برسم البيع وحسم 100 % .. لوحة المتثاقف..
التاريخ: الأحد 15 تشرين الثاني 2009
الموضوع: القسم الثقافي



خليل كالو

لا خير في أمة يقودها رجال يعبثون بمصيرها وقيمها يجعلون من عاليها سافلها ومن سافلها عاليها وخاصة من فئة يستوجب أن تكون القدوة والرائدة في التغيير والتحديث والاحتضان. فطوبى للذي يفكر ويكتب ويقرأ بلغته الأم نخر له ساجدين ومسكين من يفكر بمشاعره ووجدانه ولا يكتب بلغته ونحن له من الداعين (يعني أمثالنا) والتعيس هو الذي لا يفكر وليس له وجدان حي ويكتب بلغة أخرى وينشغل بمواضيع لا تمت بصلة إلى قضية تخص الجماعة ونأسف عما أصابه من اغتراب مهين والأتعس من هذا وذاك هو ذلك المتثاقف الذي يعد نفسه في عداد المثقفين وليس لديه فكر ولا ثقافة وعدو القراءة والكتابة وليس له رسالة بذاتها ولا أحد يعيره الانتباه والاهتمام فبدلا أن يسعى لنقد ذاته وتجاوز نقاط ضعفه والوقوف عليها يشهر بغيره للتقليل من شأنهم وخاصة أصحاب الأقلام التي لها رسالة.


لا شك أننا نحن الكرد لم نتحرر من هيمنة الفكر والثقافة البالية التي انتهت مدة صلاحياتها ولا نزال نعيش حياة الرتابة وحالة الأمية المقننة والمقنعة في مختلف الجوانب وبذهنية تشوبها الكثير من الشوائب وهنا لا نقصد تماما أمية القراءة والكتابة بل أمية الفكر وثقافة التعامل والتفاعل والسلوك الجمعي  واكتشاف الذات وأمية العصر من المعارف والعلوم والتقانة ..الخ
هذه المظاهر المتخلفة المشبعة بأمية العصر ما زالت تخيم على كيان المجتمع الكردي و تشكل العامل الأساسي في التخلف العام والتعثر والنهوض من أجل التقدم والتغيير والارتقاء نحو الأفضل هذا من جهة وإذا ما أخذنا بالمقاييس القديمة لمعنى الأمية أيضاً يمكن القول إن الكرد من أكثر الشعوب أمية في المنطقة فهم لا يقرؤون الكتاب كثيراً ويكرهون الثقافة المكتوبة إلى حد بعيد وخاصة الفئة المتعلمة والتي تدعي النخبة زوراً باستثناء  عدد قليل جدا قد لا تصل نسبتهم إلى 1% من المجموع العام من جهة أخرى. فهناك فئة متثاقفة واثقة من نفسها إلى حد الغرور وهي لا تمتلك من الفكر والمعرفة والثقافة إلا الندر اليسير حيث جل ثقافتها العامة عندية شفاهية وملمومة من الشارع العام ومشوبة مختلطة متداخلة ومركبة من ثقافات كثيرة (كوكتيل) انتهت مدة صلاحية أغلبها منذ زمن لا تفيد الكرد في حياتهم العملية بشيء واغلب الظن أنها سبب بؤسهم وشقائهم إلى هذا اليوم.
