تهافت الخطاب النقدي في الساحة الأدبية العربية الناقد دياب قديد، وديوان الشاعرحسين حموي (فاطمة والطيور المهاجرة) نموذجاً
التاريخ: الأحد 04 ايار 2008
الموضوع: القسم الثقافي



بقلم: خالص مسور

من سياقات ماينشر من دراسات نقدية سواء للشعر أم للقصة أوالرواية....الخ. في الدوريات والمجلات والصحف العربية المتنوعة، نراها دوماً وهي دون المستوى النقدي المطلوب، أو مما يمكن أن تعطي من تحليلات شافية وموضوعية للقاريء العربي، بل إنه نقد متهافت في غالب الأحيان أوبشكل متعمد في أحيايين أخرى، بحيث تطغى فيه العوامل الذاتية للناقد، على حساب الدراسة الجادة الرصينة والموضوعية، وبأدوات ومفاهيم نقدية مسبقة الصنع والتصميم، وبما يمكن أن نسميه بالنقد المجامل


وعلى العموم يعالج الناقد موضوعه وهو إما كاره للمؤلف وهو ما يسمى بالنقد (الهجَاء) وإما مجار له ومراعاة لصداقة تربطه به، و إعجاباً بشخصيته دون نتاجاته، وفي هذه الحالة يظهر ما يمكن أن نسميه – كما قلنا- بالنقد المجامل أو النقد (المداح) وفي كلتا الحالتين يسلط الناقد ما حفظه ببغاوياً وعن ظهر قلب، إما كلمات الإطراء والمجاملة، أو كلمات كلها قدح وذم للنتاج المنقود شعراً كان أم نثراً، فهو – والحالة هذه - نقد انزياحي مضلل وظف في غير محله المطلوب منه، ليدفع ضريبته المؤلف والمتلقي معاً، وفي هذه الحال، لاالمؤلف يعرف مستوى ما أنتجه أويدرك بواطن الخلل والجودة فيه، ولاالقاريء أوالمتلقي الجاد عرف حقيقة ما أوحت له قراءة النص في شكله ومضمونه.
فالناقد في الدوريات العربية يلجأ دوما إلى تعابير مكرورة ومقولبة، وفي الواقع لانلوم الناقد على عباراته النقدية، ولكن اللوم ينصب عليه لتدبيجه لتلك العبارات دون تمحيص أو تدقيق بل – كما قلناه آنفاً – حينما يأتي ذلك على طريقة التعميم دون التخصيص، لاسيما إذا كان المدروس هو الشعر، فنرى النغم النقدي هو ذاته من أول القصيدة إلى آخرها دون تمييزبين الشكل والمضمون أو فصل بين الغث والسمين ضمن القصيدة الواحدة، وهذا الأمر يؤدي دوماً إلى إعاقة العملية الأدبية نحو الإبداع والتطوير،لأن أدباً بدون نقد هادف وجاد لايمكن أن يحقق ما يصبو إليه من تطور وإبداع، ويتحمل القيمون على الصحف والمجلات دوراً مهماً في خنق العمليات النقدية الجادة، ممن لا يتوانون عن نشرنقودات تفتقر إلى أدنى درجات الرصانة والموضوعية، وهم يتناولون نتاجات شعراء ورواة وقصاصين قد تربطهم بهم صلة قربى أو صداقات حميمة، فيضحون بالكثير مما هو إبداعي من النقد الحقيقي الجاد والهادف، مما قد يعتبرونه إساءة لنتاجات زملائهم هؤلاء.
