروس مِزق الستارة
تحت ظلال رايات الآمال
راقدة عروس الكرد
" ص 41-42"
=======

مختارات من ديوان" الصرخة الأولى"

الحب

وحده الحب
يستطيع إرجاع العشاق المسافرين
إلى بعضهم بعضاً
و
إلزام سحب الحقد
على مغادرة سماء المحبة.
" ص 9 "

=======

الحياة

عندما الحياة تولينا ظهرها
تشق انتفاضة الآلام والأوجاع
كفنها
وتكسّر شاهداتها.
"ص 13"
=======
بوابة الحرية

بعد أن حفِر محل يدي
في بوابة الحرية
فتحت الوحدة نافذتها
و...قالت:
ألم أقل منذ فجر التاريخ
من أجلك
بداية اطرقْ بابي.
" ص 14 "

==========

صراع الديكة

مع الفجر
بدأت تتعالى أصوات ديكة العالم
لكن..
ديكتنا المعفرين والهوائيين
يعنعنون على جراحاتهم.
"ص 15"
=======

الأسلاك المتصالبة

الأسلاك الشائكة
تحمي حدود أوطان العالم
لكنها
تصالبت
وقسَّمت قلبي أربعة أجزاء.
"ص 16 "

===========

الظل

صباحاً
تعجَّب من طوله
ظهراً.. استحال ظله على طوله
ثعباناً ملتفَّاً.
"ص 21"

=========

المثقل بالديون

علَّمتها كل شيء
لكنها
عندما علمتني الحب
صرت مثقلاً بالديون.
"ص 28 "
=====

المقبرة
بعد اصفرار أوراق شجرة الحياة
على النعش
على باب المقبرة
التقينا أنا
وقافلة الآمال.
"ص 30 "
=====

الدود

في غابة الحياة
لم أجد أي شجرة دون دود
ما عدا
شجرة الحب.
"ص 32 "

========

العالم

دمي
وصرخات الشمس
والأناشيد الحماسية للربيع
اشتاقت إلى صفحات الثلج.
"ص 33 "

=======

العاشقة

قبلك ِ
كنت أكذب عليهم
وهم كانوا يصدّقونني
بعدك
كنت أفرش الحقيقة أمامهم
لكن لا أحد منهم
كان يفتح لي بوابة أذنه.
"ص 36 "
=======

السيل

سيول الزمن
امتصَّت كل شيء
وجرفتها معها
لكنها لم تقتلع
نبتة واحدة
من زهور حبك
من حديقة قلبي.
" ص37 "
========

مائة قلب

لو أن الله
منحني مائة قلب
سأحيل دون تردد
المائة قلب
هدية لأجلك .
"ص40 "

======

للأسف

أنت والفاتيكان على خطأ
فالشمس والكرة الأرضية والقمر
كلها تطوف
حول حذاء شهيد
وتطوف.
"ص 48 "
======

حتى

حتى تظل أصابع أيدينا متصالحة
فإن أوتار طنبورنا لن تنقطع
حتى تظل أوتار طنبورنا
عصية على القطع
ستبقى أعراسنا قائمة
لن تضيع أغانينا
حتى تبقى أغانينا محفوظة
ستظل لغتنا حية
حتى تبقى لغتنا حية
سنبقى
حتى نبقى
يجب أن تكون أصابع أيدينا متصالحة.
" ص50 "

========

نجوم الحب

لو أن الجبال
تزحزحت من على
صدر الكرة الأرضية
لو أن الرضَّع
هربوا من أثداء أمهاتهم
لو أن الآمال المباركة
نامت
أسيانة
على بوابات الآلهة
لو انفجرت براكين الرحمة
في قلوب الذئاب
لو رقدت
ديدان الهياج
بين مخالب الأسود وأنيابها
لو تحرر كلياً
متطرفو العالم الدينيون
من أديانهم
لو اجتمع
مصاصو الدماء
والمجرمون السفاحون
أمام خرائب الأديرة والجوامع والمساجد
في انتظار صور اسرافيل
ربما حينها
تخرج نجوم حبك
من سماء اعتقادي..
" ص 54- 55 "