ما هو برسم البيع هي لوحة رمادية لشخوص وثقافة اغتربت عن واقعها تزعم بتناولها الثقافة وتعكس واقع وحقيقة المتعلم أو المثقف الذي يتناول الثقافة وليس منتجا لها (المثقف بفتح القاف الذي هو غير المثقف بكسر القاف حيث الأول اسم مفعول والثاني اسم فاعل وشتان بين الفاعل والمفعول) ويتواجد هذا النموذج بكثرة في المجتمع الكردي من أصحاب الشهادات العلمية والمهنية العالية. تلك اللوحة بألوانها تشبه إلى حد كبير لوحة السياسي البائس وفي أعلى المستويات وقد دخلوا معاً إلى عالم الأمية المقنعة بإرادتهم وتتجلى في مظهرها  مفردات وألوان باهتة منها الفكر السلفي والمجرد والاغتراب عن الواقع وحقيقة الكردايتي وفرط الأنانية وعدم مجاراة العصر والبلادة في حل المشاكل والتسكع السياسي والتنظيمي والأنا القزمة وتكريس الجبن والاحتراف في فنون المكر والفجور والتضليل والكلام الزائد عن اللزوم والتدخل في شؤون الداخلية للغير والوهن والوهم  بالوصول إلى أعلى درجات العلم والمعرفة والثقة المفرطة بالذات في كل مسائل الحياة والانعزال عن المجتمع واحتراف ثقافة العبودية والميل نحو نزعة الاستسلام والفوضى المنظمة والهروب من النقد وخاصة الذات. هذه  الألوان هي الرئيسية في تكوين اللوحة المعروضة للبيع وهي الآن تزين الساحات والشوارع وتحتل واجهة المحلات والدكاكين الثقافية والفكرية حالياً وتعيش في عصرها الذهبي لما تتوفر لها من بيئة طبيعية من الحرارة والضوء والماء والتراب. فكل الشروط والظروف ملائمة لنموها وتكاثرها فلو لم يكن الأمر كذلك ربما كان وضع الكرد أفضل مما هم عليه ومما زاد الأمر سوءا هو وجود مقود عربة الكردايتي بيد  نظير هؤلاء في الطرف الآخر من السياسة وهي فئات تضع نفسها أوصياء على المجتمع وتدير شؤون الثقافة والسياسة بمقاييس خارج العصر كما السلف لا بمنطق ووفقه وقواعد الثقافة والسياسة الحديثة و للأسباب المركبة أعلاه  لا تزال عربة الكرد تتعثر هنا وهناك وبقيت من دون محرك ومعطلة أغلب أيام السنة وهي تحتاج إلى الدفع (الدفش) ولا من مستجيب حيث لا يزال الدافش والمدفوش في مكانهما وأصبح الدافش مادة دسمة للتهريج به وموضوع البحث والنقد وما كل ما كتب عن هذه الأزمات والعلل في جسم الحراك العام وغياب الفعل الإيجابي والنشاط الميداني من كل الجوانب  لخير دليل على صحة القول.
نقر ونعترف أنه ليس كل ما يعانيه المجتمع الكردي سببه السياسة والآخر أبداً بل يتحمل ثلثي الوزر والإثم رجال الثقافة إن وجدوا. هنا حضر إلى الذاكرة قول المرحوم أوصمان صبري كنا في استضافته ذات يوم أثناء دراستنا في الجامعة حينها قال: حذاري من أن يقودكم أيها الشباب رجال ليس لهم عهد ولا وعد , يتصفون بالمكر والخداع , يفترون على شعبهم يقولون ما لا يفعلون وهم أشبه بـ  ........ وقال كلام آخر لا يباح به. فكثيرة هي المظاهر المضللة والمخادعة واللوحات الرمادية والسوداء التي  تعتقد أنها نخبة وواجهة للمجتمع الكردي ساحة ومساحة وهي تؤذي عيون الناظر وتنغص على غيرها العمل والمبادرة وتسمم روح التفاؤل بالمستقبل حتى بات الكثيرين من أبناء هذه الأمة يكرهون عمل الكردايتي من جراء أعمال هؤلاء وملأت المحيط فسادا وفوضى في غفلة من حقيقة حركة التاريخ مستغلة الجهل والأمية السائدة وهي تزداد انتشارا ونفوذاً عموديا وأفقياً وما هي في كلها (جملة وتفصيلا) إلا نماذج فاسدة ومفسدة تنفث بسمومها في كل اتجاه بعد أن توفرت لها الظروف وبيئة التكاثر وانتشرت بشكل غير طبيعي مثل الفطر في شهر نيسان ولا تقتصر هذه الألوان على شريحة أو فئة بعينها بل سادت كافة الطبقات والفئات بدون استثناء وكان من أهم الأسباب الرئيسية لنشوئها هو الاستفادة من ركود