 وتعقيباً على ذلك أقول : كثيراً ما نسمع كلمة مبدع وإبداعي وهي تطلق على جميع الشعراء والأدباء، ممن جرى تناول نتاجاتهم بالنقد والدراسة والبحث، بحيث بتنا لم نجد شاعراً أو قاصاً أو راوياً، إلا وكان مبدعاً من جراء ذلك النقد المتهافت الذى يطغى الآن بكل ثقله على الساحة الأدبية العربية! حتى باتت كلمة /النقد/ تثير في النفس الحساسية والغثيان من كثرة إستعمالها في محلها غير المناسب. وما نعلمه هو أنه ليس كل من كتب بمبدع فالمبدعون هم قلائل – على أية حال- في أي مجال من مجالات الحياة الأدبية والعلمية أيضاً، وعلينا حين تناول النص الادبي، تجزئة النص والإشارة إلى مواضع الحسن والقبح فيه، فقد تكون خلق صورة شعرية جميلة في سطر أو موضع من القصيدة أو القصة أو الرواية هي صورة ابداعية فعلاً، بينما قد تكون في السطر الآخر من القصيدة صورة مستهجنة لايمكن اعتبارها ابداعاً. ولهذا على النقاد العرب الذين يمارسون النقد المجامل ويراعون المحسوبيات في نقوداتهم، أن يتنبهوا لهذا التجهيل النقدي المتعمد الذي يمارسونه على الساحة الأدبية العربية بصراحة ووضوح لالبس فيهما.
فعلى سبيل المثال نرى في النقد الذي أجراه الدكتور دياب قديد من الجزائر - كمثال- لديوان الشاعر، حسين حموي الموسوم بـ( فاطمة وطيور الفجر المهاجرة)، في مجلة المعرفة العدد (471 ) لسنة ( 2003 ) - ص - 219-
يقول الناقد الحقيقة في بعض المواقف، بينما لم يوف الموضوع حقه في مواقف أخرى، بل جاء نقده مع الكثير من الإنزياحية السلبية والخروج عن الموضوعية، فكان الإطراء والإعجاب سائدين في هذا النقد، أي كان ذلك نقداً تتلبسه المجاملة والمدح من أوله إلى آخره، ودون أن يشير ولو إلى سلبية أدبية واحدة في جميع جوانب دراسته للديوان المذكور، رغم وجود الكثير مما هو سلبي فيه والذي سننوه عنه فيما يأتي.  
يقول الناقد ( هناك خصوصية لهذا العمل الإبداعي.........في قصائده لاسيما حسن توظيفه للرمز بأشكاله المتعددة). فلنر أين وظف الشاعر هذا الرمز بشكله الحسن؟ وأين لم يوظفه بشكله المناسب؟.
 يقول الشاعر في ديوانه ذاك:
إنها فاطمة
تودع مرقدها، وتجيء موشحة بالصباح
تمزق ثوب الظلام                           
وتدخل في أول القافلة
لنتوقف قليلاً عند رموز النص ثم العنوان بعد ذلك (فاطمة وطيور الفجر المهاجرة) وكيف وظفهما الشاعر هنا وحول صحة كلام الناقد وما قاله بشأنه.
في الحقيقة وبغض النظر عن جمالية الصورة الشعرية لدى الشاعر في هذه السطور الشعرية وعذوبة موسيقاها، وغنى منجمه الشعري...الخ.  كما ذكره الناقد عنه، أمور قدلانختلف عليه من حيث الشكل، ولكن الإختلاف هو من حيث المضمون. إذ لاجمالية لنص شعري دون توافق الشكل والمضمون معاً.
ففي دراسته للأبيات يقول الناقد: (أن فاطمة رمز سيميائي للمرحلة العربية الأصيلة المتشبثة بأصالتها، ورموزها التاريخية، والمدافعة عن شرف أمتها.....).
ثم يقول: (والطيور رمز للبراءة والطهارة وعدم الإستسلام والخضوع لأنواع الظلم والذل....).
