ما أجمل الحياة...!!!
التاريخ: الجمعة 28 اب 2009
الموضوع: القسم الثقافي



شيرين درويش-عفرين 

  إلا أن هذا الجمال مقترن بمدى إدراكك لمكامن السعادة فيها والتي عليك البحث عنها في سراديب طويلة مفروشة على مد البصر بالشوك تفوح من أجواءه رُهاب الخوف والضياع... وما عليك سوى التحلي بالصبر والثقة التامة بأن هنالك على الأقل باباً مفتوحاً على مصرعيه هو بدوره ينتظرك أيضاً سيوصلك إلى تلك اللذة الأبدية....
إلا أننا جميعاً _نحن البشر_ نطرف نظرنا عن تلك السعادة ونفتش عن أتعس الطرق وأكثرها عذاباً لنجري فيها حاملين رايات النضال والنصر راسمين في قلوبنا صورة ذلك البطل الأسطوري ممتطياً جواده الأسود حاملاً سيفه البتار والهتافات تتعالى من حوله تنشد بذلك النصر العظيم وتبجله ،هذا هو حال شرقنا الحالم... دائماً بعيدون عن الواقع لأن الواقع نفسه نبذنا ولفظنا للخارج........


هنالك طرق قصيرة سهلة تنتظرنا دائماً إلا أن مجدنا الوهمي لا يرضى به رفيقاً فنسعى للطريق الأطول الأصعب اللاوجودي الأشد الاماً لتلك النفس الغضة البريئة التي تقطن داخلنا لأننا في حقيقة الأمر نبحث عن حتفنا...
فنحن من هواة النهايات الحزينة.....
لدينا كماً هائلاً من المحطات التي توقفنا في سلسة حياتنا منها ما هو رائع يفوق تصوراتنا البشرية ومنها ما هو بالمقابل رديء بشع وفي كلتا الحالتين عندما تنتمي للزمن الماضي يطلقون عليها ما يسمى باسم الذكرى سواء أكانت سعيدة أم أليمة ويرخى عليها الستار ليكون مصيرها ككل الأشياء أقرب سلة مهملات، وتمسي طي النسيان، وهي أعظم نعمة وهبنا إياها الله......
لأن الذكريات إن دلّت على شيء فهو شيء ميت... سرابي... لاموجود... مجرد تركيب صور وأصوات نتعذب حتى نختلقه ثم نتعذب حتى نراه ثم نتعذب حتى نسمعه..... لما كل هذا!!!!؟؟؟
وأنت متيقن في قرارة نفسك بأن هذا مضيعة للوقت وللمشاعر لذا امسح من بنود حياتك ذلك البند الخاص بالذكرى وعش الأربع والعشرين ساعة كما هي دون أن تكبلها عناء ذكريات عمرك الماضي.....
ومن هذه المحطات ما اخترناه نحن بإرادتنا بشكل أو بآخر، ومنها ما قذف بها في طريقنا هكذا... مع لافتة منقوش عليها بالخط الأحمر العريض ((ممنوع الرفض)) ، وما عليك أنت سوى الغرق في بحر من كتب الفلك والتنجيم وطرق باب مئة عرّاف لكي تستطيع تخمين من ستصادف في هذه المحطة؟؟؟....
ومن ثم ماذا سيجري لك فيها يا بريء؟؟؟....
طبعاً هذا إن_ وضع إن بين قوسين لأنها شرطيةـ (إن) استطعت... فلا ترهق نفسك وأقبل الواقع كما هو لأنه بكل بساطة هو... هو......
ولتبدأ أيها الكائن مأساتك مع هؤلاء الذين يطلقون كل واحد منهم على نفسه اسم إنسان مع أنك ومع الوقت ستدرك بنفسك كم أنه يفتقد ويفتقر لشيء اسمه الإنسانية هؤلاء المرضى الذين تشاهدهم في كل مكان سكارى تائهين يسيرون معك أو إلى جنبك كل يوم يصطدم بعضهم ببعض، فإذا كنت من ذوي الحظ السعيد انتفيت من دائرتهم إلا إذا كانت السماء قد قدرت لك الاصطدام بأحدهم أيها التعس، إذاً فلتكتب ملاحظة في أجندتك بتاريخ ذلك اليوم: إن هذا اليوم هو أسوء وألعن يوم في حياتي. وبالطبع ألا يفوتك أن تدون في أسفل الورقة أن هذا اليوم هو أول وآخر يوم في حياتي الآنية، فحياتك إن تجاوزنا وأطلقنا عليها بعد الآن حياة قد تلاشت وماتت في ذلك اليوم ومع ذلك الشخص المجهول الذي أصبح منذ اللحظة اللاعب الأساسي وبطل إحدى الأفلام الغرامية والساحر الذي يبتدع كل ألوان الدنيا من قبعته الخرافية ويبدأ بعرض كل ما أتقنه من فنون الكذب والتمثيل والابتزاز التي تدخل ضمن شروط اللعب الصحيح ويجب عليك أيها الطبيعي تحمل كل هذا مصفقاً رافعاً قبعتك لتبرز شدة إعجابك مصدقاً لكل ما يدعيه حتى يصل للحظة التي يصدق هو نفسه الكذبة وتجاريه أنت كما لو أنها حقيقة، وعندما تقف لهنيهة لتدرك لما تفعل ذلك تعيل وبدون جدوى لست متأكداً إن كان ذلك شفقة ورأفة بحال ذلك الشخص المريض أم انك أصبحت جزءاً من اللعبة وهذا يحتم عليك إما أن تكون المنتصر أو الخاسر، أو أن الأيام هي التي أقرت بذلك، أو أن هنالك مشاعر روحانية قد سمت فوق مدركات ذلك الشخص