المثقف الكردي..... سلطة الثقافة أم ثقافة السلطة؟
التاريخ: الأحد 13 ايلول 2009
الموضوع: القسم الثقافي



  جان دوست

 لا شك أنه لا المثقف الكردي (و أحدد هنا المثقف الكردي في سوريا) و لا السلطة الكردية قد أتما دورتهما للوصول إلى الكمال, أقصد الكمال المعرفي بالنسبة للكائن المسمى في أحيان كثيرة تجاوزاً بالمثقف, و كمال امتلاك أدوات الربط و الضبط لدى القوى التي يمكن أن نسميها سلطات كردية. و سننطلق نحن في هذا المقال من قاعدة (حسن الظن) فنعتبر الكتاب الكرد من شعراء و قصاصين و كتاب رواية و كتاب زوايا صحفية....إلخ  مثقفين فاعلين, و كذلك سنعتبر الأحزاب الكردية  بكل هزالها و شيخوختها و غيبوبتها و جبروت و إرهاب بعضها فضاءات تتكثف فيها السلطة الكردية بكافة صورها!


و بعيداً عن أطر الواقعية الإشتراكية التي عفى على بعضها الزمن, نقول إن المثقف لا بد و أن يلعب دوراً ما في المجتمع لامتلاكه مفاتيح فهم أرقى لما يدور حوله و بالتالي بوسعه إعادة إنتاج هذا الواقع في فضاء معرفي شفاف يمكنه بالتالي رسم صورة مغايرة بل و تغيير لنمط العيش و التفكير و سائر النشاطات الإنسانية حيوية كانت أم معرفية. فلننظر إلى مثقفينا و ما ينتجونه على الصعيد المعرفي.
من خلال متابعتنا لحركة كثير من المثقفين وجدنا أن الغالبية العظمى منهم تتصف بخصال مشتركة من أهمها:
1)اللامبالاة: لعل المثقفين الكرد أشد المثقفين التزاماً بالصمت في العالم, فهم مستعدون لقرع طبول الحرب على كل من يتناول نتاجاً من نتاجاتهم بالنقد سواء كان هذا النقد مصيباً أم لا , و هم مستعدون لخوض غمار حروب دونكيشوتية للدفاع عن شرف الثقافة المثلوم و تجنيد كل الطاقات و الإمكانيات المتاحة و غير المتاحة للترويج لنتاج ما من نتاجاتهم الأدبية أو في سبيل إقامة معرض لهم أو أمسية شعرية أو تدبير لقاء تلفزيوني في محطات (الغنم السعيد في آخر الليل) أما إذا تعلق الأمر بالقضايا المصيرية و الحيوية للأمة فتراهم يقلبون شفاههم علامة على تفاهة الموضوع و ربما قال أحدهم: سواء تكلمنا أم سكتنا فالأمر سيان! يجب على هؤلاء المثقفين أن يتذكروا الأسطورة التي تحكي عن أذني الملك الطويلتين اللتين اكتشف حلاق الملك طولهما و لم يقدر على البوح بالسر خوفاً من القتل و لما لم يستطع الاحتفاظ بالسر ذهب إلى نهر و صرخ في القصب قائلاً : أذنا الملك طويلتان!! و تقول الأسطورة إن القصب أفشى السر, فهل نكون أقل جرأة من القصب! كذلك نحيل المثقفين إلى قصة ثياب الامبراطور الشهيرة و الطفل الذي قال الحقيقة و أعلن عري الملك بكل براءة الطفولة.
إن سكوت المثقف الكردي عن جرائم السياسي الكردي جريمة سيدونها التاريخ وسيلعن الأحفاد أجدادهم الذين دشنوا بصمتهم عصر الاستبداد الكردي و تخاذل المثقف و خنوعه و سعيه وراء المصالح الشخصية.
