أحد الملاعين
التاريخ: الجمعة 03 ايلول 2010
الموضوع: القسم الثقافي



ويا ليت شعري كم ذاق بنو جلدتي من حنظل هذا السقام عندما ابتعد أغلب قادته عن ضوابط الدين وقيود العرف والعادة، وبات الكذب السلاح الأقوى لميدانهم السياسي !!
حديث الجمعة (15)
الدكتور علاء الدين جنكو

في إحدى السنوات وتحديداً في شهر رمضان المبارك وأثناء تلاوتي القرأن الكريم كنت أحصر الأصناف التي لعنها الله تعالى.
كانت النتيجة أن سبعة أصناف ورد ذكرهم في قائمة من لُعِن في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل بين يديه ولا من خلفه، ولست هنا في معرض أثبات صدق القرأن فالمشككون ومع كل أسف لا يرتقون الى مستوى المناقشة في هذه المسألة .


لا سيما وأن أخلاقيات الحوار لدى أكثرهم قائمة على منهج السب والشتم، وبكل صراحة أعلن عجزي في الحوار مع هؤلاء، وأجزم أنهم لا يجاريهم إلا من يتحلون بصفاتهم .
ثم إن صدق القرأن وإثبات مصدره الإلهي أمر خارج عن نطاق الجدل البشري عند من يؤمن بدين الإسلام وهذا ما يهمني بالدرجة الأولى .
فمهمتي هي التذكير لاني لست قاضياً على رقاب الناس !! ويكفني تنبيه من يؤمن، أما الكافر فله فضاؤه الذي يسبح فيه، وأدعو الله تعالى القدير أن يهديهم إلى طريق الرشاد وأن يلهمنا جميعاً الإخلاص في القول والعمل ...
أعود إلى قائمة الملاعين السبعة ـــ أعاذنا لله منها ـــ وسأذكر الصنف الذي سأتناوله في هذه المقالة، أما الأصناف الأخرى أتركها لمن أراد تلاوة القرأن، فما زلنا نعيش أيام هذا الشهر الفضيل، وليس صعباً تتبع الأصناف الستة الباقية !!
الكاذب والكذَّاب، نعم هو أحد الملاعين السبعة، ويستحق هذا الدرك المظلم بامتياز لأنه السوسة المدمرة للمجتمعات العامرة .
الكذب صفة سلبية عند من يحمل عقلاً سلمياً، ولا يبيحه إلا من يبرر الأمور والأحداث لصالحه، ويكون ذا وجهين، ومزدوج المعايير !!
ومع خطورة مكانة الكاذب في العقيدة الإسلامية تجد أن الكذب مستشر في المجتمعات الإسلامية لدرجة تحولها إلى ظاهرة خطيرة .
الكثيرة يتعجب من التناقض الموجود بين صفاء ونقاء وحسن المبادئ الإسلامية وبين سلوكيات المسلمين في واقعهم المزري !!
ولو دخلنا إلى عمق المشكلة وتوقفنا عند أسباب الكذب سنجد أن السبب الرئيس وراء لجوء الإنسان إليه هو الخوف وعدم الأمان من الجهة المكذوب عليها.
فالأب الذي يكذب على ولده لا يريده أن يتعرف على حقيقة أو صفة سيئة فيه قد تكون أثارها السلبية على الولد مدمرة .
والأبن يكذب على والديه حتى ينجو من عقاب محتمل على تصرف غير مقبول عند والديه ..
وكذالك الطالب خوفاً من عقاب معلمه، والزوجة تكذب على زوجها خوفاً من مقاطعة وعقاب من عيار ثقيل .
والزوج يكذب على زوجته خوفاً من كشف عيوب قد تكون سبباً في دمار أسرته !!
وكذلك الموظف من رئيسه في العمل خوفاً من إيذائه، قد يصل الحال إلى فقدان وظيفته !!
ومن أسباب الكذب أيضاً الطمع والشجع، والمتورط بالكذب لهذا السبب يكون أسوأ الناس؛ لأنه فاقد لإنسانيته بالتلذذ في إيذاء الناس وإلحاق الضرر بهم .
والمصيبة أن تر أصحاب المهن الإنسانية الراقية يهبطون إلى هذه المستويات، فالمعلم صاحب أعظم رسالة بشرية؛ لأن مهمته هي بناء الأجيال وتربيتهم، يكون كذَّاباً إذا ما قصَّر في تدريسه بادعاء طول المنهاج وقصر الوقت وكثرة الطلاب؛ ليجرهم إلى طاولات الدروس الخصوصية .
والمحامي الذي يحول المجرم إلى ضحية زوراً وبهتاناً، يلفق ويحيك الأكاذيب من أجل كسب قضية غير آبه بمصيرالطرف البريء !!