الحراك السياسي الكردي على الصعيدين الشعبي والتنظيمي نتيجة لتعرضه لأزمات داخلية انشطارية عاصفة وتمزقه شر تمزق ولم تعفى من ضعفه حتى الآن وبالإضافة إلى تخبط الحركة الثقافية النهضوية التي لم ترتق في اغلب أطوارها إلى مستوى القلم التنويري والحداثي فاكتفى الغالبية من الكتاب والمثقفين العمل بلا هوية حقيقية إذا جاز التعبير بالسعي إلى تحقيق الذات على حساب الموضوع  ودون الاهتمام بالجانب الإبداعي والتنويري والتقصير في أداء رسالته الإنسانية تجاه قضايا العامة والخاصة لتكوين رأي عام والتنمية الفكرية وبناء الإنسان وتوحيد المصطلحات والمفاهيم الغريبة والدخيلة في قاموس الكرد باعتبارهم متحد متمايز وقومية لها خصائصها المتفردة وذلك بالتأثير على الجانب الفكري التقليدي والسلفي وثقافة قرون الوسطى لدى المجتمع لخلق وعي جمعي كردايتي أو حتى لدى جانب الفئة المتعلمة على الأقل. فلم تكترث الفئة التي تزعم بأنها مهتمة بالفكر والثقافة بجوهر الأشياء والعمل على تغييرها بل تحولت إلى تابع واختصر جل اهتمامها وكل همها  في نيل رضا هذه الفئة وذاك الزعيم من أجل إشغال حيز وملئ كرسي أو تلقي كلمة مدح وثناء وإطراء لغرض أناني ربما كان ذلك بسبب عدم ثقة الكثيرين منهم بأنفسهم وفتور العلاقة بين السياسة والفكر والثقافة وقصور من الحركة السياسة في الاهتمام بالجانب الفكري والثقافة القومية اعتقادا  بأن السياسة فوق الفكر والثقافة والأدب فلا يجوز التدخل في شؤونها وتصحيح مساراتها المعوجة من خلال أدوات غير سياسية علما أن حركة المثقف والمبدع هي رائدة وذاتية مستقلة وتسمى هذه الفئة أحيانا بعين وبوصلة الشعوب بسبب الموهبة الخلاقة التي لديها وقدرتها على التأثير من خلال أدواتها المتنوعة الفنية المؤثرة على العواطف والعقول والوجدان وأن الحركة الثقافية لا تتطابق مساراتها دائما مع غيرها من المسارات الأخرى أثناء العمل كون نتاجاتها فردية  تنبع من ذات الشخص ووجدانه كمبدع وليس كنتاج لحركة الجماعة ولكن تنصب في النهاية لصالح الجماعة وتابع لها أي تنطق منها وتستقر فيها فطوال سنين مضت تركت مهمة التغير والتحديث والتنمية الفكرية والثقافية للسياسة وشكلت عبئا زائدا على كاهلها وعندما تمزقت وتعثرت تمزق وتعثر معها كل شيء ومن ضمن ما أصابه التشويه القيم الأخلاقية الجماعية والفردية والأعراف والقيم  والثوابت الوطنية  وانحرف مفهوم الكردايتي حسب مزاج الأشخاص وخضعت لاعتبارات سياسية ورؤى مقيتة وكان هذا أول الأخطاء التي ارتكبت ضد الوعي الجمعي والتماسك الاجتماعي والفكر القومي علما أن الكثير من هكذا أمور ليست من اختصاص السياسة ولا تقع في دائرة مجال عملها. فنتيجة للتخبط والفوضى التي سادت ظهرت إلى جانب الشخصية السياسية الوطنية والثقافية الملتزمة بأداء رسالتها التاريخية الساعية إلى التغيير نماذج مشوهة وهمية غير حقيقية لم تعكس حقيقة المجتمع الكردي في نتاجها من معاناة وظلم يمارس ضد أفراده وما تطبق بحقه من المشاريع والسياسات العنصرية لرمي الكرد خارج الزمان والمكان لذا يشتمل هذا الوصف والنقد كل من يحمل السمات المتشابهة و نفس الألوان المغبرة والرمادية والسلوك والثقافة والفكر والمسعى سواء كان طبيبا أو مهندسا أو معلم مدرسة أو محامياً أو رجل دين أو أية مهنة أخرى. هذه اللوحات الرمادية تعبر عن ذاتها الآن بشكل أناني وقذر بما تملك من مال وجاه قبلي وبثقافة أمية وفكر مستهجن وأهداف غير نبيلة لا تستحق التقدير والاحترام  وقد استغلت الفراغ الكبير في المجتمع نتيجة غياب السياسة والثقافة الخلاقة وفكر الكردايتي المرتبط مع المجتمع مقارنة مع السنوات الماضية في عقد السبعينات والثمانينات وكثرة هذا النمط من