في الحقيقة هنا نختلف مع الناقد والشاعر معاً، ففاطمة رمز لاينسجم ومن حيث المضمون مع سياق مفاهيم التراث الديني - التاريخي - الإجتماعي للأمة العربية على الإطلاق. حيث أن فاطمة لايمكنها أن ترمز هنا إلى أي من الأمجاد العربية الكبرى التي تحققت على أيدي المرأة لا في الجاهلية ولافي الإسلام، لأن هذه الأمجاد كلها - وباستثناء معركة (ذي قار) التي كانت استثناء وليست قاعدة- قد سجلت كلها في موجات الفتوحات الإسلامية الكبرى، وبغياب الدور الرئيسي للمرأة فيها، فالإسلام هو القاعدة هنا، أي أن الرمز السيميائي لفاطمة يجب أن يشير إلى الحقبة الإسلامية تحديداً التي برزت فيها فعلاً، عدد من النساء المسلمات حاربن إلى جانب الرسول (ص) في بعض غزواته ولكنهن لم يكن قائدات يقدن الجيوش. وإذا كان قد أعطى هذه الأهمية لامرأة ترمز إلى النهوض العربي، فعندئذ نقول: أن قول الشاعر ومعه الناقد  يخالف ثوابت التراث العربي الإسلامي القائل: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) فأسطر القصيدة في هذه الحالة، قد تنكبت جادة الصواب فهي لاترمز إلى أي مما ذكرنا أو بالشكل الذي قصده الشاعر، فهناك إذاً قطيعة وعدم تطابق بين الرمز والمرموز إليه، لان الرمز - وكما نوهنا إليه - يجب أن يكون له مفهوم توافقي مع خلفيته الرمزية.
بينما نجد في مثالنا هذا حالة من التناقض وعدم التطابق بين الدال والمدلول بين الرمزوالمرموز إليه، أي جاءت الشخصية التاريخية /فاطمة/ رمزاً بدون مضمون، ووظفت في المكان الخطأ، وبدون سند مرجعي راسخ وبشكل يخالف – كما قلنا – ثوابت وقيم التراث العربي. وبذلك أرى أن الشاعر والناقد كلاهما أوقعا  نفسيهما في تناقض صريح، الأول حينما رمزإلى حراك واقعي بما هو اللاواقع، أوحالة اللاتوافق بين الرمز ومرموزه، والثاني بترسيخه هذا اللاتوافق بمجاملته للشاعر بنقده المجامل وغيرالعلمي.
فمن الناحية التاريخية نسأل: إلى أي من النساء العربيات ترمز /فاطمة/ ؟. فليس في التاريخ العربي نساء قدن التغيير والتحرير بمعزل عن دعم ومساندة الرجل العربي، رغم أن التاريخ العربي تحفل بنساء ماجدات، اشتركن في الحروب- كما قلنا- وخضن معارك حربية طاحنة، أمثال نسيبة المازنية، والشاعرة الخنساء، وخولة بنت الإزور....الخ. بالإضافة إلى أن المرأة قد تتكهن وتتنبأ وقد تقود معركة في الظرف الراهن، ولكنها لاتقود أمة بكاملها كالأمة العربية المشتتة الاوصال نحو التغيير والتحرير، لأن ذلك يناقض – وكما قلنا- المفاهيم الإجتماعية السائدة في المجتمع الإسلامي والعربي الذكوري (البطريركي) والذي لسان حاله يقول: ( وراء كل عظيم امرأة) وليس العكس، نعم، فالمرأة تنجب رجالاً وقد تشاركهم في التغيير والتحرير، أي أن هناك توزع أدوار ومشاركة بين الرجل والمرأة في النهوض بالأمة العربية في هذه المرحلة العصيبة، وستكون القيادة فيها حتماً للرجل، ليس ذلك تقليلاً