دراسة نقدية: في ديوان نارين عمرالموسوم بـ(حيث الصمت يحتضر).
التاريخ: الأثنين 26 كانون الثاني 2009
الموضوع: القسم الثقافي



خالص مسور

يبدو أن الشاعرة الكردية نارين عمر التي تكتب باللغتين الكردية والعربية، استطاعت أن تطور أدواتها الشعرية لتمتح من صفحات هاجسها الشعري الشفاف والخالي من الغموض والتعقيد وهو المطلوب من شاعر الحداثة اليوم. وسيدرك المتأمل في قصائد الشاعرة نارين التواشج والتناغم بين الذات والموضوع في جسد القصيدة الحداثية، مع تغليب الجانب الشكلي أحياناً في فضاءات تشكلها الداخلي، والبحث عما حولها مما هو خارجي متناغمة مع الجمل الإيحائية الخارجة عن سياقاتها المعجمية وبإشراقات العبارة الشاعرية الجميلة والملهمة أحياناً.


تكتب نارين عمر القصيدة الحداثية بلغة شاعرية مبهرة وبكثير من الفنية الجمالية، فالقصيدة الحداثية تماثل جسد الإنسان حيث لاينفصل فيها العظم عن اللحم ولاالذات عن الموضوع كما يقول (دافيد لوبرتون). وتعتمد الشاعرة في سطورها الشعرية على استيراتيجية الإيحاءات الدلالية والإنزياحات اللغوية والإشراقات التعبيرية الصادرة عن خلجات شاعرة أظهرت انها متمكنة من خلق الصورالشعرية المبهرة والعبارة اللفظية المعبرة. تتنوع قصائدها وتتناغم ما بين عشق للحياة ومضاء وأمل وتفاؤل، كما يظهر من عناوين قصائد الديوان مثل- بسمة حبلى- فضاء العشق- والأذن تعشق- العيون المتلهثة- حب على اتساع المدى- مما يدل على أن الشاعرة لاتزال تتدفق عشقا للحياة وتنهل من معينها الذي لاينضب، وما بين معاناة شاعرة تظهر أنها كابدت الأسى والحزن في أشطر من حياتها وربما لاتزال تكابد كما كل نساء الشرق ومن أمنيات ربما لم تتحقق بسبب من معوقات الحياة وقيود إجتماعية وغيراجتماعية أيضاً. وهذا ما نستدل عليه من عناوين أخرى مثل- ستائر الأمنيات- مناجاة- بلاد الدموع- ولكنها ورغم ذلك فهي تستخدم تعابير وبوسترات رومانسية موحية ومعبرة في كثير من قصائدها كما في:
الدفء يسبل ضفائر
الشمس
الظل يتيه في
زوبعة الفجر
ولنر كيف استخمت هنا التضاد الدلالي في التعبير والتصوير معاً- الدفء/ الشمس/ أو الظل/الشمس/- وأنسنة الدفء والشمس بشكل شاعري جميل.
وتتميزقصيدة/حيث الصمت يحتضر/ مع قصيدة /رحيل شريان/ كأجمل قصدتين من قصائد الديوان لما فيهما من ومضات جمالية فنية وإشراقات شعرية بديعة ليحلق معها المتلقي في خيالالت سطورها المتدفقة أنساً وجمالاً.
في هذا العنوان الوجداني المؤثر(حيث الصمت يحتضر) والذي هو عنوان إحدى قصائد الديوان اختارتها الشاعرة عنواناً للغلاف فأحسنت الإختيار. والعنوان مؤلف من ثلاث كلمات يشكل بأنسنته وصورته الذهنية الغرائبية استفزازاً للقاريء حيث الصمت دليل السكون والتأمل. فظرف المكان/حيث/ يتصف بتحديد ماهو آت وهو احتضار الصمت، والإحتضار يعقبه الموت الحتمي، ولذلك فالشاعرة بهذا المعنى تكون قد قررت إعلان موت الصمت والتمرد عليه وخلق حالة جديدة من البوح والكلام والحرية بعد صمتها الطويل هذا الصمت الذي بدا الآن يحتضر ويلفظ أنفاسه الأخيرة ليفسح المجال أمام الكلام والبوح الجميل.
والبوح...
ما أجمله في
مجاهل نطقك
حيث الصمت
يحتضر.
