ليلة العمر.. ليلة في طاعة الله.. للشباب أولاً.. سلسلة ألحان الورد في فلسفة الحب والجمال في الإسلام (17)
التاريخ: الأثنين 14 نيسان 2008
الموضوع: القسم الثقافي



الدكتور علاء الدين جنكو

لا أبالغ لو قلت : إنها أهم ليلة في حياة المحبين ، وأعتقد أيضا أنها الساعات الأكثر حرجاً في حياتهما إذ ينتقل بسبسات الحب وهسمساته من اللقاءات الروحية إلى اللقاء الجسدي.
وهذه الليلة بالذات يفكر فيها حتى من لم يصل إليها أو كان بعيداً عنها ، والسبب في ذلك يعود إلى رغبة الشخص في اكتساب نوع من التهيئة النفسية القائمة على العلم بالشيء قبل رؤيته ، حتى لا يدخل غرفة النوم وهو لا يملك أدنى مستوى من الوعي والثقافة الكافية وبالتالي يكون عاجزا عن أداء دوره في تلك الليلة.


ليلةٌ .. كثيراً ما يُسأل عنها الأساتذة من قبل تلاميذهم ، ويستفسر عنها الشباب من أصدقائهم المتزوجين والفتيات اللاتي يرغبن في الزواج من صويحباتهن اللاتي مررن بهذه الليلة ..
مجتمعاتنا الإسلامية والكردية منها ترى الحديث عن هذه الليلة نوع من الخروج عن المألوف كونه تجاوز إلى المسألة الجسدية والجنسية وهما – وبكل صراحة – خط أحمر لا يمكن تجاوزه لاعتبارات عدة منها ما يتعلق بالنظام الأخلاقي المستمد من الدين من جهة ، ومنها ما يتعلق بالعادات والتقاليد الاجتماعية من جهة أخرى.

ليلة الدخلة ...... هكذا تسمى في العرف الاجتماعي ، وبليلة العمر ..... في عرف المحبين ، وبليلة (şeva kitik kuşt) أي ليلة ضرب القط في عرف المتخلفين ومن ينظرون للمرأة أنها آلة للتسلية !! أو أنها مخلوق لا يتم التفاهم معه إلا بعد أن تنال عقابها في أول وهلة !!

على العروسين أن يكونا على دراية وعلم بكيفية التعامل مع هذه الليلة بكل جوانبها الحوارية والجنسية آخذين في الاعتبار مراعاة المشاعر ومستوى التفكير بين الجانبين في كل خطوة.
وكثيرا ما كانت هذه الليلة مسارا ومنعطفا سار عليه الزوجان الحبيبان طوال حياتهما ، فمن زوجين ارتبطا بعروة وثقى مادته الحب والاحترام والانسجام والتفاهم منذ أول ابتسامة بينهما في هذه الليلة ، إلى زوجين متوترين تربطهما علاقة باطنها هشة عكس ظاهرها تنتظر شرارة لتشعل بينهما فتنة قد تكون نهايتها فراقهما !!

ليلة في طاعة الله :
الكثير ممن يقبل على هذه الليلة يرغب في تجاوزها حسب ما يعتقده ، وهنا أهمس من خلال هذه اللحن في أذن المؤمن بالله الطائع له في كل حركاته وسكناته ، الباحث عن ثواب الآخرة ويسعى لها من خلال وضعه لِلَبِنَات حياته .
كانت لهذه الليلة في شريعة الإسلام مكان ، بصورة مهذبة ، أرشد الناس إليها ، وذلك من خلال ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعامله مع ابنته فاطمة وزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، مع مراعاة الظروف والأحوال التي تطورت .
بعد أن ذهبت إلى بيت الزوجية وعند وداع النبي صلى الله عليه وسلم لعلي قال له : يا علي انتظرني حتى آتيكما. الرسول أراد أن يكون أخر إنسان جلس مع الزوجين قبل إغلاق الباب عليهما .
دخل النبي صلى الله عليه وسلم فقال هات يدك يا علي هات يدك يا فاطمة ووضع اليدين فوق بعضهما وبدأ يدعو : (اللهم إن هذه أبنتي وأحب الناس إلى قلبي اللهم إن هذا أخي وأعز الناس إلى قلبي اللهم بارك لهما وبارك عليهما واجمع بينهما في خير).
ثم أخذ يد علي ووضعها على رأس فاطمة وطلب منه أن يردد : (اللهم إني أسألك خيرها وخير ما خلقت له) .
وقام النبي صلى الله عليه وسلم ومشى حتى باب البيت ثم التفت إلى علي ، وقال : (يا على أوصيك بفاطمة خيراً أستودعكما الله لا تنسيا أن تصليا ركعتين) .