من شأن المرأة أبداً، بل أنها قراءة موضوعية لواقع عربي معيش، فالمرأة ليست قادرة على إنجاز ما وضعه الشاعر على عاتقها اليوم، مثل تلك المهمة الصعبة، وفي ظل غياب الرجل العربي كما يقول السيد الناقد. قد تكون المرأة قادرة على ذلك في مجتمعات أخرى أكثر تقدماً من النواحي الإجتماعية والثقافية والإقتصادية مثلاً، لأنها تملك مواهب كالرجل تماماً، ولكن مواهبها في الغالب لازالت مكبوتة في المجتمعات الشرقية على العموم، فهي والحالة هذه لايمكنها الإستغناء عن الرجل، وقيادة أمة بدونه كالأمة العربية المثقلة بالأوزاروالهموم والتحديات – وكما قلنا - بهموم الداخل وتحديات الخارج، أمة لاتسلس للمرأة القياد نظراً للأعراف السائدة فيها، ولذا فلست أرى ما أبدعه الشاعر هنا، بل – على العكس- هناك الخلط والتناقض بين الرمز والمرموز إليه وبين الدالات ومدلولاتها بشكل واضح لالبس فيه؟ ثم أعتقد أن استحضار التاريخ العربي في صورة فاطمة، هو استبعاد غير موفق لأدوار أبطال العرب العظام، وأن طرح القضية بهذا الشكل، فيه الكثير من اللاموضوعية ومن التبسيطية والتسطيح للقضايا العربية الشائكة، وهو تجاوزلقيم الماضي والراهن العربي معاً، وحلم طوباوي محلق في فضاءات ذهنية متخيلة بعيدة عن الموضوعية والواقع الراهن.
أما الطيورفهي بطبعها جبانة ولايناسبها ما سماها الناقد مقاومة الظلم، فهي يناسبها القول بأنها تعشق الحرية مثلاً، بينما القول بأنها ترمز إلى المقاومة ومناهضة  الظلم، فهي صورة متتنافرة مع واقع الحال للطيور وجبنها، هذا رغم أننا نوافق السيد الناقد، على جمالية الصور الشعرية لدى الشاعر، وحسن توظيفه مفردات اللغة، وتنوع معجمه الشعري، وقدرته التخييلية الخصبة، ولكن مع هذا نلمس الكثير من الطوباوية والإنزياحية الخاطئة في الطرح الفكري، وقراءة المستقبل عبر فضاءات اللاواقع والأحلام الوردية، وبرؤيوية تنم عن الهروب عن الواقع العربي المأزوم، لإفراغ طاقات ورغبات نفسية مكبوتة، متطلعة إلى إنقاذ الأمة من وضع غير عادي على يدي امرأة غير عادية، تقوم من مرقدها ثم تأتي على صهوة براق وفي كفها قمر من حجر، بعدما عجز عما قامت به رجال الأمة الذين أكثروا من الكلام على التغيير ولم يغيروا في الأمر شيئاً، اللهم إلا إذا اعتبرنا ذلك تهكماً على الرجل العربي، وهذا مانستبعده في قصيدة جادة، ومن شاعر يحمل في قلبه آمالاً عراضاً، كالأمل في تحرير فلسطين والنهوض بالأمة العربية نحو صروح المجد والإزدهار، فالشاعر يلجأ هنا إلى تيار الوعي في عملية استدعاء لـ( كاريزمات) دينية- اجتماعية - تاريخية لإعطاء حالة من الزخم والمصداقية لأفكاره، ولكن - وكما رأينا - فكانت القطيعة بين الحلم والواقع كبيراً ومعالجته لأحداث مصيرية جاءت ممزوجة بكثيرمن التمني والآمال، فتمنى التغيير والتحرير القادمين على يدي امرأة، وهو ما لم يوفركل مستلزمات التغيير والتحرير هذين.