فالسطور الشعرية هنا تمتلئ بمفردات مشحونة تتوفرعن على تكثيف دلالي واضح، تكتنز برموز متشابكة تبتعد عن التقريرية والمباشرة، معبرة عن تشابكات القاريء مع إيقاعات القصيدة من خلال تشكيلات أحاسيسه وفيض مشاعره، وتعبرعن التواشج اللفظي بين ثنايا جماليات النص الشعري ووحدته العضوية المتماسكة.
والنقاط الثلاثة بعد كلمة البوح، تدل على أن الشاعرة تركت للقاريء مجالاً للتفكيروالتأمل وهو عنصر التشويق الأساسي في القصيدة الحداثية اليوم. وبذلك وعن طريق هذا الإنتقال من حالة إلى أخرى من الصمت إلى البوح إلى الصخب والتمرد أفلحت الشاعرة في إثارة خيال المتلقي وحفزته للمزيد من التفكير والتأمل في مضامين سطورها الشعرية، واستطاعت تجنب المعنى القاموسي للسطور وهي تحلق في متاهات متخيلها الشعري بكثير من المرونة والسلاسة. في الحقيقة فاجاتني الشاعرة نارين في ديوانها هذا بلغتها الشاعرية الجميلة، وبجمالية عباراتها الحداثية واستخدامها تقنية العدول والإيحاء، مع جمالية التعبيرالدلالي لسطورها الشعرية.
وإذا ماتابعنا قصائد الديوان سنجد أن سطورها الشعرية تمضي هكذا سواء على مستوى توهج لغتها ودلالاتها وصورها وجملها الإنزياحية، أم في غموضها الشفاف والذي لايؤدي إلى الإنغلاق بقدر ما يجذب المتلقي الى البقاء في أتون هذه الشاعرية الجذابة، حتى يحترق بنيرانه ليصل بعد ذلك الى النيرفانا الصوفية ولذة الكشف! ولتنقل المتلقي إلى الحوارات المباشرة والمثيرة، والإنتقال من ضمير المخاطب إلى المتكلم إلى الغائب وهو ما يعبر عن التخطيط الدرامي للقصيدة كما في.
تتذكرين أبي
وأمي أيضاً
لا أخفيك سراً
غيرة مجنونة الهوية
 نرى هنا بالفعل، كيف تنهض الصورة الشعرية على مفارقة تزنرها الدلالات بأبعادها الدرامية المثيرة والدينامية المتحركة، والدخول في لعبة الصور المتخيلة والعبارة المناسبة في لوحاتها التي تمتزج فيها الرومانسية بالسوريالية امتزاجاً متيناً.
وفي قصيدتها: (فيض أمي) تقول:
أيها القمر...
قد تغزل
من خصلات الليل
عشرات الأغنيات
قد تنظم
من همسات العشاق
مئات القصائد
ومن تأوهات المتبتل
آلاف الحكايا
والروايات
كم من السدود
تكفيك
لحجز فيض أمي
مخافة الرحيل الأبدي؟؟!!
من الملاحظ أن الشاعرة هنا تهجرالمعنى القاموسي لعباراتها الشعرية، وتدخل في لعبة العدول الدلالي بقوة واقتدار متجنبة الإسلوب التقريري والتعبيرالمباشر. حيث تبدأ سطورها الشعرية – كما نرى بعبارة- أيها القمر- والتي آثرت الشاعرة في توظيفها لأسلوب "النداء" بالأداة "أيها" التي تتضمن "أي" المبهمة و"ها" وهي هنا للتنبيه وتفريغ الشحنة الداخلية للنفس مع الألف الممدودة، لتعبر من خلال هذا التركيب الشاعري اللهيف عن البعد النفسي الذي يفصله عن المنادى تعبيراً عن أحاسيس دواخل الذات الشاعرة، ثم الربط بين جمال القمرالفياض والصورة الجمالية /فيض الأم/ هذه العبارة الشاعرية تجسد اللهفة والتأمل وتحرك العواطف وأعماق الأحاسيس البشرية تجاه الام. وكلمة القمر وبعدها ثلاث نقاط دلت – مرة أخرى- على أن هناك مالم تقله الشاعرة أواللامفكر فيه بتعبير أركون، وتركت للمتلقي استشفاف الجانب الرؤيوي فيما تستبطنه الذات الشاعرة وتعانيه، مما يوحي بأن الشاعرة تريد أن تقول للقمر كلمة طالما أرادت توضيحها وهي تذكرالقمر بفيض الأم من الألفة والحب والحنان هذا الفيض الذي لايحجزه لاجدران ولاسدود!.  
