الــــذهب المدفــــــون حديث الجمعة ( 10 )
التاريخ: السبت 29 ايار 2010
الموضوع: القسم الثقافي



د. علاء الدين عبد الرزاق جنكو

بداية أعتذر أني تأخرت في موضوعي هذا أسبوعاً لأني وعدت سابقاً بأن مقالتي التي ستعقب مقالة (أخواتي قليلاً من الحشمة) ستكون موجهة إلى الشباب إلا أني رأيت أن طلابنا الأعزاء كانوا أولى بمن يهمس في أذانهم في وقت هم بأمس الحاجة إلى المساندة.
الشباب بناة الأمم وأملها ونبض المجتمعات ومؤسسوا حضاراتها ، بدونهم تفقد الحياة نشاطها، كما تستقبل الأشجار الغناء خريفاً شاحباً يتساقط منها الخير وترحل عنه السعادة .
شباب اليوم ليس كالأمس !!
رحم لله الأزمنة الغابرة  !!
جيل لا يهمه سوى الهاتف المحمول من غير رصيد !!


عبارات أتشاءم منها وأرفضها، لأني أرى فيها تجنياً على الشباب، من خلال هذه المقولات السوداء، فالشباب هم الثروة وهم الذين يمثلون الحياة النابضة مهما تداولت الأيام والدول ...
نعم لكل زمان رجالها، ولكل وقت شبابه، ولكل مجتمع ظروفه ، لكن على الرغم من ذلك قد يتراكم الغبار على الذهب الخالص، وقد يغوص في مستنقعات الوساخة.
حينها لا بد لمن أراد الوصول إليه أن ينفض عنه ذلك الغبار وأن ينتشله من أعماق المستنقعات، ويغسله بماء الأخلاق ويحفظه مع غيره من المجوهرات.
إن أسوأ ما يعانيه شبابنا هو فقدانهم لمعرفة ذواتهم المدفونة والغائبة عن أذهانهم.
فمن فقد الثقة بنفسه أوقعها في ظلمات اليأس، وجعل المبررات والشكاوى أسلوباً يستخدمه حيال كل أمر يواجهه.
ومن عرف قيمة نفسه أولاها اهتماماً بالغاً وصنع لها سلالم الصعود إلى مراقي النجاح بطموحات عالية لا مثيل لها.
ولمعرفة الذات والسير على طريق النجاح لا بد للشاب أن يقف مع نفسه ليراجع محطات حياته ويتساءل عن مدى رضاه لما مضى من حياته .
والملاحظ أن الكثير من الشباب يضعون أنفسهم في خانة مَنْ فَشِلَ في تحقيق أي نجاح.
وعلى الرغم أن ذلك التصور ليس صحيحاً، فليس هناك على وجه هذه المعمورة من ليس له نجاح مهما كان صغيراً ، لابد أن يراجع الشباب النقاط التي يظنون بأنها عوائق في طريق تحقيق النجاح المنشود .
وقبل أن أذكر مجموعة من الملاحظات التي يجب على كل من قرر محاسبة نفسه الوقوف عليها ، أبين أحوال الشباب في أيامنا هذه، حيث لا تخلو أن تكون إحدى حالات ثلاث :
الأولى : شباب في قمة الطيبة ولكنهم يعيشون حياة لا انضباط فيها لذا لا يشعرون بأي نوع من المسؤولية سواء تجاه أنفسهم أو عوائلهم أو مجتمعاتهم ، كما يغلب عليهم طابع اللامبالاة وعدم الاهتمام، كما لا يظهر فارق الإنجاز في حياته يوم أن كانوا في العاشرة من أعمارهم إلى أن أصبحوا في العشرين منه !!
فيكفيهم أن يعيشوا ويأكلوا ويشربوا ويناموا ويدخنوا ويسهروا !!
الثانية : شباب في غاية الشعور بالمسؤولية ترى الشيب قد غزا الشعر في رؤوسهم ولحاهم هماً وغماً لما يشعرون به من مسؤوليات تجاه الغير !!
لكنهم غارقون في بحر اليأس ونائمون في قساوة ظلمات البؤس والشقاء ، لا يصدقون أن يوماً قد مضى وكأنهم في سباق مع الأيام حتى يرحلوا عن هذه الدنيا ويرتاحوا !!
الثالثة : وشباب غرَّهم مظاهر الحياة فغلَّفوا طاقاتهم الإبداعية بتصرفات صبيانية ، واستبدلوا أهدافهم وأحلامهم المستقبلية بحركات بهلوانية بالونية يغلب عليها كبر الحجم وفراغ الداخل !!
وهؤلاء الذين لجأوا إلى قشور المظاهر المادية ليسدوا بها النقص الحاصل في ثقتهم بأنفسهم . فالجاهل والفقير والمعاند والمتكبر وكل من يحمل صفة من هذه أو غيرها يحاول جاهداً أن يعوِّض جوانب النقص بالكلام المعسول الفارغ مضموناً أو ادعاء الغنى زوراً أو حمل هاتفاً بسعر غال حتى لو بدون رصيد !!