الشخصية المزيفة وانتشاره في البيئة والمحيطة غطى على الشخصية المبدعة والنظيفة وجدانا وهدفا مما أ ضحت الساحة مفتوحة على كل الاحتمالات والأفكار والرؤى الفردية وفتح المجال أمام مثل هكذا ظواهر لتعشش في كل زوايا المجتمع على حساب الفكر الحداثي والتغيير المأمول. هذه الأمور ربما تبدو للفرد العادي طبيعيا وفهمه لحركة المجتمع ساذجاً على أنها عمل واكتفاء واغتناء والبقاء الفيزيولوجي والإنجاب وبعض من العلاقات العامة هذا صحيح من حيث المبدأ وتبعا لظروف كل جماعة ولكن أن تنتهج النخب الاجتماعية والمهن العلمية هذا السلوك فهذا ما لا يمكن القبول والتسليم به على أنه أمر طبيعي ـ نحن نعلم أن كل لحم أكتافها من خير هذا الشعب ـ  وهي ظاهرة غير مقبولة وشاذة تنذر بقدوم خطر على حقيقتنا كمتحد حتى لو كان هناك تقاعس وشلل في الحراك العام لأن وجود الشعوب مرتبط بالدرجة الأساسية بنمط الشخصية السائدة وبالنهضة فكرية والثقافية ولو بأدنى درجات الحركة. إن أبشع الصور والظواهر من كل هذه الشواذ الماثل للعيان هي صورة المتثقاف البائس من ذات الألوان الباهتة عندما يضع نفسه فوق السياسة دون أن يقدم على عمل فيه اقل خطورة على ذاته الشخصية ومصالحه المادية وهذا ما يلاحظ  من مظاهر وسلوك لهؤلاء عند كل مناسبة قومية وسياسية و اجتماعية عندما تكون الظروف طبيعية والسماء صافية  (في غياب القط) مما ولد رد فعل قوي لدى الشرائح الشعبية الواسعة ممن حملوا كل أعباء العمل الكردايتي على  أكتافهم ودفعوا بالجيل الجديد الآن إلى النفور من القضايا الحيوية والثقافة الكردية بمنهجية وسابق إصرار وترصد فترك الشباب عرضة للثقافات الغريبة والانحراف الفكري والأمية القومية وتدار الآن العملية الفكرية والثقافية والتربوية بأمية صرفة وذهنية تسلطية بعد كل التطور والتقدم المذهل في مناحي الحياة خصوصاً في الجانب الثقافي والعلمي والتعليمي في العالم.
 الواقع المعاش يتحدث عن نفسه بنفسه من لا يصدق ويعترض على ما قيل فما عليه القيام باستطلاع سريع  سوف يكتشف حجم الكارثة التي تعيشه المجتمع الكردي من وراء المنهج السياسي والفكري المتبع حياله وأن أي  استطلاع عشوائي وبسيط حتى وأن أخذت عينات من شرائح مهنية و شهادات علمية عالية ومن وسط فئات أخرى متعلمة سوف يجد المستطلع ما هو في غير الحسبان والتوقع وسيكتشف أن نسبة الأمية المقنعة بين هؤلاء ربما تتجاوز  99% إن لم تكن 100% في بعض من هذه الأوساط  التي تدعي الوجاهة والنخبة فهي لا تختلف عن سلفها في القرون الوسطى سوى بالشكل والهندام وقد قمنا منذ مدة باستطلاع بسيط بين الأصدقاء والمعارف من الوسط المتثاقف ولفترات متباينة على الطريقة الكردية (للعلم  كان يوجد في كل بيت من هؤلاء مكتبة ولكن للزينة لم يمسها يد قارئ) فكانت النتائج غير متوقعة ومذهلة ربما تمر سنين دون أن يتصفح أحدهم كتاب تاريخي أو ثقافي أو فكري أوفي أي مجال آخر باستثناء من يقرا الفاتحة أثناء الصلاة وتحت خيمة العزاء أو البعض ممن قرأ القرآن في شهر رمضان عند شهد قبر أبيه حتى بات الطبيب والمهندس أميا بكل مقاييس أمية العصر ونسي البعض منهم العمليات الحسابية الأربعة من الضرب والتقسيم ..إلخ فليس لكل هؤلاء هدف خلاق مثل الأنعام سوى تعبئة البطون والجيوب والثرثرة في المجالس ليغطوا على النقص الحاصل لديهم تجاه الواجب. فكذبت كل مزاعم تلك الفئة بأنها مثقفة ولها نتاج ثقافي أو هي نخبة اجتماعية وسياسية وقد تبين لدى البهلول والعاقل أنها لا تمتلك من الفكر والثقافة وسمات النخبة من شيء سوى أنها أواني فارغة تصدر أصوات كما يقول الكرد في أمثالهم.  








أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=2670