فقد استخدمت الأنسنة والتشخيص بقوة وبهما تدخل الشاعرة نفسها في خانة الشعر الحداثي وتبتعد عن الكلاسيكية في التناول والطرح، فالقمرلايغزل ولكنه شبهه هنا بإنسان يقوم بالغزل، ولكن يغزل ماذا؟ إنه يغزل خصلات الليل والليل في طبيعته لاخصلات له ولكنها الإستعارة والإيحاءات الدلالية والتي تحفل بمثلها قصائد الدديوان مجتمعة مثل قولها: - قد تنظم من همسات العشاق مئات القصائدج – من تأوهات المتبتل آلاف الحكايا – ثم عن طريق الحذف والاضمارأي حذفها لكلمة /تغزل/ استطاعت الشاعرة تكثيف واكتناز جملها الموحية وعباراتها المتخيلة رغم ما تشوب القصائد بعض الجمل المركبة بالإسلوب النحوي المياشر ولكن الموشى بالكثير من الشاعرية والشعرية الجميلة كما في قولها :
مطر يودع جبين وريقة
في أواخر نيسان
فالجملة جاءت تقريرية ونحوية مباشرة ومتسلسلة الكلمات، ولكنها مزينة بلوحة طبيعية خلابة وصورة شاعرية تتميز بكثير من الإيحائية والتشخيص الإستيطيقي الجميل ومجيء كلمة مطر على شكل اسم نكرة وبعدها كلمة يودع ثم كلمة الجبين أضافت الكثير من التوهج العاطفي المثير على اللوحة الشاعرية الحالمة للسطر الشعري- مطر يودع جبين ورقة- حيث أفلحت الشاعرة في رسم مشهد أثيرمن الحميمية بين المطر والورقة، بعد إسقاط الصورة على ما هو إنساني نظراً للعلاقة الحميمة بين القبلة والجبين في الحياة البشرية لحظة الوداع المؤثر.
وفي إطارالبحث عن العوالم الجمالية في تجربة نارين عمر، ستمدنا السطور الآنفة كشواهد حية على المستوى الجمالي العالي الذي تتميز بها نتاج الشاعرة، تلك الجمالية التي يمكن أن نصادف بها الموسيقى العذبة، وفيض من الألوان، والعبارة الدلالية الرشيقة الموحية. والجمال صورة حية، وأن الوعي بالصور الحية أول خطوة ضرورية تؤدي إلى تجربة الحرية، وإن التأمل الجمالي هو أول نزعة متحررة للإنسان نحو الكون كما يقول (شيلر). وبهذا يمكننا القول بأن شعر نارين هي الصورة الحقيقية لتجربتها الشعرية والنبرة الصادقة الحية عن أحاسس ومعاناة الذات الشاعرة، هذه التجربة المستمدة ألوانها وأطيافها من التماهي مابين الذات والمدينة والطبيعة تلك الأحاسيس والشعور الذي يتجلى في ذاكرة نارين الشعرية بكل هدوء وروية.
ففي قصيدة: (حيث الصمت يحتضر) تقول الشاعرة:
رجع خطاك
يرسم نهاية
لهندسة الرحيل
يدشن ثغراً
لمبسم التوبة
يصهرني أسفاً
في أتون الغفران
لأرمم جراح
المسافات.
يشكل عنوان القصيدة بأنسنته البديعة – كما قلنا- إستفزازاً ودعوة  للقاريء إلى التأمل والتحليق في فضاءات المعجمي المفتوح والعبارات الإيحائية والصورالشعرية الطافحة بالإستعارات في المتخيل الشعري للذات الشاعرة والمتلقي معاً. وطغيان المساحة البيضاء والجمل القصيرة تدل على الكثير من التكثيف والتركيز، ثم الإيقاع الشعري المتناغم الصادر عن صوت الحروف الثلاث الحاء الحلقية، والياء، واللام اللينة وقبلها حرف الراء المشددة تعطي انطباعاً عن مقدمة نفسية متسربلة بالأسى وتنبيه للعاطفة المؤثرة المتمثلة في عبارة /الرحيل/ الشجية التي تثيرالذكريات في متخيل القاريء الشعري وتثير كوامن النفس ولواعحها.
