حكمتِ المحكمة / قصّة قصيرة
التاريخ: الجمعة 09 كانون الثاني 2009
الموضوع: القسم الثقافي



نارين عمر

زغاريد مدويّة قهقهت بها طلقاتٌ متدفقة في تلك الغرفةِ الموبوءة برمادِ الموت, وصرخة ثكلى
تصارعُ لكماتِ مصيرٍ ينوحُ, يطلبُ الرّأفة والرّحمة.
صمتٌ مغلوبٌ على أمره, مفزوعٌ من وباءِ الحكايةِ, ينوب عن أنفاسِ صراخٍ لم يعد صراخاً.
محكمة هزلية كالتي يعقدها الصّغارُ في ألعابهم, تلهثُ تحت ثقلِ قلمٍ يبكي بين أناملِ رجلٍ مطأطئ
الرّأسِ يخطّ ما يمليه عليه قاضٍ ينظرُ إلى ذلك الرّجل الدّاخل لتوّه إلى قاعةِ المحكمةِ,يسلّمه سلاحاً ناصعََ
البياض بعدما طهّره من دنسٍ كاد يستحيلُ إلى لعنةٍ ممهورةٍ بختمِ البقاء.


ينظرُ الرّجلُ إلى سلاحه المرتعشِ في راحتيّ القاضي نظرة الرّاني إلى شموخِ قمّةٍ, وبدأت مفرداتٌ
رشّاشة تتدافعُ من بين شفتيه  كما لو أنّه أنقذَ الإنسانية بل البشرية كلّها من غولِ الدّنَسِ والفسادِ.
 ببضعِ كلماتٍ, بشهقاتٍ طويلة الأمد, تتبعها زفراتٌ قصيرة يُصدرُ الحكمُ :
حكمتِ المحكمة ببراءةِ المتهمِ ما لم يكن محكوماً بجرمٍ آخر و..و...!!
خارجَ سياجِ القاعةِ, وبعيداً عن نطاقِ المحكمةِ تتصاعدُ  صواعقُ الشّائعاتِ  تبعاً لقائلها وسامعها وناقلها:
كنّا نعلمُ أنّها لم تكن طبيعية في تحرّكاتها وحركاتها, قالها أحدهم.
كلّ فتياتِ العائلةِ ونسائها هنّ على هذه الشّاكلةِ, قالها آخر.
صدقَ مَنْ قال: هذه الفاجرة من تلك العاهررررة....
الرّجالُ ! وما أدراك ما يقوله الرّجال, إنّهم يتسابقونَ على عدّ وحصرِ مرّاتِ مصاحبتهم لها:
كم مرّة اصطحبتها أمّها إلى الدّكتورِ لإسقاطِ جنينها الذي كان من المفروضِ أن يكون ابني أنا, يقولُ
أحدهم باعتزازٍ.
هل تعرفون لماذا تركتها؟ لأنّي علمتُ فيما بعد أنّها تصاحبُ الرّجال بالجملة, يقولُ ثالث.
والله العظيمِ عشرات المرّات رأتها عيناي اللتان تسابقانِ أحدثَ أنواع التّرصّدِ والترقبِ دقة وهي
تدخلُ إلى بيتٍ وتخرجُ من آخر, إنّ  كيدهنّ عظيم.
ليردّ رجلٌ معروفٌ بتقوقعه على ذاته وخفةِ عقله: إنّهنّ ناقصاتُ عقلٍ ودين.
لأيّامٍ متتاليةٍ تنهشُ سمومُ معركةٍ حركة ذهابِ وإيابِ بناتِ العائلة, بل وبنات المنطقة كذلك, والقائد
الأعلى للمعركة هي الأمّ التي تخشى من العقوبة التي نالتها أمّ تلك الفاجرة, ليبدأ من جديدٍ صراعُ الجنسين
الذي سيظلّ الصّراعَ الوحيدَ الذي لن يبصرَ نور النّهاية أو الهدنة.
الحمدُ لله على أنّني لا أدعُ ابنتي تتخطى عتبة الدّار إلا برفقةِ أحد إخوتها أو والدها, تقول امرأة.
الحمدُ لله على أنّه لم يجعلنا من بناتِ اليوم, أتذكرن شارات الخجلِ والحياءِ التي كانت تلفّ أجسادنا ونحن
في مثل هذا العمر ؟! تقولُ ثانية لجارتها.
ألا لعنة الله على كلّ أنثى على سطحِ الأرضِ, إنّها سبب كلّ رذائلِ ومصائبِ الكون,كلّ رموزِ العار
والهلاكِ خُلِقتْ في أحشائها, ألا ليتني كنتُ حصاة رملٍ في كوخٍ متواضعٍ ولم أكن امرأة من لحم
ودم, قالت إحداهنّ بغضبٍ.
و....و كلّ الحكاية أنّها أحبته بصدقٍ بعدما رفرفتْ فراشاتُ العشقِ فوق أزاهيرربيعها ,وفي لحظةٍ
وقعت أسيرة همساته ولمساته التي ظنّتْ أنّها تخرجُ من بين جوانح قدّيس ورع, وهبته حياتها, ثمّ حصلَ ما حصل.
في إحدى جهاتِ المنطقة الرّباعية الشّكل يتجمهرُ حشدٌ  يتدافقونَ إلى جوفِ صالةٍ, تتوسّطها حلقة دبكةٍ مستديرة  يتماوجون على صرعاتِ  مغنّ ثمل, وفي صدرِ الصّالةِ يتربّعُ ذلك الشّهم  كملكٍ خرجَ لتوّه من معركةٍ مصيريةٍ للبلادِ والعبادِ, يرشقُ فتاة ترفرفُ على جناحي حلمها الواسعِ وسعَ السّماء والأرض بما طابَ له من نظراتٍ وغمزات.
يا لحكمِ الزّمن! هذا الثعلب ينعمُ بتاج الملوك بعدما فعل فعلته, وتلك المسكينة تتقلّبُ قلباً وقالباً في قبرِ الآخرةِ
والدّنيا ألماً وفتكاً وفزعاً, قالتها صبيّة لصديقتها الجالسةِ بقربها, لتردّ عليها أمّها بسرعةِ البرقِ:
اصمتي يا بنتُ, الرّجل لايعيبه شيء, كلّ الحقّ على البنات.
ولكنّه مجرمُ يا أمّي, قتِلتْ تلك الفتاة المسكينة بسببه, فلماذا لم يُقتَل هو أيضاً؟؟!!
آه, آهٍ, كلّما تنجبُ أمّ بنتاً أبكي في سرّي عليها وعلى ابنتها لأنّ البنت لا تُخلَق إلا
لتعيشَ الوجه الأسود والمشؤوم للحياة, قالتها صديقتها الجالسة بقربها بنبرة غاضبة.
أتساءل دوماً:
لماذا يجعلُ المجتمع المرأة شرفاً للرّجل, ولا يجعلُ الرّجل شرفاً لها, و..
قبل أن تنهي الفتاة كلامها, صرخت الأمّ المرتعشة خوفاً وفزعاً وهي تنظرُ حولها بحذرٍ:
اخرسي يا بنت! وإيّاكِ أن تبثي ألفاظكِ في أذنيّ أخرى.







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=2113