من خلال هذا التصرف منه صلى الله عليه وسلم يظهر أهمية دور الأب الصديق والأم الصديقة والصاحب الصديق والأخ الصديق والأخت الصديقة ودورهم جميعاً يأتي قبل دخول غرفة النوم ، لا بد من فتح العلاقات والصورة التي رسمها وهذبها الإسلام وهي الاستبصار في حضن العائلة وأن يتم استرشاد العروسين بالشكل الذي يستوجبه الحياء الجميل من خلال نصائح الأهل والأصدقاء . إذن فلماذا الحرج ولماذا زج العروسين إلى عش لم يألفاه بعد من غير معرفة بأحوال هذا العش الجديد ؟!

وهنا سأسرد وصيتين لأمين واعيتين إحداها توصي ابنها والثانية توصي ابنتها لما في هاتين النصيحتين من فائدة  :
وليس عبثاً أن أبدأ بوصية الأم لابنها ، كونه الأكثر مطالبة لمراعاة زوجته ، وكي لا نرهق كاهل الزوجة بمطالب الحياة الزوجية وكأنها الوحيدة المكلفة بحماية سياج الزوجية .

تقول الأم لابنها :
اعلم بني الحبيب أنك ستأخذ هذه الفتاة من بين أهلها، من بيت نشأت فيه عشرين سنة أو أقل أو أكثر، من بين والديها الحبيبين، وإخوتها، وشقيقات روحها، فهذه أول صدمة تصدم بها الفتاة حيث تنتزع من بينهم إلى رجل لم تُخلق بطباعه، ولم يُخلق بطباعها فأول ما تبادر به ألا تحرمها من أهلها، فأشعرها بالأمان فمتى رغبت في زيارة أهلها فلا تمنعها ، وضع في بالك أمرًا غفل عنه كثير من الرجال وهو وصية الحبيب صلى الله عليه وسلم لكم خاصة '' اتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم'' رواه مسلم في صحيحه.
فالزوج المؤمن يرى أنه مجازى بالإحسان، مأخوذ بالإجرام. فلا يحيا لطبائع الأثرة والاستعلاء.

اعلم يا بني أن الزوجة ليست أمة وأنت السيد، بل أنتما شريكان ستديران المركب بمجدافين، عليك مسؤوليات، وعليها مسؤوليات، فرحم الله زوجًا سهلاً رفيقًا لينًا رؤوفًا.
انتبه عزيزي  من لحظات الغضب، فإنه يمهد النفس لقبول شتى الوساوس، ومتى صحا الغضوب من نزوته راح يندم إلى ما فرط منه.. فلا تدع النزاع يستفحل ولا تدع الحرب تنشب.
واحذر من إسقاط الإهانات فتكون كوخز الإبر، ولا ترسل الكلام على عواهنه فتقذف بألفاظ جارحة تظل تبعاتها على مر السنين، فالمرأة يا بني لا تنسى أبدًا، وستظل جروح كلماتك تنزف في قلبها على مر الأيام والسنين، مهما أحسنت معاملتها، فلا تدع لسانك حبلاً مرخيًا في يد الشيطان، عود لسانك على الجميل من القول فإن ثماره حلوة يانعة، والكلمة الطيبة غذاء الروح
ليكن قدوتك الحبيب عليه الصلاة والسلام فما انتقم لنفسه قط، بل كان يعالج الأخطاء بالرفق.