ويقول الناقد أيضاً: أن بداية الوعي يتشكل مع بدء فاطمة لرحلتها وقد تجسد ذلك في الأبيات الآتية:
مع الفجر تبدأ رحلتها فاطمة
تجيء مع الفجر، قبل النوارس
تحمل في كفها قمراً من حجر
تضيء الشواطيء تسمع ألحانها البلاد
وتعليقاً على ذلك يقول الناقد: (أن القمر الذي تحمله فاطمة رمز الوعي...... واختيار فاطمة لقيادة الرحلة كان بسبب غياب الرجل العربي الذي كان عليه أن يكون حامل المشعل، وقائد الرحلة.) وكان عليه أن يشيرهنا أيضاً إلى الحجر كرمز للإنتفاضة الفلسطينية والتي هي بدورها رمز النهوض العربي وسط ليل الغبار المتراكم، بل أشار في مكان آخر إلى الإنتفاضة فلم يوف الحجر الفلسطيني دوره المطلوب في النهضة والتحرير، ثم إذا كان الرجل العربي غائباً عن الساحة السياسية مرة فالمرأة العربية غائبة عنها مئة مرة، ولهذا نقول: أن الشاعر رسم بالقمر والحجر صورة جميلة من حيث الشكل ولكنها لاتنسجم مع مضمونها الموضوعي، فهي - والحال هذه - صورة مشوهة التركيب إلى حد بعيد. حيث نعتقد أن الشاعر انطلق من تصورات ومفاهيم إيديولوجية مسبقة الصنع والتصميم في الذهن، ووظفت الإيديولوجيا في غير مكانها المناسب، وقد نسال هنا: لماذا تأخذ المرأة زمام المبادرة من الرجل في مثل هذا الوقت العصيب من تاريخ الأمة العربية؟ وبماذا تفضله وتختلف عنه؟ وهي تحمل وحدها في كفها قمراً من حجر، دون الرجل الذي قال عنه الناقد: (كان لزاماً على الأمة العربية أن تنجب امرأة تختلف عن الرجل)، ربما كان ذلك من قبيل الإستهزاء بالرجل العربي الذي عجز عن الوقوف في وجه الصهاينة وحل مشكلة العرب الأولى ألا وهي تحرير فلسطين؟ أو عجز عن تحقيق حلم الأجيال بإقامة دولة الحلم دولة الوحدة والتقدم؟ ولكن حتى هذه فلماذا لايتضامنان - المرأة والرجل- سوياً في قذف الحجارة وترسيخ الصفصاف والشجر؟.
أما من حيث الشكل فقد أعطى الشاعر صورة حركية جميلة ومعبرة للتغيير الذي يجيء مع فاطمة بغض النظر عن هل هي كإمرأة مناسبة ومهيأة للقيادة أم لا؟ والصورة الحركية تتميز باستخدامه كلمات من مثل- الفجر– رحلة – قمراً من حجر – تضيء – تسمع ألحانها البلاد....الخ.  وباستعماله الفعل المضارع (تضيء) يكون قد عبرعن تغيير قادم ونهضة عربية قادمة، ولكن النهضة والتغيير الذي لم يفلح الشاعر في رسم معالمهما جيداً بتغيبه الرجل العربي عنهما، الذي كان عليه أن يكون مؤازراً مع المرأة ومتكاتفاً معها على الدوام يداً بيد، حيث لايجب تغيبه وإقصاءه عن فضاءات تلك العملية الثورية العويصة والمعقدة أبداً، فبدون أي منهما لايمكن حدوث أي تغيير أو انتصار، وربما أن  الشاعر أحس بالتناقض الذي وقع فيه بتكتيكاته الآنية وقيادته الوهمية للتغيير والنهضة العربية القادمة، فألمح إلى أن المهم ليس هو التغيير والإنتصار على يدي فاطمة، - وكما يقول الناقد أيضاً- ففاطمة لاتثير سوى صخباً وجلجلة، تلك المرأة التي وضع فيها أمل الأمة بالتغييرالذي أبعد عنه الرجل العربي ملحقاً به إهانة لاحد لها فيقول:
تجيء وقد لا تجيء
لأن البداية
كل البدايات تبدأ بالجلجلة