=======


مختارات من ديوان" الأوراق البيضاء"




فقاقيع الربيع

بعد أن تطفو على الماء
فقاقيع الربيع
دون مساواة البشر
لا تصدق
وتفقع مباشرة.
" ص 10 "
==========
الأوراق البيضاء

بعد
 أن أخرجوا الأوراق البيضاء
 من جيبي
قالوا لي:
لو لم تكن أوراق بيضاء
لكانت خطيئتك
أخف..!؟ .
" ص 13 "
=====

الكرد

لولا استعباد الكرد
لكان الشرق الأوسط
مهد الأحلام.
" ص17"
=========
أحاول المستحيل

أحاول المستحيل
أوتار طنبوري
لا تتدوزن
أحاول المستحيل
الدساتين الخاطئة
لا تزاح عن أماكنها
والموسيقيون
لا يهتدون إلى فرس الأوتار
كيف لي أن أقول نشيد الحرية؟
أضف إلى ذلك
أن الدمامل التي تغطي رؤوس الأنامل
لا تنفجر....!!!
"ص 22 "
=========

الحيطان

الحيطان لها آذان
والحيطان بدورها ليست جديدة
الحائط الشمالي
الحائط الجنوبي
الحائط الشرقي
الحائط الغربي
قس ذلك من أسفل الدار
حتى سطح الدار
كلها لها آذان
والحيطان بدورها ليست جديدة.
" ص 36 "
========

الجواهري

مرة أخرى
دولاب الزمن
مع أنات الشعراء
ها قد دار
مرة أخرى
الآمال المعذَّبة
تطرق الأبواب القديمة
تصرخ، تستغيث
لكن للأسف، الداخل بارد
لا أحد على الباب

أين هي نزهة الأحلام الملونة؟
أين هي أعراس الألحان الحزينة؟
أين ذاك النور؟
أين تلك الشمعة؟
ترى لماذا..؟
بعيداً عن النبع، الآلام والهموم
في العتمة، بعيداً عن دجلة
انطفأت الشمعة.......!؟

تُرى لماذا
القلم البائس
فاقد وعيه
على الورق الجلي والمتروك
في حضن رعشات
موشكة على البكاء

من رأى ؟
شاعراً
شريداً سبعين عاماً
ولم يصبح مرة واحدة
ذيلاً لصاحب سلطان؟
من رأى ؟
شاعراً يكتب قصائد سبعين عاماً
برجولة، من أجساد ِ
كلمات ميتة

كم ألفاً من الكلمات ألِفتها
كم ألفاً من الأبيات الشعرية رعيتها
القلم اللاذع خجل منك
الكلمات والقصائد
مستسلمة اليوم نلك
عصافير مقصوصة أجنحتها

أسفاً أسفاً مراراً
قافلتك طي سحابة الصمت
ها قد مضت مثل البرق
تأوهات بائسة
آمال جرداء
أحلام مسكينة
وسط حشود جنازتك
جموعاً جموعاً

ها هي خمسون عاماً
غطَّيت تلك الغرَّة
باسم كردستان
ها هي خمسون عاماً
أحَلت مطلب شعب أقسام أربعة
في العالم إلى علَم
محمول على الرأس

أنا لا أنسى عندما قلت:
شعب دعائمه الجماجم والدم
تتحطم الدنيا ولا يتحطم
ولا يتحطم. " ص 39-41 "
=====

بروين " مقطع، من قصيدة باسم بروين أخت الشاعر الراحلة في 14-8/1997"