إن الإبتداء بالإسم/رجع/ يدل على السكون والتوقف إيقاعياً ثم الإرداف بالأفعال الحركية المضارعة، هذا التناوب بين الأسماء والأفعال أعطت للسطور الشعرية دفقة شعرية إيقاعية في منتهى الرقة والجمال كما في- يصهرني أسفاً في أتون الغفران- العيون المتلهثة وراء السحاب- تعثر البرق في النهوض-
تلك جميعها صور تناغمية تحفل بالدلالات الرمزية في السطور والجمل القصيرة، التي تشكل في تناسقها وتتابعها المتواصل نبض القصيدة الذي يفضي إلى إيقاعها. وتتابع المفردات تتابعاً مباشراً مجرداً من حروف العطف سواء بالشكل الإسمي – رجه هندسة – مبسم- وابل – أتون- أنة- أو بالشكل الفعلي- يرسم- يدشن- يصهرني- يلهب- ألجأ- أتخبأ- يشي بكثير من الإيقاعية والسرعة والتدفق.
ولنلاحظ هنا الصورة التخييلية الجميلة في أنسنة البرق والذي جرى تشخيصه، فالبرق إنسان عجز أو تعثر في قيامه على الصعيد الدلالي والعدول اللغوي، بينما هو صورة حداثية مبتكرة للشاعرة من عماراتها الشعرية الجميلة.
وعلى هذا المنوال تتلاحق الصورالمترعة بالتشخيص والعدول والتجسيد وهو ما يبعد الشاعرة عن كلاسيكية العبارة الى صرح الحداثة والتحديث الشعري المميز.  
                                 وفي قصيدة: (رحيل شريان) تقول:
أنا شاطيء
تلهو على راحتيه
أحلام صغيرة
جذوة لهو...؟
يتسابق الصغار
بارتوائها
تيمناً برونق
قوس وقزح
تتلاحق الصور الشعرية هنا بإيقاع جديد ناشيء عن إيحائيتها وجمالية اللقطة العاطفية، ومن عمقها وقابليتها على الإدهاش، رغم أنها تبدو حالمة هادئة تخلو من الإسترسال والأتساع وخالية من اللهجة الحماسية.
فالضمير المتكلم /أنا/ يدل على معاناة الذات الشاعرة، ثم الإنتقال من ضمير المتكلم إلى ضمير الغائب والتناوب بين الأسماء والأفعال أعطت إيقاعاً منشرحاً للسطور، وتكرار كلمة/ لهو- تلهو/ تدل على التأكيد على توقف الزمن والشباب المتجدد والحنين واللهو والتفاؤل وكأن الذات الشاعرة قد تقمصت حمامة بيضاء حلقت في فضاءات الحياة الرحيبة فلاينالها الزمن والسنون.   
وفي الحقيقة – وكما قلنا- تعتبر قصيدة (رحيل شريان) مع قصيدة (حينما الصمت يحتضر) من أهم وأكثر قصائد الديوان شعرية ومدعاة للقراءة والتأمل. والعنوان المكون من كلمتين/الرحيل / التي تعني الهجرة والفراق الحزين ثم كلمة/ شريان/ والشريان يدل على أهميته الجسدية، وحينما يرحل الشريان من الجسد ما يعني أن شيئاً ما مهماً قد هجر الديار والأصحاب، أي أن إسقاط حالة الرحيل الشرياني هذا هو كحالة تعويضية عما تريد الشاعرة قوله، اذ استطاعت تحويل حالة بشرية من واقعها الطبيعي إلى حالة أخرى بروح أكثر إيحائية ومضامين جديدة ومقدرة على التصويروالتعبير عن الحالة البشرية.
وتستخدم الشاعرة نارين ذاكرتها التراثية كثيراً في الديوان فتقول:
رحيق الجبن واللبن
الرائقين
يفوح من خفتان
الكوجريات      65
.............
وطيف حامض حلو
ينبثق من حانوت
موساكى عطار.