وكذلك الطبيب الذي تقع أرواح البشر بين يديه، فكم من مسكين ليس بحاجة إلا لحبة (ستيامول) لصداع خفيف في رأسه خرج من العيادة، يطلب منه الطبيب التحاليل والتصوير من عيادات – بعينها – أُسَمِّيها من غير إحراج عصابات الأمر الواقع؛ لأن المريض لو باع كل ما عنده لن يخرج من العيادة مهما طلب منه الطبيب من مال !!
وأكرر كما في مقالاتي السابقة أن هذه الحالات وإن كانت نادرة إلا أنها تسيء إلى سمعة هذه المهن الشريفة، وتقضي على كل المواقف الرائعة من أصحاب تلك المهن.
فكثير من المعلمين قدَّموا المساعدات لطلابهم الفقراء، الذين لا يملكون شيئاً، وكذلك المحامون الشرفاء وما أكثرهم، وهكذا الأطباء الأفذاذ، ومن حفت الرحمة قلوبهم .
وما أكثر الموظفين المخلصين الذين أصبحوا نجوماً لامعة في مجتمعاتهم يشع منهم الوفاء في العمل .
لقد شدد الإسلام على الكذب والكذَّاب، حتى دخلا في قائمة الملاعين السبعة الذين    ورد ذكرهم في القرأن الكريم يقول تعالى : ((آلا لعنة الله على الكاذبين)) .
كما وردت أحاديث كثيرة تشنع الكذب وتحذر الناس منها ومن مخاطرها وأثارها على المجتمع وتبين مصير الكاذبين منها :
-         قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر اليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم  شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر { .
-         ما أخرجه الشيخان من حديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: } وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار ومايزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا { .
-         وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الكذب لا يتفق مع الإيمان، وذلك فيما أخرجه الإمام مالك من حديث صفوان بن سليم رضي الله عنه قال: قلنا : يارسول الله أيكون المؤمن جبانا ؟ قال: نعم ، قيل له : أيكون بخيلا ؟ قال : نعم ، قيل : أيكون المؤمن كذابا ؟ قال : لا.
-         قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : } كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك به بمصدق وأنت له به كاذب { .
-         قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :}  يطبع المؤمن على كل شيء إلا الخيانة والكذب { .
ولمعالجة ظاهرة الكذب لابد من القضاء على أسبابها، وإذا علمنا بما مر أن الخوف من أهم أسباب الكذب .
فالإنسان لابد أن يشعر بالأمن حتى في حالة نيله للعقوبة، وتوفير الأمان هي مسؤولية كل من له سلطة على الآخرين، ابتداءاً من رئاسة الدول وانتهاءاً بمسؤولية الأب عن ابنه .
وفي هذه السياق أقول : إن من شعر بإنسانيته وأخذ الأمان عليها سيكون صادقاً في تصرفاته حتى لو كان أشد الناس كفراً بالله تعالى !!
ومن فقد الأمان من المحتمل أن يلجأ للكذب بصورة أكبر وأكثر كوسيلة حماية لنفسه ومستقبله حتى لو كان أكثر الناس عبادة لله تعالى !! وربما يجيز الإنسان الكذب لنفسه وأنه من المباحات له في هذه الأحوال !!
ولعل الكذب الذي لا مقياس لخطورته وشناعته تلك الصادرة ممن يلعبون بمصائر الشعوب من مسؤولين وقادة ورؤساء للتنظيمات والأحزاب ، وخاصة إذا ما كانت شعوبهم تئن تحت وطأة الظلم، وقد صح ما ورد من مقولة بأن : الرائد لا يكذب أهله .
ويا ليت شعري كم ذاق بنو جلدتي من حنظل هذا السقام عندما ابتعد أغلب قادته عن ضوابط الدين وقيود العرف والعادة، وبات الكذب السلاح الأقوى لميدانه السياسي !!






أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=3141