فصحوة فاطمة هنا من مرقدها ومع الفجرهي بدايات جلجلة فقط، لأن الشاعر يشك  وبشكل صريح بقدرة بطلته على التغيير والإنتصار، وتلك قراءة ضبابية للمرحلة العربية،  نظراً لإقحام الذات في النص الشعري، والحماسه الزائد الذي أبداه الشاعر نحو صحوة عربية قادمة فهو - والحالة هذه- قائد عسكري تنقصه البراعة في الإستراتيجة والتكتيك، كما أن الناقد نفسه يقع في مطب المحاباة والنقد المجامل فلايبين من ذاك الأمر شيئاً فهو يقول (..... فهي أي (فاطمة) نتاج فعل أصيل يعكس شموخ العربي وتجذره في الثبات).  ثم يقول: (....... وتقدم في سموها جوهر البطولة والفداء). فأي شموخ للعربي هنا وهو غائب عن ساحة الأحداث، وقد أسلس القياد لفاطمة، وهي تقوده في مرحلة تحتاج فيها إلى زنود الرجال أكثر من حاجتها إلى المرأة وحدها؟ فكيف حدث هذا الأمر في مجتمع ذكوري يأبى أن يعطي المرأة دوراً قيادياً كهذا، مجتمع تعاني المرأة فيه الأمرين من سطوة الرجل المسيطرعليها. وهاهو الشاعريعود إلى استدعاء سيف الرجل وزنده ويعلن الحرب كما في أبياته التالية.  
وجرد حسام أبي ذر في وجه من
سرقوا الشمس والصبح.
ثم قوله :
مهلاً رويدك لاتزيدي القهر بالدمع
الهطول 
 والشاعر يجيد هنا استدعاء رموز التاريخ العربي، وتوظيف (الكاريزما) الدينية كسند للإنطلاق نحو أهدافه، فيجرد سيف أبي ذر الثائر العربي الإسلامي في اللحظة المناسبة، ويستمد منه القوة والعزم وهي دعوة صريحة على الثورة والتمرد لسحق الغزاة والأشرار، الذين سرقوا شمس الحرية والبسمة على وجوه أطفال العرب في فلسطين وفي كل مكان من أرض العروبة المغتصبة، يفصح عن ذلك من خلال هذه الأبيات المعبرة والصورة الحركية الجميلة للرموز الدينية – التاريخية، التي تسحر مخيلة المرء، وتعيد به عجلة الزمن نحو أعماق مدارات التاريخ البعيدة فتتهيج الأحاسيس والذكريات، وتبعث في النفس المزيد من الحماسة وصور أمجاد الأمة العربية المتأصلة في القرآن وسوره، وبالبراق- والجهاد، وفي السور التي تناهض الظلم والظالمين - بحسام ابي ذر- وباستحضار المراة - ويانتفاضة الحجر، ورسوخ الشجر، الذي يظهر ثبات العربي وتجذره في أرضه وترابه، في صياغة فنية انزياحية متناسقة، وفي انتقاء كلمات وتعابير فيها الكثير من الرهافة والسلاسة وقوة التعبير، كما في السطر التالي من قول الشاعر:
-  تحمل في كفها قمراً من حجر  
ثم يعود الناقد هنا إلى المدح والإطراء ومقولة الإبداع المستمر مرة أخرى فيقول: (يستمد الشاعر قوته الإبداعية من حسن توظيفه للرموز الدينية لتقديمه دلالات ورؤى تسهم في جمالية القصيدة....) كما في قوله :
هاهي الآن قادمة
تعتلي صهوة البراق
ترتدي معطف السحاب
ويعلق الناقد على هذه الأبيات بقوله: ( البراق رمز مستوحى من مسير الرسول......). ثم يتابع القول: ( إن هذا التوظيف يعكس إصرار فاطمة على تخطي كل المشاكل للوصول إلى المسجد الأقصى لتحريره من يد الغزاة)   
بالفعل هذه الإحالة الإشارية بصيغة (الآن) جاءت مع ضمير المخاطب في السطر الأول لينتقل إلى السرد بضمير المتكلم بسلاسة لغوية جميلة، واستدرار النخوة العربية من التراث التاريخي الكامن في اللاشعورالفردي عن طريق كلمات – صهوة – البراق – السحاب – ولكن، نرى أن الشاعريقع في تناقض في قوله: ( تعتلي صهوة البراق) الأمرالذي يدل على ضبابية في توظيف الرموزالدينية، ورؤية انزياحية غير مدروسة في توظيف كاريزمات الأصالة العربية، مما ينتج عنه تشويه الخطاب النهضوي العربي في فضاءات زمن مستقبل قادم.