بروين
نظرتك الأخيرة تلك
استحالت سهماً
استحالت ألماً
استحالت وجعاً
لا تخرج أبداً
من ذاكرتي، من قلبي
من وعيي..
عندما كنت تقولين:
أخي، أخي أخي
أنا خائفة من هذا الفأل
أنا خائفة من هذه السنة
أنا خائفة
من هذا الداء، من هذه الحمّى
الداء الذي أصابني داء خطير
خطير خطير
إنه السرطان، لا برء منه
داء لا مهرب منه
ظهور" نوجدار" فأل سيء لي
عندما كنت تقولين:
أنا خائفة
" لافوكـ:ـتي" عندما تقول يوماً:
أين هي ماما، أين ما الماما..؟
ستقول لها:
ذهبت ماما إلى مدينة الشام
لكنها ستقول :
أي نعم، يا خال..
سنوات عديدة مرت، أتراها لن تعود..!؟
لم يكن الأمر في يدها
سأقول الحقيقة:
"لافوكـ:ـتي":
الجرح غائر
ماما بعيدة
لقد غادرت الدنيا في 14-8/1997
آآآه بروين...
 "ص48-49 "
=====

دولار

على صدرك منقوش
" نحن نؤمن بالله"
لكن الإيمان كله
إزاءك
ينهار

أنت ترجّل الفرسان
لكن المترجلين بفضلك
يصبحون فرساناً

خضرتك
أحالت الكثير من البساتين
وجِنان الجنة
إلى أراض جرداء

عندما تهبط
إلى أسفل الجيوب
يغدو الكثير من
الأصدقاء والأصحاب
أعداء

بأمر من الله
تشرق الشمس
يحل الصباح
لكن بأمر منك
تغيب الشمس

تُرى بدونك
كيف كان العالم يظهر
من كان سينظف
كل هذه القذارات والوساخات؟

عندما تتساندان
أنت والأنوثة
أمام ظل زجاجة ويسكي
العالم يصرخ كلياً
وسط مصيدتكما
يستغيث...

من سواك
يستطيع رعاية الرجال؟
من يستطيع تربية الأسود؟
ويستطيع إجبار النمر
على الانحناء أمام الثعالب المسكينة
مقوس الظهر...؟

وحدك
من يستطيع
الدفع بالذئب إلى النوم
بين الحمَل والجدي

ولكن ولا مرة من المرات
لن تستطيع
أن تبني جداراً
بين أمواج الحب
والقلوب العاشقة...
"  ص66-68 "
=========

الحقيقة

ما عدا كل الأيام
اليوم فقط أبصر نفسي
بيضة في العراء
بلا صاحب، بلا حبيب
بلا مأوى
لا بشرى من العاشقة
هأنذا أقيس
لفَّات القماش، كبائع الأقمشة
بالأصابع والأشبار
لماذا كل شيء اليوم
بالنسبة لي
أسود وأصفر
أين هي وعود الطبيعة..

لا أنا حي، ولا ميْت
أنا عابر سبيل
ما بين هنا وهناك
روحي إزاء الكلمة
مهاجر
الحقيقة موطوءة تحت الحجر
الطريق الصحيح، رمح مستقيم
لا يدور
من الممضي، من النار
إنها منذ فجر التاريخ
حيث الحقيقة العارية
ترمي بصاحبها
إلى طريق العاصي

لكم هي الحقيقة تسرُّني
إنما للبعض مرة كالعلقم
لو أنني غير صادق مع نفسي
فإنه لمعيب ذات يوم
وأنا أنتقد الخصم
في حديقتي
لا يحل أي ربيع ضيفاً
مهما كان بذار الكذب كثيفاً
فإنه لا ينبت
يبقى الحقل في كامله أجرد

خلف الغيوم، تكون الحقيقة
بائسة ومعيوبة
ما بقي اليوم هو المجهول
واضح بجلاء، أن الحقيقة تقضي عمرها
بحياة رحّالة
بأكاذيب مزيَّنة
حتى النهاية
لا يبقى أحد أفندي
الكلمة الصادقة، تأخذ بصاحبها
بعد الحياة
إلى طريق الحاضر الأبدي

الحقيقة حياة، الحياة جرح
دمع ودم
الصراخ والاستغاثة، بقيا حبيسين
ثمة من يريد أن يضيّع
صوت الحقيقة
وسط الأكاذيب بقوة
في هذه الحياة، الحقيقة حياة
تليدة جداً
تخبَّأ بقساوة
الحقيقة ما هي؟ أين هي؟
إنها دون متبنٍّ لها
اليوم هي خبيئة..
" ص97-100 "


============







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=4156