2)الجبن: المثقف الكردي جبان ينتمي لفصيلة الأرانب البرية إلا فيما ندر وقد يستطيع المرء تفسير خوفه من سلطات الدولة أما خوفه من سلطات الأحزاب و مريديها فذلك مما يثير الحيرة, لقد سكت المثقفون الكرد مثلاً عن تعيين السيد جمال نجل الشيخ باقي خلفاً لوالده في استلام المشيخة الحزبية أو المضافة القومية التابعة لأحد الأحزاب الفولكلورية الكردية في سورية, و لم يلتفت أحد إلى ذلك لا نقداً و لا فضحاً لهذا السلوك المقرف في (تداول السلطة الحزبية) وكذلك فإن تربع الآلهة الخالدين أمثال السيد حميد حج درويش و غيره من المستحاثات الحزبية منذ أن بدأ الله بخلق الأكوان من العماء على عرش الأحزاب القومية الفولكلورية الكردية, لم يكن مثيراً لنقاشات حامية و نقد بناء و فاعل من قبل مثقفينا الذين كانوا مشغولين بمعرفة الأسرار الشخصية لخصومهم من الكتاب و البحث عن طبيعة عملهم و الرواتب التي يتقاضونها. و من تجرأ على النقد  بادر المريدون إلى تشهير الناقد و إخراجه من الملة بتهمة العمالة و التخريب و الخيانة الوطنية و الارتباط المشبوه و الارتزاق......إلخ
3) الارتزاق: هناك مثقفون مشهود لهم وزنهم الإبداعي على الأقل و لكنك تراهم صامتين خشية أن تطير امتيازاتهم و أكثر ما نشاهد هذه الفئة في أوروبا خاصة بين المثقفين المرتبطين بمؤسسات بعض الأحزاب الفاعلة من مثل القنوات التلفزيونية أو جمعيات و معاهد ليس لها أي قيمة فعلية, فهناك مثلاً رئيس تحرير الجريدة الفلاني و مدير المعهد الفلاني و مقدم البرنامج الفلاني, لا يمكن لهم مطلقاً أن يتجرؤوا على توجيه نقد و لو من طرف اللسان كما يقال للجهة التي تمولهم زاعمين أن هذا الأمر خارج عن نطاق اهتماماتهم التي ترقى صاعدة إلى مجد أبدي و تقديم شعر جزل بنكهة رماد الفينيق في الأفق و تثليث الخطوات باتجاه السخافة و العمل على تفريغ الأدب من محتواه و هنا ما الفرق بين هؤلاء و مثقفي السلطة في أي بلد ديكتاتوري!!
هناك مثقف يكتب في ما يشبه الإسهال الكتابي مقالات يومية في الإنترنيت و هو لا يترك كاتباً إلا و يتعرض له بالنقد و لكن (سبحان الله) نجده بنصف لسان عندما يتعلق الأمر بالأحزاب و قادتها فهو يدور و يدور دون أن يحدد الأسماء و يثير من حوله ضباباً كثيفاً حتى لا يعرف المرء ما الذي يذهب إليه هذا الفيلسوف, كل ذلك من أجل أن يبقى على مسافات قريبة من الأحزاب و قادتها و فضائياتها (التي تعرض الغنم السعيد في آخر الليل).
المثقف الكردي مطالب اليوم و ليس غداً أن يكون بمستوى المسؤولية الملقاة على عاتقه, و عليه الرد على الأسئلة التي تؤرق الناس و قبل ذلك عليه أن يثير هو أسئلة الوجود و الحرية لدى المنظمات الكردية قبل أن ينادي بتوفير هوامش الحرية في سوريا و السلفادور و زيمبابوي. عليه أن يحدد موقفه من مجمل الأحداث التي تجري حوله, عليه أن يبدي رأيه على الملأ و أن لا يترك الأمر في يد الساسة من أنصاف المتعلمين و حملة الابتدائيات و بعض الشهادات الدنيا, على المثقفين أن يقولوا رأيهم في الأحزاب التي يتم طبخها (في مطابخ الأحزاب الكردستانية ذات الوزن الثقيل) و عليهم أن يؤسسوا لثقافة حرة شجاعة مستقلة عن سطوة الأحزاب و مؤسساتها حتى يمكننا الحديث عن ولادة أول مثقف كردي حر في التاريخ المعاصر.

 
للمقال بقيات


ملاحظة: الصورة من موقع الكاتب






أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=2570