وربطتك به بحبال ربانية. وفي جميع الحالات قد وقعت فريسة وهم كبير نما وعظم بداخلك ليمسي مارداً أول ما بدأ بالالتهام ألتهمك أنت.. أنت الذي لملمت شتاته من أزقة الضياع وكهوف الخوف واليأس وبذرت في قلبه كل ما منحك الله من حب و كنت عكازته التي يهتدي بها وفجأة أبصر نفسه ملك على عرشاً جاء أكبر من توقعاته حوله من الولاة من يسانده ويرعاه ويخشى عليه ومع الأيام صدّق هو تلك الخرافة فبدأ يتجبر ويطلق الأوامر، وهذا بالنسبة له صواب وذلك بالنسبة له خطأ والمناقشة تستوجب العقاب وعصيان الأمر يعني النفي، وطيبة ذلك الشعب ورأفته زادته ظلماً وهم لا يحركون ساكناً يبررون، يغفرون، يمهلون عسى أن يلمس الملك تلك المشاعر ويحس بها حتى تلك الطيبة الصافية البريئة ظنها ضعفاً غباءً يستطيع من خلالها سرقة ما يريد وما يتمنى وأن على هذا الشعب المستكين أن يظل بئراً لآلامه وأسراره وعواطفه المزيفة المبتذلة وثروته اللانهائية فأرقامه كلها لانهائية يستجدي أي شيء المهم كم سيربح وكم سيجني وكم سيقلل قدر الإمكان من الخسارة، وهو في المقابل ليس ملزوماً بأي شيء فما يأخذه بظنه حقه وهو يطالب به فهو لا يرغمك على شيء وإنما يعتمد على برمجة الظروف والكلمات وأنت الذي تعطيه بكل رحابة صدر، فأنت هو ذلك البحر الكبير ذو الصدر الحنون السخي الذي يهب بدون حساب. حتى الكره لم يستطيعوا الوصول إليه فالكره طاقة ثمينة لا يمكن أن نبددها فيمن لا يستحقها وهي أقوى من الحب لأنها وليدة حب قوي تفجر.....
كان لابد للشعب أن يسترجع الماضي وينظر ما حل به فكل الآمال والأحلام السرمدية والمشاعر التي نادى بها الملك لم تكن إلا أكاذيب عن أهداف واحدة ومصير واحد ومحبة للأبد كان المستقبل دائماً مرتبطاً به وفجأة هدم كل شيء وألغى المستقبل كله من حياته فعلام سيبقى الشعب ماضياً معه مادام قد جرحه في أغلى ما يملك يكفي الكذب ليقتل عالماً وليس إنساناً..... وليتخذ ذلك القرار الذي ظل ضائعاً في متاهات التردد ومشاعر الطيبة والإنسانية التي أنحرم منها هو واشتكى من فقدانها بين البشر ذلك التناقض العظيم في داخله بين ما يتمناه وبين ما يفعله وبين ما يقرره صح وهو يمارسه خطأ.....
ولو سأل الملك نفسه ماذا حققت لغيري وقدمت لهؤلاء الطيبين الذين قدموا لي الصدق والوفاء والإخلاص والحب لكان الجواب بكل بساطة: لا شيء...  بل على العكس تردياً وتراجعاً في كل شيء تلك الأنانية البشعة دمرت كل ركن جميل وهذه نتيجة طبيعية لما يحدث فمن المعروف أن فاقد الشيء مستحيل أن يعطيه . قد يكون الملك مظلوماً هو أيضاً نتيجة لظروف نحن نجهلها قد تكون في طفولته.. في أسرته.. في بيئته لكن ذلك لا يشكل سبباً مقنعاً فكلنا نملك ذاك العقل المرشد والقلب المهدي لنميز به الأبيض من الأسود والطريق المستقيم من الطريق المعوج والقول بأن الدنيا كلها تسير على نفس المنوال هي تبريرات سخيفة وأجوبة ذات مضامين فارغة......
أبداً لم تكن الدنيا بهذا السوء وهي هكذا منذ الأزل لم يتغير شيء الخير موجود والشر موجود ونسبة 99% من اللصوص تعني أن هنالك بالمقابل شريفاً هو 1% من هؤلاء الجماعة والإنسان السيئ هو وحده الذي يستطيع أن يقيم بأن العالم كله بؤرة فساد وبهذا يبرر سوءه وعدم إنسانيته ويجب علينا قدر الإمكان الابتعاد عن هؤلاء حتى لا يلوثوا مساحات فكرنا ومشاعرنا بتلك السموم التي ينفثونها ويلغوا من ذواتنا تلك الفطرة البريئة.....
ومن الاستحالة الكبرى نكران الذات الصافية تلك الذات الشبيهة بقطرات ندى الصباح الفضية ومياه الينبوع الشفاف تلك الذات التي نلمسها في أنامل موسيقي يعزف على أوتار قلبه قبل أن تلامس أوتار قيثارته وفي ريشة ذلك الفنان الذي يلون لوحته بأصدق الألوان وفي دواة ذلك الكاتب الذي يلهب قلبك بعاطفة أصدق من العاطفة المخزونة في أوردتك.....
وحتى إن آمنا أن الحياة قد أنتفت منها كل الأشياء الصادقة النقية فهنالك حقيقة واحدة صادقة من الاستحالة نفيها وهي حقيقة الله عز وجل
والله عادل وليس أعدل من حكمه على كل ظالمٍ.........خائن







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=2551