وفي الحقية تجيد نارين توظيف التراث المحلي والكردي بشكل خاص في سطورها الشعرية، واستطاعت أن ترسم من ذاكرتها التراثية لوحة طبيعية معبرة لمراعي سفوح جبال كردستان الشماء وللحلابات الكوجريات اللائي يقمن بحلب الأغنام فيها، فتتبقع ألبستهن وخفاتينهن ببقع من الحليب الدسم تفوح منها عبق اللبن والجبن والحليب، إنها لقطة فوتوغرافية جمالية تراثية مثيرة لمنظر الكوجريات الكرد وهن يعملن بدأب في الحلب و فرز مشتقات الألبان وهي من صميم عملهن في المنطقة. أمامنا لقطة أخرى من العديد من اللقطات الحلمية في اللوحة الدرامية للمشهد الحياتي الكردي ترسمها الشاعرة بأحاسيسها الصادقة وشاعريتها التي أثبتت كفاءة وجدارة في إبرازها، تلك اللقطة التي توفرعلى موساكى عطار وهو منهمك يبيع ويساوم في حانوته ويروج لضاعته أمام الناس، وهناك أيضاً طاحونة ديرشوي...وبستان نادرة، وتغريد حجي، محمد والثكنة العسكرية...الخ وكلها جاءت كعين الكاميرا(الترافلينغ) ترصد لقطات تراثية تثير الذكريات والعواطف الجياشة معاً. 
لمحتك في
طاحونة دير شوي
وتستمر نارين عمر لتمتح من ذاكرتها المكانية ما هو مضمخ بعبق التراث وأصالته، من هدهدة الأرجوحة ولحظة إنكسارالتاريخ على أعتاب ثكنة عسكرية كانت طافحة يوما ما بالرجولة والشمم والإباء.
من حزن الخريف
خلتك أرجوحة
تهدهد أحلام الصغار
في بستان نادرة
تناغماً مع تغريد
حجي محمد
الثكنة كانت ترثي
وأد هيبتها
أي أن السوية الإيقاعية للقصيدة تتألف من ومضة وانطفاء اللقطة الفوتوغرافية المثيرة هنا- تغريد حجي محمد – الثكنة التي ترثي وأد هيبتها- هكذا جاءت اكتناز عبارات السطور الشعرية ما بين إضاءات خاطفة لم تلبيث أن تنطفيء، مؤلفة سيمفونية إيقاعية تتردد في الديوان قراءة بعد أخرى.
ولنارين ربما قصة مع الأفق والرحم، وهما أكثر الكلمات تكرراً في الديوان..! فكلمة الأ فق تتكررخمس مرات في قصائد الديوان مثل- لسمو الافق- والأفق الذهبي- في آفاق- الافق دقت- الأفق يزيد من- وكلمة الرحم تتكررلديها ثمان مرات مثل- رحم الشوق- مداها الرحم- والرحم يهبك- رحم حلم- حول رحم- ليس كجميع الأرحام- الرحم مزهو- الرحم المزهو- حيث تتكرر الكلمة أربع مرات في قصيدة(حكاية أنثى اسمها ليلى) لوحدها. وحسب التحليل السيكولوجي يدل الأفق على نفس أبية وطموح وشموخ، بينما الرحم هومنبع الخصب والولادة وربما المعاناة أحياناً. ويمكن القول بشكل آخر من أن العبارتين هما – بشكل عام- مبعث التفاؤل، والأمل، والخير،والرفعة، والسمو. هكذا وجدنا الشاعرة نارين عمرتمتح من مناهل الحداثة الشعرية بكثير من الشاعرية والجرأة والتصميم، واستطاعت أن تحقق الكثير ما تصبو إليه بجدارة واستحقاق وتظهر بأنها متابعة جيدة، وتزداد تجربة كلما مر يوم من عمرها الذي ظهرأنه يمضي بين عشق للحياة وربما شيء من الإنكسار أمام موجة الطموحات والآمال العريضة، لأنها كما كل نساء الشرق لم تحقق بعد طموحاتها وأحلامها في لجة هذه الحياة، وفي مجتمع ذكوري ضاغط يحفل بالكثيرمن التخلف والفساد وسطوة الرجال. وقد نلاحظ من الناحية الفنية أيضاً تغليب الجانب اللفظي على المضمون في معظم قصائد الديوان، كما استخدمت الشاعرة التراث الكردي بل العربي والإسلامي أيضاً كما في عبارة/وأد- الوتين/ ناهلة من رائحة المكان وعبق الماضي والتراث العريق. كما حفلت سطورها الشعرية بالصورالشعرية الحداثية البديعة وبالإيحاءات والعدول الدلالية المتميزة، بينما خلت هذه السطور – وكما هو حاصل لدى جميع الشعراء الكرد في سورية- من استخدام تقنية الأسطورة والقناع التي تعتبر إحدى جوانب شعرية الحداثة في الشعرالحديث والمعاصر، وهذه برزت لدى شعراء الحداثة العرب في منطقتنا مقتبسين طبعاً من الأوربيين، كشعراء مصروالعراق بشكل خاص.







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=2145