إنها حالات لا تجلب لصاحبها سوى خيبة الأمل وتزيد من تراكم الغبار على ذهبه المدفون في داخله .
ومن أجل التغلب عليها لابد من الوقوف عند النقاط التالية :
1 – الاعتراف بالموقف الخطأ على ماهيته وحقيقته ، فالخطوة الأولى للانتصار على الفشل وإخراج الذهب من بين ركام اليأس هو تحديد الإنسان لجوهره الحقيقي ألا وهو اعترافه بخطئه من ناحية، وأنه قادر على تجاوزه من ناحية أخرى ، فالفشل ليس له طابعاً دائماً .
2 – تحليل الخطأ والفشل بهدف استخلاص الدروس منهما ، فمن أراد النجاح عليه أن يدرك أن الفشل بداية النجاح لأنه يحمل في طياته الكثير من الدروس والعبر التي تعين الإنسان للوصول إلى النجاح من خلال كشف الطرق المؤدية إليه .
ومن هنا كان حديث حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون )، فالتائب هو من علم مكمن خطئه وتجاوز عنه نحو النجاح .
3 – الوقوف على نقاط الضعف واعتبارها ذاتية خاصة بالإنسان نفسه وهذا يتطلب من الإنسان الشجاعة والصدق والأمانة وقوة الشخصية مع النفس .
وبعد اكتشاف نقاط الضعف يبدأ الناجح بمواجهتها من خلال التخطيط المنظم للحياة ، والعلم بأن الجائزة في نهاية المطاف ليست ميدالية تعلق في رقبته ولا كأساً سيرفعه أمام جمهور من الناس يصفقون له، بل هي السعادة النابعة من الانتصار على نقاط الضعف وعدم السماح لها بأن تحقق الهزيمة في نفسه .
4 – القيام بأعمال جديدة وهو بمثابة الضربة القاضية للفشل وإعلان الفوز عليه في معركة حقيقية مع الذات ليرتقي الإنسان إلى مراتب العظماء .... لأن الإنسان مخلوق عظيم مهما كان فكيف به إذا كان ناجحاً ومبدعاً محققاً للفوز ؟!!
في العام 1957 في بانكوك تايلاند حيث يوجد أكبر صنم لبوذا في البلاد بارتفاع 12 متراً، تم بناء معبد ملاصق، وعند الانتهاء من بنائه خطط المهندسون لنقل الصنم الإله المصنوع من الطين من مقره القديم ، وذلك بتقدير وزنه، وكتلته الطينية وحجمه تمهيداً لإعداد الرافعات المناسبة لنقله.
لكن ما الذي حدث ؟
عند محاولة نقل التمثال عجزت الرافعات عن حمله، بل وتكسر بعضها، ما الذي حصل ، وكيف فشل المهندسون في تقدير وزن التمثال ؟!!
لم يعرف السبب حتى مساء ذلك اليوم، عندما انشغل بال أحد الرهبان على إلهه الذي بات في العراء، خاصة بعد أن كشف سقف المعبد القديم قبيل محاولة نقل الإله إلى مقره الجديد .
جفا النوم عين ذلك الراهب واستمر يتجول، ويطوف حول إلهه مخافة أن يناله ضرر، أو تصيبه الأمطار في تلك المنطقة الاستوائية، وفي إحدى جولاته الوجلة الخائفة أضاء بمصباحه قاعدة الإله ليطمئن، فإذا بمفاجأة صاعقة في انتظاره !!
لقد خرج نور ذو لمعان شديد من المنطقة التي سطع فيها ضوء المصباح، لقد صرخ الراهب ونادى باقي الرهبان ليشهدوا الخارقة للعادة، ولما تجمع الرهبان وكرروا إضاءة المصباح في ذات الموقع اكتشفوا - ويا لغرابة ما اكتشفوا -  لقد تساقطت طبقة الطين التي في قاعدة التمثال وكشف عما تحتها وكان ذهباً خالصاً !!
نعم لقد كان التمثال مصنوعاً من الذهب الخالص ومغطى بطبقة من الطين كان أجدادهم قد فعلوا ذلك ليحموا تمثالهم الذهبي من الغزاة الصينيين عندما غزوا بلادهم !! وكان هذا هو السر في عجز الرافعات عن حمله .
والسؤال :
كم واحداً منا يشبه ذلك التمثال ؟ نعم كم واحداً منا قد غطته طبقة رقيقة من الوهم حجبت حقيقته الراقية الرائعة ؟
كم واحد منا صدق زيف وادعاءات من حوله أو أفكاره السلبية حول ذاته فأخفى جمال باطنه وروائع إمكاناته بتلك الأوهام وذلك الزيف ؟!!






أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=3000