فلا تستخفنك التوافه، واحتفظ برجاحة فكرك، وابن حياتك على فضيلة الصبر، فإن أساسه متين.. فالعشرة والمودة والإغضاء عن الهفوات خصال تعتمد على الصبر الجميل، فالمؤمن يطلب المعاذير، والمنافق يطلب الزلات، كن من المحسنين الذين قال الله فيهم :
((وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) آل عمران:134.
عليك أن تدرك أن المرأة تحتاج إلى الاحترام والتقدير أشد من حاجتها إلى العطف والحنان، فالطابع على أغلب الرجال تملكه الأنفة والشموخ أمام أهله بعد الزواج، فيظهر لأهله أنه البطل المغوار الذي قطع رأس الثعلب ليلة الزفاف، فربما تنازل عن نبل خصاله وخاصة أمام أهله : هات، أحضر، افعل، وقد يتعرض لها بألفاظ محرجة، ونقد قاس.

اعلم يا قرة العين أن احترامك لها أمام أهلك سيجعلها تعطيك أضعافًا من الاحترام، وهذا ما يتمناه الرجل، فإن أشد ما يؤلم المرأة تعنيفها أو لومها أمام الآخرين، فالمرأة فياضة الحنان والعاطفة، فإذا وجدت منك احترامًا وجدت عندها السلوى والراحة والمتاع، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: '' الدنيا متع وخير متاعها المرأة الصالحة'' [رواه مسلم]، ومتى جفوت عليها فستجفو عليك ربما ليس في الظاهر، بل تغور في جذور قلبها فتخفيها رغبة منها في استمرار حياتها، فقدم لتستمع بهذا المتاع.
هناك أمر مهم: لا تدع حياتك معها عسكرية تحتوي على الأوامر والنواهي، فإن استطعت أن تتناول كأس الماء بنفسك فافعل، فإنك كنت في الغالب تأخذ بنفسك في بيت والدتك، وكنت أحيانًا ربما صنعت طعامك بنفسك، بل وخطر على بالك مرة أن تصنع عصيرًا مكونًا من الحليب والموز، فلماذا الآن تتحكم في كل صغيرة وكبيرة، ما الذي يمنعك من مساعدتها في تحضير سفرة الطعام، فلست أنت خير من الحبيب صلى الله عليه وسلم الذي كان في خدمة أهله حتى تحضر الصلاة.. تقول عائشة رضي الله عنها: '' كان بشرًا من البشر: يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه'' [رواه البخاري في الأدب.

تمر على المرأة أمور بعد زواجها عسيرة كالحمل مثلاً، تتغير فيها نفسيتها، فجهز نفسك لهذا الأمر وحاول أن ترفع درجة العناية بها، فالله تعالى يقول : ((حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ)) / لقمان: 14.
وعجبا من قول الرجال : إنها دلع وميوعة ...

ليكن لديك رحمة تجعلك ترق لآلامها، فإنه يمر عليها أمور من الوحم والثقل والخوف، مما يجعلها ربما تقصر تجاهك، أو تجاه منزلها، فلا تكلفها من الأمر شططًا، التمس لها العفو والحرمة والمعونة، فهي تحتاج إلى من يبعث الطمأنينة في نفسها وأنت أقرب الناس إليها..

لا تكرر عليها الكلمات المألوفة التي لا تغير من الأمر شيئًا : أمي كانت ...  وجدتي كانت ..... أم جدتي كانت..... كل جيل يا عزيزي يختلف عن الجيل الذي يليه، فأنت لست كأبيك، ولا مثل جدك.. ها أنت أحيانًا تشكو من مفاصلك لكثرة تناولك للبيبسي مثلاً !!

إذا كانت يا حبيبي ممن يفضلون تناول الإفطار في الصباح، فلا داعي لأن توقظ زوجتك على جميع الأحوال، تنازل عند تعبها أو سهرها مع طفلها، فها أنت الآن تحب كثيرًا تناول فطورك في [الكافتيريات]. إذا جاءت طبخة الطعام على غير مزاجك فالتزم الصمت، فأنت لا تعلم يا بني كم نبذل من المجهود لإعداد الطعام وتزيينه لكم معشر الرجال، ليكن لديك مصفاة تحجز الأكدار وتخفي العيوب فإذا اليابس يخضر، والكدر يصفو
حاول أن تمتدحها غالبًا فلا تكون الحياة مملة وعلى وتيرة واحدة، تحسس مواضع الجمال فيها فمثلاً: ابتسامتك جميلة، هذا الإكسسوار رائع، ما تكلفة ذلك؟
إنك بهذا سترفع ثقتها بنفسها وستجعلها دائمًا تهتم بزينتها ولباسها وخاصة لك.