فالبراق عقائدياً هي دابة مخصصة لركوب الأنبياء وترمزإلى مرحلة من التاريخ العربي الإسلامي التليد، فلايمكن أن تعتلي صهوة براق الرسول (ص) امرأة وهي قادمة لتحرير المسجد الأقصى دون الرجال وهو القائل (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، فليس هناك ما يمكن أن نسميه بالإنسجام بين البراق الدابة الإلهية المخصصة للأنبياء لإنجاز المهمات الصعبة، وقد اعتلت المرأة ظهرها لإنجاز مهمة في غاية الصعوبة حيث جرى تقزيم فارسها من نبي إلى امرأة، مع أنها مكلفة بمهمة هي في غاية الدقة والحساسية.  
كما كان دمجه بين التراثين اليهودي (الوصايا العشر)  والعربي (فاطمة) غير مبرر على الإطلاق، بل ومتناقض من أساسه كما في الأبيات التالية :
وأوصت بنيها وصبيانها العشر
أن يحرقوا السفن الراسيات
قبالة شاطيء ليل الغزاة
ويمتشقوا حجر العاصفة
حيث لاأحد من العرب يعتبر الوصايا العشر التوراتية تراثاً ونبراساً له يعمل بمقتضاه وعلى هديه، ورغم احتواء القرآن على مضمون تلك الوصايا العشر لاتقتل – لاتسرق – لاتزني....الخ. ألا أنه لايشير إليها بنفس الصيغة الواردة في التوراة، وجاء بما هوأفضل منها وأوسع وأشمل، فماهو وجه العلاقة بين فاطمة التي قال عنها السيد الناقد أنها رمز لوعي المرحلة العربية، وبين الوصايا العشر التوراتية، ولماذا لم يقل الشاعر بدلاً من ذلك مثلاً:
- وأوصت بنيها المبشرين العشر 
أي من صحابة الرسول (ص) العشرالمبشرين بالجنة، وهو من التراث العربي الصرف، وفيما عدا هذه الملاحظات أقول: أن أشعارالإستاذ حسين حموي لهي جديرة بالقراءة والمتابعة، وتستحق أن ينفق القاري الكثير من وقته لمتابعتها والإستمتاع برنين أجراسها وموسيقاها العذبة، ولما فيها من حس وطني صادق ورهيف، وجمالية الصور الشعرية الآسرة، وعباراته التي تبعث في النفس النشوة وتزرع في القلوب الأمل والتفاؤل، بما هو مشرق وآت، مع البراق، والشمس والصباح، والمطر والحجر. فكأن الشاعر يجاهد على أكثر من مستوى ويعقد صداقات متينة، ويخلق حالة من التماهي بين الإنسان وأمنا الطبيعة، الطبيعة التي لايستغني عنها الإنسان ويستمد منها أدواته ونضالاته، حينما يستدرجك الشاعر ويطوف بك من ساحة إلى أخرى، يريد أن يعرف الإنسان العربي بموقعه اللائق به في وطنه وعلى ثرى أرضه. وبالإجمال فقد سحرتنا الأسطر الشعرية بالفعل بصورها الجميلة، وموسيقاها العذبة، وموضوعها الوطني، وفكرها النهضوي الجاد والرصين، مع الأخذ بعين الإعتبار المآخذ والهنات السابقة عليها.








أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=1587