لا تفكر في السفر وحدك دون اصطحاب زوجتك إلا إذا كانت هناك ضرورة قصوى، واحذر من أن تثير غيرتها بذكر محاسن امرأة أخرى ولو كانت أختك.

ثم هناك عقدة كبيرة تعانيها غالبية النساء، وهي أن الرجل بعد زواجه بشهر أو شهرين يبدأ بتهديد زوجته بالزوجة الثانية، ولو على سبيل المزاح، فيجعله كابوسًا يؤرق حياة المرأة، وهناك مثل يقول: ''ذبابة لا تقتل ولكنها تكدر النفس''، وربما جعله سيفًا يشهره على زوجته كلما حصل بينهما سوء تفاهم، فاعلم أيها الغالي أن الله عنده كل شيء بمقدار، فأرديك أن تكون مثاليًا بين الرجال، فامح هذا التهديد من قاموس حياتك الزوجية ولا تتطرق له أبدًا.

هناك صفة دنيئة موجودة في بعض الرجال وهي التنقيص من شأن أهلها، فدائمًا يحقر من شأن أبيها أو أخيها فيسلط عليهما موجة عاتية من التفاهة والتسطيح. احترم شعورها لتحترم شعورك بالمقابل.

وإني أرى فيك نضوج العقل، وبك ذكاء، فضلاً من الله ونعمة، ولا أظنه إلا سيتحول إلى وسيلة جيدة لتحقيق أغراض السعادة بإذن الله. فنحن قد نحسن أو نسيء في استخدام المفاتيح التي يسرت لنا.

ما أجمل أن تكون زوجتك صديقتك تسد خللها وتستر زللها وتتجاوز عن هفواتها! فهي صديقة العمر التي تخالطك في السراء والضراء وسط زحام الحياة وتطاحن الأزمات، فلا شيء يخفف أثقال الحياة عن كاهل الزوجين كمثل أحدهما للآخر.

عوِّدها في الغالب على أن تنجز ما وعدتها به، فضعف الذاكرة، وضعف العزيمة عائقان كثيفان عن الوفاء بالواجب، ولا تقارن نفسك بالنماذج المنتشرة بين الرجال، ولتتطلع نفسك إلى المثل العليا، والنماذج المتميزة.

فالأخلاق الزكية إنما تنبجس من قلب مؤمن يعرف الله ويتهيأ للقائه، ويرجو وعده، ويخشى وعيده والشمائل الرقيقة طريق الفلاح في الدنيا والآخرة.

يقول مريد الخبر ''أصبحت أحب الخير وأهله ومن يعمل به فإن عملت به أيقنت ثوابه، وإن فاتني منه شيء حننت إليه''.

لتعلم يا بني أن بر والديك واجب عليك، فلا تكلف زوجتك به، ولتكن منصفًا تعطي كل ذي حق حقه، لا تدع الخيط مشدودًا بين زوجتك ووالدتك فتنقل عن هذه أو تنقل إلى هذه، فلو دققت النظر في كثير من المشكلات لرأيت التطاحن المر بين الزوجة ووالدة الزوج، والذي يعود سببه إلى عدم حسن إدارة الزوج.. فكن شديد الحذر من عواقب الفرقة والاعتزال.

ونهاية المطاف يا بني :
أكثر من شكر الله فلقد وهبك زوجة حيية، عفيفة، ملتزمة ناضجة فهي جوهرة مكنونة يندر وجودها في هذا الزمان والله تعالى يقول: ((لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ)) / إبراهيم/7  وكن من القليل الذين قال الله فيهم: ((وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)) / سبأ/13.

بهذه السطور وهذه الكلمات فتحت الأم قلبها لابنها ، تضع دستورا لحياته الزوجية ، ولعل هذه العبارات في ليلة الزفاف لها أصداؤها في ذاكرة الابن يرددها كلما وقعت عينه على زوجته الحبيبة

أما وصية الأم لابنتها فسأتابعها معكم في اللحن القادم ...
فلتنتظرني أخواتي .... وبناتي ...







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=1519